الفصل السابع عشر
الانتفاخ الكبير
«لو أنني كنت حاضرًا عند الخلق، لقدمت بعض الإرشادات المفيدة
لترتيب الكون على نحوٍ أفضل.»
ألفونسو الحكيم، «ملك قشتالة» (منسوبة
إليه)
قبل بضع سنوات، كانت نظرية الانفجار العظيم عن نشأة الكون تلائم جميع
الملاحظات المهمة. وتنبأت على وجه التحديد بدرجة حرارة إشعاع الخلفية
الكونية الميكروي، وكان ذلك نجاحًا مبكرًا للنظرية ساهم بدرجة كبيرة في
قبولها.
1 ومن ناحية أخرى، كانت الملاحظات قليلة وتأتي على فترات
متباعدة. فمع حصول علماء الفلك على قياسات أكثر تفصيلًا، وقيامهم
بالحسابات الأكثر استفاضة لمعرفةِ ما تتنبأ به نظرية الانفجار العظيم،
بدأت التباينات في الظهور.
رأينا في الفصل الخامس عشر أنَّ كون اليوم يحتوي على الكثير من
البُنى الكبيرة النطاق؛ إذ توجد به شعيرات ضخمة وصفائح من المجرات تحيط
بها مساحات أضخم من الفراغ، أشبه بالرغوة في كوب البيرة؛ حيث تمثل
المجرات أسطح الفقاعات، بينما تمثل مساحات الفراغ الهواء الموجود
بداخلها. تشير الحسابات إلى أنَّ التقدير الحالي لعمر الكون هو ١٣٫٨
مليار عام؛ مما لا يعطي المادة وقتًا كافيًا لتصبح بالتكتل الذي هي
عليه اليوم. وهو أيضًا وقت أقصر كثيرًا من أن يفسِّر الاستواء الحالي
للمكان. والواقع أنَّ إصلاح الأمرين مهمة صعبة؛ لأنه كلما زاد استواء
المكان قلت احتمالية تكتل المادة، وكلما زاد تكتل المادة زاد انحناء
المكان.
يتمثل الرأي السائد في علم الكونيات لحل هذه المعضلة في افتراض
انفجار أكبر، يُعرف بالتضخم. ففي نقطة تحول حاسمة في مرحلة مبكرة
للغاية من وجوده، تمدد الكون الوليد إلى حجم ضخم في وقت قصير
للغاية.
ثمَّة عيوب أخرى في نظرية الانفجار العظيم الأصلية أدت بعلماء
الكونيات إلى اقتراح افتراضين آخرين؛ المادة المظلمة، وهي نوع من
المادة يختلف كليًّا عن المادة المعتادة، والطاقة المظلمة، وهي شكل من
الطاقة يتسبَّب في إسراع تمدد الكون. وفي هذا الفصل، سأناقش التضخم
والمادة المظلمة. وسوف أرجئ الحديث عن الطاقة المظلمة إلى الفصل
التالي؛ إذ يوجد الكثير مما يُقال عنها.
يثق علماء الكونيات كثيرًا في النظرية الحالية، التي تُعرف باسم
(ΛCDM) نموذج (لامدا للمادة
المظلمة الباردة) أو النموذج القياسي لعلم الكونيات. (تذكر أنَّ
Λ هو رمز ثابت أينشتاين الكوني.)
وهم يشعرون بهذه الثقة لأنَّ التوليفة المتمثلة في نظرية الانفجار
العظيم الكلاسيكية والتضخم والمادة المظلمة والطاقة المظلمة، تتفق مع
معظم المشاهدات الرصدية بدرجة كبيرة من التفصيل. بالرغم من ذلك، توجد
بعض المشكلات المهمة في هذه الإضافات الثلاث قد تحتاج إلى إعادة
التفكير.
في هذا الفصل والذي يليه، سأبدأ بوصف النظريات التقليدية موضحًا
الملاحظات الرصدية التي حفزت ظهور الإضافات الثلاثة، مع توضيح كيفية
تفسير هذه الإضافات الثلاثة للملاحظات. وسنتبنى بعد ذلك نظرة نقدية
تجاه النموذج القياسي لعلم الكونيات الناتج عنها، مع توضيح بعض
المشكلات التي لم تزل قائمة. وأخيرًا، سأصف بعض ما اقتُرِح للنموذج
القياسي من بدائل، وسنرى مدى نجاحها مقارنةً به.
•••
تناول الفصل السادس عشر الدليل الأساسي على نظرية الانفجار العظيم،
بما في ذلك إضافاتها: تركيب خلفية الأمواج الميكروية الكونية. يوضح
أحدث القياسات من مسبار «ويلكينسون لتباين الأشعة الميكروي» أنَّ إشعاع
الخلفية الكونية الميكروي متساوٍ «تقريبًا»، فهو يختلف عن المتوسط بما
لا يزيد عن ٢٠٠ جزء من المليون درجة كلفنية. وبالرغم من أنَّ نظرية
الانفجار العظيم تتنبأ بتقلبات صغيرة، فإنَّ هذه التقلبات صغيرة
«جدًّا»، مما لا يمنح التكتل الحالي للكون الوقت الكافي للتطور. ويستند
هذا الزعم على نماذج المحاكاة الحاسوبية للنماذج الرياضية لتطور الكون،
والتي ذُكِرَت في الفصل الخامس عشر.
من الطرق التي يمكن استخدامها لحل هذه المشكلة تعديل النظرية بحيث
يكون الكون المبكر أكثر تكتلًا من البداية. غير أنَّ هذه الفكرة تواجه
مشكلة ثانية، تكاد تكون معاكسة للأولى. فبالرغم من أنَّ «المادة»
الموجودة حاليًّا أكثر تكتلًا بما لا يتلاءم مع الانفجار العظيم
القياسي، فإنَّ «الزمكان» ليس متكتلًا بالدرجة الكافية. فهو مستوٍ
تقريبًا.
كان علماء الكونيات قلقين أيضًا بشأن مشكلة أعمق، وهي مشكلة الأفق
التي أشار إليها ميسنر في ستينيات القرن العشرين. ذلك أنَّ نظرية
الانفجار العظيم القياسية تتنبأ بأنَّ أجزاء الكون البعيدة للغاية
بعضها عن بعض بما لا يسمح بأن يكون لها تأثير سببي بعضها على بعض،
ينبغي بالرغم من ذلك أن يكون توزيع المادة وتوزيع درجة حرارة إشعاع
الخلفية الكونية الميكروي متشابهين بها. وعلاوةً على هذا، ينبغي أن
يصبح ذلك واضحًا للراصِد لأنَّ الأفق الكوني — المدى الذي يستطيعون
رؤيته — يزيد مع مرور الوقت. ومن ثمَّ؛ فالمناطق التي لم تكن متصلة
سببيًّا قبل ذلك، ستتصل بعد ذلك. وحينها يكون السؤال: كيف «تعرف» هذه
المناطق توزيع المادة ودرجة الحرارة الذي ينبغي أن تتسم به؟ إذن، فليست
المشكلة أنَّ الزمكان مستوٍ للغاية فحسب؛ بل إنَّه أيضًا مستوٍ
«بالتساوي» على مناطق أكبر كثيرًا من أن تكون قد تواصلت بعضها مع
بعض.
في عام ١٩٧٩، توصَّل ألان جوث إلى فكرة بارعة تحل المشكلتين معًا.
فهي تجعل الزمكان مستويًا، بينما تسمح للمادة بأن تظل متكتلة، وهي تحل
مشكلة الأفق. ولكي نصف هذه الفكرة، ينبغي أن نتعرف على طاقة
الفراغ.
في فيزياء اليوم، لا يمثل الفراغ مكانًا خاليًا فحسب. وإنما هو مرجل
يفور بالجسيمات الكمومية الافتراضية، التي تظهر من العدم في أزواج، ثم
يلغي أحدها الآخر قبل أن يتمكَّن أيُّ أحد من رصدها. إنَّ ذلك ممكن
الحدوث في ميكانيكا الكم بسبب مبدأ اللايقين الذي وضعه هايزنبرج، والذي
يقول بأننا لا نستطيع رصد طاقة جسيمٍ ما في وقت محدَّد. لا بد أن تكون
الطاقة غير محددة، أو تكون الفترة الزمنية غير محددة. إذا كانت الطاقة
غير محددة، فلا يلزم أن تُحفَظ في كل ثانية. يمكن للجسيمات أن تقترض
الطاقة، ثم تردها في تلك الفترة الزمنية الوجيزة. إذا كان الزمن غير
محدد، فإنَّ غيابه لن يُلحَظ.
وهذه العملية — أو ربما شيء آخر؛ فالفيزيائيون غير متيقنين — تخلق
مجالًا جياشًا من طاقة الخلفية في كل مكان في الكون. إنَّ هذه الطاقة
صغيرة، فهي تبلغ جزءًا واحدًا على المليار من الجول لكل متر مكعب. وهي
تكفي لتشغيل قضيب مدفأة كهربائية لجزء على التريليون من
الثانية.
تقترح نظرية التضخم أنَّ مناطق الزمكان التي تفصلها مسافات شاسعة،
تتسم بتوزيع المادة ودرجة الحرارة نفسه لأنها «كانت» قادرة في الماضي
على التواصل بعضها مع بعض. افترض أنَّ مناطق الكون البعيدة بعضها عن
بعض في الوقت الحالي كانت قريبة من قبل بالدرجة الكافية للتفاعل. افترض
أيضًا أنَّ طاقة الفراغ في ذلك الوقت كانت أكبر مما هي عليه الآن. في
تلك الحالة، لا يزيد الأفق القابل للرصد؛ بل يظل ثابتًا. إذا مرَّ
الكون آنذاك بتمدد سريع، فإنَّ الراصدين القريبين ينفصلون بسرعة، ويصبح
كل شيء متجانسًا. وبصفة جوهرية، فإنَّ أي ارتفاع موضعي أو انخفاض كان
يوجد قبل بدء التضخم، يتمدد فجأة ليغطي مقدارًا شديد الضخامة من
الزمكان. فالأمر يشبه وضع قطعة من الزبد على شريحة صغيرة من الخبز، ثم
جعل شريحة الخبز ضخمة الحجم فجأة. ينتشر الزبد على شريحة الخبز، وتحصل
على طبقة رقيقة من الزبد ومتساوية تقريبًا.
لا تحاول فعل ذلك في المنزل.
•••
إنَّ البداية المبكرة للغاية والانفجار السريع كليهما ضروريان لكي
تكون حسابات التضخم صحيحة. إذن فما الذي يسبِّب هذا النمو السريع، ذلك
الانفجار الأضخم من الانفجار العظيم الضعيف الذي بدأ كل شيء؟ والإجابة
هي مجال ما متضخم؛ inflaton. ليس ذلك
خطأً مطبعيًّا: فالمتضخم هو جسيم افتراضي. في النظرية الكمومية، توجد
الجسيمات والمجالات جنبًا إلى جنب. والجسيم هو كتلة موضعية في المجال،
والمجال هو بحر متدفق من الجسيمات.
تساءل جوث عمَّا سيحدث إذا كان المكان ممتلئًا بالتساوي بمجال كمومي
غير ملحوظ، هو مجال المتضخم الافتراضي. أوضحت حساباته أنَّ مثل ذلك
المجال يولِّد ضغطًا سالبًا؛ أي أنه ينتج دفعة إلى الخارج. يقترح براين
جرين تشبيه الأمر بغاز ثاني أكسيد الكربون في زجاجة الشامبانيا. فحين
تنزع السدادة يتمدد الغاز بسرعة كبيرة، مما يولِّد تلك الفقاقيع
المحببة. وإذا نزعت سدادة الكون، فإنَّ مجال المتضخم يتمدد بسرعة أكبر
وأكبر. التعديل الجديد أننا لا نحتاج إلى سدادة؛ بل يمكن للزجاجة
بأكملها (الكون) أن تتمدد بسرعة كبيرة وبمقدار ضخم للغاية. تقول
النظرية الحالية في الفترة ما بين ١٠−٣٦
و١٠−٣٢ ثوانٍ بعد الانفجار الكبير،
تضاعف حجم الكون بعامل ١٠٧٨ على
الأقل.
الخبر الجيد أنَّ تصور التضخم، وتحديدًا بعض التنويعات العديدة التي
وردت على الفكرة الأصلية منذ اقتراحها، يتفق مع الكثير من الملاحظات.
وليس ذلك مفاجئًا تمامًا؛ لأنها صُمِّمَت لتوافق بعض الملاحظات
الأساسية، لكنَّ ما يبعث على الثقة أنها تتفق مع العديد غيرها أيضًا.
هل أُنجزت المهمة إذن؟ حسنًا، ربما لم تُنجز بعد؛ لأنَّ الخبر السيئ
أنَّ أحدًا لم يكشف عن جسيم متضخم قط، ولا عن أي أثر للمجال الذي
يُفترض أنه يدعمه. إنه أرنب كمومي لم يُستخرَج بعد من القبعة الكونية،
لكنه سيكون أرنبًا جذابًا للغاية إذا أمكن إقناعه أن يبرز أنفه المرتجف
من حافة القبعة.
بالرغم من ذلك، فقد بدأ يصبح أقل جاذبية بكثير في السنوات الأخيرة.
فمع طرح الفيزيائيين وعلماء الكونيات أسئلة أعمق بشأن التضخم، ظهرت
المشكلات. ومن أكبر هذه المشكلات التضخم الأبدي الذي اكتشفه ألكسندر
فيلينكين. يفترض التفسير المعتاد لبنية كوننا أنَّ مجال المتضخم يعمل
مرة واحدة في فترة مبكرة للغاية من تطور الكون، ثم «يظل» مغلقًا.
بالرغم من ذلك، إذا كان لمجال المتضخم وجود على الإطلاق، فيمكن أن يعمل
في أي مكان وأي وقت. تُعرف هذه النزعة بالتضخم الأبدي. وهي تشير إلى
أنَّ منطقة كوننا ليست سوى فقاعة واحدة متضخمة في حمام فقاعات من
الرغوة الكونية، وقد تبدأ فترة جديدة من التضخم في غرفة معيشتك بعد
العصر، وتؤدي إلى انتفاخ تلفازك وقطتك
2 بمعامل ١٠
٧٨.
توجد طرق لإصلاح هذه المشكلة باستخدام تنويعات على فكرة جوث الأصلية،
لكنها تستلزم شروطًا مبدئية مميزة على نحو استثنائي لتطور كوننا. يمكن
استنتاج مدى تميز هذه الشروط من حقيقة أخرى مثيرة للاهتمام تتمثَّل في
وجود شروط مبدئية أخرى مميزة تؤدي إلى ظهور كون مثل كوننا تمامًا
«بدون» حدوث التضخم. كلا النوعين من الشروط نادر، لكن ليس بالدرجة
نفسها. أوضح روجر بنروز
3 أنَّ عدد الشروط المبدئية التي تنتج كوننا دون استدعاء
التضخم يفوق عدد تلك التي تنتج التضخم بعامل يبلغ مقداره جوجل بلكس
واحد أي
. وبهذا، فإنَّ تفسير الحالة الحالية للكون الذي
«لا» يستدعي التضخم، أكثر وجاهة بدرجة كبيرة للغاية من تفسير يستدعيه.
لقد استخدم بنروز نهج الديناميكا الحرارية ولست متأكدًا من أنَّ ذلك
ملائم في هذا السياق، لكنَّ جاري جيبونز ونيل توروك استخدما طريقة
مختلفة: عكس الزمن وتفكيك الكون إلى حالته الأولية. ومرة أخرى، نجد
أنَّ الغالبية العظمى من مثل تلك الحالات لا تتضمن التضخم.
لا يزال معظم علماء الكونيات على قناعةٍ بأنَّ نظرية التضخم صحيحة في
جوهرها؛ لأنَّ تنبؤاتها تتفق مع الملاحظات على نحوٍ جيد جدًّا. وسيكون
من المبكر استبعادها بسبب الصعوبات التي ذكرتها. بالرغم من ذلك، فإنَّ
هذه الصعوبات تشير بقوة إلى أنَّ المفهوم الحالي عن التضخم ينطوي على
عيوب خطيرة. ربما يرشدنا إلى الاتجاه الصحيح، لكنه لا يمثل الإجابة
النهائية بأية حال من الأحوال.
•••
ثمَّة مشكلتان أخريان بشأن النموذج القياسي لنشأة الكون. أولى هاتين
المشكلتين نوقشت في الفصل الثاني عشر، وهي أنَّ المناطق الخارجية من
المجرات تدور حول محورها بسرعة أكبر كثيرًا مما يسمح بتماسكها إذا كانت
جاذبية نيوتن تنطبق عليها (أو جاذبية أينشتاين مثلما يُعتَقد غالبًا).
والإجابة القياسية لهذه المشكلة هي المادة المظلمة التي نناقشها
بالتفصيل في الفصل التالي.
أما المشكلة الثانية، فتتمثَّل في الكيفية التي يتغير بها معدل تمدد
الكون بمرور الوقت. فقد كان علماء الكونيات يتوقعون أن يظل المعدل
ثابتًا مما يؤدي إلى كون «مفتوح» لا يتوقف أبدًا عن النمو، أو أن يبطئ
المعدل بينما تسحب الجاذبية المجرات المتمددة معًا من جديد لتشكيل كون
«مغلق». بالرغم من ذلك، ففي عام ١٩٨٨، أوضحت ملاحظات «فريق البحث عن
المستعرات العظمى العالية الانزياح» للانزياح نحو الأحمر في المستعرات
العظمى من نوع Ia أنَّ التمدد «يسرع». فاز عمل الفريق بجائزة نوبل في
الفيزياء عام ٢٠١١، وكانت النتيجة الفعلية غير خلافية على وجه التحديد
(على عكس التضخم والمادة المظلمة). أما ما كان خلافيًّا فهو
تفسيرها.
يعزو علماء الكونيات التمدد المتسارع للكون إلى مصدر للطاقة يطلقون
عليه مصطلح «الطاقة المظلمة». يتمثَّل أحد الاحتمالات في ثابت أينشتاين
الكوني
Λ. فعند إدخال قيمة موجبة
للثابت
Λ في المعادلات ينتج لدينا معدل
التسارع المرصود. إذا كان هذا صحيحًا، فسيتضح أنَّ وضع الثابت الكوني
في معادلات المجال ليس بخطأ أينشتاين الأكبر؛ بل إلغاؤه من المعادلات
هو الخطأ الأكبر. لكي يتفق الثابت الكوني مع الملاحظات، يجب أن تكون
قيمته صغيرة للغاية: ١٠
−٢٩ من الجرامات
تقريبًا لكل سنتيمتر مكعب عند التعبير عن الطاقة في صورة كتلة من خلال
معادلة أينشتاين الشهيرة: الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء
.
ينبع أحد الأسباب الفيزيائية التي تقضي بوجوب أن يكون الثابت الكوني
أكبر من الصفر من ميكانيكا الكم: طاقة الفراغ. تذكَّر أنَّ هذه الطاقة
هي تأثير طبيعي طارد ينتج عن ظهور أزواج الجسيم/الجسيم المضاد إلى
الوجود، ثم إلغاء بعضها بعضًا بسرعة كبيرة لا تسمح حتى بالكشف عن
الجسيمات نفسها. المشكلة الوحيدة أنَّ قيمة طاقة الفراغ وفقًا
لميكانيكا الكم التي نعرفها اليوم، ينبغي أن تكون أكبر من قيمة الثابت
الكوني الذي يتلاءم مع معدل التسارع بمقدار
١٠١٢٠.
أشار الرياضي الجنوب أفريقي جورج إليس، إلى أنَّ وجود الطاقة المظلمة
يُستنتَج من الملاحظات بافتراض أنَّ الكون يوصف على نحوٍ صحيح من خلال
مترية «فريدمان-لومتر-روبرتسون-ووكر» القياسية، والتي يمكن (من خلال
تغيير الإحداثيات) تأويل الثابت الكوني فيها على أنه الطاقة المظلمة.
وقد رأينا أنَّ هذه المترية مشتقة من شرطين أساسيين، هما أنَّ الكون
ينبغي أن يكون متجانسًا ومتناحيًا. أوضح إليس أنَّ انعدام التجانس يمكن
أن يفسِّر الملاحظات دون افتراض وجود الطاقة المظلمة.
4 فالكون غير متجانس على فراغاته وتكتلاته، وهي أكبر كثيرًا
من المجرات. من ناحية أخرى، يفترض النموذج الكوني القياسي أنَّ أوجه
عدم التجانس تختفي على نطاق أكبر كثيرًا، مثلما تبدو الرغوة مصقولة إذا
لم تنظر إليها بالقرب الكافي لرؤية الفقاعات. ولهذا، يقارن علماء
الكونيات ملاحظات «فريق البحث عن المستعرات العظمى العالية الانزياح»
بتنبؤات هذا النموذج المصقول.
الآن تظهر مشكلة رياضية دقيقة، يبدو أنها قد أُغفِلت حتى وقت قريب:
هل الحل الدقيق للنموذج المصقول، قريب من الحل المصقول للنموذج الدقيق؟
يتناظر الأول مع النظرية السائدة، ويتناظر الثاني مع كيفية مقارنتنا له
بالملاحظات. يتمثَّل الافتراض الضمني في أنَّ هذين العمليتين
الرياضيتين تنتجان النتيجة نفسها تقريبًا، وتلك نسخة من افتراض النمذجة
المستخدم بكثرة في الفيزياء الرياضية والرياضيات التطبيقية، الذي يقول
بأنَّه يمكن إغفال الحدود الصغيرة في المعادلات دون أن يكون لذلك تأثير
كبير على الحل.
غالبًا ما يكون ذلك الافتراض صحيحًا، لكن ليس دائمًا، وتشير بعض
الدلائل إلى أنه قد يؤدي إلى نتائج خاطئة في هذه الحالة. فقد أوضح
توماس بوخير
5 أنه عند حساب متوسط معادلات أينشتاين الخاصة بالتركيب
المتكتل الصغير النطاق لاشتقاق معادلة للتركيب المصقول الكبير النطاق،
تختلف النتيجة التي نحصل عليها عن نتيجة معادلات أينشتاين الخاصة
بالنموذج المصقول الكبير النطاق. بدلًا من ذلك، يوجد بها حد إضافي،
«تفاعل عكسي» طارد يخلق تأثيرًا يحاكي الطاقة المظلمة.
من الممكن أيضًا أن تُفسَّر الملاحظات الرصدية من المصادر الكونية
البعيدة على نحوٍ خاطئ لأنَّ التأثير العدسي التثاقلي يمكن أن يركز
الضوء ويجعله أكثر سطوعًا مما ينبغي. إنَّ متوسط تأثير مثل ذلك
التركيز، على جميع الأجسام البعيدة، هو المتوسط نفسه للنماذج المتكتلة
التفصيلية الصغيرة النطاق، ومتوسطاتها الكبيرة النطاق، وهو ما يبدو
مشجعًا للوهلة الأولى. غير أنَّ الأمر نفسه لا ينطبق على الأجسام
الفردية، وهي ما نرصده. يصبح الإجراء الرياضي الصحيح في هذه الحالة هو
حساب المتوسط على مسارات الضوء لا الفضاء المعتاد. وقد يؤدي عدم القيام
بذلك إلى تغيير اللمعان الظاهر، ويتوقف المقدار الدقيق لهذا التغير على
توزيع المادة. إننا لا نعرف ذلك بالدقة الكافية للتأكد مما يحدث.
بالرغم من ذلك، يبدو أنَّ الدليل على تسارع تمدد الكون قد يكون غير
جدير بالثقة لسببين متمايزين لكنهما مترابطان: قد تؤدي افتراضات الصقل
المعتادة إلى نتائج خاطئة لكلٍّ من النظرية والملاحظات.
ثمَّة طريقة أخرى يمكن استخدامها لتفسير ملاحظات «فريق البحث عن
المستعرات العظمى العالية الانزياح» دون استدعاء المادة المظلمة، وهي
تعديل معادلات أينشتاين للمجال. ففي عام ٢٠٠٩، استخدم جويل سمولر وبليك
تيمبل رياضيات الموجات الصدمية لإثبات أنَّ التعديل الطفيف على معادلات
المجال يقدم حلًّا تتمدد فيه المترية بمعدل متزايد.
6 وسيفسِّر ذلك التسارع المرصود للمجرات دون استدعاء الطاقة
المظلمة.
وفي عام ٢٠١١، في إصدار خاص من إحدى صحف «الجمعية الملكية» عن
النسبية العامة، كتب روبرت كالدويل:
7 «حتى الآن، يبدو من المنطقي تمامًا أنَّ ملاحظات
[المستعرات العظمى العالية الانزياح] يمكن أن تُفسَّر بقوانين جديدة
للجاذبية.» ووصفت روث دورَر
8 الدليل على وجود الطاقة المظلمة بالضعيف قائلة: «إنَّ
الدلالة الوحيدة على وجود الطاقة المظلمة تأتي من قياسات المسافات
وعلاقتها بالانزياح نحو الأحمر.» فهي ترى أنَّ بقية الأدلة لا تثبت سوى
أنَّ تقديرات المسافة من الانزياح نحو الأحمر أكبر من المتوقع في
النموذج الكوني القياسي. فربما لا يكون التأثير المرصود هو التسارع،
وحتى إذا كان كذلك، فما من سبب مقنع لافتراض أنَّ السبب هو الطاقة
المظلمة.
•••
بالرغم من أنَّ الاتجاه العام في علم الكونيات يستمر في التركيز على
النموذج القياسي؛ أي نظرية الانفجار العظيم مثلما تصفها مترية (لامدا
للمادة المظلمة الباردة) إضافةً إلى التضخم والمادة المظلمة والطاقة
المظلمة، فإنَّ همسات عدم الرضا تتزايد منذ بعض الوقت. ففي مؤتمر عُقِد
عن البدائل عام ٢٠٠٥، قال إريك ليرنر: «إنَّ تنبؤات الانفجار العظيم
تخطئ باستمرار، وتُعدَّل بعد ذلك.» وكرَّر ريكاردو سكاربا هذا الرأي
بقوله: «في كل مرة يعجز النموذج الأساسي للانفجار العظيم عن التنبؤ بما
نراه، يكون الحل إضافة شيء جديد عليه.»
9 كان كلا العالمين قد وقَّعا قبل ذلك بعام على خطاب مفتوح
يحذِّر من أنَّ البحث في النظريات البديلة في علم الكونيات لا يحظى
بالتمويل؛ مما يحد من الجدال العلمي.
ربما تكون تلك الشكاوى بدافع الغيرة فحسب، لكنها استندت إلى بعض
الأدلة المقلقة، وليس محض اعتراضات فلسفية على هذه الإضافات الثلاث.
فقد عثر تلسكوب «سبيتزر» الفضائي على مجرات تتسم بدرجة كبيرة من
الانزياح نحو الأحمر حتى إن عمرها يعود إلى أقل من مليار عام بعد
الانفجار الكبير. ومن ثمَّ؛ ينبغي أن تسود بها النجوم الزرقاء الحديثة
الفائقة السخونة. غير أنها تحتوي على الكثير للغاية من النجوم الحمراء
الباردة القديمة. ويشير هذا إلى أنَّ هذه المجرات أقدم مما تتنبأ به
نظرية الانفجار العظيم؛ فلا بد إذن أنَّ الأمر نفسه ينطبق على الكون.
مما يؤيد هذا أنَّ بعض النجوم اليوم تبدو أقدم من الكون. فهي عمالقة
حمراء كبيرة للغاية حتى إنَّ الوقت اللازم لكي تحرق ما يكفي من
الهيدروجين لتبلغ تلك الحالة أكبر كثيرًا من ١٣٫٨ مليار عام. إضافةً
إلى ذلك، توجد عناقيد فائقة ضخمة من المجرات تتسم بدرجة عالية من
الانزياح نحو الأحمر؛ أي أنها لم تكن ستحظى بالوقت الذي يسمح لها
بتنظيم نفسها في تلك التراكيب الكبيرة. بالرغم من أنَّ هذا التأويل محل
خلاف، فإنَّ الثالث على وجه التحديد يصعب تفسيره.
إذا كان الكون أقدم كثيرًا مما نعتقد اليوم، فكيف يمكن أن نفسِّر
الملاحظات التي أدت إلى نظرية الانفجار الكبير؟ تتمثَّل الملاحظتان
الأساسيتان في الانزياح نحو الأحمر وإشعاع الخلفية الكونية الميكروي،
إضافةً إلى الكثير من التفاصيل الدقيقة. ربما لا يكون إشعاع الخلفية
الكونية الميكروي من بقايا نشأة الكون، وما هو إلا ضوء النجوم يتقافز
حول الكون على مدار الدهور، يُمتَص ثم يُشَع من جديد. تركز النسبية
العامة على الجاذبية، بينما تنطوي هذه العملية على مجالات الإشعاع
الكهرومغناطيسي أيضًا. ولأنَّ معظم المادة الموجودة في الكون من
البلازما، التي تسير ديناميكياتها وفقًا للكهرومغناطيسية، فسيكون من
الغريب أن نغفل هذه التأثيرات. بالرغم من ذلك، فقدَ علم كونيات
البلازما التأييد عام ١٩٩٢، حين أوضحت بيانات «مستكشف الخلفية الكونية»
أنَّ إشعاع الخلفية الكونية الميكروي يتسم بطيف الجسم الأسود.
10
وماذا عن الانزياح نحو الأحمر؟ هو موجود بالتأكيد، ومنتشر في كل
مكان، ويختلف وفقًا للمسافة. في عام ١٩٢٩، اقترح فريتس زفيكي أنَّ
الضوء يفقد طاقة مع انتقاله؛ ومن ثمَّ فكلما زادت المسافة التي يقطعها،
زاد الانزياح نحو الأحمر. ويُقال إنَّ نظرية «الضوء المرهق» هذه لا
تتوافق مع آثار تمدد الزمن التي تلائم وجود أصل كوني (التمدد) يفسِّر
الانزياح نحو الأحمر، لكن بعض النظريات المشابهة تستخدم آليات مختلفة
تتفادى هذه المشكلة المحددة.
تقلل الجاذبية من طاقة الفوتونات، والتي تزيح أطيافها نحو الطرف
الأحمر. وبالرغم من أنَّ الانزياح الأحمر الجذبوي الذي يحدث بسبب
النجوم العادية صغير للغاية، فالثقوب السوداء، كتلك التي توجد في مراكز
المجرات لها تأثير أكبر. والواقع أنَّ التقلبات الكبيرة النطاق في
إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (وفقًا لقياس مسبار ويلكينسون) تحدث
بصفة أساسية بسبب الانزياح الأحمر الجذبوي. غير أنَّ هذا التأثير صغير
للغاية أيضًا. بالرغم من ذلك كله، جادل هالتون أرب على مدار سنوات
بأنَّ الانزياح نحو الأحمر يمكن أن ينتج عن تأثير الجاذبية القوية على
الضوء، وهي نظرية قد استُبعِدت على نحوٍ تقليدي دون تفنيد مُرضٍ. ومع
ذلك، فإنَّ هذه النظرية البديلة تتنبأ بدرجة الحرارة الصحيحة لإشعاع
الخلفية الكونية. وهي تتفادى افتراض أنَّ الفضاء يتمدد بينما لا تتمدد
المجرات، بالرغم من أنها في معظمها فضاء فارغ.
11
تستمر النظريات البديلة للانفجار العظيم في التدفق. ومن أحدث هذه
النظريات تلك التي اقترحها سوريا داس عام ٢٠١٤، وطوَّرها بالاشتراك مع
أحمد علي،
12 وهي تستند على إعادة صياغة ديفيد بوم لميكانيكا الكم،
والتي تلغي عنصر الصدفة. إنَّ نظرية الكم التي وضعها بوم غير تقليدية
لكنها مقبولة إلى حد كبير، ومَن يرفضونها يفعلون ذلك لأنها مكافئة
للنهج القياسي في معظم الجوانب وتختلف عنه بصفة أساسية في التأويلات،
وليس لوجود برهان على خطئها. يخالف علي وداس الحجة المعتادة التي تؤيد
الانفجار العظيم، والتي تعود بتمدد الكون إلى الوراء لإنتاج متفردة
أولية. وهما يوضحان أنَّ النسبية العامة تتعطل قبل بلوغ المتفردة، غير
أنَّ علماء الكونيات يستمرون في تطبيقها وكأنها لا تزال صالحة. بدلًا
من ذلك، يستخدم علي وداس ميكانيكا بوم الكمومية، والتي يكون مسار
الجسيم فيها منطقيًّا ويمكن حسابه. يؤدي هذا إلى وجود حد صغير للتصحيح
في معادلات أينشتاين للمجال، وهو يلغي المتفردة. الحق أنَّ الكون ربما
كان موجودًا على الدوام دونما تعارض مع الملاحظات الحالية.
على النظريات المنافسة للانفجار العظيم أن تمر ببعض الاختبارات
الصارمة. فلو أن الكون كان موجودًا إلى الأبد، لاختفى معظم الديوتيريوم
عبر الاندماج النووي، لكن ذلك لم يحدث. من ناحية أخرى، لو كان عمر
الكون نهائيًّا دون حدوث الانفجار الكبير، لما كان هناك ما يكفي من
الهيليوم. تقوم هذه الاعتراضات على افتراضات محددة بشأن الماضي البعيد،
غير أنها تغفل احتمالية حدوث شيء مختلف عن الانفجار العظيم، لكنه جذري
بالدرجة نفسها. لم تظهر حتى الآن نظرية قوية تطرح تفسيرًا محددًا
بديلًا، لكنَّ نظرية الانفجار الكبير لا تبدو راسخة أيضًا. وأنا أعتقد
أنه بعد ٥٠ عامًا من الآن، سيطرح علماء الكونيات نظريات مختلفة تمامًا
عن أصل الكون.
•••
إنَّ الرأي العام السائد في علم الكونيات، والذي يفسر نشأة الكون على
نحو نهائي بالانفجار العظيم، لا يعكس انقسامات عميقة بين الخبراء،
ويتجاهل البدائل المربكة المثيرة للاهتمام، والتي تخضع الآن للتأمل
والجدال بشأنها. ثمَّة توجُّه أيضًا للمبالغة في دلائل أحدث فكرة أو
اكتشاف، سواء أكان تقليديًّا أم لا، قبل أن يتمكن أحد من التفكير فيه
نقديًّا. لم أعد أذكر عدد المرات التي أعلنت فيها مجموعة من علماء
الكونيات وجود دليل محدد على التضخم، ثم تُنفَى بعد بضعة أسابيع أو
شهور بسبب تأويل مختلف للبيانات أو اكتشاف خطأ ما. يمكن قول الأمر نفسه
وبتأكيد أكبر عن الطاقة المظلمة. تبدو فكرة الطاقة المظلمة أكثر متانة،
لكنها هي أيضًا خاضعة للجدال.
ومن الأمثلة الحديثة على التراجع عن تأكيدٍ ما بسرعة كبيرة، الإعلان
في مارس عام ٢٠١٤ أنَّ تجربة «بيسيب ٢»
BICEP2، رصدت أنماطًا في الضوء
المنبعث من مصادر بعيدة، من بقايا الانفجار العظيم، قد أثبتت بما لا
يدع مجالًا للشك أنَّ نظرية التضخم الكوني صحيحة. وإضافة إلى ذلك، فقد
أثبتت وجود الأمواج الثقالية التي تنبأت بها النسبية لكنها لم تُرصد
قبل ذلك قط. يرمز BICEP إلى «تصوير
الخلفية الكونية للاستقطاب العابر للمجرات» و«بيسيب ٢» هو تلسكوب خاص
يقيس خلفية الأمواج الميكروية الكونية. قوبِل الإعلان وقت صدوره بقدر
كبير من الإثارة؛ فأيٌّ من ذلكما الاكتشافين كان سيفوز بجائزة نوبل
بالتأكيد. غير أنَّ مجموعات أخرى سرعان ما بدأت في التساؤل عمَّا إذا
كان السبب الحقيقي في هذه الأنماط هو الغبار بين النجمي، أم لا. لم يكن
ذلك محض انتقاد؛ إذ كانوا يفكرون في تلك المسألة لبعض الوقت.
وبحلول يناير من العام ٢٠١٥، صار من الواضح أنَّ نصف الإشارة التي
اكتشفها التلسكوب «بيسيب ٢» على الأقل، كان بسبب الغبار فحسب، وليس
التضخم. والآن، تراجع الفريق عن مزاعمه تمامًا؛ لأنه بعد استبعاد الجزء
الناتج عن الغبار، لا يعود الجزء الباقي من الإشارة ذا دلالة إحصائية.
علاوةً على ذلك، أوضح توروك، الذي كان من أوائل الناقدين لنتائج «بيسيب
٢»، أنَّ النتائج المصحَّحة أبعد ما تكون عن إثبات التضخم؛ إذ إنها
«تدحض» العديد من النماذج التضخمية البسيطة.
إنَّ هذه القصة محرجة لفريق تجربة «بيسيب ٢» الذي انتُقِد لإعلان
مزاعم سابقة لأوانها. فقد علَّق جان كونراد في دورية «نيتشر»
13 بأنه لا بد للمجتمع العلمي «من الحرص على ألَّا تطغى
التقارير الجذابة عن الاكتشافات الخاطئة على الأعمال الأكثر اتزانًا
التي تضم اكتشافات علمية حقيقية.» من ناحية أخرى، فإنَّ هذه الأحداث
توضح مسيرة العلم الحقيقية بجميع علاتها. إذا لم يُسمح لأحد بارتكاب
الأخطاء، فلن نحرز أي تقدُّم على الإطلاق. وهي توضح أيضًا استعداد
العلماء «لتغيير آرائهم» عند ظهور دليل جديد، أو اكتشاف خطأ دليل قديم.
لا تزال بيانات تجربة «بيسيب٢» إنجازًا علميًّا جيدًا، والخطأ هو
تأويلها فحسب. من المحال في عالم اليوم الذي يتسم بالتواصل الفوري أن
ينتظر المرء قبل إعلان ما يبدو اكتشافًا كبيرًا حتى يتحقق من صحته
تمامًا.
بالرغم من ذلك، عادة ما يعلن علماء الكونيات مزاعم مبهرة تقوم على
قدر ضئيل من الأدلة الحقيقية، ويعبِّرون عن ثقتهم الكبيرة في أفكار لا
تقوم إلا على أضعف الأساسات. إنَّ الغطرسة تولِّد الانتقام، الذي
يحلِّق كثيرًا هذه الأيام. فربما تتخذ روح الانتقام الإلهية موضع
الصدارة من جديد.