سِـمْسِـمَة
«صَالِحٌ» رَجُلٌ زَارِعٌ مُكَافِحٌ.
كانَ الرَّجُلُ يَعِيشُ — مُنْذُ آلَافٍ من السِّنِينَ — مَعَ زَوْجَتِهِ الْوَفِيَّةِ، تُعَاوِنُهُ عَلَى تَكَالِيفِ الْحَيَاةِ.
فِي صَبَاحِ يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ جَاءَ إِلَى بَيْتِ الزَّارِعِ شَيْخٌ كَبِيرُ السِّنِّ.
وَوَقَفَ الشَّيْخُ كَبِيرُ السِّنِّ أَمَامَ بَابِ الْبَيْتِ يَطْرُقُهُ بِيَدِهِ.
الزَّارِعُ سَمِعَ الطَّرْقَ عَلَى الْبَابِ، فَأَسْرَعَ خُطَاهُ يَفْتَحُ، فَاسْتَأْذَنَهُ الشَّيْخُ فِي أَن يَسْتَرِيحَ قَلِيلًا عِنْدَهُ.
أَحْضَرَ الزَّارِعُ لِلشَّيْخِ كُرْسِيًّا.
قَدَّمَتْ «رَاضِيَةُ» زَوْجَةُ الزَّارِعِ لِلضَّيْفِ الْعَجُوزِ طَاسًا مَمْلُوءًا بِاللَّبَنِ وَكِسْرَةً مِنَ الْخُبْزِ، وَقِطْعَةَ جُبْنٍ.
أَكَلَ الضَّيْفُ وَشَرِبَ، فَشَبِعَ وَارْتَوَى.
سَأَلَهَا الضَّيْفُ: «مَاذَا تَتَمَنَّيَانِ؟»
الزَّوْجَانِ قَالَا: «يُسْعِدُنَا أَنْ يَكُوْنَ لَنَا وَلَدٌ، وَلَوْ جَاءَ هذَا الْوَلَدُ فِي حَجْمِ إِصْبَعِ الْإِبْهَامِ، أَصْغَرِ أَصَابِعِ الْيَدِ.»
الشَّيْخُ شَكَرَ لِلزَّارِعِ وَزَوْجَتِهِ إِكْرامَهُمَا لَهُ.
دَعَا الله لَهُمَا أَنْ يُحَقِّقَ أُمْنِيَّتَهُمَا.
بَعْدَ عَامٍ رُزِقَ الزَّوْجَانِ بِطِفْلٍ صَغِيرٍ، لَا يَزِيدُ طُولُهُ عَلَى إِصْبَعِ الْإِبْهَامِ.
الْأَبَوَانِ أَسْمَيَا ابْنَهُمَا الصَّغِيرَ «سِمْسِمَةَ»، لضَآلَةِ حَجْمِهِ، وَصِغَرِ جِسْمِهِ.
ذَاتَ يَوْمٍ طَلَبَ «صَالِحٌ» مِنْ زَوْجَتِهِ «رَاضِيَةَ» أَنْ تُعِدَّ لَهُ فَطِيرَةً كَبِيرَةً.
«رَاضِيَةُ» وَعَدَتْ زَوْجَهَا «صَالِحًا» بِإِجابَةِ طَلَبِهِ، وَقَامَتْ بِإِحْضَارِ الدَّقِيقِ وَعَجَنَتْهُ.
«سِمْسِمَةُ» أَرادَ أَنْ يُساعِدَ أُمَّهُ فِي عَجْنِ الدَّقِيقِ: تَسَلَّقَ الْإِناءَ، وَوَقَعَ فِي الْعَجِينِ.
أُمُّ «سِمْسِمَة» كَانَتْ وَقْتَئِذٍ مَشْغُولَةً، فَلَمْ تَفْطنْ إِلَى وُقُوعِ وَلَدِهَا فِي الْإِنَاءِ.
أُمُّ «سِمْسِمَةَ» وَضَعَتْ إِنَاءَ الْعَجِينِ فَوْقَ النَّارِ، كَيْ تَخْبِزَ الْفَطِيرَةَ.
بَعْدَ قَلِيلٍ أَحَسَّ «سِمْسِمَةُ» بِالسُّخُونَةِ، وَهُوَ فِي الْإِنَاءِ، وَحَوْلَهُ الْعَجِينُ.
«سِمْسِمَةُ» انْزَعَجَ، وَخَافَ أَنْ يَحْتَرِقَ.
«سِمْسِمَةُ» ظَلَّ يُكَافِحُ لِلْخَلَاصِ.
«رَاضِيَةُ» أُمُّ «سِمْسِمَة» رَأَتِ الْعَجِينَ يَتَحَرَّكُ فِي الْإِنَاءِ.
أُمُّ «سِمْسِمَةَ» خَافَتْ.
أُمُّ «سِمْسِمَةَ» لَمْ تَجِدْ حِيلَةً إِلَّا أَنْ تَتَخَلَّصَ مِنْ ذَلِكَ الْإِنَاءِ الْعَجِيبِ.
«رَاضِيَةُ» أُمُّ «سِمْسِمَةَ» شَافَتْ حَدَّادًا يَحْمِلُ أَدَوَاتِهِ، يَمُرُّ بِالْقُرْبِ مِنْ بَيْتِهَا.
أُمُّ «سِمْسِمَةَ» أَسْرَعَتْ تُنَادِي الْحَدَّادَ.
أُمُّ «سِمْسِمَةَ» أَعْطَتِ الْإِنَاءَ لِلْحَدَّادِ.
الْحَدَّادُ فَرِحَ بِمَا أَخَذَ دُونَ ثَمَنٍ.
مَنَّى نَفْسَهُ بِأَكْلِ فَطَيرَةٍ لَذِيذَةٍ.
الْحَدَّادُ حَمَلَ الْإِنَاءَ، وَسَارَ فِي طَرِيقِهِ.
الْحَدَّادُ سَمِعَ صَوْتًا ضَعِيفًا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.
الْحَدَّادُ تَلَفَّتَ حَوْلَهُ، لِيَعْرِفَ مَصْدَرَ الصَّوْتِ.
كانَ الصَّوْتُ الضَّعِيفُ صَوْتَ «سِمْسِمَةَ».
الْحَدَّادُ أَيْقَنَ أَنَّ الصَّوْتَ مِنْ دَاخِلِ الْإِناءِ.
اشْتَدَّ خَوْفُ الْحَدَّادِ، فَقَذَفَ بِالْإِنَاءِ بَعِيدًا.
انْدَلَقَ مَا فِي الْإِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ.
«سِمْسِمَةُ» خَرَجَ، وَعَادَ إِلَى بَيْتِهِ سَالِمًا.
حَكَى لِوَالِدِهِ وَوَالِدَتِهِ مَا حَدَثَ.
الْوَالِدَانِ حَمِدَا الله عَلَى سَلَامَةِ «سِمْسِمَةَ».
«سِمْسِمَةُ» طَلَبَ مِنْ أَبِيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ.
«صَالِحٌ» اسْتَجابَ لِرَغْبَةِ وَلَدِهِ، وَأَخَذَهُ مَعَهُ إِلَى حَقْلِ الزِّرَاعَةِ، لِيُسَاعِدَهُ فِي جَرِّ الْمِحْراثِ.
«سِمْسِمَةُ» كانَ سَعِيدًا بِصُحْبَةِ أَبِيهِ.
غُرابٌ كانَ يُرَفْرِفُ بِجَنَاحَيْهِ فَوْقَ الْحَقْلِ.
رَأَى «سِمْسِمَةَ» صَغِيرَ الْحَجْمِ، فَالْتَقَطَهُ.
الْغُرابُ طَارَ فَوْقَ سَطْحِ الْبَحْرِ.
«سِمْسِمَةُ» كانَ فِي فَمِ الْغُرابِ.
«سِمْسِمَةُ» سَقَطَ مِنْ فَمِ الْغُرابِ، بِالْقُرْبِ مِنْ قَلْعَةٍ كَبِيرَةٍ عَلَى الشَّاطِئِ.
حَارِسُ القَلْعَةِ كانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى سَطْحِهَا الْعَالِي يَغُطُّ فِي نَوْمٍ عَمِيقٍ.
«سِمْسِمَةُ» فَرِحَ بِنَجَاتِهِ مِنْ فَمِ الْغُرابِ.
«سِمْسِمَةُ» أَرادَ أَنْ يَتَعَرَّفَ إِلَى الْحَارِسِ.
«سِمْسِمَةُ» اقْتَرَبَ مِنْ كُمِّ الْحارِسِ، مُحَاوِلًا أَنْ يُوقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ بِلُطْفٍ.
حَارِسُ الْقَلْعَةِ أَحَسَّ بِحَرَكَةٍ غَرِيبَةٍ!
حَارِسُ الْقَلْعَةِ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ مَذْعُورًا!
حَارِسُ الْقَلْعَةِ قَفَزَ قَفْزَةً هَائِلَةً، فَطَوَّحَ ﺑ«سِمْسِمَةَ» إِلَى الْبَحْرِ.
«سِمْسِمَةُ» ظَلَّ يُغَالِبُ أَمْواجَ الْبَحْرِ.
سَمَكَةٌ كَبِيرَةٌ كَانَتْ تَعُومُ بِالْقُرْبِ مِنْهُ.
السَّمَكَةُ رَأَتْ «سِمْسِمَةَ» الصَّغِيرَ يَعُومُ.
السَّمَكَةُ طَمِعَتْ فِيهِ، وَابْتَلَعَتْهُ فِي الْحالِ.
أَحَدُ الصَّيَّادِينَ أَلْقَى شَبَكَتَهُ فِي الْبَحْرِ.
الصَّيَّادُ أَحَسَّ بِأَنَّ الشَّبَكَةَ ثَقِيلَةٌ.
الصَّيَّادُ فَرِحَ بِصَيْدِهِ، جَذَبَ الشَّبَكَةَ بِقُوَّةٍ.
الشَّبَكَةُ صَادَتِ السَّمَكَةَ، وَمَعَها «سِمْسِمَةُ».
الصَّيَّادُ ابْتَهَجَ بِالسَّمَكَةِ الْكَبِيرَةِ الْحَجْمِ.
الصَّيَّادُ حَمَلَهَا إِلَى قَصْرِ السُّلْطَانِ.
الصَّيَّادُ قَالَ فِي نَفْسِهِ: «لَا شَكَّ أَنِّي سَأَنَالُ جَائِزَةً سَخِيَّةً عَلَى هذَا الصَّيْدِ الثَّمِينِ.»
طَبَّاخُ السُّلْطَانِ تَلَقَى مِنَ الصَّيَّادِ السَّمَكَةَ الْكَبِيرَةَ، وَكافَأَهُ عَلَيْهَا مُكافَأَةً طَيِّبَةً.
الطَّبَّاخُ شَمَّ السَّمَكَةَ، فَوَجَدَهَا طَازَجَةً.
الطَّبَّاخُ تَهَيَّأَ لِشَقِّ بَطْنِ السَّمَكَةِ.
الطَّبَّاخُ شَقَّ بَطْنَ السَّمَكَةِ.
«سِمْسِمَةُ» أَطَلَّ مِنْ بَطْنِ السَّمَكَةِ.
الطَّبَّاخُ فَزِعَ عِنْدَمَا رَأَى «سِمْسِمَةُ».
الطَّبَّاخُ هَرَبَ مِنَ الْمَخْلُوقِ الْعَجِيبِ.
«سِمْسِمَةُ» نادَى الطَّبَّاخَ قَائِلًا: «ما بالُكَ تَخافُ مِنِّي، وَأَنا إِنْسَانٌ مِثْلُكَ؟
اذْهَبْ بِي إِلَى سَيَّدِ الْبَيْتِ، لِأَرْوِيَ قِصَّتي.»
الطَّبَّاخُ حَمَلَ «سِمْسِمَةَ» إِلَى السُّلْطَانِ.
السُّلْطَانُ عَجِبَ مِنْ صِغَرِ «سِمْسِمَةَ».
السُّلْطَانُ سَأَلَهُ عَن اسْمِهِ وَقِصَّةِ حَيَاتِهِ.
«سِمْسِمَةُ» حَكَى كُلَّ مَا جَرَى لَهُ.
السُّلْطَانُ فَرِحَ بِذَكَاءِ «سِمْسِمَةَ».
السُّلْطَانُ كانَ يُرَبِّي فِيرَانًا بَيْضَاءَ أنِيسَةً.
«سِمْسِمَةُ» كانَ يَلْعَبُ مَعَ الْفِيرَانِ الْبِيضِ.
السُّلْطَانُ أَهْدَى إِلَى «سِمْسِمَةَ» فَأْرًا أَبْيَضَ، لِيَرْكَبَهُ فِي نُزْهَتِهِ، وَيَتَسَلَّى بِصُحْبَتِهِ.
«سِمْسِمَةُ» فَرِحَ كَثِيرًا بِالْفَأْرِ الْأَبْيَضِ.
«سِمْسِمَةُ» كانَ يَصْحَبُ الْفَأْرَ لِلنُّزْهَةِ، وَهُوَ مَسْرُورٌ بِمُرَافَقَةِ صَدِيقِهِ الْعَزِيزِ.
«سِمْسِمَةُ» وَالْفَأْرُ عَاشَا سَعِيدَيْنِ زَمَنًا.
«سِمْسِمَةُ» اشْتَاقَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى وَالِدَيْهِ.
«سِمْسِمَةُ» طَلَبَ مِنَ السُّلْطَانِ أَنْ يَتْرُكَ لَهُ الْفَأْرَ الْأَبْيَضَ، فَوَافَقَهُ السُّلْطانُ.
الْفَأْرُ الْأَبْيَضُ حَمَلَهُ إِلَى بَيْتِ أَهْلِهِ.
الْوَالِدَانِ فَرِحَا بِعَوْدَةِ «سِمْسِمَةَ».
الْوالِدانِ أَكْرَمَا الْفَأْرَ الْأَبْيَضَ صَدِيقَ ابْنِهِمَا.
«سِمْسِمَةُ» ظَلَّ طُولَ عُمْرِه حَريصًا عَلَى نَفْسِهِ، حَتَّى لا يُصِيبهُ مَكْرُوهٌ.