الصراع … بالقنابل والصواريخ!
مرَّ الوقت بطيئًا، وكان الصمت يحيط بكل شيء. توقفت طلقات الرصاص، وأصبح الهدوء شيئًا مثيرًا، فهو يخفي خلفه الكثير. كان «أحمد» ينظر حوله، ثم يرفع وجهه إلى السماء يرقب انتشار ضوء النهار. إن الدقائق القادمة سوف تحدد مصير المغامرة. لقد حقق الشياطين الكثير، لكن ذلك كله يمكن أن ينتهي. إذا لم تتحقق الخطوات القادمة بنجاح، وكما فكر «أحمد» تمامًا، ظل يقلب وجهه في السماء في انتظار أن يظهر شيء.
مضى الوقت، حتى إنه بدأ يشك في أن عميل رقم «صفر»، قد تصرف التصرف السليم، فكر أن يرسل له رسالةً حتى يتأكد. ظل يقلِّب الأمور في رأسه، ثم قرر في النهاية أن يرسل الرسالة، لكنه عندما بدأ التنفيذ، توقف فجأةً؛ فقد سمع أصواتًا جعلته يبتسم. نظر إلى السماء، كانت الأصوات تقترب. ظل يحدد اتجاه الصوت، ولم تمضِ لحظات، حتى كانت طائرة هليوكوبتر تقترب. حاول أن يتأكد منها. فهناك إشارة خاصَّة تحملها طائرات رقم «صفر». اقتربت الطائرة أكثر، حتى نزلت فوق المبنى رقم «٥»، ولم يكن على الطائرة أية إشارة تكشف شخصيتها. قال في نفسه: لعلها خدعةٌ من عميل رقم «صفر»، حتى لا يكشف الطائرة.
فكر لحظة ثم أرسل رسالة إلى العميل، حتى يتأكَّد وحتى يستعد، أرسل رسالة شفرية وانتظر. جاءه الردُّ بعد قليل، لقد عادت الطائرة لعطل فني بها، وسوف تتحرك خلال دقائق.
فهم «أحمد» أن الطائرة التي وصلت تابعة للعصابة، وأن ذلك يعني معركةً أخرى، ربما تكون أكثر شراسة من المعارك التي دارت. قال في نفسه: إن هذا يعني أن الطائرة سوف تحمل دكتور «بالم» رقم «١» وشبيهه الآلي «٢». ثم تختفي دون أن يستطيع الشياطين فعل شيء مهم.
كان من الضروريِّ أن يتخذ قرارًا سريعًا. أرسل رسالة إلى «خالد» يشرح له الموقف، كان يرسل الإشارة على الموجة التي يلتقطها كلُّ الشياطين. انتظر لحظةً، وكان لا يزال يرقب الطائرة، التي توقفت مروحتها الآن. جاءه ردُّ الشياطين: لا بدَّ من معركة …
بعد لحظة جاءه ردُّ «خالد»: لقد عدنا مرة أخرى. نحن خلف باب الخروج.
فكر «أحمد» بينما كانت عيناه تشاهدان عشرة رجال في ملابس خاصة، ينزلون من الطائرة في سرعة. أرسل إلى الشياطين: سوف نحمي خروج «خالد» ومن معه؛ حتى لا يقعوا في يد رجال العصابة الجدد …
وبسرعة، كان الشياطين ينضمُّون إلى «أحمد» الذي رسم خطة سريعة، هي أن ينتشر الشياطين في شبه حدوة، ثم يبدءُون إطلاق الرصاص. نفذ الشياطين الخطة، وانتشروا.
في نفس الوقت أرسل «أحمد» إلى «خالد»: عندما يبدأ إطلاق الرصاص، اخرج أنت ومن معك …
بسرعة … جاءه الردُّ: إننا في الانتظار …
شاهد «أحمد» رجال العصابة، يقومون بفتح نافذة في سطح المبنى. أعطى إشارة للشياطين، فبدأ إطلاق النار. كانت الخطة أن يكونوا في طرف المبنى بعيدًا عن الباب، حتى تتركز الطلقات عندهم. ردَّ أفراد العصابة بطلقات مضاعفة. فجأة فُتح الباب، دون أن يظهر أحد، غير أن طلقات رجال العصابة، تحولت بسرعة إليه. مرت لحظة، ثم بدأ دخان كثيف يتصاعد من أمام الباب، حتى أخفاه تمامًا. فهم «أحمد» أن «خالد» قد استخدم قنابل الدخان، حتى يغطي انسحابه. في نفس الوقت، وصلته رسالة من «خالد» … تقول: سوف أتركز في النقطة «ن» …
أعطى إشارة إلى الشياطين، كي ينسحبوا بطريقة تبادلية، ينسحب واحد إلى نقطة «ن» حيث يوجد «خالد» ومن معه.
في نفس الوقت، يستمر اثنان في إطلاق الرصاص، ثم يبدأ الذي انسحب بإطلاق الرصاص بعد عشرة أمتار؛ ليعطي فرصة للآخرين كي ينسحبوا، وهكذا. إلا أن «أحمد» الذي لم ينسحب، فقد ظلَّ يطلق الرصاص بشكل دائم.
فجأة، خرج من وسط الدخان، أحد الرجال الذين رآهم يهبطون من الطائرة. وفي لمح البصر، وجَّه طلقاته في اتجاهه، فاختفى الرجل. إلا أن طلقات متتالية ومكثفة كانت تخرج من وسط الدخان، فعرف أن رجال الطائرة هم الذين يطلقونها. أرسل رسالةً إلى الشياطين؛ كي يتوقفوا عن إطلاق الرصاص. في نفس الوقت، ثبَّت صاروخًا صغيرًا في فوهة مسدسه، ثم أحكم النشان وصوبه في اتجاه الطائرة. مرت لحظة، ثم فجأة دوَّى انفجار رهيب؛ فقد أصاب الطائرة في خزان الوقود وانفجرت. كانت النيران تكشف المكان، فأسرع بإلقاء ثلاث قنابل دخان متتالية، ولم تمضِ دقائق، حتى كان المكان قد اختفى تقريبًا. فكر لحظة: من الضروري، أن يقعوا في حيرة …
أخرج قنبلة دخان، ثم قذفها في اتجاه رجال العصابة، الذين يختفون داخل الحديقة. وبسرعة، انسحب جريًا. لقد بدأت سحب الدخان تنتشر حيث كان الرجال، وكانت هذه فرصة للانسحاب. لكنه فجأة، تلقَّى في جهاز الاستقبال رسالة: الطائرة في الطريق.
بعد لحظات كان صوت طائرة يتردد في الفضاء. رفع وجهه إلى السماء، إلا أن كثافة الدخان، لم تسمح له بأن يرى شيئًا. أسرع يخاطب قائد الطائرة من خلال جهاز الإرسال: ٦٠٠ ينادي، هل تسمعني … ينادي … هل تسمعني؟
وجاءه الرد: ٦٠٠ يرد – ٦٠٠ يرد. هل تسمعني؟
قال «أحمد»: النزول في طرف الحديقة، عند الزاوية ٩٠ شمالًا …
جاءه الرد: عُلم …
أسرع في اتجاه النقطة «ن»، وعندما وصل إليها، وجد الشياطين، ومعهم دكتور «بالم» الأول والثاني. كان «بالم» ينظر إلى «أحمد» في دهشة، إلا أن «أحمد» ابتسم وقال: أرجو أن نكون عند حسن ظنك …
ابتسم «بالم» وقال: إنني سعيد بكل ما رأيت …
اقترب صوت الطائرة تمامًا. كان الدخان قد بدأ يتلاشى وظهرت الطائرة، وعليها علامة رقم «صفر». كانت تتجه إلى النقطة التي حددها «أحمد».
قالت «إلهام»: ماذا بعد تفجير المدينة؟!
لكن فجأة، حدث ما لم يخطر لهم على بال. فقد تردد في الفضاء صوت طلقات متتالية عالية الدوي، في اتجاه الطائرة. عندئذ قال «عثمان»: إنها طلقات مدفع مضاد للطائرات …
قال «أحمد» بسرعة: علينا أن نتعامل معه، سوف أتقدم أنا و«عثمان» إلى هناك …
في نفس الوقت أرسل رسالةً إلى قائد الطائرة: يجب الابتعاد عن الموقع مؤقتًا …
شاهد الشياطين الطائرة، وهي تغير اتجاهها وتبتعد. أسرع «أحمد» في اتجاه الموقع الذي خرجت منه طلقات الرصاص. كان يقع في الطرف الآخر للحديقة. كانت النباتات عالية في هذه المنطقة، وكان هذا يعطيها فرصة أكبر في قطع المسافة بسرعة. غير أنهما بعد دقائق توقَّفَا. همس «عثمان»: إن المدفع يقع بين هذه النباتات الكثيفة.
ثم أشار إلى الأمام: فأخذا يتقدمان في بطء، في نفس الوقت الذي كانت كثافة النباتات تعوق تقدمهما. كان المكان قليل الضوء لكثافة النبات، ولم تكن الأشياء تظهر بوضوح. كان «أحمد» يسير في المقدمة وخلفه «عثمان». بعد خطوات نظر «أحمد» خلفه، فلم يجد «عثمان». ملأته الدهشة، أخذ يحدق في المكان، فوجد مشهدًا غريبًا. كان أحد الرجال، يمسك برقبة «عثمان» ويضغط عليها في قوة. أسرع بالعودة إلى حيث يدور المشهد الغريب. وفي قوة رفع قبضة مسدسه، ثم هوى على رأس الرجل، فابتعدت يداه عن رقبة «عثمان»، الذي سقط على الأرض بلا حركة. أسرع «أحمد» إليه وأخذ يهزه، إلا أن عثمان كان قد فقَد وعيه. أخرج زجاجةً صغيرة من حقيبته، وقرَّبها من أنف «عثمان»، ثم صب بعض السائل الموجود فيها في فمه. تنفس «عثمان» وبدأ يفيق، إلا أن شيئًا ثقيلًا نزل على كتفي «أحمد»، حتى إنه جلس على الأرض. وعندما استدار في سرعة كان رجلٌ آخر يرفع سكينًا حادة ليهوي بها عليه. وفي لمح البصر، كان «أحمد» قد لفَّ حول قدمي الرجل، ودفعه في قوة، جعلته يسقط. قفز في رشاقة، فأصبح أمامه مباشرة. كان الرجل قد بدأ يقف. سدد له «أحمد» لكمةً سريعة فتراجع. أعقبها بلكمة أخرى، إلا أن الرجل استطاع أن يفلت منها. ليست يمينًا قوية ﻟ «أحمد» الذي تلقاها في براعة، فلم تكن ذات أثر. فجأة رأى «عثمان» الذي كان قد أفاق ينقض على ظهر الرجل، ثم يضربه بقبضته. نظر «أحمد» حوله، فلم يجد أحدًا. ترك «عثمان» مشتبكًا مع الرجل، ثم تقدم في اتجاه موقع المدفع. حدد مكانه بالضبط، ثم أخرج قنبلة شديدة الانفجار في حجم كرة البنج بونج. نزع الفتيل، ثم طوَّح بها بأقصى قوته. ولم تمضِ لحظات، حتى دوَّى الانفجار، الذي صاحبَه ضوء قوي، كشف الموقع أمامه. كان الموقع قد انهدَّ تمامًا، وسقط على الأرض. تقدم بسرعة، حتى يتأكد من خلوه تمامًا. وقبل أن يقترب ألقى قنبلة غازية، ثم انتظر لم يسمع أحدًا. أرسل رسالة سريعة إلى الطائرة: بالعودة إلى نفس النقطة.
وعندما التفت ليعود وجد «عثمان» أمامه، كان قد قضى على الرجل. أخذ الاثنان طريقهما إلى اتجاه النقطة «ن»، حيث ينتظر الشياطين؛ إلا أن رسالة جاءته من «خالد»: الموجة العامة … استمع …
أخرج جهاز اللاسلكي ثم ضبط الموجة العامة واستمع، كانت هناك رسالة متبادلة … كانت الرسالة تقول: إن الموقف أفلت منا.
وكان الرد: هناك طائرة في الطريق …
قال «عثمان»: يجب أن نغادر المكان حالًا، ما دامت طائرتنا قد تأخرت.
ولم يكد ينتهي من جملته حتى كانت طائرة رقم «صفر» تقترب، ثم تنزل في نفس المكان المحدد. أرسل رسالة إلى «خالد» اتجهوا إليها، نحن في الطريق.
وبدلًا من الذهاب إلى النقطة «ن»، أخذا طريقهما إلى حيث نزلت الطائرة … وعندما وصلا هناك، كان الجميع قد ركبوا، وأدارت الطائرة مروحتها العمودية … صعدا بسرعة، فبدأت تتحرك، غير أن شيئًا جعل الشياطين ينظرون إلى بعضهم. لقد كان صوت طائرات أخرى يتردد في فضاء المكان. وعندما نظر «أحمد» في اتجاه الصوت، كانت طائرتان تلمعان تحت ضوء الشمس التي كانت قد ملأت الوجود. قال «أحمد»: يجب أن ننتظر قليلًا، حتى يتضح الموقف.
أوقف قائد الطائرة مروحتها، في نفس الوقت الذي أخرج الشياطين صواريخهم الصغيرة، وثبتوها في مسدساتهم في انتظار أي مفاجأة. حلقت الطائرتان فوق المدينة الصغيرة، بينما كان مكبر صوت إحداهما يقول: ألقوا سلاحكم، واخرجوا رافعي الأيدي، حتى لا نضطر إلى قذفكم بالصواريخ.
كان الصوت يصل إلى الشياطين. ابتسم «باسم» وقال: هيا أيها السادة، كونوا عقلاء، وارفعوا أيديكم واخرجوا.
نظر لهم قائد الطائرة الذي قال: المؤكد أن هذه الطائرات مسلَّحة تسليحًا جيدًا، ولو اكتشفوا موقعنا، فسوف ننتهي جميعًا.
كان «بالم» ينظر إليهم مبتسمًا، فقال: إنها مغامرة جيدة تمامًا، وأنا سعيد بالاشتراك فيها. كان مكبر الصوت يعيد التحذير، بينما اتجهت الطائرتان إلى موقع طائرة الشياطين، وظلت تكرر نفس التحذير. قالت «إلهام»: ينبغي إطلاق الصواريخ حتى لا نحترق داخل الطائرة. كان الشياطين جميعًا ينظرون إلى «أحمد» الذي يملك القرار. قال في هدوء: إنهم لن يستطيعوا إطلاق أي رصاصة علينا؛ لأنهم يعرفون أن الدكتور «بالم» معنا. وهذا هو أملنا الوحيد الآن.
قال «خالد»: ربما يضطرون إلى ذلك …
رد «أحمد»: إنهم لن يضحوا بكل شيء مرة واحدة …
توقفت الطائرتان على خط عمودي فوق طائرة الشياطين. وقال قائد منهما: استمعوا إلينا جيدًا، يجب ألا تخسروا كل شيء … إننا يمكن أن نتفاهم. فقط غادروا الطائرة …
ومضى بعض الوقت، ثم جاء الصوت يقول: إذن ينزل الدكتور «بالم» وتجربته، حتى يمكن أن نترككم، هذا وعدٌ منا.
فجأة، شق الفضاء صوت طائرات قادمة. نظر «باسم» إلى السماء، وقال: إنه صوت طائرات حربية. كان الصوت يقترب في سرعة شديدة، وكانت دهشة الشياطين، فقد تحركت الطائرتان مبتعدتين عن المكان، ثم بدأتا في زيادة سرعتهما، إلا أن الطائرات الحربية كانت قد وصلت، ودارت حولهما.
ابتسم «أحمد» وقال: لقد فكرت في ذلك فعلًا. صمت لحظةً ثم قال: إنه تصرف الزعيم … وفهم الشياطين أنه تصرف رقم «صفر». أخذوا يرقبون الطائرات الحربية وهي تسوق أمامها طائرات العصابة، وتختفي شيئًا فشيئًا، قال «أحمد»: الآن … نستطيع أن نتحرك …
دار محرك الطائرة، ثم بدأت ترتفع، فقال «أحمد»: ينبغي أن ننهي مهمتنا، يجب أن ندور دورة.
دارت الطائرة فوق المدينة الصغيرة، وعند نقطة … أخرج «أحمد» جهازًا صغيرًا، ثم ضغط زرًّا فيه، … حزام المتفجرات حول المدينة، التي أصبحت قطعةً من الجحيم. وبينما كانت الطائرة، تأخذ طريقها إلى مطار نيويورك، كان الشياطين يشعرون بسعادة بالغة؛ فقد تمت المهمة بنجاح.
ترجمة الرسائل:
-
الرسالة الأولى من «أحمد» إلى الشياطين: سأطلب هليوكوبتر من عميل رقم «صفر»، لنقل «بالم» إلى الطائرة، حيث تقف طائراتنا، انسحاب ثم تفجير.
-
الرسالة الثانية وهي رد الشياطين: خطة جيدة، نفذ.
-
الرسالة الثالثة من «أحمد» إلى «خالد»: استعد.
-
الرسالة الرابعة من «أحمد» إلى عميل رقم «صفر»: طائرة هليوكوبتر، المبنى ٥ سنعطيها التوجيه.
-
الرسالة الخامسة من العميل إلى «أحمد»: عُلِم. في الطريق.