ثقب الفئران
كان المبنى الموجود غرب الميدان مملوكًا في الماضي لامرأة شابة جميلة أصابها حزن شديد بعد وفاة والدها في إحدى الحروب. بكت والدها بإغلاق المنزل عليها، والعيش في غرفة بالغة الصغر في الطابق الأول. وعندما توفيت تركت المنزل ليُستخدم في غرض واحد فقط؛ أن يكون مكانًا لبكاء الأحباب. كانت الغرفة الصغيرة المغلقة والمظلمة، فيما عدا نافذة ذات قضبان وبلا زجاج، معروفة في الميدان باسم «ثقب الفئران». وعاشت داخلها عجوز شمطاء.
في اليوم الذي نُقل فيه كوازيمودو إلى عمود التشهير، كانت هناك سيدتان تسيران نحو ثقب الفئران؛ إحداهما تُدعى آن، وهي زوجة العمدة. أما الثانية، فهي قريبة لها أتت من الريف وتُدعى صوفي. كانت صوفي تمسك بيد ابنها، واسمه أوستاش، وكان يحمل كعكة للسيدة العجوز.
قالت آن: «هيا يا صوفي! لا نريد أن نتأخر. قال زوجي إن الأحدب لن يبقى بعمود التشهير سوى ساعة واحدة، مما لا يترك لنا متسعًا من الوقت لفعل الخير وإعطاء الكعكة للعجوز الشمطاء.»
وفي الطريق أخذت السيدتان تثرثران بشأن أحداث اليوم السابق. قالت صوفي فجأة: «انتظري! ما هذا؟»
كان بإمكان السيدتين سماع صوت رقّ من على بعد مسافة منهما. فردت آن على صوفي قائلةً: «لا بد أنها الغجرية إزميرالدا، تعزف وترقص مع نعجتها. هيا أسرعي! لنذهب لمشاهدتها. سيحب أوستاش ذلك كثيرًا بالتأكيد.»
توقفت صوفي فجأة وهي تقول: «غجرية! كلا، يمكن أن تختطف ابني. تعال يا أوستاش!»
جرّت صوفي ابنها خلفها، وهي تركض نحو ميدان بلاس دي جريف. وأخيرًا توقفت بعد أن صارت لا تقوى على مواصلة الركض. وسريعًا ما لحقت بها آن التي قالت: «يا إلهي، ما الخطب؟ ماذا تعنين بقولك إن الغجرية ستخطف ابنك؟»
فما كان من صوفي إلا أن هزت رأسها.
قالت آن: «أتعلمين، عندما أفكر في الأمر، أتذكر أن العجوز الشمطاء الموجودة في ثقب الفئران تظن الأمر نفسه في الغجريات.»
سألت صوفي: «حقًّا؟»
أجابت آن: «نعم، لقد سمعت عن ذلك ذات يوم.»
قالت صوفي: «لست أرغب في أن يلقى أي أحد مصير باكيت.»
سألت آن: «ومن باكيت؟ لم أسمع عنها من قبل. يجب أن تخبريني بقصتها!»
– «كانت باكيت سيدة شابة من رانس تعرضت لمأساة مروعة عندما كانت لا تتعدى الثامنة عشرة من عمرها. توفي والدها عندما كانت صغيرة السن، وبالرغم من أنها تنتمي لأسرة كريمة، فقد عانت هي ووالدتها فقرًا مدقعًا. وبعد بضع سنوات من وفاة والدتها أنجبت باكيت فتاة.
كانت الفتاة تُدعى آنيس، علقت باكيت كل آمالها وأحلامها عليها. وفاقت الفتاة والدتها جمالًا. وفي أحد الأيام وصل الغجر إلى رانس لقراءة الطالع، لكن حُظِر عليهم دخول المدينة، فأقاموا خيامهم على أطرافها. ذهبت المدينة كلها بالطبع لرؤيتهم. وأرادت باكيت أن تعرف ما سيحدث لابنتها، فحملتها لرؤية الغجر.
قال قراء الطالع إن الفتاة ستصبح ملكة رائعة الجمال، فملأت البهجة قلب باكيت. وفي اليوم التالي تركت آنيس نائمة لدقائق معدودة، وذهبت لإخبار إحدى جاراتها بالأخبار السعيدة. وعندما عادت للمنزل فوجئت بعدم سماع صوت بكاء الطفلة.
اعتقدت باكيت أن الطفلة لا تزال نائمة، لكنها عندما فتحت باب الغرفة لم تجد آنيس. فهرعت لأسفل وهي تصيح: «خطف أحدهم طفلتي!»
كان الشيء الوحيد الذي تُرك في إثرها فردة حذاء صغيرة من الساتان.
كان الشارع خاويًا، ولم ير أحد ممن سألتهم الفتاة. وعندما عادت باكيت إلى غرفتها سمعت بكاء طفل، فظنت أنها آنيس.
لكنه لم يكن كذلك. فتحت الباب لتجد طفلًا أعور أعرج مشوهًا، مسخًا صغيرًا بدا أنه في الرابعة من عمره.
صرخت باكيت، وعادت ركضًا إلى الخارج، وهي تصيح: «خطف الغجر طفلتي، وتركوا مكانها مسخًا!»
خرج الجميع في رانس للبحث عن آنيس، لكن الغجر كانوا قد رحلوا. وعلى بعد ميلين خارج المدينة عثروا على إحدى شرائط الطفلة. اشتعل رأس باكيت شيبًا في اليوم التالي لذلك الحادث مباشرةً. وفي اليوم الذي يليه اختفت.»
أنهت صوفي روايتها، ونظرت إلى قريبتها. علا الشحوب وجه آن، وقالت: «يمكنني أن أدرك الآن سبب خوفك من الغجر.»
قالت صوفي: «لا أحد يعلم ما حدث لباكيت؛ البعض يقولون إنها غرقت في النهر، وآخرون يقولون إنها سارت حافية القدمين إلى باريس.»
سألت آن: «وما الذي حدث للمسخ الغجري؟ هل غرق مع باكيت؟»
قالت صوفي: «كلا، على الإطلاق. تركه شخص ما بكاتدرائية نوتردام، وشعر رئيس الشمامسة بالأسى لحاله، فباركه، وسمح له بالعيش في المكان.»
وصل الثلاثة إلى ميدان بلاس دي جريف. وفي ظل انشغال السيدتين الشديد بما تحمله قصة باكيت من إثارة نسيتا تمامًا مَن كان بعمود التشهير. وعندما أدركتا أنه كوازيمودو، توقفتا بلا حركة؛ إنه المسخ الغجري الذي ذكرته صوفي في روايتها. ولولا جذب أوستاش لذراع والدته، متسائلًا هل بإمكانه تناول الكعكة، لظلتا على تلك الحالة من الصدمة.
قالت صوفي بهدوء: «يا إلهي! كدنا ننسى السيدة بثقب الفئران. هيا، لنذهب الآن، ونعطي السيدة العجوز الكعكة. لا حاجة لنا في مشاهدة ذلك!»
عبرت آن وصوفي إلى الجانب الآخر من الميدان، ووقفتا أمام نافذة ثقب الفئران على أطراف أصابعهما، ونظرتا إلى الداخل. كان بالغرفة المظلمة امرأة شيباء نحيلة تجلس منكمشة ويداها على ركبتيها. كان البرد قارسًا داخل الغرفة، ولم تكن لديها ملابس للشتاء.
قالت صوفي: «يجدر بنا عدم إزعاجها.»
ردت آن: «أتعلمين، يمكنني تخيل باكيت في مكان كهذا تعاقب نفسها على ما حدث لابنتها الجميلة.»
وفي تلك اللحظة رأت صوفي حذاء طفلة في الغرفة، فقالت لاهثة: «انظري! إنه الحذاء … الحذاء الصغير المصنوع من الساتان! إنها باكيت!»
فصرخت آن.
قال أوستاش: «أرجوك يا أمي، أيمكنني تناول هذه الكعكة؟»
أيقظ صوت الصبي العجوز الشمطاء من غفوتها، فقالت: «هل ما تسمعه أذناي صوت طفل؟ أبعدوه عن هنا! أبعدوه قبل أن يأتي الغجر!» وزحفت على ركبتيها نحو الحذاء، ثم تنهدت وسقطت.
حدثت ضوضاء حول عمود التشهير، فأيقظت العجوز الشمطاء التي ركضت نحو النافذة وصاحت: «لا بد أن الغجرية تنادي عليّ!»
مدت ذراعيها النحيلتين من بين القضبان، وصاحت: «إذن فهذا أنت أيتها الغجرية! خاطفة الأطفال، اللعنة عليك! اللعنة عليكم جميعًا!»
صرخت صوفي، وفرت هي وآن وهما تجذبان أوستاش خلفهما.