كلينت … ذو القميص الأزرق!
وصل باقي الشياطين إلى القاهرة … أصبح في المقر المؤقَّت «١٣» شيطانًا معًا.
وقال «أحمد» مُعلقًا: لقد أصبح المقرُّ كأنه أتوبيس!
وفي الاجتماع الذي ضمَّ الجميع، تمَّ الاتفاق على توزيع ١٠ من الشياطين على فنادق مصر من «خمسة نجوم» … وهي الفنادق الكبرى … وقد قام عميل رقم «صفر» في القاهرة بتدبير العمل المطلوب، وكانت البنات أسرع إلى العمل … أما الثلاثة الباقين فكانوا «أحمد» و«عثمان» و«رشيد» … ظلُّوا في المقرِّ للتنسيق مع بقية الشياطين …
كان على الذين اشتغلوا في الفنادق أن يقوموا بمراقبة النزلاء … فإذا كان هناك من يُشتبه فيه … فعليهم الإبلاغ عنه … على أن يقوم واحد من الشياطين الذين في المقر بمتابعته … وكان أول بلاغ من «إلهام» التي اشتغلت في فندق «شيراتون الجزيرة» … وهو أحدث فندق أُنشئ في القاهرة، ويقع على شبه جزيرة في النيل.
وقالت «إلهام» في حديث مع «أحمد»: هناك نزيل غريب … إنه رجل طويل القامة مفتول العضلات، يُشبه إلى حد كبير الممثل الأمريكي العالمي «كلينت إيستوود» … والشيء المُدهش أنه اسمه «كلينت» أيضًا، ولكن بقية الاسم هو «جونسون»؛ أي إن اسمه «كلينت جونسون» …
وقالت «إلهام» إنَّ «كلينت جونسون» يعيش وحيدًا، ويتناول طعامه في غرفته، لا يَبرحها مطلقًا، وأنه لا يتحدث إلى أحد، وقد طلب سيارة تاكسي منذ دقائق وكانت وجهته هي جامع «السلطان حسن» …
وضع «أحمد» سماعة التليفون، وقال ﻟ «عثمان»: هيا بنا … أما أنت يا «رشيد» ستبقى هنا، لعل معلومات أخرى تصلك من الشياطين …
قفز «أحمد» و«عثمان» إلى سيارة من طراز «بورش» مُعدَّة للرحلات السريعة … ولكن سرعتها لم تُجدِ شيئًا أمام الزحام الرهيب في شوارع القاهرة …
وصلا بعد نحو ٤٥ دقيقة إلى الجامع الكبير … ثم أسرعا إلى داخل الجامع … كانت هناك مجموعة من السُّياح ينتقلون خلف مرشد لهم يشرح قصة الجامع … وكيف بُنيَ … وعمليات الإصلاح والترميم التي تتم فيه …
وعندما وصلوا وجدوا الرجل على الفور … فقد كانت قامته المرتفعة أعلى من كل الموجودين … كان يقف في نهاية الحلقة التي تحيط بالمرشد … وكان يَحمل آلة تصوير يستخدمها باستمرار … ويوجه عدستها إلى أماكن بعيدة في المسجد …
وقف «أحمد» و«عثمان» غير بعيدين عنه … وأخذا يَرقُبان تحرُّكاته … وبعد أن توجَّهت المجموعة للذهاب إلى منبر الجامع … وجداه يترك المجموعة ثم يتجوَّل وحده في الجامع … وتبعه «أحمد» و«عثمان» من بعيد … وشاهداه وهو يقف في بعض الأماكن المظلمة، وهو يَقيس بعض المسافات والأبعاد …
وهمس «أحمد» في أُذن «عثمان»: إنَّها خبطة حظٍّ موفَّقة أن تتمكَّن «إلهام» من مراقبة هذا الرجل من بين مئات النزلاء.
عثمان: إنَّ «إلهام» من أذكى الشياطين.
عثمان: إنه وحده لا يكفي!
أحمد: هذا صحيح … ولكن واحد خير من لا شيء.
ومضى «كلينت جونسون» في تحرُّكاته العجيبة داخل المسجد … و«أحمد» و«عثمان» يَرقُبانه من بعيد … ثم دخل أحد المُنحنيات … وانتظر «أحمد» و«رشيد» لحظات ثم تبعاه … ولكنَّهما لم يَجداه … وفي الممرِّ المُظلِم الساكن سمعا صوت أقدام بعيدة … وأخذا يَجريان في اتجاهها، مُحاولين في نفس الوقت ألا يسمع وقع أقدامهما حتى لا يشكَّ في أنهما يُطاردانه … ولكنَّهما فقدا أثره داخل المنحنيات الكثيرة في المسجد الكبير …
وتوقفا لحظات يَسمعان، ثم فجأة سَمِعا صوت نافذة تُفتَح في مكان بعيد … وعاوَدا الجري حتى وصلا إلى نافذة من الزجاج الملوَّن مفتوحة على الجانب الأيمن من المسجد، وأطلا من النافذة حيث كانت المقابر تنتشر حتى سفح جبل المقطم … وشاهدا قميص «كلينت» الأزرق وعرفا أنه هو … كان يتسلق أحد أسوار مقبرة كبيرة ثم يقفز داخلها …
قفز «أحمد» و«عثمان» مسرعين … وأخذا يجريان في اتجاه المكان الذي شاهدا فيه «كلينت»، وقال «أحمد» وهما يَجريان: لو أضعنا أثر «كلينت» فإننا قد نكون خسرنا كثيرًا.
عثمان: ربما كان شخصًا بريئًا … خاصةً وأنه من كبار رجال الصناعة كما قالت «إلهام»!
أحمد: إنَّ تزوير الأوراق لم يَعُد مشكلة صعبة … وربما كان «كلينت جونسون» هناك في أمريكا من رجال الصناعة فعلًا … ولكنه ليس هذا الرجل.
عثمان: ولكنه سيعود إلى الفندق.
أحمد: وقد لا يعود إذا أحسَّ أننا كنا نطارده.
وصلا إلى المدفن الكبير … وقفزا السور … ولكن لم يكن هناك أثر للمستر «كلينت» وقميصه الأزرق!
وقابَلا صبيًّا صغيرًا ومعه كلب، وقال له «أحمد»: هل شاهدت رجلًا يلبس قميصًا أزرق اللون منذ قليل؟
ردَّ الولد: نعم … لقد سار في اتجاه الجبل.
منح «أحمد» الولد قطعة من النقود مكافأة على فطنته، ثم أسرع و«عثمان» في اتجاه جبل المقطم.
كانت السحب المُنخفِضة تُنذِر بمطر غزير … والجو مُظلم كأنه ليل، ورياح قوية تهب على الجبل فتبعث القشعريرة في الأجساد … وتوغل «أحمد» و«رشيد» في الجبل … ولكن الرؤية أصبحت مستحيلة … كما أن القميص الأزرق اختفى تمامًا … وفجأة قطع صوت الرياح صوت طلقة نارية في اتجاه الشمال الغربي.
وتوقف «أحمد» و«رشيد» لحظات ثم أسرعا يجريان في اتجاه مصدر الصوت … كانت طرقات الليل وَعِرَة … وهناك كثير من الحُفر العميقة … ولم يكن هناك أحد يمكن أن يسألاه … فظلا يجريان حتى اقتربا من المكان الذي أُطلقت منه الرصاصة … ولكن لم يكن هناك أحد على الإطلاق.
قال «عثمان»: أعتقد أننا نطارد شبحًا … فقد اختفى «كلينت» تمامًا.
أحمد: نعم … لم تعد هناك فائدة ترجى من المطاردة … إن العودة هي الحل السليم».
عادا من نفس الطريق … ووصلا إلى الشارع الذي يطل عليه الباب الرئيسي للمسجد الكبير … وكم كانت دهشتهما عندما شاهدا «كلينت» واقفًا وحوله حلقة من السُّياح وهو يتحدَّث معهم … كانت مفاجأة لا مثيل لها … لقد تركاه في الجبل كما تصوَّرا … ولكنه موجود أمامهما … فهل كانت الرصاصة التي أُطلقت لا علاقة لها به؟! وهل ما توهماه من أنه أحد الثلاثة القتَلة غير صحيح؟! إذن فما هو مبرر ذهابه بعيدًا عن السُّياح؟ لماذا دخل المقابر؟! لماذا اتجه إلى جبل المقطم؟ ثم كيف عاد؟
اقتربا من حلقة السُّياح، وسمعا «كلينت» يتحدث بالإنجليزية ذات اللكنة الأمريكية … والشيء المدهش أنه كان يحكي للسائحين رحلتَه القصيرة في المقابر … وكيف ذهب إلى هناك لمقابلة رجل يدعى «سيد» كان قد التقى به من قبل في رحلة سابقة، ووعَدَه بأن يُهديَه قردًا صغيرًا … ولكنه لم يجده … وأنه استمع إلى رصاصة أُطلقت في الجبل فخشيَ على نفسه وعاد … كان تبرير ذهاب «كلينت» إلى المقابر معقولًا … فهل هو نظيف؛ أي بريء، وأن شكهما كان في غير محله؟!
قال «أحمد» هامسًا: سنتبعه لنرى أين سيذهب مرةً أخرى!
وظلا مع السائحين، محاولَين قدر الإمكان ألا يراهما «كلينت»، حتى انتهت جولة السُّياح ثم ركبوا الأتوبيسات التي تنقلهم … وركب «كلينت» التاكسي الذي أتى به … وانطلقت خلفه السيارة البورش التي يقودها «أحمد» … وبعد مغادرة مسجد السلطان «حسن» شاهدا التاكسي يتجه إلى وسط المدينة …