هل ترى العين نفسها؟
تصاعُد قوى التيارات الدينية السياسية ظاهرة «عالمية» تشمل جميع الأديان اليهودية والمسيحية والإسلامية، وغيرها، أطلق عليها الأكاديميون اسم التيارات «الأصولية الدينية» أو الراديكالية (الجذرية)، وهي تسمية غير علمية وغير صحيحة، مشكلة هذه التيارات ليست في عودتها إلى الأصول أو الجذور، بل مشكلتها هي جمودها الفكري، وتشبُّثها بحَرفية النصوص الواردة في التوراة أو الإنجيل أو القرآن.
في الولايات المتحدة الأمريكية استمر تصاعُد القُوى المسيحية اليهودية منذ عهد رونالد ريجان حتى أوباما، وسيطرت على السياسة والاقتصاد والإعلام والتعليم، لحماية مصالح الرأسمالية الاستعمارية الحاكمة.
في بلادنا استمر تصاعُد التيارات الإسلامية السياسية (منذ عهد السادات وريجان)، وسيطرت على السياسة والاقتصاد والإعلام والتعليم، لحماية مصالح القِلَّة الرأسمالية الحاكمة، التابعة للاستعمار الأمريكي الإسرائيلي.
تتشابه هذه التيارات الدينية السياسية رغم اختلاف الأديان في سعيها للسلطة والمال، وازدواجيتها الأخلاقية، وجمودها الفكري، وتمسُّكها بحَرفية النصوص الدينية من نوع: المسيح سيعود جسديًّا حسب سِفر الرؤيا «يوحنا»، أو النساء ورثن الخطيئة عن أمهن حواء الآثمة، أو أن الله وعد بني إسرائيل بأرض كنعان حسب الآية في التوراة، ويُروِّجون لما يسمُّونه «الهوية الأصلية»، القومية الإسرائيلية، والقومية الأمريكية مع الكتاب المقدس.
في بلادنا استمر تصاعد التيارات الإسلامية السياسية منذ عهد السادات ومبارك حتى اليوم، رغم قيام الثورة، تتمسَّك هذه التيارات بحَرفية النصوص في القرآن، وتفسيرها حسب مصالح حزبهم الديني، وأغلبهم من الضالعين في السوق الرأسمالية والنفطية، تربوا (مثل التيارات الأخرى المسيحية واليهودية) على احتقار بنات حواء، وكراهية الأجانب من قوميات وأديان أخرى.
هناك الكثير من الأفكار الواردة في كل الأديان التي تسقط مع التقدُّم الإنساني، مثل «الرِّق»، الذي ورد في أغلب الكتب الدينية، منها التوراة والإنجيل والقرآن، لكن تم تحريم الرِّق في كل البلاد بالقوانين العالمية المدنيَّة.
ويتبادل معتنقو المذاهب والأديان كراهية الآخر، يرى التيار المسيحي اليهودي نفسه متحضرًا ديمقراطيًّا، ويتهم التيار الإسلامي أنه مُتطرِّف متحجِّر يُعادي العلم والتحضُّر والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق النساء.
ويرى التيار الإسلامي نفسه ثوريًّا أخلاقيًّا يحمي الفضيلة، أما الغرب فهو عدو الإسلام مُنحل الأخلاق، يقوم على تعرية النساء والشذوذ الجنسي. إنها الرؤية الأُحادية التي ترفع «الأنا» إلى السماء، وتهبط بالآخرين إلى الحضيض.
تتشابه أقوال هذه التيارات الدينية السياسية في كل بلاد العالم، كلٌّ ينظر إلى نفسه باعتباره القابض على كلمة الله، العين لا ترى نفسها هذه بَدَهيَّة، فهل تستمر هذه التيارات الدينية السياسية في عدم إدراكها؟