مغامرة داخل المقرِّ السري!
كان الشياطين يتوافدون الواحدَ بعد الآخر إلى القاعة الصغرى، حيث يقضون بعض الوقت، قبل الذهاب إلى النوم. كان قد وصل ثلاثة منهم أولًا، هم «إلهام» و«ريما» و«عثمان». أخذوا مكانًا في صدر القاعة، في انتظار الباقين، ثم دخل «باسم»، وخلفه «خالد». مرَّت لحظات، قبل أن يظهر «بو عمير»، ثم «قيس». بعد قليل دخل «رشيد» و«فهد»، ثم «زبيدة» و«هدى». دقت الساعة التاسعة، وكان هذا يعني، أن هناك ساعةً، قبل أن ينصرفوا إلى فراشهم.
همست «زبيدة»: لقد تأخر «أحمد» و«مصباح»! فجأة أظلمت القاعة، ودوَّى صوت كالرعد. فأسرع «خالد» بإضاءة بطارية صغيرة، وهمس: هذه سابقة خطيرة … إن ذلك لم يحدث من قبل!
تردد صوت طائرات تقترب، والتقت أعين الشياطين وسط الإضاءة الشاحبة التي يحققها ضوء البطارية الصغيرة. أسرع «بو عمير» إلى التليفون القريب، ورفع السماعة غير أن الدهشة ملأت وجهه، وقال: لا توجد حرارة!
قال «عثمان»: هل حدث شيء؟
في لحظة كان الشياطين قد قفزوا إلى باب القاعة في طريقهم إلى الخارج، وفي لمح البصر، كانوا قد تفرقوا ثم عادوا وتجمعوا مرةً أخرى. وقد حمل كلٌّ منهم بطارية ترسل ضوءًا ممدودًا. جرت اتصالات سريعة برقم «صفر»، إلا أنه لم يأتِ رد منه. كان يبدو أن أجهزة الإرسال نفسها لا تعمل، أرسل «خالد» رسالة إلى «أحمد» في حجرته، إلا أنه لم يكن هناك رد أيضًا.
انتشر الشياطين بسرعة، فقد وضح أن المقر السري، قد تعرض لهجوم خارجي.
قال «بو عمير»: فلنتجه إلى حجرة التحكم؛ حتى لا يستطيع أحد الدخول.
أسرع «عثمان» و«رشيد» و«باسم» إلى حجرة التحكم، التي تقع أسفل الممر. كان البابُ المؤدي إليها مغلقًا. وقف الثلاثة تملؤهم الدهشة والحيرة، ماذا يمكن أن يفعلوا الآن؟! يبدو أن المقرَّ قد هُوجم، وأن المهاجمين قد سيطروا على كل شيء، حتى حجرة التحكم، والتي عزلوها عن بقية المقر.
قال «عثمان»: المقر السري.
أسرع الثلاثة إلى الممر السري، الذي يدور حول المقر، ويؤدي إلى خارجه، لكن البوابة الحديدية التي تؤدي إلى الممر مغلقة هي الأخرى. حاول «رشيد» أن يعالجها بأي طريقة يعرفها الشياطين، لكن ذلك لم يؤدِّ إلى نتيجة. عادوا مسرعين إلى بقية الشياطين، إلا أنهم لم يجدوا أحدًا، كان المقر السري لا يزال غارقًا في الظلام، في نفس الوقت الذي كانت تترددُ فيه أصواتُ طائرات تقترب، وتبتعد. ثم فجأةً دوَّى صوتُ انفجار رهيب، جعل الثلاثةَ يلتصقون بالجدران …
قال «عثمان»: إننا أمام لغز رهيب.
لم ينطق أحد من الاثنين، لكن فجأةً ظهرت «إلهام» و«زبيدة». كانتا تتقدمان في هدوء.
سأل «رشيد»: هل اكتشفتما شيئًا؟
ردت «إلهام»: لا شيء!
قال «باسم»: وأين الباقون؟
ردت «زبيدة»: لقد تفرَّقنا في أرجاء المقرِّ، فربما اكتشفنا شيئًا.
كان «أحمد» و«مصباح» ما زالا غائبين. قالت «إلهام»: لا يوجد أي اتصال بيننا وبين خارجِ المقرِّ، في أيِّ مكان من العالم. لقد حاول «قيس» الاتصال بأحد عملاء رقم «صفر»، لكن أحدًا لا يجيب، وكأن العالم كله قد أُصيب بما أصيب به المقرُّ السري.
فجأة … شعر «عثمان» بدفء جهاز الاستقبال الذي يحمله، فظهرت علاماتُ دهشة على وجهه، وهمس: هناك رسالة ما!
بدأ يتلقى الرسالة، وكانت من خارج المقرِّ. كانت رسالة شفرية، لكنه كان يحلُّ شفرتها في نفس لحظة استقبالها.
قالت الرسالة: «لقد فتحنا بابَ الطوارئ … نحن نتحدث إليكم من خارج المقرِّ، لا شيء غير عادي في الخارج! اطمئنوا؛ لا شيء غير عادي في الخارج!» كانت الرسالة من «بو عمير».
ردَّ «عثمان»: «نحن في الطريق إليكم!»
وعندما بدأ ينقل الرسالة إلى بقية الشياطين، كان الضوء قد عاد يغمر المقرَّ من جديد، أغمض الشياطين أعينهم لهذا الضوء المفاجئ، ثم بدءوا يتبيَّنون الأشياء. وقبل أن تمضي لحظات، كان «أحمد» و«مصباح» قد ظهرا في نهاية الممر الطويلِ. كانا يبدوان عاديين تمامًا، وكأنهما لم يشعرا بما حدث. وعندما اقتربا من الشياطين، قال «أحمد» بصوت هادئ: لقد كانت تجربة طيبة، أثبت الشياطين فيها أنهم قادرون على التصرُّف.
نظر له الشياطين لحظات، ثم انفجروا في الضحك.
ضحك «مصباح» وهو يقول: لعلكم تصورتم أنه هجوم خارجي على المقرِّ!
وعندما بدأ «عثمان» يتحدث، كانت إشارة ضوئية قد ترددت عدة مرات، عرف الشياطين منها أنهم مدعوون إلى اجتماع سريع. أخذوا طريقهم إلى قاعة الاجتماعات، وكان بقية الشياطين قد وصلوا إلى هناك … كان الباقون قد عرفوا أنها تجربة، أجراها رقم «صفر»، حتى يعرف كيف يمكن أن يتصرف الشياطين. كانت قاعة الاجتماعات هادئة هدوءها المعتاد، الأضواء الخافتة، الخريطة الإليكترونية، لم يظهر عليها شيء بعد، روائح عطرية رقيقة تملأ المكان … كان الشياطين يفكرون في التجربة؛ إلا «أحمد» و«مصباح» اللذين كانا يراقبان بقيةَ المجموعة التي كانت شاردة فعلًا.
فجأة، جاء صوت رقم «صفر» هادئًا يقول: سوف أكون عندكم بعدُ … لكن جملته لم تكتمل. فقد انقطعت فجأةً، في نفس اللحظة التي فتحت فيها أبوابُ القاعة، وظهر عدد من الرجالِ الملثمين، لم يكن يظهر منهم سوى أعين حادَّة النظر. تقدمهم زعيمهم، وأشار إلى «أحمد» بإصبعه أن يقتربَ، نظر له «أحمد» في دهشة لمدة لحظة، ثم غادر كرسيه، وأخذ طريقه إليه. كان «أحمد» يفكر: هل تحققت التجربة، وتعرض المقرُّ لهجوم حقيقي؟! … وهل كلماتُ رقم «صفر» التي لم تكتمل، تعني أن الهجوم قد بدأ أولًا على رقم «صفر»؟! وهل يمكن أن يتعرض رقم «صفر» نفسه للهجوم؟!
كان يمشي بخطوات بطيئة … ليعطي نفسه فرصة التفكيرِ … إلا أن زعيمَ الجماعة صرخ فيه: أسرع!
غير أن «أحمد» لم تهزه الصرخة، فقد ظلَّ يتقدم بخطوات بطيئة … كان يفكر في نفس الوقت: هل هي تجربة جديدة، يريد رقم «صفر» أن يكمل بها التجربة السابقة؟ وهل يتصرف على أساس أنها تجربة، أو أنها هجوم حقيقي؟
كان قد اقترب فعلًا من الزعيم الملثَّم. وعندما كان يخطو خطواته الأخيرة، ليقف أمامه مباشرة، ضربه الزعيم يمينًا مستقيمة مفاجئة، جعلته يفقد توازنه؛ فلم يكن قد استعدَّ لهذه المفاجأة … لكنه استطاع بسرعة أن يسيطرَ على نفسه، وإن كان قد تراجع كثيرًا بتأثير الضربة القوية؛ فقد شعر أن الضربةَ لرجل محترف، وأنها ليست ضربةَ فرد عادي. كانت المسافةُ كافية ليفكر من جديد. ألقى نظرة سريعة على الشياطين، الذين كانوا يراقبون ما يحدث. لم تكن هناك فرصة لأي تصرف؛ فقد كان زملاء الزعيم يقفون في القاعة، بتشكيل يسيطر على كل الأمكنة، ولا يعطي فرصةً لأحد أن يتحرك؛ إلا أن ذلك لم يمنع «عثمان» من أن يفكر في حركة يعطي بها فرصة لبقية الشياطين حتى يتحركوا.
وقف «عثمان» في تثاقل، وهو يقول: هذه ليست تقاليدَ الصراع.
إلا أن أحدهم كان أسرعَ منه في الإجابة على سؤاله؛ فقد قفز إليه كالبرق في حركة طائرة، ليضربه ضربة قوية بمشط قدمه، وكان ذلك كفيلًا بأن يجعل الشياطين يتصرفون.
ففي خلالِ دقيقة واحدة، كانت قد بدأت معركة رهيبة بين الرجالِ الملثمين والشياطين … غير أنه كان واضحًا أن الشياطين يمكن أن يتعرضوا لهزيمة ساحقة. وهذا ما دفع «زبيدة» لأن تتصرف بسرعة؛ فقد انسحبت من وسط المعركة، وألقت بنفسها إثر ضربة قوية تلقتها من أحدهم، فنامت على الأرضِ، وزحفت بسرعة بين الكراسي ثم أطلقت قنبلةَ دخان … انتشر أثَرها بسرعة. وفي ثوان كانت القاعةُ قد اختفت بتأثير الدخان الأسود. في نفس الوقت، تباطأ صوتُ الاشتباكات حتى انقطع.
كان الشياطين متفرقين في القاعة، غير أنهم لم يظلُّوا في أماكنهم. فقد زحفوا بسرعة إلى الأبواب المفتوحة وخرجوا منها، في انتظار ظهور الرجال الملثَّمين. كانوا قد قسَّموا أنفسهم إلى جماعات، وقفت كلُّ جماعة عند أحد الأبواب … لم تكن الإصاباتُ شديدةً، كانت مجرد كدمات … كانت القاعةُ لا تزال تختفي تفاصيلها تحت الدخان الكثيف، لكن فجأةً، انسحب الدخان، وظهرت القاعة بنفس إضاءتها الهادئة، وكأنه لم يحدث شيء …
تقدم «أحمد» في هدوء، ألقى نظرة سريعة على القاعة. ورغم أن الدهشةَ ملأت وجهه في البدايةِ، إلا أنه شعر بالرغبةِ في الضحكِ. لقد كانت القاعة خاليةً تمامًا من الرجالِ. وفهم بسرعة أن رقم «صفر» كان يكمل التجربة. نظر إلى الشياطين الذين كانوا ينتظرون أيَّ إشارة وابتسم، فنظروا له في دهشة، فهم لم يفهموا بسرعة معنَى ابتسامته … لكن همس: هيا إلى الاجتماعِ!
في هذه اللحظة، فهم الشياطين أن ما حدث كان تكملة للتجربة الأولى فقط؛ لذا أخذوا طريقهم إلى القاعة. وعندما جلسوا في مقاعدهم … جاءهم صوتُ رقم «صفر» مرةً أخرى: لعلكم تدهشون لهذه التجربة، فهذه أولُ مرة تتعرضون لمثلها، لكن كان من الضروريِّ أن تقابلوها، فنحن أمام مغامرة جديدة مذهلة. ربما تكون هذه التجربة شيئًا بسيطًا جدًّا يسيرًا بالنسبةِ لها … لأننا أمام عصابة يمكن أن نسميها العصابة العلمية … فهي تعمل بتفكير علمي بحت، وهي تنفق الملايين من أجل تحقيق هدفها. إنها تفعل ذلك في هدوء، بدون لفت نظر أحد، لكن عميلنا في نيويورك، استطاع أن يصل إلى معلومات خطيرة عن طريق أحد أصدقائه، الذي لا يعرف أنه يعمل معنا …
صمت رقم «صفر»، ونظر الشياطين إلى بعضهم. إن ما يقوله رقم «صفر» غامض تمامًا، ولا يعطي أي معلومات عن العصابة الجديدة، ولا عن نوع المغامرة، لكن أحدًا منهم لم ينطق بكلمة. لقد تعلقت أعينهم بمصدر الصوتِ، وركزوا انتباههم لما سيقوله الزعيم. جاء صوت رقم «صفر» بعد قليل: إن العصابة العلمية تعمل على تصنيع نماذجَ إنسانية آلية، حادَّةِ الذكاءِ. وهذه مسألة مذهلة، وإن كانت ليست غريبةً، فالعلم قد حقق في السنوات الماضية، خطوات رائعةً!
صمت قليلًا ثم أضاف: إن العالِمَ الدكتور «بالم» كان يجري تجربةً حول تصنيع هذه النماذج الإنسانية الآلية المتقدمة في الشكل والذكاء … حتى يتصور من يراها لأولِ وهلة أنها إنسانٌ حقيقيٌّ. غير أن الدكتور «بالم»، كان يحتاج إلى تكاليفَ عالية، ومعمل خاص … ثم توقف رقم «صفر» عن الكلام.
في نفس الوقت الذي كان فيه الشياطين يتابعون ما يقوله باهتمام، فقد كان ما يسمعونه شيئًا جديدًا. لكن أفكارهم لم تستمرَّ؛ فقد قطعها صوت رقم «صفر» قائلًا: إنني أرى الدهشة مرسومةً على وجوهكم، وهي مسألة مدهشة فعلًا … لكنني أذكِّركم بتجربة طفل الأنابيب التي حققت نجاحًا كبيرًا، وأجرتها عدة دول أيضًا … إن تجربة الدكتور «بالم» تجربة جديدة، تشكل انقلابًا خطيرًا في عالم التكنولوجيا. ثم صمت مرة أخرى، وأضاف: لقد تسربت هذه المعلوماتُ إلى العصابة التي رأت أنها يمكن أن تستفيد من التجربة. فهي إذا حققت صناعةَ عدد من هؤلاء الآليين الحادِّي الذكاء، فإنها يمكن أن تحقق ما تريد. إنها تستطيع عن طريقهم أن تتحكَّمَ في العالم كله، من هنا، كان اهتمامهم بالدكتور «بالم»، لقد أقامت له مدينةً صغيرةً بمعاملها، وقدمت له كل ما يريده من نفقات، وهي لم تظهر على السطح. ولقد أرسلت له أحد أعضائها ممن لهم اهتمامات خاصة بالاكتشافاتِ العلميةِ … واستطاع عضو العصابة أن يكتسب ثقةَ الدكتور «بالم»، الذي قال الكثيرَ من أسرار عمله، وإن كان لا يستطيع غيره أن يحققه …
أضيئت لمبة صغيرة في أعلى القاعة، جعلت رقم «صفر» يتوقف عن الحديث، ليقول: لحظة … إنها رسالةٌ غير عادية!
بدأت خطواته تبتعد، حتى اختفت … في الوقت الذي كان فيه الشياطين يجلسون في صمت تام، حتى إنهم لم يتجاذبوا الحديث بعد اختفاء رقم «صفر»، لقد كان ما سمعوه مدهشًا فعلًا.