حركة الإبداع الحر في مصر والعالم
هل يمكننا تصوُّر أن الشمس لن تطلع غدًا؟
وإذا لم تطلع ماذا نفعل؟
يؤمن أغلب الناس أن الشمس ستُشرق غدًا وإلى الأبد، لكن الحقيقة العلمية تقول إن الشمس كائن حي له عُمر مثل الإنسان والحيوان.
أطرح هذا السؤال لتحفيز العقل على التخيُّل والإبداع، ونزع غشاوة الطمأنينة عن نفوسنا، وتدريب عقولنا على الشك في الأشياء التي نظن أنها ثابتة إلى الأبد، الشك ضروري للتفكير المبدع، لا إبداع دون حرية الشك، العقل الناقد الشجاع أساس الإبداع في العلم والفن وأي مجال.
الحياة مُتغيِّرة، ينقلب الفرح حزنًا دون أن نتوقَّع، تُفاجئنا الأحداث فيُصيبُنا الفزع، لا نتوقَّع الكذب أو الخيانة مثلًا، نشعر بخيبة الأمل في الحياة والناس، نتصور أننا خُدِعنا، والحقيقة أننا لم نُخدَع، بل كُنَّا جُهلاء بتغيُّرات الحياة والناس، لم نتعلَّم الشك فيما يبدو ثابتًا أو التنبؤ بما سيأتي غدًا، بل العكس نحن نُربَّى على اليقين الثابت، وعدم التنبؤ بالمستقبل، المستقبل هو الغيب، عِلمه عند الله.
يمنحنا اليقين راحة نفسية مؤقَّتة وكسلًا عقليًّا دائمًا، اليقين يُجمِّد العقل عند حقائق ثابتة في كل مجالات العلم والفن.
الشمس ستُشرق غدًا بغير شك، هذا اليقين يمنحنا قوة نفسية ندافع بها عن أنفسنا ضد التغيُّرات، لكن هذا اليقين «سجن» يعتقل عقولنا داخل حدود المألوف القديم.
كل ما لا نتوقَّعه مُفزِع، لا نرى الأبعاد المتعدِّدة للحاضر والمستقبل والحياة والناس، ندافع بالرُّوح والدم عن نظرتنا الأُحادية ضد الأبعاد الأخرى للحقيقة.
نتصور أننا امتلكناها، نُصبح سُجناءَها «الحقيقة»، نغرق في الغرور والجهل وتضخُّم الذات، مع تزايُد التخصُّص والسلطة والثروة.
ينفصل طبيب الكبد (مثلًا) عن الحياة، بسبب التخصُّص وأُحادية الرؤية يرى الكبد منفصلًا عن الأعضاء الأخرى، والجسد منفصلًا عن النفس، والفرد منفصلًا عن المجتمع، والوطن منفصلًا عن العالم.
يعجز العلماء والسياسيون والخبراء عن حل المشكلات الكبرى محليًّا وعالميًّا، بسبب أُحادية الرؤية، والتخصُّص القائم على الفصل بين الأشياء.
في الجامعات المبدعة أصبح طلبة الطب يدرسون الموسيقى والأدب والفلسفة والسياسة، مع التشريح وعلم النفس والبيولوجيا، ويدرس طلبة الفنون علوم التشريح والفيزياء والكيمياء إلى جانب الأدب والفن والموسيقى.
لا يفصل الإنسان الطبيعي بين نصفه الأعلى ونصفه الأسفل، أو بين جسده ونفسه ورُوحه وعقله وعمله ومشاعره، هذا الفصل التعسُّفي مفروض بالتعليم والفِكر السائد في بلادنا والعالم.
نعيش في عالم واحد، مشدود أكثر نحو القهر السياسي الديني، قائم على العنف والتفرقة بين البشر على أساس الجنس والجنسية والطبقة والدين والعرق وغيرها، يُرسِّخ نظامه التعليمي هذه التفرقة في العقول والنفوس، يعلب الفكر الأُحادي دورًا في التجهيل وتجزئة المعرفة، يفرض الطاعة والتقليد واليقين بدلًا من الإبداع والتمرُّد وحرية الشك.
تقوم الحياة الواقعية على الشك والاحتمالات المتعددة والاختيارات المتنوعة، يرتكز الفكر الإبداعي على النقد والحدس والتخيُّل والتنبؤ، نفاجأ كل يوم بغير المتوقَّع، نجرب كل يوم أشياء جديدة، نكتسب عبر التجارب آفاقًا أوسع في السلوك والتفكير.
تحتاج بلادنا لحركة جديدة للإبداع الحر، تربط بين العلم والفن والفرد والمجتمع والوطن والعالم، لم يعُد هناك فاصل بين المحلي والعالمي.
بدأنا ثورة مصرية انتقلت إلى الغرب والشرق، فلماذا لا نُبادر بحركة إبداعية جديدة في مصر والعالم، تواكب الثورات السياسية، التي عجزت عن تغيير الفكر القديم، أو بناء فكر جديد قائم على الحرية والعدالة والكرامة؟