نبذة عن المؤلف
عندما تنظر إلى أي شخص فمن الطبيعي أن تتساءل عما أوصله إلى ما هو عليه. وعندما تقابل مات ريدلي فإنك تلتقي برجل طويل القامة دمث الخلق عميق التفكير يولي اهتمامًا لتفاصيل العالم من حوله، حتى إن أبسط الأسئلة تحظى بدراسة مستفيضة من جانبه. هل هي إذن الطبيعة أم التنشئة التي أوصلت مات ريدلي إلى ما هو عليه اليوم؟ يؤكد ريدلي أنه مزيج بين الاثنتين. والواقع أن هذا ليس مدعاة للدهشة؛ لأن هذه هي الرسالة الجوهرية التي قام عليها كتابه «الطبيعة عبر التنشئة» (الذي يسمى الآن «الجين الرشيق»).
وُلد ريدلي في إنجلترا عام ١٩٥٨، وتربى خارج نيوكاسل في مزرعة قمح وألبان ريفية توارثتها عائلته على مدار ثلاثة قرون. يعلق ريدلي ومشاعر الشوق تتملكه أنه لم تكن هناك حياة أفضل من هذه الحياة. تلقى تعليمه في كلية إيتون، ثم انتقل إلى دراسة علم الحيوان في جامعة أكسفورد. ويقر ريدلي أنه حظي بخلفية خصبة إلى أبعد الحدود اشتركت في تشكيلها أفضل طبيعة وأفضل تنشئة.
ثمة عامل من الواضح أنه تفوق على غيره من العوامل الأخرى في توجيه ريدلي إلى المسار الذي سلكه في حياته، وهو «وَلَعُه المطلق والطاغي» بمراقبة الطيور أثناء طفولته. وقد كان والده هو الآخر مولعًا بمراقبة الطيور. هي الوراثة إذن؟ ينفي ريدلي ذلك بقوله: «كلّا، فجدي لوالدي كان يعمل مهندسًا. لقد ورثت الشخصية التي دفعتني إلى الاهتمام بهذه الأمور، ثم اكتسبت العادة التي أُصْقِلَت بعدئذٍ بالممارسة.»
تولّد عن اهتمام ريدلي بمراقبة الطيور اهتمامُه بالتاريخ الطبيعي الذي أدى بدوره إلى حصوله على درجة علمية في علم الحيوان، وإجراء بحوث علمية على طائر «التّدْرُج»، ونال درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد عام ١٩٨٣. لكنه اكتشف أثناء إعداد رسالته أن استمتاعه بالكتابة يفوق استمتاعه بالبحث العلمي، لذلك ترك الحياة الأكاديمية وانضم إلى مجلة «ذي إيكونوميست».
عمل ريدلي في مجلة «ذي إيكونوميست» تسع سنوات بدأها مراسلًا علميًّا ثم محررًا علميًّا وفي النهاية مراسلًا لها في واشنطن. في عام ١٩٩٦ أصبح ريدلي الرئيس المؤسس للمركز الدولي للحياة في نيوكاسل (مجمع بحث علمي ومركز تعليمي بتكلفة ٧٠ مليون جنيه استرليني مخصص لأبحاث علم الوراثة)، وهو الدور الذي يفخر به ريدلي. علاوةً على ذلك كان ريدلي يكتب في صحيفتي «ديلي تليجراف» و«صَنداي تليجراف»، وألَّف عددًا من الكتب عن العلوم المبسطة لاقت استحسانًا كبيرًا، ومن بينها «الملكة الحمراء: الجنس وتطور الطبيعة البشرية» (١٩٩٤)، فضلًا عن الكتاب الذي بين يديك الآن، وهو من الكتب التي حققت أعلى مبيعات على المستوى الدولي، ونُشِر لأول مرة عام ٢٠٠٠.
ريدلي متزوج ولديه طفلان، ويعيش بالقرب من نيوكاسل مع زوجته آنيا هيرلبرت، وهي «عالمة ضليعة» على حد قوله. تعمل آنيا عالمة أعصاب، وتسعى إلى فهم كيفية تفسير المخ لما يرد إليه من رسائل عبر العينين. يبدو توفيق ريدلي بين عمله وحياته المنزلية أمرًا خارقًا، فكما يذكر ريدلي نفسه: «ربما لا يكون من باب الصدفة تمامًا أن أؤلف كتابًا عن التزاوج بعد أن تزوجت بوقت قصير، وأن أكتب عن الطبيعة والتنشئة بعد أن أنجبت أطفالًا بوقت قصير أيضًا.»
يقول ريدلي إن «حقائق الأبوَّة كانت مباغتة»، وإنه توقع أن يمارس قدرًا أكبر من السيطرة على أبنائه. «من المدهش أنهم لا يأتون إلى العالم بشخصياتهم المستقلة فحسب، وإنما بمجموعة من السلوكيات المشكَّلة تشكيلًا تامًّا والمقاوِمة لك غاية المقاومة.» ويضيف ريدلي أنه يقال إن الناس يؤمنون بالتنشئة عندما يكون لديهم طفل واحد، ويؤمنون بالطبيعة الفطرية عندما يصبح لديهم طفلان. وباعتباره أبًا لطفلين، يرى ريدلي اختلاف أحدهما عن الآخر اختلافًا جذريًّا على الرغم من تنشئتهما في البيئة نفسها.
ولو لم يكن ريدلي يعرف تأثير الجينات، فلربما ظن أن سلوك طفليه تَشَكَّل بصورة تكاد تكون كاملة نتيجة تأثير أبويهما فيهما. ويقر ريدلي الآن أن الأبوَّة مهمة بالقطع، لكنها لا تغير الشخصية، فمن الواضح أن الأطفال يكونون أكثر إدراكًا لعلاقات الأقران وضغوطهم، وأنهم يكيفون أنفسهم مع هذه العوامل أكثر مما يفعلون مع إرادة آبائهم. ويظن أن الأطفال يقارنون أنفسهم بأشقائهم وأقرانهم ليحكموا على طبيعة شخصيتهم، ويحددوا نقاط تميزهم. ثم يأتي أثر رد الفعل بعدئذٍ؛ فإذا وجدوا أنهم يتميزون في شيء مثل لعبة التنس فإنهم يستمتعون بممارستها، ويقضون فيها وقتًا أطول، ومن ثم يتحسن أداؤهم. أما إذا انتهوا إلى أنهم لا يجيدون فعل شيء ما فسوف يتوقفون عن ممارسته.
يهوى ريدلي صيد الأسماك، ويبحث عن الإلهام على شبكة الإنترنت، ويتمنى لو أنه كتب مسرحية «أركيديا» للكاتب المسرحي توم ستوبارد. وهو لا يغادر منزله مطلقًا دون بوصلته التي يستخدمها «في الخروج من محطات المترو».