هوميروس
هوميروس كاتب نظم شعر الأبطال، نظم ملحمة بالغة الطول، تناولت
مغامرات أبطال فجر التاريخ. وكثيرًا ما نرى شعر البطولة كأول صور الأدب
التي تظهر في أية لغة. وللغة الفرنسية شعر أبطالها
Chansons de geste كما أن للأيرلنديين
منظومتَي «القصة Saga» و«الفردوس المفقود paradisi Lost». وهما من شعر
البطولة نظمهما ملتون Milton، ولكنهما
ليستا من النوع الذي نعنيه هنا؛ إذ حدثتا في وقت متأخر. كذلك في بلاد
الإغريق، نجد أول شاعرٍ ذي شعر خالد، وهو هوميروس Homer. ومن الجلي أن عدة شعراء آخرين سبقوا هوميروس.
وقد كانت أشعار الأخير بالغة الروعة والعظمة لدرجة جعلتها لا يمكن أن
تنشأ من لا شيء. ولذلك، كان من المؤكد قطعًا أنه لا بد أن تقدم هوميروس
عدة شعراء بالغي القدم (Saga أي القصص
التاريخية الخيالية).
لا تتناول منظومة هوميروس تاريخ حرب طروادة Troy، كما قد نظن، ولكنها تتناول السنة الأخيرة من تلك
الحرب، وتتضمَّن قضية وهدف غضب أخيل Achiles جزءًا كبيرًا من هذه القصيدة البطولية الخالدة،
وكان الغرض من الحرب ضد طروادة التي استمرَّت عشر سنواتٍ تقريبًا، كما
قد نظن، هو تحرير بلاد الإغريق من طروادة، التي اعتادت أن تفرض الضرائب
على السفن التي كانت تمخر عباب اليم هناك قرب الساحل الشمالي لآسيا
الصغرى.
•••
كان هوميروس هو الشاعر الإغريقي الذي تحمل اسمه ملحمتان من أقدم
الملاحم وأضخمها في تاريخ الأدب الإغريقي، وهما الإلياذة والأوديسة.
أما فيما يختص بهذا الشاعر من حيث شخصيته وبلده، فليس لدينا معلومات
موثوق بها. وحتى وجوده الشخصي محل نزاع. وكثيرًا ما حاول المختصون
البرهنة، من معاني اسمه، على أنه لم يكن فردًا، بل نموذجًا، فاستقر
الرأي على أن معنى اسمه، إما «المنظم» وإما «الرفيق». وفي الحالة
الأولى يدل الاسم على أنه الممثل النموذجي لشعر البطولة والملحمة في
صورتها الموحدة والمتكاملة فنيًّا، بينما يوحي المعنى الثاني على أنه
سلف نموذجي وإمام طائفة فذة من الشعراء المنشدين. غير أنه لما كان
هوميروس علمًا، ويعني ببساطة «وديعة» بغير ما صلة بالشعر. فلا شيء في
الاسم نفسه يوجب الشك في وجود هوميروس كشخصية تاريخية. وقد تنازعت سبعة
أماكن، في العصر القديم، لتكون مسقط رأسه: أزمير، ورودس، وتولوفون،
وسالاميس (في قبرص)، وخيوس، وأرجوس، وأثينا، ولكن ليس هناك أي شك في أن
الملاحم الهومرية نشأت على الساحل الغربي لآسيا الصغرى. والتقاليد
القديمة صحيحة في تحديد مسقط رأسه بمدينة أزمير الأيولية، وتحديد
المكان الذي نظم فيه الشعر بمدينة خيوس. وممَّا يتفق مع هذا، اختلاط
اللهجة الأيونية بشيءٍ من الأيولية فيتكوَّن منهما صورة هي أساس
الأشعار الهومرية، وكذلك أنه كان في خيوس أسرة تسمى الهوميريداي ظلت
عدة قرون تدَّعي نسبها إليه، وشغل أفرادها أنفسهم بتلاوة
أشعاره.
أما عن الوقت الذي عاش فيه هذا الشاعر، فإن جميع آراء التحقيقات التي
تمت على أساس الاعتبارات التاريخية تختلف فيما بينها اختلافًا كبيرًا.
ومع ذلك فيبدو من المؤكد أن المدة التي بلغ فيها شعر البطولة الهوميري
درجة الكمال لا تقع قبل سنة ٩٥٠ق.م. ولا بعد سنة ٩٠٠ ومن جميع التقاليد
الخاصة بهوميروس، نستخلص أن اسم والده هو ميليس Meles وأصيب هوميروس بالعمى في شيخوخته ومات في جزيرة
أيوس Ios الصغيرة حيث كان قبره
ظاهرًا، وتذبح فوقه سنويًّا عنزة في الشهر المسمى باسم ذلك الشاعر
هوميريون Homereon، وعبد هوميروس
لفترة ما في تلك الجزيرة كبطل. وربما نشأت قصة إصابته بالعمى من تخيل
أن المغني الأعمى منشد الأوديسة ديمودوكوس Demodocus كان النموذج الأصلي لهوميروس، ومن الأمور
الموثوق بها التي تدعم هذا الاعتقاد، أن مؤلف تراتيل أبولوديلوس Apollodelus الذي وصفه صوت العصور
القديمة لهوميروس، صور هوميروس أعمى وقال إنه كان يعيش في جزيرة خيوس.
وتعتمد أهمية هوميروس على أنه بينما يستخدم الصور الثابتة للوزن الشعري
الذي وضعه سابقوه، استطاع أن يرفع أناشيد البطولة إلى مستوى شعر
الملاحم البطولية في نظامٍ رتيب وعرض فني.
تتناول الملحمتان اللتان تحملان اسمه، وهما الإلياذة والأوديسة،
واللتان قسمت كلٌّ منهما في عصرٍ لاحقٍ إلى أربعةٍ وعشرين كتابًا،
تَتناوَلان أساطير طروادة. استغرقت الإلياذة مدة واحد وخمسين يومًا من
السنة العاشرة للحرب الطروادية تبعًا لخطة بسيطة مع سرد لأحداث ذلك
العصر. فتبدأ بغضب أخيل الذي أخذَت منه أسيرته الفتاة العذراء
بريسايس Briseis بأمر أجاممنون فتروي
المحن التي جلبها انسحاب ذلك البطل الغاضب من المعركة، على الإغريق في
قتالهم في السهل الطروادي حول الأسوار وبقرب المعسكر البحري. فيعطي هذا
فرصة مناسبة لوصف الأبطال الآخرين إلى أن يسقط باتروكلوس صريعًا،
الحادث الذي يعتبر نقطة التحول في هذه الملحمة. ويأتي بعد ذلك استرضاء
أخيل وانتقامه لمقتل صديقه فصرع هكتور، والألعاب الجنائزية تكريمًا
لباتروكلوس. وتنتهي هذه الملحمة بنهاية محزنة من تسليم جثة هكتور
ودفنه. وكذلك الأوديسة، تتناول عددًا كبيرًا من الأحداث الخاصة بعودة
أوديسيوس إلى وطنه، تستغرق كلها المدة البسيطة لأربعين يومًا، ولكنها
تتم تبعًا لخطةٍ فنيةٍ معقدة. وعلى نقيض الجزأين الرئيسيين للإلياذة،
تتكون الأوديسة من أربعة أجزاء. يصف الجزء الأول منها مغامرات
تيليماخوس Telemachus الذي ظلمه عشاق
والدته بنيلوبي Penelope، فيخرج
مرتحلًا إلى نستور Nestor في
«بولوس» Pylos ومينيلاوس Menelaus في أسبرطة، بحثًا عن والده.
وهكذا يجد هذا الشاعر فرصة ليروي شتى الأحداث التي أصابَت الأبطال
الأغارقة أثناء عودتهم إلى وطنهم. ويصف الجزء الثاني مغامرات أوديسيوس
في رحلته إلى أوجيجيا Ogygia جزيرة
كاليبسو Calypso وبقاءه مع
الفياكيين Phaeacians (وتتصل بها
رواية ذلك البطل لتجوالاته في رحلته من طروادة إلى أوجيجيا) وأخيرًا
وصوله إلى إيثاكا Ithaca ويصف الجزء
الثالث زيارة أوديسيوس لكوخ راعي الخنازير إيومايوس Eumaeus، وتعرف تيليماخوس عليه (بعد أن عاد إلى وطنه)
كما تعرفت عليه خادمته الوفية، ووضع خطة الانتقام من العشاق.
ويشمل الجزء الرابع تنفيذ الانتقام، ويتم كل شيء في سلام بعودة البطل
إلى زوجته بنيلوبي ووالده العجوز لايرتيس Laertes.
وبواسطة الرواة المحترفين، الذين كانوا ينتقلون من مدينة إلى مدينة
وأطلق عليهم «المنشدون الجائلون» وجدت أشعار هوميروس تداولًا سريعًا،
ليس في وطنها الأسيوي فحسب، بل وكذلك في بلاد الإغريق وفي مستعمراتها
الغربية، ودخلت أسبرطة بواسطة ليكورجوس Lycurgus الذي علم بوجودها من رحلاته إلى ساموس. ومن بين
ذرية كريوفولوس Creophylus، ظهر شاعرٌ
ذائع الصيت اشتهر بأنه صديق هوميروس ومن أقاربه. وقد صارت هذه الأشعار،
في سنة ٧٥٣ق.م. أي بعد بَدْء الأوليمبياد بثلاث وعشرين سنة، ملكًا
عامًّا لجميع الأغارقة.
لما كان المنشدون الجائلون ينشدون أشعار هاتين الملحمتين في الحفلات
والأعياد، فإن الجزء الأكبر منهما اقتضى تقسيمًا منتظمًا منذ بدايتهما،
إلى أقسامٍ مناسبةٍ تسمح بفترات راحة، ليس للمنشدين وحدهم، بل
وللمستمعين أيضًا، ومن هنا نشأ تقسيم هاتَين الملحمتَين إلى أقسام
منفصلة تسمى بالأناشيد، ووضعت لها عناوين ملائمة، وظلت مستعملة بهذه
الصورة إلى تاريخ متأخر؛ إذ قسمت الملحمتان إلى أربعةٍ وعشرين كتابًا.
وسرعان ما جرت العادة بتلاوة الأناشيد الفردية، بعضها محبوب بنوع خاص
واعتبر أكثر ملاءمة من غيره لإظهار مواهب بعض المنشدين. وهكذا حدث أن
بعض الأجزاء ألقي في حيز النسيان، ونشأت فجواتٌ بين الرواية الشفوية
لتلك الأشعار. ومن ناحيةٍ أخرى، لم يسع المنشدين إلا أن يضيفوا إلى
أنشوداتهم المحببة، خاتمات مناسبة وتكملات تتفق وأذواقهم، ولم يتورعوا،
بطبيعة الحال، عن التغيير والتبديل والإضافة حيثما رأوا هذا مناسبًا.
ويرجع إلى مدينة أثينا شرف إيقاف مثل هذه الفوضى المتزايدة الناجمة عن
تلك الأعمال. وكان صولون Solon أول من
أمر بالتزام المنشدين بالنص الأصلي. وقام بيزيستراتوس Pisistratus (في حوالي سنة ٥٣٥ق.م.)
بتكوين لجنة من عدة شعراء يرأسهم أونوماكريتوس Onomacritus لجمع الأقسام والأناشيد المتناثرة هنا
وهناك، ومراجعة نصوصها على أساس النسخ الأصلية الموجودة وقتذاك وعلى
التلاوة الشفوية للمنشدين والرواة.
أما أن يكون بيزيستراتوس أو ابنه هيبارخوس Hipparchus هو الذي أصدر قرارًا يكرم الشعراء المنشدين
الجائلين عندما يتسابقون في الإنشاد في عيد البان أثينايا بأن ينشدوا
أشعار هوميروس بترتيبها الصحيح وكاملة حسبما جمعت في صورتها الأصلية.
أفادت هذه المراجعة لتقف في طريق التشويه المتزايد لنصوص ذلك التراث
القيم. وبوسعنا أن نتتبع نسخًا من ملحمتَيْ هوميروس موجودةً في شتى
أنحاء بلاد الإغريق. وبمرور الزمن، تعرضت هذه النسخ أيضًا للتغييرات
العرفية ولا سيما على أيدي العلماء الذين أرادوا تحسين النص. وأول من
فعل ذلك هم العلماء السكندريون الذين وجدوا في هوميروس محورًا
لدراساتهم اللغوية، وتناولوها بالنقد المنظم لنصوصها. وقد واتتهم فرصة
العثور على المخطوطات القديمة لذلك الشاعر في مكتبة الإسكندرية. وكان
أول من بدأ هذا العمل هو زينودوتوس Zenodotus الإفسوسي، الذى خلفه أريستوفانيس Aristophanes البيزنطي، الذى بلغ
تلميذه أريستارخوس Aristarchos أسمى
درجة وصل إليها الأقدمون في النقد اللغوي، وذلك بدراسة أشعار هوميروس.
بنيت النسخ التي أخرجها أولئك النقاد السكندريون على الترتيب الذي قام
به بيزيستراتوس، وهي نفسها النسخ الأصلية لما لدينا الآن من نصوص أشعار
هوميروس.
ومنذ ذلك الوقت حتى آخر العصور الإغريقية القديمة، لم يكف العلماء عن
جعل هوميروس نموذجهم في الأعمال التي ما زالت باقية لنا. وحتى في
العصور القديمة شغل العلماء أنفسهم بالسؤال عما إذا كانت الإلياذة
والأوديسة من إنتاج شاعر واحد. أجيب على هذا السؤال إجابة كاملة بأن
اسم هوميروس ظل مدة طويلة يدل على «اسم جمع» ويضم سلسلة طويلة من قصائد
البطولة منظومة على نهج نموذجه، اكتشف حقيقتها تدريجيًّا فيما بعد. ولم
يخف على الملاحظة أن الأوديسة في صورتها الفنية العالمية وعلاقتها
بالحياة الاجتماعية والأخلاقية والدينية تتبع مرحلةً أكثر تقدمًا ممَّا
تتبعها الإلياذة. وهكذا حدث في العصور القديمة أن قررت الطائفة
المعروفة باسم الخورنزونتيس Chorizontes (أو العلماء المصنفين) وعلى رأسهم العالمان
بقواعد اللغة إكسينون Xenon
وهيلانيكوس Hellanicus، الذين يحتمل
أن كانوا من بداية الحقبة السكندرية، قررت أن الأوديسة من نظم شاعر
لاحق، وحتى العلماء المحدثون شاركوهم في هذا الرأي، بينما قرر آخرون،
معتمدين على المطابقة الأساسية للنغمة واللغة والوزن، وغير ملقين أهمية
كبيرة إلى مواضع الاختلاف مفسرين إياها بأنها نتجت عن اختلاف الهدف في
الملحمتين وإلى مرحلة نظمها من حياة ذلك الشاعر، فقرروا أنها من نظم
الشاعر نفسه. ومع كل إعجابنا بفن وجمال الملحمتين الهومريتين، لا ننكر
أنهما لا تتصفان بنفس مستوى الكمال في جميع أجزائهما. فإلى جانب
الفقرات البالغة الروعة توجد فقرات أخرى ركيكة وغير جذابة، ونقط توقف
في السرد، كما توجد بهما بعض المتناقضات. لم تفت هذه العيوب ملاحظة
العلماء السكندريين، الذين نسبوا أية اعتراضات من هذا النوع إلى
التذييلات الكثيرة، ليس في سطور فردية فحسب، بل وفي فقرات بأكملها.
فمثلًا، قرروا أن النصف الثاني من الكتاب قبل الأخير، وجميع الكتاب
الأخير من الأوديسة، زائف.
قدمت عدة تفسيرات لهذه العيوب في العصور الحديثة؛ فأولًا لاحظ ف. أ.
ولف Wolf (١٧٩٥م) أن فن الكتابة في
عصر هوميروس لم يمارس على نطاق واسع يسمح باستعماله في الأغراض
الأدبية، وأنه يستحيل، حتى على أعظم نابغة أن يُخرج كل هذه الكمية
الضخمة باستخدام الذاكرة وحدها، وينقلها إلى غيره. وعلى هذا الأساس
قرَّر أن الإلياذة والأوديسة اتخذتا صورتيهما الحاليتين لأول مرة، في
عصر بيزيستراتوس، عندما حددت الأناشيد القديمة، المحفوظة بالتقاليد
الشفوية وحدها، حددت بالكتابة وجمعت وأدمجت في منظومتَين ضخمتَين. تبع
ولف آخرون، حاولوا تقسيم الإلياذة بنوع خاص إلى أناشيد منفصلة ومستقلة،
وقرَّر آخرون أن ملحمتي هوميروس تتكونان من إنشادات متوسطة الطول هي:
غضب أخيل، وعودة أوديسيوس، تناولهما التطويل والتحسين والتغيير حتى نتج
منها الأوديسة والإلياذة الحاليتان. وتقدم آخرون ففرضوا أنهما تكونتا
من عدد من القصائد البطولية الصغيرة، بدلًا من عدد ضخم من الأناشيد
الفردية. وهكذا أدمجت قصيدة أخيلية وإلياذة فنتج عنهما الإلياذة
الحالية. وكذلك الأوديسة الحالية نتجت عن إدماج قصيدة تيليماخية وقصيدة
عن عودة أوديسيوس. ومن ناحية أخرى تقرر هيئات موثوق بها أنه، مع
التسليم جدلًا بإمكان الانتفاع بالأناشيد التي كانت موجودة من قبل، فإن
الأوديسة والإلياذة، كونتا منذ بدايتيهما منظومة موحدة، ولكن سرعان ما
تناولهما عدد كبير من المراجعات والتطويل حتى أخذتا، قبل بداية
الأوليمبياد، الصورة الأساسية التي تحتفظان بها. ومن المؤكد أنه بعد
أول أوليمبياد، نظمت قصائد بطولية على غرار الإلياذة والأوديسة، وأطول
منهما، وإكمالًا لهما. ولا يمكن إنكار أنه قبل هذه الحقبة بفترةٍ
طويلة، انتشر استخدام فنِّ الكتابة على نطاقٍ واسع في بلاد الإغريق.
وممَّا لا يقبل الاعتراض، أنه علاوة على التشويهات الحادثة من
التغييرات التي أصابت هاتين الملحمتين في عصور لاحقة، فقد يجوز حدوث
بعض التعديلات غير المتشابهة في مختلف الأجزاء، وكذلك الكثير من عدم
التطابق في هاتَين القصيدتَين، وحتى في صورتِهما البدائية. ورغم عيوب
التفاصيل هذه، فقد بقيت القصيدتان الهومريتان فذتَين كأعمالٍ فنية لم
يتفوَّق عليهما أي عملٍ آخر، بما لهما من تأثيرٍ عظيمٍ ليس فقط على
تقدم الأدب والفن، بل وعلى الحياة الإغريقية كلها، حياة الأغارقة الذين
اعتبروهما ملكية عامة للأمة واستخدموهما كأساسٍ لجميع التعاليم
والثقافة. وحتى الآن، بعد ما يقرب من ٣٠٠٠ سنة، ظل تأثيرهما باقي
المفعول لم ينل منه القِدم.
وعلاوة على الإلياذة والأوديسة، لدينا باسم هوميروس: (أ) مجموعة
أناشيد، خمس طوال، عن أبولو البوثي والدلفاوي، وهيرميس، وأفروديت،
وديميتير، وتسع وعشرون قصيدة قصيرة عن آلهة شتى. وهذه، في الحقيقة،
مقدمات يستهل بها المنشدون الجائلون أية أنشودة من أناشيدهم. وموضوع كل
قصيدة منها مدح للإله الذي تنشد الأناشيد في عيده، أو في البلد الذي
يكرم فيه بنوع خاص. وربما كان اختيار القصيدة الاستهلالية خاضعًا
لمضمون القصيدة التالية، وإذا لم يكن هوميروس هو ناظم هذه القصائد،
فإنها من نظم المنشدين التابعين للمدرسة الهومرية. وهكذا اعتبر المنشد
كونايثوس Cynaethus ناظم أنشودة أبولو
الدلفاوي. ويبدو أن هذه المجموعة قد أعدت لاستعمال المنشدين الجائلين
في أتيكا، على أساس إمكان الاختيار منها تبعًا لرغبة المنشد. (ب) ست
عشرة قصيدة قصيرة أطلق عليها
Epigrammata، من الشعر الأقدم. اثنتان
منها أناشيد بالأسلوب العامي، والكامينوس Kaminos أو «أتون الفخاري» (تطلب منها البركة من أثينا
عند وضع «طريحة» من الأواني الفخارية في الأتون)، ونوع من أناشيد
التسول تسمى Eirestone (حرفيًّا: إكليل
حصاد ملفوف بالصوف). (ﺟ) قصيدة:
Batrachomyomachia أو معركة الضفادع
والفئران وهي قصيدة تهكمية على الإلياذة، وتنسب عمومًا إلى بجريس Pigres شقيق أرتيمسيا Artimesia ملكة كاريا Caria المعروف جيدًا فيما يختص بالحروف الفارسية.
والقصيدة البطولية القديمة المسماة «الحمقاء» وهي مفقودة.