الملخص
إذا حاولنا أن نعرف بالضبط أي الأشعار يعتبر من تأليف هوميروس بصفةٍ
قاطعةٍ عند بداية أول تراثنا الأدبي، فإن الجواب لا بد أن يكون — كل ما
هو «هوميري وبطولي». وبمعنًى آخر: كل ما يعبر، في شعر بطولي، عن
المجموعتين الرئيسيتين للأسطورة التي تدور حول طروادة وطيبة على
التوالي. وكان أول ذكر لهوميروس بواسطة الشاعر كالينياس Callineas (حوالي سنة ٦٦٠ق.م.) الذي يشير
إلى المنظومة الطيبية Thebais على
أنها من تأليف هوميروس. ويحتمل أن يكون ثاني من ذكر هوميروس هو
سيمونيديس
الأمورجوسي Semonides of Amorgos (حوالي سنة ٦٦٠ق.م.) ذلك الذي يتلو مثلًا على
أنه من قول «رجل من خيوس». وذلك المثل موجود في إلياذتنا: «ينقضي
الإنسان بنفس الطريقة التي تنقضي بها أوراق الأشجار.» ومن الممكن أنه
يشير إلى رجل معين من مواطني خيوس، وأن السطر الموجود في إلياذتنا مجرد
مثل شائع تتضمنه الملحمة، ولكن الملفت للانتباه هو أنه يتلو نفس ذلك
المثل، ويتكلَّم سيمونيديس
الخيوسي Simonides of Xeos (من ٥٥٦–٤٨٨ق.م.)، بعد ذلك بقرن، يتكلَّم عن
هوميروس وستيزيخوروس Stesichorus،
ذاكرًا كيف أن ميل-أرجوس Mele-Argos
قد هزمت كل الشباب حاملي الرماح، المارين خلال أناوروس Anauros البرية، ليس هذا في إلياذتنا ولا
في أوديستنا. ولا نستطيع بإصرارٍ شديد، اقتفاء أثر المنظومة التي جاء
منها ذلك المثل، ويذكر بندار Pindar
اسم هوميروس عدة مرات، ويلومه على تبجيله أوديسيوس، وفي هذا إشارة إلى
الأوديسة — ثم يعود فيعفو عنه لأنه روى «بالتفصيل كل ما يبرهن على
شجاعة أياس Aias». وخصوصًا منظر
إنقاذه جثة أخيل الذي وصف في ملحمتين مفقودتين؛ هما الإلياذة الصغرى
وأيثيوبيس Aethiopis، ويأمرنا بأن
نتذكَّر قول هوميروس: «الرسول الطيب يجلب الشرف لأية معاملة». وهذه
عبارةٌ لا يقولها هوميروس إطلاقًا. ويذكر الهوميريداي، أو منشدي
الأشعار.
إذا أطلق أيسخولوس Aeschylus على
مسرحياته: «شرائح من ولائم هوميروس العظيمة»، فلا بد أن الولائم التي
أشار إليها، كانت أعظم بكثيرٍ من تلك الولائم التي ندعى إليها. ومن بين
جميع مسرحيات أيسخولوس التسعين، قلما نجد أكثر من سبع مسرحيات أخذ
موضوعها من شاعرنا هوميروس. ومن بين هذه المسرحيات: أجاممنون Agamemnon وخويفوروي Choephoroi. ومن الصعب أن نطلب من أحد
النقَّاد أن يصف هاتَين المسرحيتَين على أنهما شرائح من الأوديسة. وما
كان يعنيه أيسخولوس بقوله إن هوميروس، في مجموعه، هو قصة البطولة. هو
نفس ما قاله سوفوكليس Sophocles الذي
يسمى: «أكثر هوميرية»، وما يقوله الأثينيون ليبتهجوا في دورة الشعر
البطولي، ويصنعوا منه دراميات كاملة. وهذا يعني أنه عالَج تلك الأساطير
البطولية التي عرفها أثينايوس Athenaeus فقط في دوائر النثر أو الكتب الصغيرة التي
ألفها ديونيايوس Dionyaius في القرن
الثاني ق.م. وأبولودوروس Apollodorus
في القرن الأول. ويعتبر كسينوفانيس Xenophanes (القرن السادس) «هوميروس وهسيود Hesiod» كل قصص التراث البطولي والآلام على
حدٍّ سواء، كما يعتبرهما هيرودوت تمامًا عندما يقول إنهما كليهما «صنعا
الديانة الإغريقية، ووزَّعا على الآلهة ألقابهم ودرجاتهم الشرفية
وصناعاتهم، ووصفا ما كان يشبه الآلهة».
وفي هذا يستعمل هيرودوت اللغة العرفية، ولكنَّه كان قد اتخذ مستوًى
للنقد الذي يناقض قوله؛ لأنه يُدرك تمامًا أن هوميروس هو مؤلِّف
الإلياذة والأوديسة. وإنه لَيرتاب في أن يكون نظام ذلك الشعر المتأخِّر
شعره. وهو على يقينٍ من أن المنظومة القبرصية Cypria لا يمكن أن تكون له لأنها تُناقِض الإلياذة،
هذا هو الأثر الأدل للميل الذي ساد أخيرًا. ويعترف ثوميديديس في صراحةٍ
تامَّةٍ، بأن الإلياذة والأوديسة وأنشودة أبولو، من نظم هوميروس. ولا
ينسب إليه أريسطو شيئًا غير الإلياذة والأوديسة والشعر البطولي الدعابي
Margîtes. أما الفقرات التي ذكرها
أفلاطون، فلا تذهب إلى أكثر من الإلياذة والأوديسة. وهاتان المنظومتان
وحدهما هما اللتان اعترف بهما لهوميروس العالِم السكندري العظيم
أريستارخوس Aristarchus (١٦٠ق.م.)
فبقيَتا هوميريتَين منذ ذلك الوقت.
كيف حدث أن اختيرت هاتان المنظومتان أصلًا، على أنهما من تأليف
هوميروس بدرجةٍ خاصَّةٍ؟ وكيف حدث، على الرغم من الاختلافات الأساسية
بينهما، أنهما حظيتا معًا بأنهما القصيدتان الحقيقيتان اللتان من تأليف
هوميروس، بينما هناك أشعار مطولة كثيرة، سحبت منه تدريجيًّا؟ ومن
المدهش جدًّا عندما نتأمَّل الفرق وعدم التشابه بينهما اللذين أوضحا في
العصور السكندرية بواسطة الفاصلين أكسينون Xenon وهيلينيوس Hellenieus.