منزل للبيع!
عندما استيقظ «أحمد» في الصباح، كان قد نالَ قسطًا وفيرًا من النوم وأحسَّ بانتعاش … ولما كانت وجبات الطعام لا تُقدَّم للنزلاء في الغرف، فقد ارتدى ثيابه مُسرعًا ثم ذهب إلى المطعم … كانت الساعة التاسعة، ولكن «روكي ماكلين» لم يكن هناك … وأحسَّ «أحمد» ببعض القلق … فهل غادر «روكي» الفندق أم هو موجود في مكان آخر؟!
كان لا بد أن يتبعه كظله حتى الغد عندما يصل العالِم «فيتز»، فسوف تتضح الأمور وتنكشف الحقائق … وذهب «أحمد» بعد أن تناول طعام الإفطار إلى حمام السباحة … ولم يكن «روكي» هناك … وعلم من أحد الجرسونات أن مجموعات كبيرة من السُّياح قد ذهبوا ضمن البرنامج السياحي لزيارة المقابر في البر الغربي … ولم يكن أمام «أحمد» ما يفعله، فقرَّر أن يأخذ دراجة ينتقل بها في أرجاء المكان … واتجه إلى الكوبري الضيق، وغادر الجزيرة المقام عليها الفندق، ثم سار مسرعًا إلى المكان الذي اختفى فيه «روكي» في الليل حيث ترك الحقيبة …
كان الطريق الضيق المترب يؤدي إلى منزل صغير أنيق، وسط حديقة واسعة … ولم يكن هناك أحد على الإطلاق … رَكَنَ «أحمد» الدراجة خلف إحدى الأشجار، ثم تقدم بهدوء إلى المنزل الذي كان ساكنًا ولا أثر للحياة فيه …
تلفَّت «أحمد» حوله فلم يجد أحدًا، وأخرج أحد أدواته الرفيعة ودفعها في ثقب الباب، وبعد محاولات قليلة استطاع أن يفتح الباب ويدخل … كان الظلام يسود المنزل من الداخل؛ فقد كانت النوافذ مُغلَقة … وتوقف لحظات يُنصت، وخُيِّل إليه أنه يسمع صوت تنفُّس سريع … وقبل أن يتأكد سمع نباحًا قويًّا كالصراخ … وانقض عليه كلب ضخم كان يقبع في ركن المنزل، ولم يكن «أحمد» قد رآه …
كان الكلب ضخم الجثة، فأوقع «أحمد» على الأرض … وكان مُدرَّبًا على الهجوم، فاتجهت أسنانه إلى رقبة «أحمد» مباشرةً، ولكن «أحمد» تدحرج جانبًا ثم قفز عاليًا وركل الكلب بقدمه في فمه … وازداد هياج الكلب، وكانت عينا «أحمد» قد ألفتا الظلام، فشاهد غرفة نصف مفتوحة فاتجه إليها ليغلق على نفسه بابها …
ولكنه لم يكد يدخل حتى سمع صوتًا يصدر من فراش في جانب الغرفة يقول: قف مكانك ولا تتحرك.
ثم صاح صاحب الصوت بالكلب يطلب منه الهدوء … وأخذ الكلب يزوم … ولكنه توقف عن الهجوم … واستطاع «أحمد» أن يرى في الظلام الخفيف المُخيم على الغرفة رجلًا ممددًا في الفراش، يلمع في يده مسدَّس ضخم …
قال الرجل: ماذا تفعل هنا؟!
أحمد: بالصدفة كنت مارًّا بالدراجة، وأحسست بالعطش، فجئتُ لأشرب.
قال الرجل في «سخرية»: إن الذين يُصيبهم العطش لا يفتحون الأبواب بهذه الطريقة.
لم يرد «أحمد»؛ فقد كان واضحًا أن الرجل ليس ساذجًا، وأن التبرير الذي قدَّمه «أحمد» لم يقنعه …
عاد الرجل يقول: من الأفضل أن تقول لي من أنت، ولماذا جئت.
أحمد: ما دمت تريد أن تعرف من أنا … أليس من المعقول أن تُعرفني بنفسك؟!
سمع «أحمد» صوت زناد المسدس وهو يرتد إلى الخلف، وكانت إشارة واضحة، ولم يُضِع وقتًا، انطرح أرضًا حتى يكون تحت مستوى المسدس، ثم دخل تحت الفراش وزحف مسرعًا وخرج من الناحية الأخرى للفراش، ثم انقض على الرجل من الجانب الأيسر.
تمَّ ذلك كله في ثوانٍ معدودة، وامتدت يده وأمسكت بذراع الرجل حيث كان المسدس على الفراش واستولى عليه، ثم وقف في منتصف الغرفة وقال: والآن لعلك تقول لي من أنت.
لم يرد الرجل … كان بالتأكيد مذهولًا لما فعله «أحمد» الذي مدَّ يده وأضاء النور … كان الرجل الممدد في الفراش نحيلًا شاحب الوجه، وواضح أنه لم يرَ نور الشمس منذ زمن بعيد … وكان جانب فمه يَرتعش بشكل مُستمرٍّ، فأدرك «أحمد» أنه مشلول، وأحسَّ بالأسف … ولكن لم يكن أمامه ما يفعله إلا الدفاع عن نفسه …
عاد الكلب يزوم بشدة، وقال الرجل: أرجوك لا تقتله!
أحمد: إنني أحب الكلاب فهي حيوانات وفية.
الرجل: هذا شيء جميل.
أحمد: دعنا الآن من العواطف، وقل لي … ماذا يفعل «روكي ماكلين» في الأقصر؟!
الرجل: «روكي ماكلين»؟ إنني لا أعرف أحدًا بهذا الاسم!
أحمد: إذا لم يكن «روكي ماكلين»، فلا بد أنه «كوتشن مارفن» أو «كلينت جونسون».
سكت الرجل ولم يرد … كان واضحًا أن «أحمد» يعرف الكثير … وعاد «أحمد» يقول: مِن الواضح أنك مصري، وأُحب أن أقول لك إنني في مهمَّة تتعلق بأمن الوطن … وهؤلاء الثلاثة موضع اشتباه من جهات الأمن.
قال الرجل: «كوتشن مارفن» … إنه الرجل الذي أعرفه.
أحمد: إنهم يستخدمون أسماء بعضهم البعض حسب الظروف … وقد حضروا إلى مصر لاغتيال عالِم سيُساهم في تطوير سلاح هام!
قال الرجل: «كوتشن مارفن» حضر لزيارتي وطلب شراء هذا المنزل، لقد كنت تاجرًا غنيًّا ثم أُصبت بالشلل، وقد أنفقت ثروتي على العلاج، وأخيرًا قررتُ أن أبيع هذا المنزل الذي لم أعُد أملك سواه حتى أتمكن من مواصلة العلاج.
أحمد: هل طلب منك «كوتشن» شيئًا آخر؟
الرجل: لقد نقَل إلى المنزل بعض حاجياته، وقال إنه سوف يحضر غدًا ليلًا لقضاء الليلة عندي ومعه صديقان، وقد دفع لي مبلغ عشرة آلاف جنيه تحت حساب الشراء.
أحمد: هل أحضر الحاجيات أمس ليلًا؟!
الرجل: نعم … وأعطاني هذا المسدس، وقال لي إنه قد أحضر بعض الأشياء الثمينة، وقد يحاول بعض اللصوص دخول المنزل لسرقة هذه الأشياء.
أحمد: وهل تعرف هذه الأشياء؟
الرجل: لا … فإنني لم أهتم بها.
أحمد: أُرجِّح أنها سلاح أو أكثر! أين وضع هذه الأشياء؟
الرجل: لا أعرف، لقد أخذ مفاتيح المنزل كلها معه …
سمعا في هذه اللحظة صوت باب المنزل يُفتح، وانزوى «أحمد» في ركن الحجرة وقد أعد المسدس للإطلاق … ولكن الرجل قال: إنه «سيد» الشغال الذي يتولى تنظيف المنزل وإعداد الطعام.
وقف «سيد» الشغال عند باب الحجرة الذي كان «أحمد» يقف خلفه، وقال له الرجل: اذهب لإعداد الإفطار.
أغلق «سيد» الباب، وعاد «أحمد» إلى وسط الغرفة، وفكر لحظات ثم قال للرجل: هل أستطيع أن أثق بك؟
قال الرجل: ما دمت في خدمة الوطن تستطيع أن تثقَ بي.
أحمد: هل عندك تليفون؟
الرجل: نعم.
أحمد: خُذ هذا المسدس لتدافع عن نفسك، لا من اللصوص، ولكن ضد هؤلاء الرجال … وعليك أن تتصل بي في فندق «جولي فيل» كابينة «١٤ / أ»، اسمي «أحمد»، وأنا مصري مثلك.
الرجل: وماذا تريد أن تعرف؟
أحمد: أية تحركات لهذا الرجل أو زميليه.
الرجل: سأفعل.
أحمد: هل تعرف أين أخفى «كوتشن» الأشياء التي أحضرها؟
الرجل: لا … فهذا المنزل مُقام على تل أثري، وتحته عشرات السراديب، والبحث فيها يستدعي وقتًا طويلًا.
أحمد: لهذا اختار «كوتشن» المنزل لشرائه.
ومدَّ «أحمد» يده للسلام على الرجل المشلول، وشد كل منهما على يد صاحبه … ثم غادر «أحمد» المنزل من النافذة.