التلاوات البان أثيناوية
رأينا فيما سبق أن آثار تلك التلاوات قد ثبتت الإلياذة والأوديسة على
أنهما من تأليف هوميروس دون ما شك، ولتثبت فيها نوعًا من الحوادث،
وبالطبع لتجعلها ملكًا مقدَّسًا لأثينا. ولنحاول الآن أن ننظر في هذا
الأمر أكثر من ذلك. متى ثبتت؟ هل كان هناك قانون حقيقة، أو كانت هناك
عمليةٌ تدريجيَّة صنعتها التقاليد، كعادتها، فأنشأت قانونًا واحدًا
محددًا؟ أما عن التاريخ، فمن المؤكد أنه لم يكن قبل آخر شخصٍ ينسب إليه
تثبيت العادات، أي أنه ليس قبل حكم هيبرخوس Hipperchus. ومن المحتمل أن يكون بعده. والآن لكي نجعلَ
مؤلَّفات هذا الشاعر الأيوني جزءًا متكاملًا من أعظم احتفال ديني في
أثينا، وهذا شيء لم يسبق حدوثه إلا في عصر النشاط الأخوي مع أيونيا،
تبدأ هذه الحركة بالنسبة لأثينا منذ عهد التمرد الأيوني قبل عام
٥٠٠ق.م. الذي كان يخجل من رجالها المفترضين. فحتى كلايسثينيس Cleisthenes، نبذ أسماء القبائل
الأيونية. ويفتتح العام ٤٩٩ق.م. العصر الأيوني البان أثيناوي العظيم
للسياسة الأثينية، الذي تقبل فيه أثينا مركز العاصمة الرئيسية
metropolis، وحامية أيونيا، وتنتهج
الثقافة الأيونية، وتسمو إلى مركز المدينة ذات السيادة والمسيطرة على
بلاد الإغريق.
لا بد أن العلوم والآداب قد انتقلت من ميليتوس Miletus عند انقلاب القرن السادس ق.م. كما انتقلت
القسطنطينية Constantinople في القرن
الخامس عشر الميلادي، وكانت أثينا ملجأهما الطبيعي. وسنرى فيما بعدُ
كثيرًا من مختلف الرجال والحركات العظمى التي انتقلت في ذلك العصر من
آسيا إلى أثينا. ومن الحقائق المثالية، اتخاذ أثينا حروف الهجاء
الأيونية للاستعمال الشخصي والأدبي، كانت حروف الهجاء الأثينية الوطنية
بائدةً ومبتذلةً ليس فيها حروفٌ ساكنةٌ مزدوجةٌ ولا تمييز كافٍ بين
حروف المد. أما حروف الهجاء الأيونية، فهي التي نستعملها اليوم، ولم
تُستعمل رسميًّا في أثينا حتى عام ٤٠٤. فقد أرادت المستندات العامَّة
أن تحتفظ بعظمتها البائدة، ولكنها كانت مستعملة هناك في الشئون الخاصة
إبان الحروب الفارسية، أي أنها جاءت في العصر الذي قبلت فيه أثينا
وأكدت جدارتها لمركزها كعاصمة أيونيا، واعتنقت الشعر الأيوني كجزءٍ من
ممتلكاتها المقدسة، ولكن جاءت صعوبة غريبة أظهرت نفسها؛ فقد كتبت أشعار
هوميروس في أيونيا، من قبل، باللهجة الأيونية، ما في هذا شك. ومع ذلك،
فإن تراثنا يؤكِّد، وتؤيِّده في هذا كثير من الحقائق الواضحة التي
أبانها السكندريون، واعتبارات نقد النصوص، تؤكِّد أن نصوص أشعار
هوميروس القديمة كانت مكتوبةً بحروف الهجاء الأتيكية. فإذا كان هوميروس
قد جاء إلى البان أثينايا في نفس الوقت الذي جاءت فيه حروف الهجاء
الأيونية الجديدة، إلى أثينا، فكيف أعاد الناس كتابة هذه الأشعار من
الحروف الأحسن إلى الأردأ؟ ليس الجواب على هذا السؤال صعبًا، وهو نفس
الجواب على سؤالٍ آخر لم نستطع حله من قبل. كتبت نسخٌ من شعر هوميروس
باللهجة الأتيكية الرسمية؛ لأن إلقاء هذه الأشعار في البان أثينايا،
كان احتفالًا رسميًّا فرضه أمرٌ قانوني.