الموت بين الأشجار!

اندفعت «هدى» صارخة إلى «إلهام» و«ريما»، وهتفت: هل أصابكما مكروه؟

ولكن الشيطانتان تحاملتا على نفسيهما ونهضتا بوجهٍ شاحب، وهمست «ريما» تقول غير مصدِّقة: لقد كاد هذا الانفجار أن ينسفنا ويمزقنا إلى ألف قطعة.

واقترب «كامل» في ذهول، وتأمل سيارته المنفجرة، ثم التفت إلى «إلهام» قائلًا: كيف عرفت أن السيارة تم تلغيمها ونحن بالداخل؟

أجابته «إلهام» بوجهٍ مقطب: لقد لمحت أثر قدم غريبة أمام باب السيارة، فشككت في أن شخصًا ما تتبعنا إلى هنا، وانتهز دخولنا منزلك الريفي، فقام بتلغيم السيارة لتنسفنا فور ما إن تفتح أبوابها.

احتضنت «زبيدة» «إلهام» وقبلتها قائلة: أنت رائعةٌ يا «إلهام» … وقد أنقذَتْنا من الموت شدةُ ملاحظتك.

هدى: إن هؤلاء الأوغاد مُصرُّون على تحويل «باريس» إلى جحيم بالنسبة لنا … ونحن نقبل التحدي على أي حال.

ريما: ماذا تنتظرون … دعونا نغادر هذا المكان بسرعة قبل أن يلفت الانفجار أنظار رجال الشرطة، فيمتلئ بهم المكان.

كامل: إنني أعرف طريقًا مختصرًا وسط الأشجار يوصلنا للطريق العام، فلنسرع باستخدامه … واندفع إلى الأمام، فتبعته الفتيات الأربع بسرعة … كانت صفوف الأشجار متراصَّةً من كل اتجاه بامتداد البصر … فسارت «إلهام» في حذرٍ وهي تتلفت حولها … كان لديها إحساس بالخطر، وقد كانت محقَّةً في شكوكها.

ففي اللحظة التالية دوَّت أصوات طلقات رصاص، فألقت «إلهام» بنفسها على الأرض، متدحرجةً لتحتمي بإحدى الأشجار، وتبعها الباقون على الفور، فتوقف إطلاق الرصاص … وهمست «إلهام» تسأل الباقين: هل أصابكم شيء؟

وجاءت الإجابة بلا. وقالت «زبيدة» في غضب: يبدو أن تحركاتنا كلها مرصودة، وأنهم تحسبوا لاحتمال عدم استخدامنا «الستروين»، فكمنوا وسط الأشجار للتخلص منا.

ريما: من سوء الحظ أننا لا نمتلك أي سلاح.

كامل: كانت لديَّ أسلحة لكُنَّ، مخفاة في «الستروين»، ولكن لا أظن أنها ستصلح لشيء الآن بعد انفجارها.

هدى: ولكننا لن نستطيع البقاء مكاننا … وعلينا التصرُّف بسرعة للحاق ﺑ «ناتاليا» في «مارسيليا».

وما كادت ترفع رأسها حتى دوَّى صوت طلقات رصاص مرة أخرى. ولمحت «هدى» عدوها … كان شخصًا وحيدًا على مسافة قريبة، وقد اختبأ خلف إحدى الأشجار، مصوبًا مدفعه الرشاش إليهم … كان الموت ينتظرهم هناك … بين الأشجار.

همست «إلهام» ﻟ «ريما»: أين سكينكِ الصغير الذي تحتفظين به للطوارئ؟

فأخرجته «ريما» من جيبها قائلة: ها هو … ولكن بماذا سيفيدك؟

قبضت «إلهام» على السكين بين أصابعها، دون أن ترد بشيء، وقفزت للأمام متدحرجة وسط الأعشاب … فانطلق الرصاص خلفها، وظهر غريمها مكشوفًا على مسافة قريبة، وفي لحظة مباغتة، طوَّحت بالسكين الصغير، عندئذٍ توقف إطلاق الرصاص.

سمعت «إلهام» صوت غريمها وهو يسب ويلعن … كان السكين قد استقر في ذراعه اليمنى ومنعه من استخدام سلاحه، فانطلق جاريًا بكل سرعته … ومن الخلف انطلقت «إلهام» وراءه وقد ظهر الطريق العام على مقربة.

ولكنها وصلت متأخرة، بعد أن استقل غريمها سيارته وانطلق بها … فوقفت لاهثة، ولحق بها الباقون، فاستدارت إليهم «إلهام» صامتة في غضبٍ وهي تقول: لقد أفلت برغم كل شيء.

ربتت «ريما» على كتفها قائلة: لا عليكِ، فقد لقَّنتِه درسًا قاسيًا على أي حال.

كامل: إننا بحاجةٍ إلى سيارة، وأعتقد أنه ليس من الحكمة الآن استخدام سيارة تاكسي فربما يكون رجال الشرطة قد أذاعوا نشرةً بأوصافنا لسائقي التاكسيات … وليس أمامنا غير استئجار سيارة من أحد مكاتب تأجير السيارات؟

إلهام: وهل يوجد مكتب قريب لتأجير السيارات؟

أومأ «كامل» برأسه وقال: نعم … هناك مكتب على مسافة خمسمائة متر فقط، فدعوني أذهب إليه وحدي وأعود إليكن بالسيارة، حتى لا يثير منظركن الشكوك.

زبيدة: هذا تفكير صائب، وسوف ننتظر في هذا المكان فلا تتأخَّر.

أومأ «كامل» برأسه مرة أخرى، وسار باتجاه الطريق العام … وبقيت الفتيات الأربع في أماكنهن على حافة الطريق خلف بعض الأشجار.

وقالت «هدى» ساخطة: إن هذه المهمة هي أسخف مهمةٍ صادفتها في حياتي … فمفاجآتها لا تنتهي، ودائمًا نؤخذ على غرة، وحتى الآن فإننا لم نبدأ الهجوم مرة واحدة … وكل ما قمنا به هو مجرد دفاع عن النفس ورد فعل، لم يؤدِّ إلى شيء.

زبيدة: وأسوأ ما في الأمر أن تحركاتنا كلها مكشوفة مسبقًا … كأن هناك عينًا سحرية تراقبنا.

هدى: أخشى أن يكون رقم «صفر» يتخذنا كطعم هذه المرة أيضًا.

ريما: من يدري، فقد بدأت أعتقد أن كل شيء ممكن في هذه المهمة.

ولاحظت الفتيات الثلاث صمت «إلهام» وشرودها، فسألتها «ريما»: ماذا بك يا «إلهام» … فيم تفكرين؟!

أجابتها «إلهام» في جمود: هناك أشياء كثيرة بدأت تثير شكي وتسبب لي عدم الارتياح.

هدى: أنا أيضًا أحس بعدم الارتياح منذ وصولنا «باريس»، بسبب تلك المحاولات المكشوفة لقتلنا أو التخلص منا بأي ثمن.

إلهام: هذا هو بالضبط ما أفكر فيه، فإن محاولات التخلص منا بتلك الطرق المكشوفة لا تريحني، خاصة وأننا نواجه عدوًّا داهية … وآخِر ما أفكر فيه هو استعراض القوة بمثل هذه الطريقة.

زبيدة: هذا صحيح … وقد بدأت أضع يدي على أول خيطٍ لحل هذا اللغز.

تساءلت «هدى» في حيرة: ماذا تقصدين يا «إلهام»؟

وقبل أن تنطق «إلهام» بشيء … فجأة علا صوت من ميكروفون قريب يقول بالفرنسية: لا فائدة من الهرب أو المقاومة أيتها الإرهابيات … فالمكان محاصر من كل مكان.

تلاقت عيون الشَّياطين في صدمة مباغتة … واستدارت عيونهن ليشاهدن العشرات من رجال الشرطة، وقد أحاطوا بالطريق العام.

تراجعت الفتيات الأربع للخلف في دهشة، ليحتمين بالأشجار خلفهن، ولكن صوت آخر جاء من الوراء يقول: لا فائدة من محاولة الفرار … فالمكان محاصر من كل اتجاه.

وظهر من الخلف العشرات من رجال الشرطة شاهرين أسلحتهم … فتجمد الشَّياطين بأماكنهن في ذهول … وجاء صوت قائد الشرطة يقول في تحذيره: لا تحاولن المقاومة ولا استخدام أسلحتكن، فالأوامر لدينا هي الحصول عليكن أحياء … أو موتى … فنحن كنا ننتظر وصولكن منذ يومَين كاملَين.

عضت «ريما» على شفتيها بقسوة قائلة: إنني لا أفهم شيئًا مما يدور حولي … وأشعر كأني طائر أحمق سعى إلى الشَّرَك بقدميه.

وكان هذا هو نفس إحساس الباقيات … وكان من المؤلم أن يراودهن نفس الإحساس المؤلم مرتين متعاقبتين … في أقل من ٢٤ ساعة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤