الرجل الرابع!
عندما دخل «عثمان» و«رشيد» كابينة «أحمد» في الثامنة مساءً، وجدوه جالسًا أمام بضعة رسومات على الورق عن معبد الكرنك … قال إنه ذهب للزيارة في الظهيرة، ليضع خطة لاحتمالات قيام الثلاثة باغتيال العالِم «فيتز»، وروى لهما مغامرة الصباح في منزل الرجل المشلول، وقال «أحمد» إنه يتوقع أن تتم عملية اغتيال العالِم «فيتز» في المساء، بعد أن علمَ من عميل رقم «صفر» تليفونيًّا أن الزيارة ستتمُّ في الفوج الذي يدخل المعبد الساعة العاشرة ليلًا وحتى منتصف الليل.
وقال «أحمد» إن الموعد مناسب للرجال الثلاثة؛ حيث زحام السُّياح … والظلام … وعشرات الأماكن المناسبة للاختباء بين الآثار.
وقال «عثمان» إن رقم «صفر» طلب منهم الإحاطة بالرجال الثلاثة من بعيد … وشل حركاتهم إذا حاولوا اغتيال «فيتز» … وترك رجال الأمن لتوقعات أخرى. فقد يكون الثلاثة أبرياء، وليس لهم علاقة بموضوع اغتيال «فيتز»، وقد يكونون من مهربي المخدرات أو الآثار أو غيرها، فإذا ركزنا عليهم، وكذلك ركزت عليهم جهات الأمن، فمن الممكن أن يكون القاتل رجلًا آخر …
أحمد: إن هذا يُسهل مهمتنا … متى يصل بقية الشياطين؟
عثمان: غدًا صباحًا … وسيتوزعون على ثلاثة فنادق، هي «جولي فيل» و«ونتر بالاس»، و«إيتاب»؛ حتى لا يلفت تجمعهم الأنظار.
أحمد: إن أمامنا ٢٤ ساعة قبل أن يصل «فيتز» إلى الأقصر، وعلينا أن نَدرس جغرافية المعبد من الداخل، والأماكن التي نتوقع أن يتم منها إطلاق النار … إن الزيارة تتم بشكل جماعي، وتبدأ عند بداية المعبد الكبير، ثم تمر على مختلف الآثار، مع عرض الصوت والضوء، حتى تنتهي بالجلوس في المدرجات أمام البحيرة المقدسة، حيث يتم إنهاء العرض الذي يستغرق ساعتين.
رشيد: وكيف تكون الإضاءة؟
أحمد: إنَّ إخراج الصوت والضوء يُحتِّم أن تحيط الظلمة بكل شيء، ولا يكون هناك سوى شعاع قوي من الضوء الباهر يسقط على الأثر الذي يتم الحديث عنه … وهي فرصة رائعة لأي قاتل ليرتكب جريمته.
عثمان: وما هو دور الرجل المشلول في العملية بالنسبة لنا؟
أحمد: إنه سيقوم بإبلاغنا عن وصول أي واحد منهم إلى المنزل حتى نستطيع متابعة تحركهم …
وتناول الشياطين عشاءَهم ثم انتقلوا بالسيارة إلى معبد الكرنك، حيث اشتركوا مع الفوج الأخير الذي يدخل في العاشرة ليلًا، وقد دُهش «رشيد» لعظمة عرض الصوت والضوء وتاريخ مصر القديم الرائع الذي استمع إليه في مكبرات الصوت.
وفي صباح اليوم التالي وصل بقية الشين، وتمَّ اجتماع بينهم على شاطئ النيل داخل العوامة ليلًا بعيدًا عن الأنظار، ووضع «أحمد» خطة توزيع الشياطين داخل المعبد لمراقبة الرجال الثلاثة … ولا يَدري «أحمد» لماذا طلب من «عثمان» أن يُحضِر معه كرته الجهنمية!
وفي المساء علموا من عميل رقم «صفر» أن العالِم «فيتز» سيصل على الطائرة التي تصل إلى الأقصر في الساعة الثامنة مساءً، حيث يرتاح ساعتين قبل التوجه إلى المعبد …
ودق جرس التليفون في كابينة «أحمد» في السابعة والنصف، وكان المتحدث الرجل المشلول، وقال له: إن الرجال قد حضروا، وإنهم أخذوا الحقيبة وانصرفوا، ووعدوه بالمرور عليه بعد منتصف الليل.
وفي التاسعة تمامًا كان الشياطين يندسُّون بين السُّياح الذين سيدخلون في الفوج الأخير، وقد أعدوا مسدَّساتهم.
وأمسك «عثمان» بكرته الجهنمية في يده اليسرى … ثم عندما فُتح باب الدخول دخلوا مع السُّياح، وتوزعوا في شكل دائرة تحيط بأيِّ داخل …
وفي العاشرة تمامًا سمعوا أصوات وصول سيارات الضيف الهام ومعه مجموعة من الحراس، وظهر الرجال الثلاثة … «كلينت جونسون» … «كوتشن مارفن» … «روكي ماكلين» … ولكن الشيء الملفت للأنظار حقًّا … أنهم جميعًا بلا أسلحة … ولا حتى أجهزة التصوير التي اعتادوا أن يحملوها معهم …
أحسَّ «أحمد» بالقلق الشديد … فما هي خطة الرجال الثلاثة؟ وما هي وسيلة الاغتيال؟
كان الحل الوحيد الذي فكر فيه «أحمد» أنهم أحضروا أسلحتهم قبل ذلك، وأخفوها في أماكن داخل الآثار، وأبلغ «عثمان» أن يطوف بالشياطين ويُبلغهم بمتابعة تحركات الرجال الثلاثة داخل المعبد …
بدأ موكب السياح وبينهم «فيتز» والشياطين والرجال الثلاثة يتحرَّكون خلف الأضواء التي كانت تسلط على الآثار … كان الزحام شديدًا، ومن الممكن اغتيال «فيتز» … بطلقة واحدة، فقد كان رجلًا طويل القامة، يلبس بذلة رمادية وقميصًا أبيض، ومن الممكن تمييزه بين الموجودين … سار كل شيء في هدوء … وكان الرجال الثلاثة يتحركون مع الموكب بشكل عادي جدًّا … فلم يخرج واحد منهم عن مجموعة السائحين … وازداد قلق «أحمد»، ومرة أخرى تساءل ما هي خطتهم؟
كان لون «عثمان» الأسمر يجعله كالشبح في الظلام الشديد الذي يلفُّ المكان، وصدرت منه التفاتة نحو تمثال ناقص لرمسيس يطل على الساحة التي أقبلوا عليها … ولاحظ «عثمان» فجأة أن جزءًا من التمثال يتحرَّك … ومن المؤكد أن شخصًا ما يختفي خلفه.
وكان التمثال في مواجهة السياح وهم يتدافعون للاستماع إلى الشرح … وشاهد «عثمان» شيئًا رفيعًا يتسلل من خلف التمثال … ولم يشكَّ لحظة في أنه فوهة بندقية، وقفز قفزة عالية جعلته قُرب التمثال، وقدَّر مكان الرجل وأين تكون رأسه بالضبط … ثم أطلق كرته الجهنمية على رأس المُختفي، وسمع الذين كانوا قريبين من المكان صوت سقوط الرجل … ولكنهم لم يتوقفوا … فقد ظنوا أنه ربما قطعة من الحجر …
ولكن «عثمان» في قفزتين سريعتَين كان قد وصل إلى مكان الرجل … والشيء المدهش أنه وجد «أحمد» واقفًا بجواره وقد أخرج مسدسه.
أحمد: لقد تبينت خطتهم … لقد جعلونا نركز الأنظار عليهم هم الثلاثة بينما يقوم بعملية الاغتيال شخص رابع.
وانحنى «أحمد» فانتزع بندقية مُخيفة من يد الرجل، ثم قام «عثمان» و«أحمد» بسحبه جانبًا، حيث شدَّا وثاقه، وأسرع «أحمد» إلى أحد رجال الأمن المُحيطين بالضيف وقال له: أريدك في كلمة صغيرة!
الرجل: ليس عندي وقت!
أحمد: إنها خاصة بمحاولة اغتيال العالِم «فيتز» … إن المجرم بين أيدينا.
وذهب الرجل معه … وسلط ضوء بطاريته على وجهه … وكم كانت دهشة «أحمد» عندما شاهد صورة طِبق الأصل للرجال الثلاثة … ترك «أحمد» رجل الأمن وأسرع مُبتعدًا مع «عثمان» قبل أن يسأله الرجل عن هويته … وانضم الاثنان إلى فوج السائحين الذين كانوا في منتصف الطريق إلى البحيرة المقدَّسة … وكم كانت دهشة «أحمد» و«عثمان» … عندما لم يجدا الرجال الثلاثة ضمن السُّياح …
ونظر «أحمد» إلى «إلهام» التي شاهَدَها قريبة منه وقال: أين هم؟!
إلهام: لقد تسلَّلوا في الظلام، وخلفهم بعض الشياطين.
أحمد: لقد أنقَذْنا «فيتز» من الاغتيال … ولكن لا بد من القبض على الرجال الثلاثة، هيا بنا الآن.
وأسرع «أحمد» و«عثمان» و«إلهام» خارجين … عادوا إلى الفندق، حيث اتصلوا بعميل رقم «صفر» وأبلغوه بأن عملية الاغتيال لم تتمَّ … وأن يُبلغ رقم «صفر» بأنهم ما زالوا يطاردون الرجال الثلاثة …
فهل يقبضون عليهم؟
هذا ما نتابعه في العدد القادم …