عودة الشارد
قبل أن أنام في تلك الليلة، ظللتُ أعمل ساعاتٍ طِوالًا في غرفة المحرك. كان الزورق يعمل بالزيت، وبحالة جيدة جدًّا؛ لذا بدا أنَّ مهمتي لن تكون شاقة. لم يكن يُوجَد أحد يمكن أن يوصَف بأنه مهندس، لم يكن يوجَد سوى رجلَين فقط من هامبورج كانا مُتدرِّبَين في ترسانةٍ لإنشاء السفن قبل ذلك بعام، بالإضافة إلى عمال الفرن. كانا رجُلَين مُهذبَين، ومُصابَين بالسل، وكانا يفعلان ما أطلبه منهما ولا يتحدثان كثيرًا. لو أن أحدًا رآني عند حلول موعد نومي آنذاك، وأنا أرتدي السترة الزرقاء، والخف المنزلي الليِّن، والقبعة المسطحة — التي كانت كلها أغراضًا تخصُّ والتر الراحل — لأقسم أنني نشأت من صغري على تشغيل مُحركات القوارب النهرية، في حين أنني قد اكتسبتُ جُل معرفتي بتشغيلها أثناء رحلة في نهر الزمبيزي، عندما ثمل المهندس المختص الأصلي وسقط في الماء بين التماسيح.
كان الربان — وكانوا يدعونه شينك — تائهًا في هذه الوظيفة. فكان فريزيًّا وبحارًا من الطراز الأول مُتخصصًا في المياه العميقة، ولكن لأنه كان يعرف دلتا الراين، وبسبب تجميد الرحلات البحرية التجارية الألمانية حتى نهاية الحرب؛ فقد أوكلوا إليه هذه المهمة. كان يشعر بالمَلل منها، ولم يكن يفهمها جيدًا. كانت خرائط النهر تُحيره، ومع أنَّ الملاحة النهرية أسهل؛ لأنَّ مسارات الأنهار تكون جليَّة تمامًا على مدى مئات الأميال، كان يشعر بقلقٍ دائم حيال توجيه الزورق وقيادته. وبدا واضحًا أنه كان سيشعر بارتياح أكبر بكثيرٍ لو كان يستكشف طريقه بصعوبة عبر مياه مصبِّ نهر إمس الضحلة، أو يُواجه رياحًا شمالية شرقية في بحر البلطيق الضحل. كان يسحب خلفه ستة صنادل، لكنَّ فيضان الدانوب الغزير كان يُسهِّل مهمته، إلَّا عند الإبطاء. كان يوجَد رجلان على كلِّ صندل، وكانوا يأتون إلى متن القاطرة كل صباح لأخذ حصص الإعاشة. كانت هذه مهمة غريبة؛ لأننا لم نكن نتوقف من أجلها قطُّ ما دام ذلك ممكنًا. فكلُّ صندل كان له قارب تجديف صغير، وكان الرجال يجدفون به إلى الصندل التالي ويستقلُّون القارب الخاص بذلك الصندل، وهكذا دواليك وصولًا إلى القاطرة. كنا نجد ستة رجال يأتون في القارب الخاص بالصندل الأقرب لنا ويحملون المؤن للباقِين. كان معظم الرجال شبانًا فريزيين بطيئي الكلام، ذوي شعرٍ رملي اللون، أشبه بالرجال الذين يُصادفهم المرء على ساحل إسكس.
ولمَّا كان شينك بحارًا مُتخصصًا في المياه العميقة، ومن ثَم كان مبتدئًا في هذه الوظيفة، فقد انسجمت معه. كان رجلًا طيبًا ومُستعدًّا تمامًا لاستيعاب التلميحات وتقبُّلها؛ لذا، وقبل انقضاء أربع وعشرين ساعة منذ صعودي على متن السفينة، كان يحكي لي كل مشكلاته، وكنتُ أبذل قصارى جهدي لإدخال البهجة عليه. وقد توالت المشكلات بكثرة؛ لأن الليلة التالية كانت ليلة رأس السنة.
كنتُ أعلم أن تلك الليلة هي موسمٌ للاحتفالات والبهجة في اسكتلندا، لكنَّها في ألمانيا لا تُقارَن بمثيلتِها في اسكتلندا. حتى شينك نفسه، مع أنه كان مسئولًا عن حمولات ثمينة، وكان يسابق الزمن للوصول في الموعد المُحدد، كان مُقتنعًا تمامًا بأن الرجال لا بد أن يُمنحوا إذنًا للاستمتاع باحتفال صاخب. وصلنا قبل حلول الظلام مباشرة إلى جوار مدينة متوسطة الحجم، لم أعرف اسمها قط، وقررنا أن نرسو هناك الليلة. كان الاتفاق أن يبقى رجلٌ واحد في كل صندل من أجل الحراسة، على أن يأخذ زميله إجازة مُدتها أربع ساعات على البرِّ. ثم يعود ويحل محلَّ صديقه، الذي سيأخذ بدوره الإجازة نفسها. كنتُ أعرف سلفًا أنني سأشهد بعض اللهو والفوضى عند عودة الدفعة الأولى من الرجال، لكني لم أجرؤ على الاحتجاج. كنت متلهفًا بقلقٍ شديد لتخطِّي الحدود النمساوية؛ لأنني كنتُ أشعر بأننا قد نتعرض للتفتيش هناك، لكنَّ شينك كان يعتبر الاحتفال برأس السنة أمرًا مهمًّا جدًّا، لدرجة أنني كنتُ سأعرِّض نفسي لمشادة معه لو حاولت أن أجادله.
كانت النتيجة كما توقعت. جاءت الدفعة الأولى من الرجال إلى متن السفينة نحو منتصف الليل، غير واعِين بالدنيا من شدة السُّكْر، على حين تخلَّف الآخرون وجاءوا يتسكعون في أوقاتٍ مختلفة من صباح اليوم التالي. بقيتُ على متن الزورق لأسبابٍ واضحة، لكن الوضع صار مقلقًا للغاية في اليوم التالي، واضطُررتُ إلى النزول إلى البر مع الربان لنحاول جمع بقية المتخلِّفين. تمكنا من جمعهم كلهم باستثناء اثنين، وراودني شعور بأنَّ هذين الاثنَين ما كانا ينويان العودة قط. صحيح أنني، لو كنتُ أعمل في وظيفةٍ سهلة كهذه على قارب نهري، ما كنتُ لأرغب في الهرب إلى وسط ألمانيا وأنا أعلم تمام العلم أنَّ أفضل مصيرٍ ينتظرني هو التجنيد الإجباري وإرسالي إلى الحرب في الخنادق، لكنَّ خيال الفريزيين أضيق من خيال سمك الحدوق. كان المُتخلِّفان من حراس الصنادل، وأتصور أنَّ رتابة حياتهما قد أرهقت أعصابهما.
كان الربان يستشيط غضبًا؛ لأنه كان يعاني نقصًا في العمالة أصلًا. كان سيُجنِّد بعضًا من أهل البلدة عنوة، لكنه لم يجد فيها أي فائض من الرجال، لم يجد سوى صبية وعجائز. ولأنني كنت أساعد في تسيير الرحلة؛ كنت أنا أيضًا مستاءً جدًّا، وغمرتُ السكارى بمياه الدانوب المثلجة، متفوهًا بأقذع الألفاظ التي أعرفها في الهولندية والألمانية. كان صباحًا قارس البرودة، وبينما كنا نهرع غاضبين في الشوارع المجاورة للنهر، أتذكر أنني سمعتُ في تلك الأثناء صوت طقطقة رتيبة من إوزات برية كانت تحلق فوق رءوسنا، وتمنيتُ أن أطلق النار عليها. قلت لأحد الرجال — وكان أشدهم إزعاجًا لي — إنه عار على الإمبراطورية العُظمى، ولا يصلح إلَّا للقتال مع الإنجليز الحقراء.
قال الربان: «يا رب السماء! لا يُمكننا التأخر أكثر من ذلك. يجب أن نتدبر أمرنا بالأفراد المُتاحِين بأفضل طريقة ممكنة. يمكنني الاستغناء عن رجلٍ واحد من طاقم متن الباخرة، وعليك أن تتخلى عن واحدٍ من عمال غرفة المحرك.»
اتفقنا على ذلك، وبينما كنا نُهرع عائدين إلى القارب لاهثين بعض الشيء، لمحتُ شخصًا جالسًا على دكةٍ بجوار مكتب الحجز على الرصيف البحري. كان شخصًا ممشوقًا يرتدي حُلة قديمة باللون الكاكي، وبدا لي أنها حُلة بالية مُستعملة فقدَت شكل الزي العسكري منذ أمدٍ بعيد. كان ذا وجه لطيف، وكان يدخن بهدوء وسكون، متأملًا النهر والقوارب وإيانا، نحن الرجال الصاخبين، بعينَين هادئتَين وديعتَين. انتابتني دهشةٌ بالغة أشد ممَّا لو كنت رأيت الجنرال فرنش جالسًا هناك بمظهرٍ غريبٍ لا مثيل له في الدنيا.
حدَّق الرجل إليَّ دون أن يُبيِّن أنه تعرَّف هويتي. كان ينتظر إشارة منِّي ليتكلم.
تحدثت بسرعة باللغة السوتية؛ لأنني خشيتُ أن يفهم الربان الهولندية.
سألته: «من أين جئت؟»
قال بيتر: «سجنوني، وهربت. أنا متعب يا كورنيليس، وأريد مواصلة الرحلة بقارب.»
قلت له: «تذكر أنك عملت لديَّ في أفريقيا. أنت عائد إلى الوطن للتو من دامارالاند. أنت ألماني اغترب ثلاثين عامًا عن وطنه. تستطيع الاعتناء بأفران مراجل القوارب، وعملت في المناجم.»
ثم تحدثت إلى الربان.
«ها هو رجل كان يعمل لديَّ يا كابتن شينك. من حُسن حظنا الهائل أننا صادفناه. صحيح أنه عجوز وليس ذكيًّا جدًّا، لكني أضمن لك أنه عامل جيد. يقول إنه سيأتي معنا، ويُمكنني الاستعانة به في غرفة المحرك.»
قال له الربان: «قف.»
وقف بيتر، خفيفًا ممشوقًا نحيفًا صلبًا كالفهد. والبحَّارة لا يحكمون على الرجال وفق حجمهم ووزنهم.
قال شينك: «سيُلبِّي الغرض»، وفي الدقيقة التالية كان يعيد ترتيب طاقمه، ويوبِّخ العرابدة المُتخلفين بقسوة. شاءت المصادفة ألا أستطيع إبقاء بيتر معي، واضطُررت إلى إرساله إلى أحد الصنادل، ولم يكن لديَّ وقت للحديث معه إلا ببضع كلمات قليلة، حين أخبرته بأن يُمسك لسانه، وأن يتظاهر بالغباء ليؤكد السُّمعة المأخوذة عنه. كان ذلك الاحتفال اللعين برأس السنة قد أحدث فوضى عارمة في الطاقم كله، وكنتُ أنا والربان نشعر بإنهاك شديد قبل أن نصحح الأوضاع.
أتى ذلك بنتيجةٍ نافعة من ناحيةٍ ما. فقد عبرنا الحدود في ظهيرة ذلك اليوم، ولم أُدرك ذلك إلا حين شاهدتُ رجلًا بزيٍّ رسميٍّ غريب يصعد إلى متن القارب، ونسخ بعض الأرقام على جدول زمني، وأحضر إلينا رسائل وطرودًا بريدية. ولأنَّ وجهي كان مُتسخًا، وحالتي العامة توحي بالانهماك في العمل؛ لم أكن أبدو شخصًا مُريبًا حتمًا. دوَّن أسماء الرجال الموجودين في الصنادل، وأعطيناه اسم بيتر على أنه الاسم المدوَّن في دفتر طاقم السفينة: أنطون بلوم.
قال الربان: «لا بد يا سيد براندت أنك تستغرب أن يتفحصك شرطيٌّ، وأنت الذي تُصدر أوامر لكثير من الشرطيين بالتأكيد.»
هززتُ كتفيَّ. وقلت: «هذه مِهنتي. غالبًا ما يُحتِّم عليَّ عملي أن أمضي مُخفيًا هويتي الحقيقية عمن يعملون تحت إمرتي.» لاحظتُ أنني كنتُ أكسب احترام الربان. فقد أعجبَته طريقة قيادتي للرجال وإلزامهم بممارسة عملهم؛ لأنَّني كنتُ متمرسًا من قبلُ في قيادة الزنوج.
في وقتٍ متأخر من مساء يوم الأحد ذلك، مررنا عبر مدينة كبيرة قال لي الربان إنها فيينا. كانت تبدو مُمتدة أميالًا طويلة، ومضاءة بأنوار ساطعة كالسيرك. ثم أصبحنا وسط سهولٍ شاسعة، وصار الهواء قارس البرودة. كان بيتر قد جاء مرةً واحدة إلى متن القارب لأخذ جرايته، لكنه عادة ما كان يترك هذه المهمة لشريكه؛ لأنه كان يفضل التواري تمامًا عن الأنظار. ولكن في صباح أحد الأيام — الخامس من يناير على ما أظن، عندما عبرنا بودابست، وكنا نمضي وسط سهولٍ فسيحة مشبَعة بالماء تحمل نُدفًا متناثرة من الثلج — قرر الربان أن يجعلني أتفحص حمولات الصنادل. فذهبتُ مدجَّجًا بقائمة ضخمة مكتوبة بالآلة الكاتبة وتفقدتُ الصنادل، بدءًا من المؤخرة. وجدتُ مخزونًا قديمًا فاخرًا من الأسلحة الفتاكة، معظمها رشاشات وقِطَع حربية ميدانية، وقذائف كافية لتفجير شبه جزيرة جاليبولي. كانت كل أنواع القذائف متوافرة، بدءًا من القذائف المدوية الكبيرة المُخصَّصة للمدافع عيار ١٤ بوصة، إلى قنابل البنادق وقذائف مدافع الهاون. شعرتُ بغثيان شديد حين رأيت كل هذه الأشياء الفتاكة تُجهَّز للقضاء على رفاقنا، وتساءلت إن كنتُ سأؤدي أعظم خدمة لوطني إذا دبرتُ انفجارًا هائلًا يُدمرها كلها. لكن من حُسن حظي أن حسي المنطقي ذكَّرني بمهمتي وواجبي، وجعلني ألتزم بهما.
كان بيتر في وسط القافلة، وقد وجدته متضايقًا جدًّا، وكان أكثر ما يُضايقه أنه كان ممنوعًا من التدخين. كان رفيقه شابًّا ذا عينَين دائريتَين واسعتَين، وأمرتُه بأن يعكف على المراقبة ريثما نراجع أنا وبيتر القوائم.
قال بيتر: «كورنيليس، يا صديقي العزيز، توجَد هنا ألعاب جميلة جدًّا. وإذا أُتيحَ لي مفتاحُ ربط وساعتان من العمل دون مقاطعة، أستطيع أن أحول رشاشات ماكسيم هذه إلى مجرد دراجات غير مؤذية. ما رأيك في أن نجرب؟»
قلت: «فكرتُ في ذلك بالفعل، لكنه لن يُلبِّي غرضنا. فنحن في مهمةٍ أكبر من مجرد تدمير قوافل ذخيرة. أريد أن أعرف كيف وصلتُ إلى هنا.»
ابتسم بيتر بانصياعه الاستثنائي كأنه طفل في إحدى مدارس الأحد.
قال: «بكل بساطة يا كورنيليس. تصرفتُ بحماقة في المقهى، لكنهم حكَوا لك ذلك بالفعل. اسمع، كنتُ غاضبًا ولم أفكر. لقد فصلوني عنك، ورأيتُ أنهم سيُعاملونني كأنني حثالة. لذا استشطت غضبًا؛ لأنني، كما قلت لك، لا أُحب الألمان.»
نظر بيتر بحُب إلى المَزارع الجرداء الصغيرة المُتناثرة عبر السهل المجري.
قبعت طوال الليل في الحبس بلا طعام. وفي الصباح أطعموني واقتادوني مئات الأميال في القطار إلى مكانٍ يُسمَّى نويبورج، على ما أظن. كان سجنًا كبيرًا مليئًا بالضباط الإنجليز … تساءلتُ في نفسي مرارًا في طريقي إلى هناك عن سبب هذه المعاملة؛ لأنني لم أستطع أن أجد أي معنًى لها. فإذا كانوا يريدون مُعاقبتي لأنني أهنتُهم، فقد واتتْهم فرصة لإرسالي إلى الخنادق. ما كان أحد ليستطيع الاعتراض عندئذٍ. وإذا كانوا يرَونني غير مفيد، فقد كان بإمكانهم إعادتي إلى هولندا. ما كنتُ لأستطيع أن أمنعهم. لكنهم عامَلوني كما لو كنتُ رجلًا خطرًا، مع أنَّ كل سلوكهم السابق كان يُظهِر أنهم يرَونني أحمق. لم أستطع أن أفهم الأمر.
«لكن لم أكد أقضي ليلةً واحدة في ذلك المكان المُسمَّى نويبورج حتى أدركت السبب. لقد أرادوا إبقائي تحت المُراقبة ليتيقنوا من حقيقتك يا كورنيليس. توصلتُ إلى هذا الاستنتاج هكذا. قلت لنفسي إنهم قد كلَّفوك بعملٍ مهم جدًّا جعلهم يُطلِعونك على سرٍّ كبير. لا بأس في ذلك إلى الآن. كان واضحًا أنهم يحملون انطباعًا جيدًا عنك، حتى ذلك الرجل المدعو شتوم، بالرغم من فظاظته. لكنهم لم يكونوا يتبيَّنون هويتك على نحوٍ تام، وأرادوا وسيلةً للتيقُّن من حقيقتك. فوجدوا ضالَّتهم في بيتر بينار. كان بيتر بالنسبة إليهم مجرد أحمق، وإذا كان يوجَد أي سِر يُمكن إفشاؤه دون قصد، عاجلًا أو آجلًا، فبيتر هو من سيُفشيه. وعندئذٍ يَمدون إحدى أذرعهم الطُّولَى ويوقفونك فورًا، أينما كنتَ. لذا يجب أن يُبقوا بيتر العجوز تحت أعينهم.»
قلت: «يبدو هذا احتمالًا معقولًا جدًّا.»
قال بيتر: «بل حقيقة مؤكدة. وعندما اتضح ذلك لي تمامًا، عقدت العزم على الهرب. كان أحد أسباب ذلك أنني رجل حُر ولا أحب أن أبقى حبيسًا في سجن، لكن السبب الرئيسي أنني لم أكن واثقًا من نفسي. خشيت أن أغضب وأفقد صوابي مجددًا يومًا ما، وأن أقول أشياء غبية تضر كورنيليس. لذا كان من المؤكد تمامًا أنني يجب أن أهرب.»
وأضاف: «الآن يا كورنيليس، سرعان ما لاحظتُ وجود نوعَين من السجناء هناك. كان يوجَد سجناء حقيقيون، مُعظمهم إنجليز وفرنسيون، وكان يُوجَد سجناء «مُزيفون». كانوا يُعامَلون كالآخرين ظاهريًّا، لكنهم في الحقيقة كانوا يحظَون بمعاملةٍ مختلفة، كما لاحظتُ سريعًا. كان بينهم رجل يتظاهر بأنه ضابط إنجليزي، وآخر يدَّعي أنه كندي فرنسي، وكان الآخرون يصفون أنفسهم بأنهم روس. لم يشكَّ فيهم أحد من السجناء الحقيقيين، لكنهم كانوا جواسيس مدسوسين وسطهم ليحيكوا مؤامرات هروبٍ من أجل استدراج المساكين إليها، وضبطهم مُتلبِّسين أثناء هروبهم، وليحتالوا لاستخلاص معلومات سرية قد تكون قيِّمة. هذا هو التصوُّر الألماني عن كيفية تحقيق المكاسب. لستُ جنديًّا بريطانيًّا لأظن أنَّ الرجال كلهم شرفاء. فأنا أعرف أنَّ بينهم أوغادًا بشِعِين؛ لذا سرعان ما فهمت هذه اللعبة. أغضبتني بشدة، لكنها نفعتني في خطتي. قررتُ الهرب يومَ وصلت إلى نويبورج، وفي يوم عيد الميلاد كانت لديَّ خطة جاهزة بالفعل.»
«بيتر، أنت عجوز مُذهل. هل تعني أنك كنتَ واثقًا تمامًا من أنك تستطيع الفرار وقتما تشاء؟»
«بكل تأكيد يا كورنيليس. سأشرح لك، لقد كنت وغدًا شقيًّا في شبابي، وأعرف بعض الخبايا الداخلية للسجون. يمكن أن تكون السجون على شكل قلاعٍ حصينة عملاقة، أو على شكل محبسٍ صغير مُشيَّد بالطين وصفائح الحديد المُموَّج في سهول جنوب أفريقيا البدائية، ولكن دائمًا ما يكون لها مفتاح ورجل يحمِله، وهذا الرجل يُمكن التغلُّب عليه. كنت أعرف أنني أستطيع الهرب، لكني لم أتخيَّل أن هروبي سيكون بهذه السهولة. كان ذلك بسبب السجناء المُزيفين، أصدقائي الجواسيس.»
«أقمتُ صداقات قوية معهم. وفي ليلة عيد الميلاد، كنا غارقين معًا في الصخب والمرح. أعتقد أنني اكتشفتُ حقيقة كل واحدٍ منهم منذ اليوم الأول. تباهيتُ أمامهم بماضيَّ وكل ما فعلته من قبل، وأخبرتهم بأنني سأهرب. فدعموني ووعدوني بالمساعدة. وفي صباح اليوم التالي، كانت خطتي جاهزة. وفي العصر، بعد الغداء مباشرة، اضطُررت إلى الذهاب إلى غرفة القائد. كانوا يُعاملونني معاملةً مختلفة قليلًا عن الآخرين؛ لأنني لم أكن أسيرَ حربٍ، وكنت أذهب إلى هناك لأخضع لاستجوابٍ وأتلقى شتائم تصِفني بأنني هولندي غبي. كان المكان هناك بلا حراسة مشددة؛ لأنَّ الغرفة كانت في الطابق الثاني، بعيدة عدة ياردات عن أي دَرَج. كان يوجَد في الممر الواقع خارج غرفة القائد نافذةٌ بلا قضبان، وعلى بُعد أربع أقدام من النافذة، كان يوجَد غُصن متين مُتفرع من شجرة كبيرة. قلت لنفسي إنَّ المرء يُمكن أن يصل إلى ذلك الغصن، وإذا كان نشطًا كالقرد، فربما يُمكنه النزول من الشجرة إلى الأرض. لم أكن أعرف ماذا ينتظرني بعد ذلك، لكني بارع في التسلُّق يا كورنيليس.»
«أخبرتُ الآخرين بخطتي. وقد نالت إعجابَهم، ولكن لم يعرض أحدٌ منهم المجيء معي. كانوا في غاية الشهامة؛ إذ قالوا إنَّ الخطة خُطتي، وإنني أنا من ينبغي أن يحصد ثمارها؛ لأنَّها ستُفضَح بالتأكيد لو حاول أكثر من شخصٍ الهروب. وافقتُهم الرأي وشكرتهم، شكرتهم والدموع في عينيَّ. ثم أخرج أحدهم خريطة بمنتهى السرية. حددنا الطريق الذي سأسلكه؛ لأنني ادعيتُ أنني ذاهب مباشرةً إلى هولندا. كان طريقًا طويلًا، ولم يكن معي مال؛ لأنهم أخذوا كل جُنيهاتي الذهبية عند اعتقالي، لكنهم وعدوني بجمع تبرُّعات فيما بينهم ليُساعدوني لبدء رحلتي. بكيتُ مرةً أخرى من شدة الامتنان. كان ذلك يوم الأحد، اليوم التالي بعدَ عيد الميلاد، وعقدتُ العزم على المحاولة عصر يوم الأربعاء.»
«الآن، يا كورنيليس، لعلك تتذكَّر، حين أخذَنا الملازم لنرى السجناء البريطانيين، أنه أخبرنا بالكثير عن مجريات الأمور في السجون. أخبَرَنا كيف يحبُّون القبض على الرجال متلبِّسين أثناء الهروب، ليتسنَّى لهم معاملتهم بقسوةٍ بضميرٍ مطمئن. فكرت في ذلك، واستنتجتُ أن أصدقائي سيكشفون كل شيء للقائد، وأنهم سيكونون في انتظاري لاصطيادي مُتلبسًا يوم الأربعاء. وافترضتُ أنهم سيخفِّفون مراقبتهم إيَّاي حتى ذلك الحين؛ لأنهم سيعتبرونني صيدًا مضمونًا …»
«لذا خرجتُ من النافذة في اليوم التالي. كان ذلك بعد ظهر يوم الإثنين …»
قلت بإعجاب: «كانت هذه ضربة جريئة.»
قال بيتر بتواضُع: «كانت الخطة جريئة، لكنها لم تكن بارعة. لم يكن معي أي مالٍ سوى سبعة ماركات، ولم يكن بحوزتي إلَّا قالب من الشوكولاتة. لم يكن لديَّ معطف، وكانت الثلوج تتساقط بغزارة. وفوق ذلك، لم أستطع النزول من فوق الشجرة؛ لأنَّ جذعها كان أملس، خاليًا من الفروع كشجرة الأوكاليبتوس. ظننتُ لوهلةٍ أنني سأُضطر إلى الاستسلام، وكنتُ تعيسًا.»
«ولكن كان لديَّ مُتَّسع من الوقت؛ لأنني ارتأيتُ أنهم لن يلاحظوا غيابي قبلَ حلول الليل، وإذا أُعطيَ الإنسانُ وقتًا، يستطيع أن يفعل مُعظم الأشياء. مع الوقت وجدتُ فرعًا مُمتدًّا إلى خارج الجدار الخارجي للفناء، مُتدليًا فوق النهر. فتبعته، ثم سقطت منه إلى النهر. كان الارتفاع الذي سقطتُ منه عاليًا بعض الشيء، وكانت المياه جارفة بشدة وكدت أغرق. كنتُ أفضِّل يا كورنيليس أن أسبح في نهر ليمبوبو، وسط كل تماسيحه، على ذلك النهر الجليدي. لكني تمكنت من الوصول إلى البر والْتقاط أنفاسي مُستلقيًا بين الشجيرات …»
«بعد ذلك سار الأمر بسهولة، مع أنني كنتُ أشعر ببردٍ شديد. كنت أعلم أنهم سيبحثون عني في الطرق الشمالية، كما أخبرتُ أصدقائي؛ لأن لا أحد كان يُمكن أن يتخيَّل أنَّ هولنديًّا جاهلًا سيتَّجه جنوبًا بعيدًا عن أهله. لكني كنتُ قد تعلمت ما يكفي من الخريطة لأعرف أن طريقنا يقع في الجنوب الشرقي، وكنت قد حددتُ موقع هذا النهر الكبير.»
سألته: «هل كنتَ تأمُل في اللحاق بي والسفر معي؟»
«لا يا كورنيليس. ظننتُ أنك ستكون مسافرًا في عربات الدرجة الأولى، بينما سأكون أنا ماشيًا على قدميَّ متثاقلًا منهكًا. لكني كنتُ مُصممًا على الوصول إلى المكان الذي تحدثت عنه (ماذا تسميه؟ القسطنطية؟) حيث تكمُن مهمتنا الكبرى. ارتأيتُ أنني سأصل إلى هناك في الوقت المناسب.»
قلت له: «أنت مُحنَّك ذو عزمٍ شديد كأهل طروادة يا بيتر، ولكن أكمِل. كيف وصلتَ إلى المرسى الذي وجدتك عنده؟»
قال مُنهمكًا في التأمُّل: «كانت رحلة شاقة. لم يكن من السهل تجاوز عوائق الأسلاك الشائكة التي كانت تُحيط بنويبورج، نعم، حتى على الجانب الآخر من النهر. لكني وصلتُ أخيرًا إلى الغابة، وبذلك صرت آمنًا؛ لأنني ارتأيتُ أن لا ألمانيَّ يستطيع أن يُضاهيني في ريفٍ بري. فأفضلُ الألمان، حتى أهل الغابات منهم، ليسوا سوى أطفالٍ في فنون حياة البراري مقارنةً بي … كانت متاعبي مقتصرةً على الجوع والبرد. ثم صادفت تاجرًا متجولًا بيروفيًّا (كان بيتر يقصد بذلك بائعًا متجولًا يهوديًّا بولنديًّا)، وبعتُ له ثيابي واشتريت منه هذه الثياب. لم أكن أريد التخلِّي عن ثيابي لأنها كانت أفضل، لكنه أعطاني عشرة ماركات ضِمن الصفقة. وبعد ذلك ذهبتُ إلى إحدى القرى وأكلتُ بنَهَم.»
سألته: «هل طاردك أحد؟»
«لا أظن ذلك. فقد اتَّجهوا شمالًا، كما توقعت، وكانوا يبحثون عني في محطات القطار التي كان أصدقائي قد حددوها لي. مشيتُ بسعادة ووضعت على وجهي قناعًا من الجرأة واللامبالاة. فعندما كنتُ أرى امرأة أو رجلًا ينظر إليَّ بارتياب، كنتُ أتجه إليهم فورًا وأحدثهم. كنتُ أحكي لهم قصة حزينة، وكان الجميع يصدقونها. كنت أدَّعي أنني هولندي فقير عائد إلى وطنه سيرًا على الأقدام ليرى أُمَّه المُحتضَرة، وأنَّ بعض الناس قالوا لي إنني سأجد محطة القطارات الرئيسية المؤدية إلى هولندا بجوار الدانوب. التقيتُ أناسًا كرماء منحوني طعامًا، وامرأة منحتني نصف مارك وتمنَّت لي رحلة موفَّقة … ثم وصلت إلى النهر في اليوم الأخير من العام، ووجدت العديد من السكارى.»
«هل كان هذا هو الوقت الذي قررتَ فيه أن تستقل أحد القوارب النهرية؟»
«أجل يا كورنيليس. حالَما علمت بوجود القوارب، رأيت مَكمَن فرصتي. لكني كدتُ أسقط أرضًا من شدة ذهولي عندما رأيتُك تصل إلى البر. كان هذا من حُسن حظي يا صديقي … كنت أفكر مليًّا في الألمان، وسأُخبرك بالحقيقة. الجرأة فقط هي التي يمكن أن تُربِكهم. فهم شعب مجتهد جدًّا. سيفكرون في كل الصعوبات المُحتملة، لكن ليس كل الصعوبات المُمكنة. ليس لدَيهم خيال واسع. إنهم كالقاطرات البخارية التي يجب أن تلتزم بمساراتٍ محددة. لذا يستطيعون العثور على أي رجلٍ يُطاردونه ما دام واقعًا في مساراتهم، أمَّا إذا ارتحل إلى ريفٍ مفتوح، فسيقعون في حيرة تامة. لذا عليك بالجرأة يا صديقي، الجرأة دائمًا. تذكَّر أنهم أُمَّة ترتدي النظارات، ما يعني أنهم يُمعِنون النظر دائمًا.»
سكت بيتر ليُحدِّق بإعجابٍ إلى أسراب الإوز التي كانت متخذةً شكل الرقم سبعة، وصفوف البجع البرِّية التي دائمًا ما كانت تحلق عبر تلك السهول. شحذَت قصته معنوياتي بشدة. فقد ظلَّ الحظ حليفًا لنا على نحوٍ يفوق كل التصورات، وراودني بصيص من الأمل في إتمام المهمة كنت أفتقده من قبل. حصلتُ بعد ظُهر ذلك اليوم أيضًا على دَفعة معنوية أخرى. فقد صعدت إلى سطح الباخرة لآخُذ نفسًا من الهواء ووجدته باردًا جدًّا بعد حرارة غرفة المحرك. فناديتُ أحد عمال متن الباخرة ليحضر لي عباءتي من قَمرة القيادة؛ العباءة نفسها التي كنتُ اشتريتها في أول صباح لي في قرية جريف.
صاح الرجل قائلًا بالألمانية: «دير جرون مانتل؟» (أي: العباءة الخضراء)، وصرختُ قائلًا: «نعم». ولكن بدا أنَّ صدى الكلمات كان يتردَّد في أُذنيَّ، وبعدما أعطاني العباءة بوقتٍ طويل، وقفت أُحدق شاردًا في الأفق من فوق سور الباخرة.
لقد أيقظ صوته وَترًا من الذاكرة، أو بالأحرى أبرَز شيئًا كان مُبهمًا ضبابيًّا من قبل. لقد نطق الكلمات التي كان شتوم قد تفوَّه بها من خلف يدِه لجاوديان. فأنا قد سمعتُ آنذاك شيئًا مثل «أونمانتل»، ولم أفهمه إطلاقًا. أمَّا في تلك اللحظة، فكنت مُتيقنًا من تلك الكلمات كيقيني من وجودي. لقد كانت «جرون مانتل»، أو «العباءة الخضراء». كانت «العباءة الخضراء»، أيًّا ما كانت ماهية ما تُشير إليه بالتحديد، هو الاسم الذي لم يكن شتوم يُريدني أن أسمعه، والذي يُمثِّل تميمةً خاصة بالمهمة التي اقترحتُها آنذاك، والذي ارتبط ارتباطًا ما بالشخصية الغامضة المُسمَّاة فون آينم.
أبهجني هذا الاكتشاف كثيرًا. قلتُ لنفسي إنني تمكنتُ من التوصل إلى كمٍّ رائع من المعلومات في أيامٍ قليلة جدًّا، بالنظر إلى الصعوبات التي واجهتها. وهذا يُبيِّن ما يستطيع المرء إنجازه بأقل الأدلة إذا ظلَّ يفكر فيها مرارًا وتكرارًا …
بعد ذلك بصباحَين، رسَونا بجوار أرصفة الميناء عند بلجراد، وانتهزتُ الفرصة لأُحرِّك ساقيَّ وأتمشى قليلًا. كان بيتر قد نزل إلى البر ليُدخِّن، وتجوَّلنا في الشوارع المقصوفة المُدمَّرة بجوار النهر، وتأملنا الأقواس المُحطَّمة لجسر السكة الحديدية الكبير الذي كان الألمان يعملون بجديةٍ على إصلاحه وترميمه. كان يوجَد جسر عائم مؤقت كبير لينقل أجزاء السكة الحديدية عبر النهر، لكني قدَّرتُ أنَّ الجسر الرئيسي سيكون جاهزًا في غضون شهرٍ واحد. كان نهارًا صافيًا باردًا أزرق، وعندما كان المرء ينظر جنوبًا، كان يرى قممًا متتالية للتلال المُغطاة بالثلوج. كانت شوارع الجزء الأبعد عن البحر لا تزال سليمةً إلى حدٍّ ما، وكانت توجَد محلات مفتوحة يُمكن الحصول على طعام منها. أتذكر أنني سمعت كلامًا بالإنجليزية، ورأيت ممرضاتٍ من الصليب الأحمر قادمات من محطة القطار في حراسة جنود نمساويين.
كنتُ سأبتهِج جدًّا لو استطعتُ مُحادثتهن على انفراد. فكرتُ في الأبطال الشجعان الذين كانت هذه المدينة عاصمتهم، وكيف نجحوا ثلاث مرات في مقاومة النمساويين وطردِهم من أراضيهم إلى الضفة الأخرى من الدانوب، ثم انهزموا بسبب الخيانة الخسيسة ممَّن كانوا يزعمون أنهم حلفاؤهم. شعرتُ أنا وبيتر بأنَّ ذلك الصباح الذي أمضيناه في بلجراد قد أعطانا هدفًا جديدًا في مهمتنا بطريقةٍ ما. فأخذنا على عاتقنا أن نُعرقل عجلة هذا الطاغوت الدموي الوحشي الذي يسحق الأمم البطولية الصغيرة، ويسلُبها الحياة.
وبينما كنَّا نستعِد للإبحار مجددًا، وصلت زُمرة مميزة من الرجال إلى رصيف الميناء. كانت تضمُّ كل أنواع الأزياء العسكرية؛ الألماني والنمساوي والبلغاري، وكان وسطهم رجل سمين يرتدي معطفًا من الفرو وقبعة سوداء من اللباد. وقفوا يشاهدون رفع مراسي الصنادل، وقبل أن يبدأ تحرُّك الصنادل نحو الاصطفاف، سمعتُ محادثتهم. كان صاحب معطف الفرو يتحدَّث بالإنجليزية.
قال: «أرى أنَّ هذا خبر جيد جدًّا يا سيدي الجنرال؛ فإذا فرَّ الإنجليز من جاليبولي، يُمكننا استخدام هذه الشحنات الجديدة للمعركة الكبرى. أظنُّ أنه لن يمرَّ وقت طويل قبل أن نرى الأسد البريطاني يُغادر مصر بمخالب متقرِّحة.»
ضحك الجميع. ثم ردوا قائلين: «ربما نحظى بشرفِ رؤية هذا المشهد عمَّا قريب.»
لم أهتم كثيرًا بالمحادثة، بل لم أُدرك إلَّا بعد أسابيع أنَّ هذه كانت أول بشائر الإخلاء الكبير لرأس «سد البحر» في جاليبولي. ما أسعدني كانت رؤية بلنكيرون، هادئًا تمامًا كحلَّاقٍ وسط هؤلاء الأشخاص النافذين المُتأنِّقين. فبذلك كان يوجَد اثنان من أفراد مهمتنا على مقربةٍ من بلوغ هدفهما.