الشاعر والفتاة الغجرية
سعِد بيير بحلول الغسق عند مغادرته القاعة الكبرى؛ ستُخفي الشوارع المظلمة أي أثر له، فكان يحاول العثور على مكان يمكنه التفكير فيه بهدوء. كان مستاءً لدرجة جعلته لا يستطيع العودة إلى غرفته، فجاب طرقات المدينة. وعندما توجه استعراض ملك المهرجين نحو بيير، استدار وركض في الاتجاه الآخر.
كانت الشوارع مكتظة بأناس يشعلون الشرر والمفرقعات النارية. لكن كلما ابتعد صارت الشوارع أكثر فراغًا. كانت ضفة النهر غير ممهدة، وسرعان ما وصل الوحل إلى كاحليه. سار بيير حتى وصل إلى أطراف المدينة تقريبًا. نظر إلى الضفة الأخرى من النهر، ورأى بريقًا من الضوء على الجزيرة الصغيرة الموجودة بالجانب الآخر.
انفجرت إحدى المفرقعات النارية، فتنهد بيير، وحدث نفسه: «حتى قائدو المعديات يحتفلون. ربما يتوجب عليّ الانضمام إليهم.»
كان كل ما يمكن رؤيته في الليل من النهر هو الشكل غير المنتظم للمباني التي تشكل ميدان المدينة الرئيسي. انتشرت صفوف من المنازل الضيقة الكئيبة في الاتجاهات الثلاثة الأخرى، وفي منتصف الميدان عمود التشهير.
عندما وصل بيير إلى الميدان، كان جسمه خدرًا من البرد. حاول أن يسلك طريقًا مختصرًا، لكنه علق بطواحين الهواء التي رشته بالمياه وبللت معطفه تمامًا. كونت مجموعة كبيرة من الناس دائرة حول نار مشتعلة، فسار بيير سريعًا نحوهم، لكنه لم يستطع العبور وسطهم.
قال لنفسه: «يا لهؤلاء الناس! ألا يرون حذائي الذي يتسرب منه الماء ومعطفي المبلل تمامًا؟»
وفي الحقيقة، عندما نظر حوله، بدا له أن الكثير من الناس لم يكونوا بحاجة لتدفئة أنفسهم على الإطلاق، إنما كل ما كانوا يفعلونه هو مشاهدة فتاة ترقص بجوار النار. لم يتمكن بيير من أن يحدد على وجه الدقة هل هذه الفتاة جنية أم ملاك أم بشر. لم تكن طويلة، لكنها بدت كذلك نظرًا لقوامها النحيل. كان شعرها أسود، وعيناها سوداوان براقتان، وبشرتها شاحبة. أخذت ترقص، وبسطت سجادة قديمة كانت ملقاة تحت قدميها. لم يستطع أحد إنزال عينيه عنها. كانت ذراعاها مرفوعتين فوق رأسها أثناء تحركها على نغمات الرِّق. وأخذت تدور وتدور، وتنورتها تدور أيضًا معها.
عندما نظر بيير حوله رأى آلاف الوجوه. كان هناك رجل يشاهد الفتاة عن كثب. كان يكبرها سنًّا، ولديه بعض خصل الشعر الرمادي على رأسه الأصلع. كان يرتدي عباءة طويلة سوداء كالقساوسة. شاهد بيير ذلك الرجل أثناء رقص الفتاة. ولسبب ما بدا مألوفًا.
قالت الفتاة: «دجالي! إنه دورك.» فوقفت نعجة بيضاء صغيرة.
قامت الفتاة والنعجة ببعض الحيل. عرضت النعجة دجالي للجمهور التاريخ بضرب حوافرها بعنف على الرِّق. سألت الفتاة بعد ذلك دجالي عن الساعة، وأجابت النعجة بركلات سبع قوية في اللحظة ذاتها التي دقت فيها الساعة الموجودة في الميدان معلنةً الوقت ذاته!
قال القس: «إن هذا لسحر!» فأدارت الفتاة ظهرها له، وانحنت مع تصفيق الجمهور. واصلت بعد ذلك العرض مع نعجتها.
صاح القس: «ستستاء الكنيسة من هذا!»
ابتسمت الفتاة، وجمعت العملات المعدنية التي قُدمت لها. وقفت أمام بيير وانتظرت. تقاطر العرق على جبينه، وأخذ يبحث بأصابعه في جيوبه الفارغة.
جاء صوت عجوز بالجوار: «ابتعدي عن هنا، أيتها الغجرية الحقيرة!» فابتعدت الفتاة خائفةً عن المرأة البغيضة. لم يتمكن بيير من التوقف عن التحديق بها. بدأت تغني، وملأت الأغنية الجميلة الغريبة أذنيه. وجعلت الموسيقى عينيه تغرورقان بالدموع أثناء استماعه لصوتها العذب.
صاحت المرأة ذاتها ثانيةً: «أمرتك أن تصمتي أيتها الغجرية!»
استفاق بيير من افتتانه، واضطربت معدته. وفي تلك اللحظة وصلت مسيرة استعراض ملك المهرجين إلى داخل الميدان. كان الصف الطويل المتعرج من الناس قد ازداد عددًا منذ تركهم للقاعة الكبرى. جلس كوازيمودو على عرش يحمله الطلاب الذين كان من بينهم جوان وجيون. صدرت جميع أنواع الموسيقى من الاستعراض: الأبواق والرقوق والمزامير، إلى جانب أصوات الناس. ابتسم الأحدب في وجوه الناس الذين اصطفوا على جوانب الطرقات، مبتهجًا للمرة الأولى في حياته. لم يدرك أن الأمر برمته لا يتعدى كونه مزحة.
شق القس طريقه فجأة بين الحشد، ونزع التاج من فوق رأس كوازيمودو.
قال بيير: «انتظروا! أنا أعرف ذلك الرجل. إنه كلود فرولو، رئيس شمامسة كاتدرائية نوتردام. ما الذي يفعله؟»
انتفض كوازيمودو من الكرسي الذي سقط على الأرض. ودوت صرخات ذعر من الحشد. وبخطوة واحدة كبيرة كان الأحدب أمام القس. نظر له بعينه الوحيدة، وخر على ركبتيه. خلع فرولو عن كوازيمودو عباءته فضية اللون، وألقى بصولجانه الكرتوني على الأرض. تحدث الاثنان معًا وهما يحركان أيديهما. وعندما فرغا من ذلك ربت فرولو على كتف كوازيمودو الذي وقف منتصبًا قدر الإمكان على ساقيه المتقوستين وتبع القس.
حدق الطلاب فيه، وهمس جيون لجوان: «هذا أخي، يفسد دائمًا متعتنا.»
اختفى من نصبوه ملكًا، وهام الطلاب على وجوههم بحثًا عن مزيد من الترفيه.
قال بيير: «كان ذلك رائعًا! لم أر من قبل رجلًا يقفز هكذا. لقد نزل قريبًا للغاية من كلود فرولو، هذا الكوازيمودو!» ثم هز الشاعر رأسه وأردف: «والآن، أين يمكنني العثور على طعام العشاء؟»
قرر بيير ملاحقة الفتاة الغجرية. حدث نفسه قائلًا: «ربما تشاركني عشاءها، هذا إن واتتني الجرأة للتحدث معها.»