باريس … الجنة والجحيم!
كان في انتظار الشَّياطين الأربعة أحد رجال رقم «صفر» في «باريس»، وقدم نفسه إليهن وسيارته «الستروين» تشق قلب العاصمة الفرنسية: إنني أُدعى «كامل كريم» … المسئول عن مكتب الشَّياطين في «باريس»، ومسئول العمليات الأول في أوروبا بأكملها.
تساءلت «إلهام»: متى وصلت «ناتاليا» «باريس»؟
أجابها «كامل»: صباح أمس … ومنذ هذه اللحظة ونحن نضعها تحت مراقبة كاملة.
زبيدة: هل وصلت متنكرة؟
كامل: هذا صحيح … فقد تنكرت في هيئة إحدى المضيفات الروسيات، واستطاعت بسهولة أن تستقل الطائرة المغادرة إلى «باريس»، دون أن يشك أحد فيها، في «موسكو».
تبادلت الفتيات الأربع نظراتٍ صامتةً مقطبةً … كانت الجاسوسة تثبت لهن كل مرة أنها قادرة على كسر توقعاتهن وتخمينهن.
ريما: وعملية التبادل … متى ستتم؟
هز «كامل» كتفيه مجيبًا: لا أدري … فإن مراقبتنا لها منذ وصولها لم تؤدِّ إلى شيء.
إلهام: إنني أتصور أن مراقبتكم للطرف الآخر، قد تصل إلى خيطٍ ما.
أجابها «كامل»: إن رجال المخابرات المضادة ليس من السهل خداعهم، ولكننا نبذل كل جهدٍ في سبيل ذلك، وقد لاحظنا بالفعل وصول مسئولٍ كبيرٍ في جهازهم إلى «باريس» منذ ساعات قليلة، وهو ما يعني أن عملية تسليم الوثائق ستتم قريبًا.
فجأةً صرخت «زبيدة»: حاذر يا سيد «كامل».
ولكن صرختها جاءت متأخرةً قليلًا … فقد اندفعت سيارة «مرسيدس» سوداء من الخلف لتقطع الطريق على سيارة الشَّياطين، وانطلق من السيارة سيل من طلقات الرصاص اخترق زجاج «الستروين» وهشمه، وفي الحال ألقت الفتيات الأربع بأنفسهن لأسفل، وأدار «كامل» مقود سيارته بكل قوته ليتحاشى سيل الرصاص، ولكن إحدى الرصاصات أصابته في كتفه، فانحرف بسيارته بشدةٍ تجاه نهر «السين» … واصطدمت السيارة بسور النهر، ولكن وقبل أن تسقط في قلبه، استطاع «كامل» السيطرة عليها ثانية، وأوقفها في اللحظة الأخيرة.
صاحت «ريما» في غضب شديد: لنسرع بمطاردة هؤلاء المجرمين.
لكن «كامل» أجابها متألمًا: لقد لفتنا الأنظار بما فيه الكفاية، فلنسرع بمغادرة هذا المكان قبل وصول الشرطة، وإلَّا تعرضنا لاستجواب لا داعي له.
إلهام: دعني أقود السيارة بدلًا منك.
أخذت مكانه إلى عجلة القيادة، وانطلقت بالسيارة «الستروين» بكل سرعتها ومن الخلف سمعوا صوت سرينة سيارة الشرطة، فهتفت «ريما» بضيق: لم يكن ينقصنا غير ذلك.
قال «كامل» متألمًا ﻟ «إلهام»: لا تتوقفي، فإن ذلك سيعرض العملية كلها للفشل.
فأطلقت «إلهام» العنان للسيارة، وكانت الرصاصات التي أطلقت عليها لحسن الحظ لم تصب غير الزجاج الأمامي … ولكن كان المرور المزدحم عائقًا أمام «الستروين»، فأخرجت «زبيدة» من جيبها منديلًا أبيض، لوَّحت به من نافذة السيارة، وفي الحال أفسحت السيارات المارة الطريق للسيارة «الستروين»، وتحولت الإشارة الحمراء إلى خضراء في لمح البصر، فانطلقت «الستروين» بكل سرعتها، واستطاعت الاختفاء عن سيارة الشرطة التي تكدست السيارات الأخرى أمامها.
قالت «هدى» في دهشة: إنني لا أفهم السر فيما فعلته يا «زبيدة»؟
أجابتها «زبيدة»: لقد شاهدت مثل ذلك في أحد الأفلام الفرنسية، فعندما تحمل أي سيارة مريضًا أو مصابًا يتعين نقله للمستشفى بسرعة، فإن أحد ركاب السيارة يلوح بمنديل أبيض ليعبِّر للسيارات الأخرى بأنه يحمل مريضًا أو مصابًا إلى المستشفى، فتفسح له بقية السيارات الأخرى الطريق على الفور، ولا توقفه أية إشارة.
كامل: ولكن لا شك أن رجال الشرطة الذين كانوا يسعَوْن خلفنا، تمكنوا من التقاط أرقام سيارتي، وسنجدهم في انتظارنا أمام باب منزلي، وسنكون مطالبين بتقديم تفسيرٍ لهم.
زبيدة: وبالطبع فإنَّنا لن نستطيع الذهاب إلى أي مستشفى لاستخراج الرصاصة من كتف السيد «كامل»!
قال «كامل» و«ريما» تربط ذراعه لإيقاف النزيف: هناك منزل ريفي أملكه على أطراف «باريس»، ولن تستطيع الشرطة الاهتداء إليه قبل وقت.
وانطلقت السيارة إلى المنزل الريفي … كان كل شيء حوله هادئًا ولا توجد أية منازل قريبة منه على مسافةٍ بعيدة … فأخفت «إلهام» السيارة وسط الأشجار القريبة، وبعد دقائق كانت تقوم باستخراج الرصاصة من كتف «كامل» وتنظف جرحه.
فقال لها باسمًا: إنك طبيبة بارعة.
إلهام: الحمد لله إصابتك سطحية، فمن ضرورات عملنا إجادة بعض الجراحات البسيطة والتمرين عليها، ولحسن حظك كانت إصابتك سطحية.
زبيدة: إن ما حدث يكشف أن الجانب الآخر، قد صار على علم بوصولنا، وأنهم اتخذوا قرارًا بتصفيتنا فورًا، حتى لا تفسد عملية تسليم الوثائق.
ريما: لقد بدأ الصراع يصير مكشوفًا … وإطلاق الرصاص علينا في قلب «باريس» بطريقة عصابات «شيكاغو»، يعني أن الجانب الآخر مستعدٌّ ليفعل أي شيء، من أجل عدم إفسادنا الصفقة.
في هذه اللحظة تجهَّم وجه «إلهام» وقالت: نحن أيضًا على استعداد لأن نفعل أي شيء من أجل إفساد هذه الصفقة، مهما كان الثمن.
تحرك «كامل» متجهًا إلى مكان الهاتف قائلًا: سوف أجري مكالمةً سريعة، فربما كانت هناك معلومة جديدة بشأن الصفقة، تمكن رجالي من التقاطها.
وأدار قرص الهاتف، وتحدث بالفرنسية … كان حديثه يبدو عاديًّا وهو يسأل شخصًا آخر على نوعٍ معيَّن من الأخبار ويستمع إلى إجابته … وأعاد السماعة مكانها وتألقت عيناه، والتفت إلى الشَّياطين قائلًا: لقد تمكن رجالي من التقاط معلومة هامة، فإن عملية تسليم الميكروفيلم ستتم داخل أحد فنادق «مارسيليا» هذا المساء.
هبت «زبيدة» واقفة وهي تقول: ماذا ننتظر إذن … هيا بنا.
واتجهن خارجين بسرعة، وقال «كامل»: سوف نضطر لاستخدام سيارتي حتى نصل إلى الطريق العام، ومن هناك نستقل سيارة تاكسي إلى «مارسيليا»، لأنه لا تمر سيارات تاكسي في هذا المكان.
قالت «ريما»: لا بأس بذلك، وسأقود السيارة بنفسي.
واندفعت نحو مكان السيارة المخفاة … على حين وقف «كامل» على مقربة يلتقط أنفاسه، وما كادت «ريما» تمد يدها إلى باب السيارة لتفتحه، حتى صرخت فيها «إلهام»: حاذري يا «ريما»!
وطارت «إلهام» في الهواء وأمسكت «ريما» من وسطها، وسقطت الاثنتان على الأرض وأخذتا تتدحرجان على الأرض خلف شجرةٍ عريضة، وفي نفس اللحظة دوَّى انفجار شديد، وتحولت «الستروين» إلى كتلةٍ من النيران.