الأنشودة الرابعة عشرة
«… ونزعت عن صدرها الزنار المطرز، العجيب الصنع، الذي رُسمت عليه صور جميع ألوان الإغراء؛ فكان عليه الحب، وعليه الشهوة، وعليه الجماع، مما يسلب عقل أحكم الناس!»
«هيرا» وإله «النوم» يستدرجان الرب «زوس» إلى النعاس، بينما حرض «بوسايدون» الآخيين على مقاومة هكتور، وكيف جرح «هكتور» في المعركة … إلخ.
قادة الآخيين يتشاورون!
وإذ قال هذا، أخذ ترس ابنه «تراسوميديس» مستأنس الجياد — الذي كان راقدًا في الكوخ — ذلك الترس المتين الصنع الذي يلمع كله بالبرونز، إذ كان الابن قد أخذ ترس أبيه، وأمسك «نسطور» في يده رمحًا قويًّا، ذا سن من البرونز الحاد، واتخذ وقفته خارج الكوخ. وفي الحال أبصر عملًا مشينًا، إذ رأى الآخيين في فوضى، والطرواديين يطاردونهم بهمة ونشاط، وسور الآخيين منهارًا. وكما يحدث حين يستحيل البحر العظيم إلى موجة صماء، وصمد متحفزًا عابسًا في انتظار انقضاض الرياح الصاخبة، ولكنه يمكث جامدًا فلا تتحرَّك اللجج إلى الأمام، ولا إلى هذا الجانب أو ذاك، إلى أن تهبط من لدن «زوس» الريح التي يبتغيها، هكذا أيضًا، شرع الرجل المسن يفكر، وعقله موزع حائر بين هذا الرأي وذاك: أيسرع إلى حشد الدانيين أصحاب الخيول السريعة، أم يذهب خلف «أجاممنون بن أتريوس» راعي الجيش؟ وبينما هو يفكر، اهتدى إلى الرأي الأفضل؛ أن يذهب وراء ابن أتريوس، ولكن الآخرين كانوا في الوقت نفسه يقاتلون دون هوادة، ويقتلون بعضهم بعضًا، والبرونز الصلب يصلصل حول أجسامهم، وهم يدفعون بعضهم البعض الآخر بالسيوف والرماح ذات الحدين.
عندئذٍ رد عليه الفارس نسطور الجيريني بقوله: «نعم، إن هذه الأمور تتحقق الآن بالفعل، بشكل ما كان زوس نفسه — الذي يرعد في عليائه — يرجوه! فيا للعجب! لقد تحطم السور الذي كنا نضع فيه ثقتنا ليكون خطًّا دفاعيًّا منيعًا لسفننا ولأنفسنا. وإن الأعداء يشنون عند السفن السريعة معركة حامية مستمرة، ولم يعد بوسعك أن تدري — مهما راقبت عن كثب — من أي جانب يتقهقر الآخيون في فوضى لا حد لها، وهم يتهاوون صرعى، وصيحة الحرب تعلو إلى عنان السماء. وليس بوسعنا سوى أن نفكر في هذه الأمور وكيف يمكن أن تجري، لو كان يجدي شيئًا، ولكنني لا أنصح بأن نخوض غمار الحرب، فليس للرجل الجريح أن يقاتل، بأية حال.»
فرد «أجاممنون»، ملك البشر، بقوله: «أي نسطور، أما وهم يقاتلون عند مؤخر السفن، ولم ينفع السور المكين ولا الخندق اللذان تكبد الدانيون من أجلهما جهدًا مضنيًا، آملين في قلوبهم أن يكونا خطًّا دفاعيًّا منيعًا لسفنهم ولأنفسهم، فهذه ولا بد — فيما أعتقد — إرادة زوس الأعظم؛ أن يهلك الآخيون هنا بعيدًا عن أرجوس، ولا ينالوا صيتًا. لقد تبينت ذلك عندما كان زوس يساعد الدانيين بقلب صادق، وإني لأعرف ذلك الآن وهو يعطي المجد لأعدائنا، كما يعطيه للآلهة المباركين تمامًا، وقد كبل أيدينا وقوتنا، ولكن تعالوا فاتبعوا جميعًا ما أشير به. هلموا بنا ننزل سفننا — التي كانت قد سحبت إلى فوق، في الصف الأول — فنقربها من البحر، ثم لندفعها إلى البحر المقدس، ونستبقها في عرضه بمرساة من الحجر، حتى يقبل الليل المبارك، الذي قد ينقاد الطرواديون لأمره ويكفون عن القتال، وبعد ذلك يصير في مقدورنا أن نسحب جميع السفن إلى البحر. فما من عارٍ في الفرار من الهلاك، كلا، ولو تحت جنح الظلام، فلخير للمرء أن يهرب من الدمار وينجو، بدلًا من أن يقع فيه.»
عندئذٍ قطب أوديسيوس حاجبَيه، وحدجه بنظرة غاضبة وقال: «يا ابن أتريوس، أية كلمة تلك التي أفلتت من بين أسنانك! يا لك من رجل هالك! ليتك كنت قائدًا على جيش آخر، يجلله الخزي والعار، ولست ملكًا علينا، نحن الذين قدر علينا زوس أن نصطلي بنار الحرب المؤلمة، من الصغر حتى الكبر، إلى أن يهلك كل فرد منا! أحقًّا أنت تواق هكذا إلى أن تترك خلفك مدينة الطرواديين الفسيحة الطرقات، التي نتحمل من أجلها آلامًا كثيرة مبرحة؟ ألا اسكت يا هذا، خشية أن يسمع بعض الآخيين الآخرين هذه الكلمة — التي لا يجدر برجل قط أن يجشم نفسه مشقة التفوه بها — إذا كان يعرف في قرارته كيف ينطلق بالرأي اللائق، فما بالك إذا كان ملكًا ذا صولجان، ولديه من الجيوش المطيعة بقدر الأرجوسيين، الذين تحكمهم. إنني أُسَفِّه الآن آراءك التي صدرت منك، إذ تأمرنا — والحرب والمعركة قائمتان على قدم وساق — بأن نسحب سفننا ذات المقاعد المكينة إلى البحر، كي يتمكن الطرواديون، أكثر من أي وقت مضى، من تحقيق بغيتهم — سيما وأنهم المنتصرون الآن — فينزلوا بنا أقصى ما يمكن من الهلاك. إن الآخيين لن يستمروا في القتال إذا أنزلت السفن إلى عرض البحر، ولكنهم سيتطلعون إلى الفرار، وينسحبون من المعركة. وإذ ذاك توقع بنا مشورتك الدمار، يا قائد الجيوش.»
فأجاب أجاممنون، ملك البشر، قائلًا: «أي أوديسيوس، حقًّا لقد وخزت قلبي بتأنيبك اللاذع، ومع ذلك فلست أقسر أبناء الآخيين على أن ينزلوا سفنهم المكينة المقاعد إلى البحر برغم إرادتهم، ولو أن هناك من يستطيع إسداء رأي أحكم من رأيي — شابًّا كان أم كهلًا — لرحبت بمشورته.»
وإذ ذاك قام «ديوميديس» — الرائع في صيحة الحرب — في وسطهم، وتكلم قائلًا: «قريب هو ذلك الرجل، ولن نبحث عنه طويلًا، إذا كنتم على استعداد لأن تعيروني آذانًا صاغية، دون أن يساور أحدكم الاستهجان؛ نظرًا لأنني أصغركم سنًّا. فإني — مع ذلك — أزهو بأنني أنحدر من سيد جليل، هو «توديوس» الذي طواه الثرى في طيبة، ذلك أن «يورثيوس» أنجب ثلاثة أبناء لا نظير لهم، عاشوا في بليورون وكالودون الوعرة، وأجريوس وميلاس. وكان ثالثهم الفارس «أوينيوس» والد أبي، وهو أعظمهم جرأة وإقدامًا. ولقد بقي «أوينيوس» في بلاده دائمًا، أما أبي فقد هام على وجهه، حتى استقر يومًا في أرجوس، فهكذا كانت ولا بد إرادة زوس والآلهة الآخرين. وقد تزوج إحدى بنات «أدراستوس»، وعاش في منزل غني بأسباب العيش، وامتلك حقولًا وفيرة القمح، وبساتين عديدة تحيط بها الأشجار، وكانت أغنامه كثيرة، وبرمحه تفوَّق على جميع الأرجوسيين، ولا بد أن تكونوا قد سمعتم بكل هذا، فلست أقول سوى الحق. ومن ثم فليس بوسعكم أن تقولوا إنني بحكم أصلي جبان أو ضعيف، فتحتقروا مشورتي، هلم بنا ننزل إلى المعركة، رغم ما بنا من جراح، طالما كانت الحاجة تتطلب منا هذا. وهناك، فلننأ بأنفسنا عن مرمى الرماح، خشية أن يُصاب أحدنا بجرح فوق جرحه. أما الآخرون فيجب علينا أن نحثهم ونرسلهم إلى المعركة، أولئك الذين تركوا العنان لسخطهم، فوقفوا على حدة، دون قتال.»
هكذا قال، وفي الحال أصغوا إليه وأطاعوه؛ ومن ثم انطلقوا، يقودهم «أجاممنون» ملك البشر.
ولم يكن مزلزل الأرض يقوم بالرقابة عبثًا، فذهب معهم في صورة رجل كهل، وأمسك بيد أجاممنون بن أتريوس، وخاطبه بكلمات مجنحة فقال: «يا ابن أتريوس، الآن أعتقد حقًّا أن قلب أخيل الحقود يغتبط في صدره، وهو يرى مذبحة الآخيين وفرارهم؛ إذ إنه تجرَّد من الفهم، فلم يعد لديه ذرة منه. ليته يهلك، وينكل به أحد الآلهة! أما أنت فليست الآلهة المباركة بغاضبةٍ منك بأي حال، كلا، كلا، ومع ذلك فإنني أعتقد أن قادة وحكام الطرواديين سيثيرون غبار السهل الفسيح، وستراهم بعينَيْ رأسك وهم يفرون إلى المدينة من السفن والأكواخ.»
وما إن قال هذا حتى صرخ عاليًا، وهو يسرع عبر السهل. وكان صياحه عاليًا جدًّا، فكأنما هناك تسعة آلاف يصرخون في المعركة، وهم مقبلون على صراع محتدم. هكذا كانت قوة هائلة في صدر كل رجل من الآخيين، ليحاربوا ويقاتلوا بغير انقطاع.
إغواء زوس!
وكانت هيرا — ذات العرش الذهبي — واقفة إذ ذاك فوق قمة أوليمبوس فوقع بصرها عليه من هناك، وعرفته لتوها وهو ينطلق منهمكًا هنا وهناك وسط القتال، حيث يحظى الرجال بالمجد، رأت أخاها، الذي هو صهرها في الوقت ذاته، فاغتبطت في قرارة نفسها. ولاحظت «زوس» جالسًا فوق قمة جبل أيدا الكثير النافورات، وكان بغيضًا إلى قلبها. وما لبثت «هيرا» الجليلة — ذات عيون المها — أن فكرت في طريقة تموه بها على عقل زوس حامل الترس، فبدَت لعقلها هذه الخطة أفضل الخطط: أن تذهب إلى أيدا، بعد أن تتزين في أبهى زينة، لعله يشتهي أن يضطجع معها، ويحتضن جسمها في هيام، وعندئذٍ تستطيع هي أن تسكب على جفنيه وعقله الماكر نومًا دافئًا رقيقًا!
وبالفعل، ذهبت إلى حجرتها التي صنعها لها ابنها العزيز «هيفايستوس»، وكان قد ثبت في القوائم أبوابًا مكينة بمزلاج سري، حتى لا يتمكن من فتحها أي إله آخر. هناك دخلت، وأغلقت الأبواب اللامعة. وبدأت أولًا بإزالة البقع من جسمها بدهان الآلهة، وتعطرت جيدًا بزيت «أمبروسي» لطيب عبق الرائحة، ما إن ينثر في قصر «زوس» البرونزي الأديم، حتى يشيع عطره في الأرض والسماء. بهذا الزيت دهنت جسمها البض الجميل، وصففت شعرها، وجدلت بيديها غدائرها البراقة، الجميلة الأمبروسية، التي كانت تنساب من رأسها الخالد! وبعد ذلك ارتدت ثوبًا معطرًا كانت «أثينا» قد صنعته لها بمهارة فائقة، ونثرت فوقه الكثير من الوشي، وثبتته على صدرها بمشابك ذهبية، ثم أحاطت خاصرتها بحزام تزينه مائة من الأهداب، وحلت كلًّا من أذنيها المثقوبتين بقرط ذي ثلاث لآلئ مدلاة، براقة، تشع بجمال رائع. وسترت الربة نفسها بخمار يغطي كل شيء، خمار جميل يتلألأ ناصعًا في ضياء الشمس. وثبتت في قدميها اللامعتين نعليها البديعين. وبعد أن تبرجت وزينت جسمها بكل صنوف الزينة، خرجت من حجرتها، واستدعت إليها «أفروديت» فتحدثت إليها — بعيدًا عن الآلهة الآخرين — قائلة: «أي طفلتي العزيزة، أتراك تنفذين بغيتي، أو أنك سترفضينها، وفي قلبك موجدة؛ لأنني أساعد الدانيين، بينما تساعدين أنت الطرواديين؟»
وإذ ذاك ردت عليها أفروديت بنت زوس، قائلة: «أي هيرا، أيتها الربة الجليلة، ابنة كرونوس العظيم، أعربي عما في نفسك، فإن قلبي ليأمرني بتحقيقه إذا استطعت، وإذا كان مما يمكن تحقيقه!»
عندئذٍ تحدَّثت إليها هيرا الجليلة، بفكر أريب، فقالت: «أعطيني الآن الحب والشهوة، اللذين اعتدت أن تخضعي بهما سائر الخالدين والبشر؛ لأنني عازمة على زيارة حدود الأرض المثمرة، و«أوفيانوس» — جد الآلهة طرًّا — والأم «ثيتيس»، اللذين ربياني في حنان ورعياني في قصرهما عندما أخذاني من «ريا» — (الأرض) — وقت أن طرد زوس — الذي يجلجل صوته بعيدًا — كرونوس، ليعيش تحت الأرض والبحر غير الثابت. إنني ذاهبة لأزورهما عسى أن أضع حدًّا لخصامهما اللانهائي، فها قد مضى زمن طويل، وكلٌّ منهما منعزل عن الآخر، بعيدًا عن الهوى وفراش الزوجية، منذ استقر الغضب في قلبيهما. فلو استطعت بالكلام أن ألين قلبيهما وأعيدهما ثانية إلى الفراش ووحدة الغرام، فسأظل عزيزة لديهما دائمًا، وأكون جديرة بالاحترام.»
فردت عليها أفروديت المحبة للضحك، بقولها: «لا يجوز أن أرفض طلبك، كما أن هذا لا يليق؛ لأنك ترقدين في أحضان زوس الأعلى.»
قالت هذا، ونزعت عن صدرها الزنار المطرز، العجيب الصنع، الذي رسمت عليه صور جميع ألوان الإغراء؛ فكان عليه الحب، وعليه الشهوة وعليه الجماع، مما يسلب عقل أحكم الناس، ووضعت الزنار في يديها، وخاطبتها قائلة: «خذي الآن هذا الزنار العجيب الصنع، الذي صور عليه كل شيء، فضعيه حول خصرك، وإني لأؤكد لك أنك لن تعودي إلا وقد تحقق كل ما تشتهين في قلبك.»
هكذا قالت، فابتسمت هيرا الجليلة — ذات عيون المها — وبينما هي تبتسم، وضعت الزنار حول خصرها. وما لبثت أفروديت بنت زوس أن عادت إلى منزلها. أما هيرا فقد هرعت إلى أسفل وتركت قمة أوليمبوس، وانطلقت فوق بييريا وإيماثيا الجميلة، وأسرعت فوق جبال الفرسان التراقيين الجليدية، متنسمة أعلى قممها، دون أن تحتك قدماها بالأرض. ومن أثوس خطت فوق البحر المائج، حتى وصلت إلى ليمنوس، مدينة «ثواس» الشبيه بالآلهة، حيث قابلت النوم، شقيق الموت، وقبضت على يده بيدها، وخاطبته بقولها: «أيها النوم، يا سيد جميع الآلهة والبشر، إذا كنت قد استمعت يومًا إلى كلامي، فأصغِ إليَّ الآن مرة أخرى، وسأدين لك بالشكر طوال أيامي: أسبل لي عينَي زوس البراقتين تحت حاجبيه، بمجرد أن يضمنا العشق في اضطجاع. وسأقدم لك في نظير ذلك هدية، عبارة عن عرش جميل لا يبلى، مصنوع من الذهب الخالص، يصوغه لك بمهارة ابني «هيفايستوس» — الرب القوي الساعدين — ويضع لك أسفله تكأة للقدم تستطيع أن تريح فوقها قدميك البراقتين وأنت تحتسي الصهباء!»
فرد عليها النوم اللذيذ بقوله: «أي هيرا، أيتها الربة الجليلة، ابنة كرونوس العظيم، إن بوسعي أن أسبغ النعاس على أي رب آخر من الآلهة الخالدين، ولو كان من جداول أوقيانوس ذاته وهو أبوهم جميعًا. أما زوس بن كرونوس، فلن أجرؤ على الاقتراب منه، ولن أغمض لك عينيه لينام، إلا إذا طلب هو ذلك مني. إذ تعلمت من أمرك درسًا فيما مضى، يوم أن أبحر ابن زوس، الجريء القلب، بعيدًا عن طروادة، حين خرب مدينة الطرواديين. لقد خدرت يومئذٍ عقل زوس — حامل الترس — إذ سكبت حوله نفوذي العذب. وكنت تضمرين شرًّا في قلبك ضد ابنه، فأهجت الرياح القاسية فوق سطح اليم، ثم حملته بعيدًا إلى كوس الآهلة بالسكان، بعيدًا عن جميع أقربائه. فلما أفاق من النوم، غضب وشتت الآلهة هنا وهناك حول قصره، وراح يبحث عني قبل غيري، وكاد يلقيني من السماء إلى الفضاء السحيق، حتى أهلك، لولا أن الليل أنقذني، الليل الذي يطوي تحت حكمه كلًّا من الآلهة والبشر، فقد لذت به ضارعًا، وإذ ذاك ارتد زوس — رغم غضبه — لأنه كان يخشى أن يقدم الليل السريع على شيء! وها أنت ذي تأمرينني بأن أحقق لك هذه المهمة الجديدة، التي لا أملك القيام بها!»
عندئذٍ تحدثت إليه من جديدٍ هيرا الجليلة، ذات عيون المها، قائلة: «أيها النوم، لم تهجس في نفسك بهذه الأمور؟ أتعتقد أن زوس — الذي يذهب صوته إلى بعيد — سيساعد الطرواديين، مهما يكن في سورة غضبه من أجل هرقل، ولده؟ كلا. فهيا، وسأعطيك إحدى ربات الجمال الفاتنات لتتزوجها، وتدعوها زوجة لك، سأعطيك «باسيثيا»، التي طالما هفت إليها نفسك طوال أيامك!»
هكذا قالت، فاغتبط النوم، وأجابها قائلًا: «تعالي الآن، فأقسمي لي بمياه نهر ستوكس المقدس، وأمسكي الأرض الفسيحة بإحدى يدَيك، وبالأخرى البحر المتألق، لكي يكون كلاهما شاهدًا علينا نحن الاثنين، وكذلك الآلهة الموجودون في أسفل مع كرونوس، أقسمي بأنك ستُعطينني حقًّا إحدى ربات الجمال الفاتنات، بل «باسيثيا» بالذات التي طالما اشتاقت إليها نفسي طوال أيامي!»
قال هذا، فلم تتردد الربة هيرا، البيضاء الساعدين، في سماع قوله، وأقسمت له كما طلب، وتوسَّلت بالاسم إلى جميع الآلهة أسفل تارتاروس، الذين يسمون «العمالقة».
وبعد أن حلفت وانتهت من قسمها، ترك كلاهما مدن ليمنوس وأمبروس، وتدثرا بالضباب، وذهبا بعيدًا، مسرعين في طريقهما، حتى بلغا أيدا العديدة النافورات — أم المخلوقات المتوحشة — وليكتوم، حيث تركا البحر أولًا، ثم سارا فوق الأرض اليابسة، فارتعدت ذؤابات الغابة تحت أقدامهما. وهناك وقف النوم، حتى لا تبصره عينا زوس، فتسلَّق شجرة صفصاف فارعة الطول، كانت أطول شجرة تنمو في أيدا حينذاك، وكانت تشمخ برأسها مخترقة الضباب حتى السماء. فجثم فوقها، واختفى تمامًا وسط أغصانها، في صورة طائر جبلي واضح الصوت، يسميه الآلهة «كالخيس»، ويسميه البشر «صقر الليل».
فاقتربت «هيرا» بسرعةٍ من قمة جارجاروس — ذؤابة جبل أيدا الشاهق — فرآها زوس — جامع السحب — وما إن وقعت عليها عيناه — في زينتها تلك — حتى تملك الحب قلبه الحكيم، تمامًا كما حدث حين تضاجعا معًا — لأول مرة — واستمتعا بالهوى، دون أن يعلم أبواهما العزيزان بالأمر! ووقف أمامها، وخاطبها بقوله: «يا هيرا، بأية رغبة جئت إلى هنا من أوليمبوس؟ إن جيادك ليست قريبة، ولا عربتك حيث تستطيعين الركوب!»
فأجابته هيرا الجليلة، في خبث ودهاء، قائلة: «إنني ذاهبة لزيارة حدود الأرض المثمرة، وأوقيانوس — جد الآلهة جميعًا — والأم «ثيتيس»، اللذين ربياني بحنان ورعياني في ساحاتهما. إنني أبغي زيارتهما، لأضع حدًّا لخصامهما غير المنتهي. فقد مضى عليهما الآن زمن طويل وهما مفترقان — كلٌّ عن الآخر — بعيدان عن الحب وفراش الزوجية، منذ استقر الغضب في قلبيهما. أما جيادي فواقفة عند سفح أيدا الكثير النافورات، متأهبة لتحملني فوق كلٍّ من التربة الصلبة ومياه البحر. وقد جئت الآن إلى هنا، من أجلك، هابطة من أوليمبوس خشية أن تستشيط غضبًا مني فيما بعد، إذا رحلت إلى منزل أوقيانوس العميق الجريان دون علمك!»
عندئذٍ تحدث إليها زوس، جامع السحب قائلًا: «أي هيرا، يمكنك أن تذهبي إلى هناك فيما بعد، أما الآن فتعالي نستمتع معًا في فراش الحب. فما تملكني يومًا — نحو ربة أو امرأة — مثل هذا الحب الذي يتدفق على قلبي داخل صدري، ولا حين أحببت زوجة «أكسيون»، التي أنجبت «بابرثيوس» نظير الآلهة في المشورة، أو «داناي» ذات العقبين الجميلين، ابنة «أكريسيوس»، التي أنجبت «بيرسيوس»، المبرز بين جميع المحاربين، أو ابنة «فونيكس» الذائعة الصيت، التي أنجبت لي «مينوس» و«رادامانثوس» شبيه الإله، أو «سيميلي»، أو «الكميني» في طيبة، إذ أنجبت الكميني «هرقل» الجريء القلب، كما أنجبت «سيميلي» ديونيسوس، بهجة البشر، أو «ديميتير» الملكة الفاتنة ذات الجدائل الجميلة، أو «ليتو» المجيدة، بل ما تملكني الحب يومًا نحوك أنت، كما يتملكني الآن، إذ تجتاحني الساعة رغبة عذبة نحوك!»
عندئذٍ تحدَّثت إليه هيرا الجليلة، في دهاء، فقالت: «يا أفظع ابن لكرونوس، ما هذا الذي تقول؟ كنت تتوق الآن لاضطجاعة الهوى فوق ذؤابات «أيدا» — حيث يكون كل شيء واضحًا للأنظار — فماذا يكون الأمر لو أن أحد الآلهة الخالدين رآنا معًا نائمين، فذهب وقص الأمر على جميع الآلهة؟ إنني لن أستطيع — إذ ذاك — أن أنهض من المضجع، ولا أن أذهب ثانية إلى منزلك؛ إذ تثور حول الأمر فضيحة. أما إذا كنت راغبًا، وكان في ذلك مسرة لقلبك، فهناك غرفة صنعها لك ابنك العزيز هيفايستوس، وقد ثبت إلى قوائمها أبوابًا قوية، فهيا بنا إلى هناك حيث نرقد، ما دمت راغبًا في الاضطجاع إلى هذا الحد!»
فرد عليها زوس، جامع السحب، بقوله: «لا تخافي يا هيرا أن يرى الأمر أي إلهٍ أو إنسان، فلسوف ألفك في غمامة هائلة من الذهب، لا يستطيع خلالها «هيليوس» نفسه أن يشاهدنا، رغم أنه أقوى الآلهة بصرًا!»
وهكذا احتوى ابن كرونوس زوجته بين ذراعيه، ومن تحتهما أخرجت الأرض المقدسة الحشائش الناضرة، وكذا اللوتس المندي، والزعفران وشقائق النعمان، غزيرة ملساء، فحملتهما عاليًا عن الأرض. هناك رقدا تلفهما غمامة، جميلة ذهبية، تتساقط منها قطرات الندى اللامعة. وهكذا نام الأب في هدوء فوق ذؤابة جارجاروس، وقد سيطر عليه النوم والهيام، يحتضن زوجته بين ذراعيه.
الآخيون يشنون هجومًا مظفرًا!
أما النوم اللذيذ فانطلق يعدو إلى سفن الأرجوسيين، ليحمل النبأ إلى مطوق الأرض ومزلزلها. فتقدم نحوه وخاطبه بكلمات مجنحة قائلًا: «هل لك الآن يا بوسايدون أن تحمل المعونة إلى الدانيين بقلب رضي، وتمنحهم المجد — ولو لفترة وجيزة — بينما ينام زوس، إذ سكبت عليه النعاس الرقيق، وخدعته هيرا ليضطجع معها في عشق!»
هكذا قال، ثم رحل إلى قبائل البشر المجيدة، وبذا كانت أمام بوسايدون مدة أطول ليقدِّم فيها المساعدة إلى الدانيين، فقفز لتوه بين صفوف المقدمة وصاح عاليًا يقول: «أيها الأرجوسيون، أحقًّا أننا من جديد سنسلم النصر لهكتور بن بريام، حتى يستولي على السفن ويحرز المجد لنفسه؟ كلا، هذا ما يقوله هو، ويزهو بأنه سيحققه؛ لأن أخيل يمكث إلى جانب السفن الجوفاء وقلبه مترع بالغضب، على أننا لا نأسف من أجله كثيرًا لو أننا تكاتفنا وتحمسنا لمساعدة بعضنا بعضًا. فتعالوا، ولنطع ما آمركم به. هلموا نتدثر بخير دروع الجيش وأكبرها، ولنُغطِّ رءوسنا بخوذات براقة كلها، ونمسك في أيدينا أطول الرماح، ثم نسعى هكذا إلى الأمام. ولسوف أتقدمكم. وأعدكم بأن هكتور بن بريام لن يصمد طويلًا، مهما يكن تلهفه. وعلى كل رجلٍ جسور في القتال، ويملك درعًا صغيرة فوق كتفه، أن يقدمها إلى من هو أقل منه جرأة، ويزود نفسه بدرع أكبر.»
وإذ قال هذا، أنصتوا إليه بآذان صاغية، وأطاعه الملوك أنفسهم — برغم جراحهم — فانتظموا في صفوف، وكانوا، ابن أتريوس، وأوديسيوس، وأجاممنون بن أتريوس. وجاسوا خلال الجيش كله، وقاموا باستبدال العدد الحربية، فزود المحارب القوي نفسه بحلة حربية قوية، أما أقل المحاربين فقد نال أردأ العدد. وبعد أن وضعوا البرونز البراق على أجسامهم، قادهم «بوسايدون» — مزلزل الأرض — وهو يحمل في يده القوية سيفًا مرعبًا، طويل الحد، أشبه بالبرق لا يجرؤ أحد على أن يتعرض له في قتال، بل إن الهلع يستبقي الرجال بعيدًا عنه! أما الطرواديون — في الجهة المقابلة — فقد نظمهم هكتور المجيد في صفوف ثم أذكى بوسايدون — الأدكن الشعر — وهكتور المجيد، جذوة الحرب: أحدهما يقدم المعونة للطرواديين، والآخر للأرجوسيين، فالتحم الطرفان، وفاض البحر عاليًا إلى أكواخ الأرجوسيين وسفنهم، وارتفع طنين الصراع قويًّا، دونه صخب أمواج البحر على الشاطئ، تدفعها من اليم هبات الرياح الشمالية الفظيعة، ولا يفوقه ارتفاعًا زئير النار المستعرة في ممرات أحد الجبال عندما تثب عاليًا لتحرق الغابة، ولا تزمجر في مثل دويه، وسط قمم أشجار البلوط الباسقة، تلك الريح التي تزأر غاضبة بأعلى صوتها العاصف، هكذا كانت صيحة الطرواديين والآخيين وقتذاك، وهم يصيحون بصورة مفزعة، وقد انقض بعضهم على بعض.
وبادر هكتور المجيد فقذف رمحه نحو أياس — بمجرد أن استدار ليواجهه — ولم يخطئه، بل أصابه في موضعي حمائل ترسه وسيفه المرصع بالفضة، وكانت ممتدة عبر صدره، فصانت جسمه الرقيق. واستشاط هكتور غضبًا لأن الرمح السريع قد طار عبثًا من يده، فانبرى عائدًا وسط حشد رفاقه، متحاشيًا الموت. بيد أن «أياس» التيلاموني ضربه بحجر — بمجرد أن ارتد إلى الوراء — فلقد كانت هناك أحجارٌ كثيرة تستخدم كدعامات للسفن السريعة، وكانت تتدحرج بين أقدامهم وهم يتقاتلون — فرفع واحدًا منها إلى فوق، وضرب به هكتور على صدره فوق حافة الترس، بقرب عنقه، فأخذ هذا يدور — من عنف الضربة — كما تدور الدوامة، يدور ويدور، وكما يحدث عندما تسقط شجرة بلوط — وقد اجتثت جذورها — بفعل صاعقة من صواعق الأب زوس، فيصعد منها دخان الكبريت المخيف، وتغيض جرأة كل من يقف على مقربة، فزعًا من صاعقة زوس العظيم، هكذا سقط هكتور القوي إلى الأرض في الحال، يتخبط في الثرى، وسقط الرمح من يده. غير أن الترس وقع فوقه، وكذا الخوذة، ومن حوله صلصلت حلته الحربية المرصعة بالبرونز.
عندئذٍ جرى أبناء الآخيين بصرخاتٍ مدوية، أملًا في أن يجروه بعيدًا. وهم يقذفون رماحهم كثيفة وسريعة. بيد أن أحدًا لم يفلح في أن يجرح راعي الجيش بطعنة أو رمية، إذ تجمع حوله — قبل أن يقدر لشيء من هذا أن يحدث — أشجع القوم من أمثال «بولوداماس»، و«أينياس»، و«أجينور» العظيم، و«ساربيدون» — قائد اللوكيين — و«جلاوكوس» المعدوم النظير. ولم يكن بين الباقين من لم يفطن إليه، فاندفعوا جميعًا أمامه يحملون تروسهم المستديرة، ورفعه رفقاؤه على سواعدهم، وحملوه بعيدًا عن معمعة القتال، حتى بلغوا الجياد السريعة، التي كانت تقف في انتظاره عند مؤخرة ميدان المعركة والصراع، مع سائقها وعربتها المرصعة ترصيعًا فاخرًا. فحملته هذه الجياد إلى المدينة، وهو يئن أنينًا عنيفًا. فلما بلغوا مخاضة النهر السلس الجريان كسانثوس ذي الدوامات — الذي أنجبه زوس الخالد — حملوا هكتور من العربة إلى الأرض، ورشوا الماء فوقه، فانتعش، وتطلع بعينيه إلى فوق، ثم جلس على ركبتيه راكعًا، وتقيأ دمًا قاتمًا. ثم انهار من جديد على الأرض، وغشي عينيه ليل أسود، وكانت الضربة لا تزال تؤلم روحه.
وعندما شاهد الأرجوسيون هكتور محمولًا، راحوا ينقضون على الطرواديين انقضاضًا أكثر شدة من ذي قبل، وهم يحدثون أنفسهم بالقتال. وعندئذٍ كان «أياس» السريع — ابن أويليوس — أول من انقض على «ساتنيوس» وجرحه بطعنة من رمحه الحاد، وهو ابن «أينوبس» الذي أنجبته له الحورية النيادية العديمة النظير، بينما كان يرعى قطعانه بالقرب من شواطئ ساتنيويس. فاقترب منه ابن أويليوس — المشهور برمحه — وضربه فوق جنبه، فسقط إلى الوراء، ومن حوله اشتبك الطرواديون والدانيون في صراع مرير. فهب لمعونته عندئذٍ الرماح «بولوداماس بن بانثوس»، ورمى فأصاب «بروثونيور بن أرايلوكوس» فوق كتفه اليمنى. وشق الرمح القوي طريقه خلال الكتف، فسقط «بروثوينور» في الثرى، وأمسك الأرض براحته. وعندئذٍ اختال «يولوداماس» بزهو بشع، وصاح عاليًا: «إني لأرى أن الرمح لم ينطلق عبثًا — مرة أخرى — من اليد القوية التي أوتيها ابن بانثوس العظيم الهمة. بل لقد تلقَّاه أحد الأرجوسيين في جسمه، وأعتقد أنه سيتكئ عليه — كأنه العصا — وهو يهبط إلى بيت هاديس.
هكذا قال، وهو يعرف الحق كله، فاستبدَّ الحزن بقلوب الطرواديين. وما لبث «أكاماس» أن جرح بطعنة من رمحه، وهو يقف إلى جوار أخيه، إذ كان بروخاموس يجر الجثة من قدميها. وأخذ أكاماس يزهو فوقه في اختيال بشع، وهو يصيح عاليًا: «أيها الأرجوسيون، يا من تجيدون الرماية بالقوس، ولا تكفون عن التهديد، إن الويلات والمحن لن تصيبنا وحدنا، بل إنكم ستقتلون مثلنا أيضًا. انظروا كيف يرقد بروخاموسكم هذا، الذي صرعته برمحي، حتى لا يطول بدماء أخي انتظار الثأر، إن المرء ليتمنَّى — لهذا السبب — أن يكون معه في الوغى أحد أقربائه، كي يثأر له إذا ما تردى!»
وإذ قال هذا، حزن الأرجوسيون لتهلله، وكان بينيليوس الحكيم القلب هو أكثرهم غيظًا، فهجم على أكاماس. ولم يصمد أكاماس أمام هجمة الأمير بينيليوس، ولكن بينيليوس جرح اليونتوس بن فورباس، الغني بقطعانه، ذلك الذي أحبه هرميس أكثر مما أحب الطرواديين جميعًا، فحباه بالثراء، وله أنجبت الأم اليونيوس الطفل الوحيد. ولقد أصابه بينيليوس تحت حاجبه — عند محجر عينه — فاقتلع مقلته، ونفذ الرمح خلال العين وخرج من قفاه، فانهار باسطًا يدَيه، ولكن بينيليوس سحب سيفه البتار، وهوى به على عنقه، فأطاح برأسه والخوذة على الأرض بعيدًا. وظل الرمح القوي ساكنًا في داخل عينه، فرفعه بينيليوس عاليًا كأنه ثمرة الخشخاش، وأراه للطرواديين وهو يزهو قائلًا: «أيها الطرواديون، أستحلفكم أن تطلبوا إلى والد ووالدة اليونيوس الفخور، أن يقيما مأتمًا في ساحاتهما، فإن تبتهج زوجة بروماخوس بن اليجينور بمجيء زوجها المحبوب، عندما نعود نحن شباب الآخيين بسفننا من أرض طروادة!»
هكذا قال، فتملَّكت الرعدة أطرافهم جميعًا، وراح كل رجل يتلفت حوله ليبحث عن مهرب من الهلاك الشامل.
خبرنني الآن، يا ربات الشعر، يا من لكُنَّ مساكن فوق أوليمبوس: من كان أول الآخيين، الذي حمل بعيدًا غنائم المحاربين الملوثة بالدماء، عندما بدل مزلزل الأرض المعروف سير المعركة؟ لقد كان أياس بن تيلامون هو الأول حقًّا؛ إذ أصاب «هوريتوس بن جوريتوس»، قائد الموسينيين الجريئي القلوب، واستولى أنتيلوخوس على الأسلاب من «فالكيس» و«ميرميروس»، كما أن ميريونيس قتل «موروس» و«هيبوثيون»، وجندل تيوكر «بروتئون» و«بيريفيتيس» وأحدث ابن أتريوس بخاصرة «هوربيرينور» — راعي الجيش — جرحًا، فأخرج البرونز أحشاءه بمجرد أن مزقها الرمح وهو ينفذ في جوفه، فأسرعت روحه تفيض خلال الجرح، وخيمت الظلمة على عينيه. بيد أن أياس السريع — ابن أويليوس — قتل معظم الرجال؛ إذ كان يفوقهم جميعًا في المطاردة، لسرعة قدمَيه وسط صخب الرجال، عندما كانوا يفرون، وقد أوقع زوس الذعر في قلوبهم!