الرجل ذو العباءة السوداء
كان مطعم روز آند كراون مكانًا شديد الازدحام. ظل كلود فرولو يسير جيئة وذهابًا لساعات منتظرًا مغادرة جيون وفيبس المكان. وعندما بدا أمامه أخيرًا أخاه والقائد لحق بهما.
سأل فيبس: «هل بقيت معك أية أموال، يا جيون؟»
فلم يجبه جيون، وبدأ يغني.
وأخيرًا، قال جيون: «لم يتبق شيء في محفظتي، وهذا يدعوني للعودة إلى المنزل.» رفع جيون قبعته لتحية فيبس، ومضى في طريقه.
توقف فيبس أمام أحد التماثيل ليلتقط أنفاسه. وعندما سمع وقع خطوات خلفه استدار.
صاح فيبس: «من هناك؟ ليس معي شيء لتسرقه.»
صاح كلود فرولو من تحت العباءة السوداء التي كان يرتديها: «القائد فيبس!»
سأل فيبس: «كيف عرفت اسمي؟»
أجابه: «إنني لا أعرف اسمك فحسب، لكنني أعرف أيضًا إلى أين تذهب.»
رفع فيبس قبضتيه في الهواء، وقال: «هذا ليس ممكنًا … اكشف وجهك! ولنتعارك.»
قال كلود فرولو: «أنت تعتزم لقاء الفتاة الغجرية.»
سأل فيبس: «كيف عرفت ذلك؟» وسدد ضربة للرجل الغريب، لكنه أخطأه.
– «لن تذهب إليها. وإن فعلت فسأحرص على إيذائك، لأنك لا تستحقها.»
رد فيبس غاضبًا ومستلًّا سيفه: «ما هذا الذي تقوله أيها العجوز الخَرِف؟ سأذهب لمقابلة الفتاة سواء أعجبك ذلك أم لا. سأقاتلك الآن إن لم تسمح لي بالمرور.»
قال كلود فرولو: «لا حاجة لاستخدام السيوف. أعرف أنك لا تملك مالًا، سآتي معك وأدفع لك مقابل أن تسمح لي بالتحدث معها.»
رد فيبس: «ماذا؟ … انتظر، قلت إنك ستدفع لي؟ حسنًا، يمكنك المجيء معي، لكن هذا الأمر برمته غريب حقًّا.»
قاد فيبس كلود فرولو إلى نُزل صغير قذر تديره عجوز شمطاء. كانت جدرانه متهالكة ومليئة بالصدوع. قال فيبس: «لتدخل أنت أولًا، واختبئ. سأعود سريعًا ومعي الفتاة. يمكنك التحدث معها لحظات فحسب. وعليك الرحيل بعد ذلك.»
دخل كلود فرولو إلى الغرفة، وخلع رداءه. انتظر إلى أن اعتادت عيناه على الظلام، وفجأة سمع صرير درجات السلم. وعندما رأى ضوءًا تحت مدخل الباب اختبأ سريعًا داخل إحدى الخزانات.
تركت السيدة العجوز فيبس وإزميرالدا في الغرفة. في البداية، كاد كلود فرولو لا يصدق وجودها هناك. كانت إزميرالدا فاتنة، وكاد يغيب عن الوعي لرؤيتها. وبالرغم من الخطيئة التي ينطوي عليها الأمر، فإنه لم يحب أي شيء مطلقًا كما أحب إزميرالدا، ولا حتى أخاه أو كتبه أو الكنيسة.
كانت إزميرالدا منزعجة؛ فلم يرق لها لقاءها بفيبس على انفراد في نُزل. لكنه أخذ يخبرها مرارًا وتكرارًا أنه يحبها.
قالت له إزميرالدا: «أعتقد أنه لا يجدر بي الوجود هنا. فأنا أُخلف بذلك وعدي، ولن أتمكن من العثور على والديّ الآن أبدًا. وستفقد تعويذتي قوتها. لقد قطعت عهدًا لأسرتي الغجرية عندما منحوني ذلك الكيس أنني سأحسن السلوك، ووجودي معك هنا وحدنا ليس بالسلوك الحسن.»
قال فيبس: «ليتني أفهم ما تتحدثين عنه.»
وقفت إزميرالدا هادئة، ودجالي عند قدميها، ثم قالت: «إنني أحبك حقًّا، أيها القائد فيبس.»
فسألها: «حقًّا؟» وأحاط خصرها بذراعه.
ردت إزميرالدا: «أنت شخص حنون، وقد أنقذتني من الرجل ذي العباءة السوداء تلك الليلة.» ثم أبعدت ذراعه عنها وأردفت: «لا يمكنني أن أوفيك حقك من الشكر.»
اقترب فيبس منها أكثر، لكنها ابتعدت ثانيةً. وفي كل مرة كان فيبس يقترب منها كانت تتحرك بعيدًا.
سألته: «هل تحبني؟»
خر راكعًا على إحدى ركبتيه، وقال: «كما لم أحب أحدًا من قبل.»
قالت إزميرالدا: «أكاد أموت من فرط السعادة.»
قال فيبس: «لا يجدر بك الموت، فأنت جميلة»، واقترب منها، وحاول تقبيلها.
لكن إزميرالدا تفادته، ووقفت بجانب النافذة؛ فقد قطعت عهدًا بألا تقبل أي رجل حتى تتزوج أو تلتقي بوالديها ثانيةً.
قالت: «إذا كنت تحبني كما قلت فيمكننا أن نتزوج.»
قال فيبس: «وما حاجتنا للزواج؟ يمكننا العيش هنا معًا في سعادة للأبد، كلٌّ منا مِلكٌ للآخر. لسنا بحاجة إلى كنيسة أو مراسم توضح لنا هذه الحقيقة! ما حاجة اثنين يحب أحدهما الآخر مثلينا إلى الزواج؟» وتقدم للأمام ثانية، ووقف قريبًا للغاية من إزميرالدا.
تسبب ذلك المشهد بالكامل في إفزاع كلود فرولو؛ فقد كان ذلك القائد الأبله يحاول استغلال إزميرالدا، محاولًا إقناعها بأنه يحبها ليتمكن من تقبيلها. لكن كلود فرولو كان يعلم أنه لا يحبها حقًّا. كانت فتاة صالحة وصادقة للغاية، في حين كانت نوايا القائد بعيدة كل البعد عن أي شيء صالح.
فكر كلود فرولو: «يا له من وغد خسيس! سألقنه درسًا!»
أمسك فيبس بشال إزميرالدا، وسحبه من فوق كتفيها. أصبح بإمكانه رؤية الكيس الموجود حول رقبتها بوضوح، فسألها: «ما هذا؟ رأيته بالأمس عندما كنتِ في الشقة.»
قالت: «رجاءً، أيها القائد فيبس. إنه تعويذتي التي ستساعدني في العثور على والديّ. رجاءً، أعد إلي شالي.»
عبس فيبس، وقال: «إنكِ لا تحبينني.»
قالت: «بلى، إنني أحبك. حتى وإن لم يكن بإمكاننا الزواج، أريد أن أظل معك دائمًا. لا أرغب في أي شيء آخر سوى الحياة والحب. لم يعد هناك ما يهم غير ذلك؛ فقد لا أعثر على والديّ أبدًا على أية حال. لقد ظلا بعيدين عني طوال تلك الفترة.»
تقدمت إزميرالدا نحوه، وكادت تقبله، فاندفع كلود فرولو من باب الخزانة. وقبل أن تعي إزميرالدا ما يحدث فقدت الوعي.