المحاضرة الأولى: أحوال الأمة العربية بعد ظهور الإسلام
أيها السادة، أحيِّيكم بتحية الإسلام فأقول: «السلام عليكم»، ثم أُقفِّي على آثارها بأن أقول لكم إن محاضراتنا، التي نبدؤها اليوم، هي من أشق الأعمال وأمنعها إلا عن الجماعات الباحثين المدققين؛ فمقدرة عاجزٍ مثلي تضمحلُّ دون استيفاء هذه المحاضرات، ودون وقوفي موقف معلم يعلمكم ما لم تكونوا تعلمون، لا سيما أن فيكم من هو أولى مني بهذا الموقف الخطير الجليل، فجلُّ ما يصيبكم مما أحمله إليكم من العلم بهذه المحاضرات، هو ضوء مصباح يضيء لكم مواضع أقدامكم؛ فتبصرون الطريق التي تسلكونها للوصول إلى الغاية المطلوبة من اجتماعنا هذا، وما المعلمون إلا مرشدون وهادون، فعليكم بالبحث والتنقيب والدرس، ومسألة أهل الذكر؛ فإن النبوغ في الفنون لا يكون إلا بهذا، فالمدارس مهما علا شأنها وسمت منزلتها، لا يمكنها أن تعلِّم الناس النبوغ في الفنون، وإنما منتهى ما تصل إليه الجامعات التي هي أرقى مدارس الهيئة الاجتماعية؛ إنما هو هداية الطلاب إلى طرق النبوغ وأساليبها، فلا تتواكلوا ولا تفتر عزائمكم؛ ليكون لنا منكم في المستقبل رجال يَفضُلوننا، ويَفضُلون مَنْ هم أفضل منا من حاضري مجلسنا هذا الذين أشرت إليهم بادئ الأمر.
ما زال العرب يعيشون منذ برأهم الله عاكفين حول الشعاب والجبال، قانعين في خمولهم وضلالهم بنعمة الحرية والاستقلال، حتى كان القرن السابع للميلاد، وحينئذٍ جاء دورهم الطبيعي، فظهروا في مظهرهم الحقيقي، وبهروا العالم بما كان كامنًا في نفوسهم من المواهب وأسباب الاستعداد؛ فإن الحرية والاستقلال أكمنتا في نفوسهم العزيمة الصادقة وقوة الإرادة، وهاتان الخُلَّتان هما نبعتا الفضائل ومصدرا النجاح والرُّقي في معترك الحياة، والأمم المغلوبة على أمرها لا تحيا فيها خلة من هاتين الخلتين الجليلتين.
بعث الله فيهم ومنهم «محمدًا» — عليه الصلاة والسلام — بدين جديد: هو دين التوحيد، وبملة سمحة: هي الحنيفية البيضاء، فجعل لهم بذلك نظامًا جميلًا، ومقامًا جليلًا، بعد أن عاشوا همجًا زمانًا طويلًا، وعاثوا في الأرض مفسدين.
بزغت أنوار الإسلام وانتشرت تعاليمه في رُبى الحجاز وفي ربوع اليمن، فأدخلت هذه الأمة في طور جديد، كان فاتحةً لعصر من عصور الحضارة التي أبهرت العالم أجمعه في تلك الأيام، ولا تزال موضع الإعجاب إلى هذا الزمان، تلك الحضارة التي وضعت للناس أول أساس للحرية والإخاء والمساواة، وكانت مقدمة لما نشاهده من آثار العمران، وارتقاء المدارك وتقرير حقوق الإنسان.
إن المبادئ التي جاء بها الإسلام هي التي جمعت كلمة العرب وألَّفت بين قلوبهم؛ فتكونت منهم أمة واحدة متجانسة متماسكة، كانت قبل ذلك أشتاتًا بعضها لبعض عدو، وهي في مجموعها بمعزل عن سائر الأمم والشعوب، كأنها في غير هذا الوجود تنبهت الأمة العربية من غفلتها، وأفاقت من غفوتها، وقامت من رقدتها، حينما أخذت بأوامر دينها الجديد، ودخلت في معترك الحياة، عملًا بأوامر ربها ونبيها والنابغين من رجالاتها؛ فسادت العالم القديم في أقل من القليل؛ لأنها بلغت في مدة ثمانين سنة من عزة المُلك، وضخامة السلطان، ورجحان الكلمة، واتساع دائرة النفوذ ما لم تبلغه أكبر الأمم القديمة حتى الرومان في عشرة أمثال هذه المدة من الزمان.
وبعد الخلفاء الراشدين انتقلت الخلافة إلى الأمويين، فكان لهم الفضل الأكبر في تأثيل المُلك، وتوطيد دعائم الخلافة، ونشر الآداب واللغة العربية، وتمهيد الوسائل لإقامة معالم الحضارة الإسلامية على أساس متين، وأكبر مميز لعصرهم هو احترام الحرية التي جاء بها الإسلام؛ فأمتعوا الناس باستقلال الفكر، فكانت ديار الأمراء ومعاهد العلم ملأى بالعلماء والشعراء، والكُتَّاب الكتابيين وغيرهم، وكانوا أحرارًا في عقائدهم وأعمالهم، وأمرُ الأخطل الشاعر النصراني ومجاهرته بعقيدته في الإسلام أشهر من أن يُذكر، وكانت المرأة الكتابية زوج المسلم متمتعة بعقيدتها وذهابها إلى كنيستها أو بيعتها.
فقد تمتَّع الناس في عصر الأمويين بتمام الحرية في أشخاصهم وفي مجموعهم وأفكارهم، وفي عقائدهم لدرجة لا يتصورها إنسان في مثل ذلك الزمان، غير أنهم شطوا في هذا الميدان حتى انقلبت الحرية إباحة، والناس على دين ملوكهم، فإن الخلفاء في أواخر الأمر بالغوا في السُّكْر والكفر لدرجة استباح معها أحدهم — وهو الوليد — ألَّا يبرح مجلس السُّكْر إلى عرش المُلك (حينما جاءته البشرى بالخلافة، وأتاه القضيب والخاتم مع البردة، وقدَّم له نُدْمانه فروض الإجلال والاحترام، ووقفوا في حضرته خاشعين خاضعين) حتى يغنوه بأبيات ارتجلها يهنئ بها نفسه، وهي:
والوليد هو الذي فتح المصحف ذات يوم، فكانت أول آية فُتحت عليها عينه قوله تعالى: وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، فبلغ منه الحنق منتهاه، فنصب المصحف ناحيةً هدفًا له، وجعل يرشقه بالسهام وهو يقول:
واستمر الخلفاء على قبح السيرة والانهماك في الملاهي، حتى ذهب مُلكهم على أسوأ حال، وضُربت به الأمثال، فقيل ذهب مُلك بني أُمية ببولة، وانتقلت الدولة عنهم إلى بني العباس في خَطب يطول، وكانت دمشق دارًا لملك بني أمية، وشعارهم البياض في راياتهم ولباسهم.
فلما جاء بنو العباس، اتخذوا بغداد مقرًّا لكرسيهم، والسواد شعارًا لهم، وكانت جنودهم تسمى المسودة؛ لأن راياتهم سود، والأصل في اتخاذ العباسيين الأسود شعارًا لهم مخالفة الأمويين، وتلك سُنَّة إخلاف الملوك لأسلافهم، وأمثال ذلك كثيرة معروفة، منها: أن المأمون الخليفة العباسي لبس الأخضر؛ لأنه من العلويين، فكاد يختل أمر الملك؛ فرجع بعد أسبوع إلى الأسود.
وصارت بغداد في عهد الرشيد وابنه المأمون منبعًا للحضارة، ومشرقًا للمعارف، ولا نزيد عصر العباسيين وصفًا، ولا حضارتهم تعريفًا، بغير قولنا إن أوروبا كانت على عهدهم تتخبط كلها في غيابة الغواية والضلالة، وتهيم في فيافي التوحش والجهالة، ثم غيَّر القوم ما بأنفسهم؛ فغيَّر الله ما بهم، وتمزق هذا المُلك الإسلامي الفخيم، وتشتَّت شمل هذه الدولة الهائلة، وأصبحت الخلافة الإسلامية مثلثة، على حين أن دين التوحيد يدعو إلى توحيدها، فكانت أولاهن في العراق في آسيا، وهي «العباسية»، ومركزها بغداد، والثانية في مصر في أفريقيا، وهي «الفاطمية»، ومقرها القاهرة، والثالثة في الأندلس في أوروبا، وهي «الأموية» وعاصمتها قرطبة، من أعمال إسبانيا الآن.
أما الخلافة العراقية، وهي «العباسية»؛ فقد أسرعت إليها عوامل الانحطاط والانحلال لسببين: أحدهما ديني، والآخر سياسي، فأما الديني فلأنها تشبثت بالخلافيات والجدليات، وفتحت الباب لظهور النِّحَل المتعددة، والمحن السيئة، وأكبر محنة في الإسلام القول بخلق القرآن، الذي نصره وأيَّده بعض خلفاء بني العباس، ومنهم المأمون بن هارون الرشيد، ومناظرات العلماء في تلك المسألة وفي حضرة المأمون سُوِّدت بها صحف كثيرة. وأما الثاني فلأنَّ الأتراك والغلمان قد استحوذوا منذ زمان طويل — أي من أيام المعتصم — على مقاليد التدبير فيها، وانتهى إليهم الحل والعقد في كل أمر، حتى في اختيار الخليفة ومبايعته، ولم يتركوا لصاحب التاج سوى اسم الخلافة، حتى كان أبو القاسم أحمد المعتمد على الله بن المتوكل يطلب الشيء الحقير فلا يناله، وضاق به الحال واشتد عليه الأمر يومًا، فقال في ذلك متوجعًا:
واستمروا في هذا التدلِّي والانحطاط حتى انتقلت الدولة والمُلك في آخر أيام المتقي وأول أيام المستكفي إلى آل بويه، والذي بقي في أيدي العباسيين إنما هو أثر ديني اعتقادي، لا ملك دنيوي سياسي، وأصبح القائم من ولد العباس إنما هو رئيس الإسلام، لا ملك الإسلام.
وما زالت دولتهم تتأخر وأمرهم يتقهقر، حتى دهمتهم جنود التتر، فلم يكن لهم من أمر الله مفر، وحينئذ تصدعت أركان هذه الدولة المجيدة، وتقوضت دعائمها، وطُمست معالمها، وذهبت مع أمس الدابر، ودخلت في خبر كان.
هذا ولا عبرة بالظل الذي ظهر لها فيما بعدُ بديار مصر، فإن تلك الخلافة العباسية الثانية كان القائم بها إنما يؤدي وظيفة دينية، كأنه شيخ طريقة من طرق الصوفية، بل لم يكن لصاحبها سوى تثبيت السلطان في المركز الذي يرشِّحه له عصبته من المماليك، على أن هذا الظل لم يبقَ له أدنى أثر في الوجود عندما ظهر آل عثمان على مصر، ولا غرابة؛ فكل ظل مُعرَّض للزوال.
وأما الخلافة الأندلسية، وهي «الأموية»، فقد تجلَّت على أوروبا بمظهر رائع، ونشرت رايات الحضارة، وساعدت على ترقية المعارف، وأخذ عنها الفرنج مبادئ العلوم وأساليب الفنون والفلسفة، التي كانت السبب الحقيقي لما هم فيه الآن من حضارة أذلَّت لإرادتهم العناصر، وأخضعت لهم الطبيعة، وسخَّرت لهم كل ما في هذا الكون، وحسبها ذلك فخرًا، ولا تزال آثارها بديار الأندلس ناطقةً بما بلغته من علو الكعب في كل مضمار، غير أنها قد انتهى أمرها مثل غيرها من الدول الفخيمة، التي وصلت إلى نهاية الغايات؛ فأدركها الهرم قبل الأوان، وأفل نجمها؛ إذ تسللت إليها جراثيم الفساد، وتداخلت فيها الأطماع الشخصية، حتى انقسمت على نفسها، بينما كان أهل إسبانيا وملوك الفرنجة لها بالمرصاد، يتحيَّنون لها الفرص للإيقاع بها والقضاء عليها، فانفرط عقد الخلافة وانتثرت، واستقل الولاة والعمال بهذه الأجزاء المتفرقة، ثم لم يكتفوا بتسمية أنفسهم بملوك الطوائف، بل تنافسوا في التشبه بالخلفاء في أبهة الملك وفخامة الألقاب، حتى قال شاعرهم:
فما عتموا أن تطرقت إليهم أسباب الضعف والسقوط بعد هذا التفرق، فكان بعضهم يحارب بعضًا، ويتناصرون على أنفسهم بعدوهم، ويتقربون إليه بالقلاع والحصون لتشفِّي بعضهم من بعض، وتمادوا في ذلك الضلال إلى أن آل الأمر بهم إلى خروج الأمر من أيديهم، ودخلوا جميعًا في قبضة عدوهم؛ فانزوت بقية الأمة الأندلسية المجيدة في غرناطة، وأفرادها مع ذلك في شقاق مستديم، فكانوا لعدوهم خير معاون على انتزاع مُلك الصمامة الباقية لهم، ولكنهم، والحق يقال، قد دافعوا بما بقي فيهم من بأس قديم، وما تولاهم من يأس مقيم إلى أن أبى القدر المحتوم، فوقعت هذه الأمة في مخالب عدوها فريسة كريمة، بعد أن أخذت عليه العهود التي رأتها ضامنة لبقائها، ولكنه نكث بالعهد، ولم يفِ بالشرط، فصبر الباقون على الخسف والهوان تعلقًا بأذيال الوطن العزيز، بيد أن السيف والنار أفنيا معظمهم، وطرد الإسبانيون القليل الباقي منهم إلى الخارج، فذهب بعضهم إلى جنوب فرنسا وإلى سويسرا، وبعض آخر إلى إيتاليا، ودخل في غمار أهلها على طول الزمان، وتناسى أصله العربي ودينه الإسلامي، ولكنه حفظ رغم أنفه عادات وأخلاقًا شرقية، وبقيت فيه بقية من الملامح العربية التي تتجلى فيه للناظرين، وذهب آخرون إلى مراكش، والجزائر، وتونس، وكان لهم فيها شأن مذكور، وأثر في الحضارة محمود، وجاء فريق منهم إلى مصر في دولة المماليك، فغمروهم بالإحسان، وجعلوا لهم الرواتب، وأرصدوا عليهم بعض الأوقاف، وذهب نزر يسير ومعهم جمهور من اليهود إلى القسطنطينية، وسلانيك، وأزمير، وغيرها من مدائن الدولة العلية، التي كانت قد ظهرت في ذلك الزمان، فنشر الأندلسيون بانتشارهم هذه الحضارة في ربوع أوروبا، وشمال أفريقيا.
وبهذا أصبحت إسبانيا ليس فيها منهم إلا من تنصَّر، وأبناؤهم فيها إلى اليوم، ولا تزال أسماء بعضهم عربية شابتها العُجمة أو تطرَّق إليها التحريف، ومنهم من يفتخر بانتسابه إلى العنصر العربي الكريم، ولم يبقَ في الأندلس من هذه الخلافة التي كانت صاحبة القول الفصل في الشئون العمومية السياسية، وفي الأمور الداخلية لبعض الممالك الإفرنجية، سوى آثارها الفخيمة ومآثرها الخالدة التي تدل على ما كان لها من التأثير الكبير في ارتقاء الحضارة ونشر العلوم، والله وارث الأرض ومن عليها.
بله ما امتازت به في أخريات حياتها من أساليب الختل والخداع، وتهالُكها أكثر من غيرها على استباحة الحرمات، فقد كانت تصادر الرعية وأرباب الدولة بغير حق ولأَوْهى سبب حتى أصبح الخليفة «النهاب الوهاب»، هذا عدَا إفحاشهم في سفك الدماء، فقد بلغ القتل درجة لا يتصورها عقل، ومن ذلك أن ولي العهد حسن بن الحافظ لدين الله ذبح في ليلة واحدة أربعين رجلًا من أمراء مصر، إلى غير ذلك مما ارتكبه من الموبقات التي أشار إليها المعتمد بن الأنصاري، صاحب الترسُّل، بقوله:
فلذا حَقَّت عليها كلمة الله فدمرها تدميرًا، وقامت على أثرها الدولة «الأيوبية»، ولها على الإسلام اليد البيضاء؛ لأنها حفظت كيانه، وصانت بيضته، وردت غارات الصليبيين عن دياره، وقد كانت أوروبا تألَّبت وتمالأت عليه، بينما كان أهلوه متقطعين متدابرين متخاذلين. ثم دال أمر الأيوبيين وأعقبتهم دولة المماليك، فجاء مصر رجلان أحدهما تلو الآخر، وقد أثبت الثاني كما أثبت الأول أنه البقية الباقية من سلالة بني العباس، فقلَّد المماليك أوَّلهما الخلافة اسمًا؛ أي كما كانت لأجداده في بغداد، وأرسلوه في جيش جرار لاستردادها فهلك.
وأما الثاني فتقلَّد بمصر هذه الخلافة الاسمية الوهمية، وبقيت الأحكام كلها في أيدي السلاطين من المماليك، حتى كان الفتح العثماني في أيام السلطان سليم الأول، فبايعه الخليفة العباسي المصري الذي كان في ذلك الوقت، وتنازل له عن الخلافة طوعًا أو كرهًا.
ثم مات أو قُتل بعد ذلك بقليل؛ فانحصرت الخلافة في آل عثمان، وهم عُمُدها وعَقَّادو ألويتها إلى الآن، أدام الله دولتهم، وخلَّد شوكتهم، ورفع كلمتهم، وأيَّد خلافتهم، إنه سميع مجيب.
نرجع الآن إلى الأمة العربية الأصلية، ونقول إن شبه جزيرة العرب التي صدرت عنها هذه الحركة العجيبة قد رجعت منذ أجيال إلى حالتها السابقة من البداوة والخمول، حتى ظهر فيها «محمد» بن عبد الوهاب، فحاول إرجاعها إلى نشأتها الأولى ومجدها الداثر، وبث تعاليمه التي ذهب إلى أنها تعيد إلى الإسلام شبابه وفخاره، فاتبعه خلق كثير، ولكنهم دُفعوا إلى ارتكاب كثير من المحارم؛ فتجرد لهم محمد علي والي مصر، وجرَّد عليهم «سيف الله في الأعصار المتأخرة»، وهو ابنه البطل المغوار، والفارس الكرار إبراهيم باشا، فأباد سطوتهم، وقضى على آمالهم، ولكنهم لا يزالون كثيري العدد في تلك الأقطار.
هذه الأمة العربية التي نشرت لغتها الواسعة، وفنونها الرائعة، وآدابها الجليلة، ومعارفها الغزيرة، في قسم عظيم من آسيا وأفريقيا وبعض أوروبا، وابتكرت علوم «الجبر والمقابلة»، والكيمياء «الكاذبة والصادقة»، واخترعت أرقام الحساب والصفر، وكانت لها اليد الطولى في علم «التنجيم والنجوم»، وغير ذلك من المعارف التي أخذتها عنها أوروبا.
هذه الأمة قد أصبحت اليوم بحيث تكاد ألَّا يكون لها شان في الوجود، بل ولا يأتي ذكرها إلا بما ترتكبه من السلب والنهب فيما بينها، والسطو على القوافل والتجار التي تسير في أرضها، فسبحان محول الأحوال!