تجديد الفكر الاجتماعي .. وعنق الزجاجة
هل يتجدَّد الفكر الاجتماعي أو ما اصطُلِح على تسميته الثقافة الاجتماعية؟ وما هو الفكر الاجتماعي الذي نُريد تجديده؟ يمكن القول دون تجاوُزٍ كبير إن الفكر الاجتماعي أنماطٌ وطُرزٌ تختلف باختلاف الزمان والمكان والوضع الحضاري الذي يُجسِّد نمط العلاقة بين الإنسان/المجتمع وبين البيئة المحيطة به. وهذا هو ما نُعبِّر عنه بالعمل الاجتماعي؛ فهنالك فكر أو ثقافة مجتمع رعوي .. وزراعي .. وصناعي .. وها نحن على أبواب مجتمع المعلومات الذي هو اتصالٌ وامتدادٌ للمجتمع الصناعي ولكنه قرينُ فكرٍ اجتماعي جديد.
ونجد كمثالٍ أن دلالة الزمن وأهميته عند البدو سكان الصحراء والعالمين بالرعي غيره عند من يعملون بالصناعة؛ حيث إيقاع الحياة متغيِّر سريع، واللحظة تساوي قيمةً إنتاجية. وتختلف نظرة العامل بالزراعة إلى الفردية والإرادة وفعالية الإنسان ومسئوليته عن نظرة العامل بالصناعة الذي يؤمن بالإرادة الفردية وبفعالية الإنسان وقُدراته على التغيير في بعض ما اعتاد النظر إليه على أنه طبيعيٌّ لا دخل للإنسان فيه.
ويُعتبر نمط العمل وكثافة تدخُّل الإنسان في البيئة هما مظهر العلاقة والحوار بين الإنسان/المجتمع والطبيعة من حوله، وسببًا ومَعلمًا لتحوُّل وتعقُّد العلاقات الاجتماعية. ويتباين نمط العمل وكثافتُه وتعقُّده بتبايُن الحضارات. وتتميز كل مرحلةٍ حضارية بمستوًى من التطوُّر العلمي التكنولوجي. ويقترن هذا التطوُّر بإطارٍ فكرى قيمي مميز لهذه المرحلة الحضارية، ولكن هذا الإطار العام لا ينفي قدْرًا من التبايُنات أو الخصوصيات، كما لا ينفي جدل العلاقة بين الماضي والحاضر.
وتتحرَّك ثقافة المجتمع هنا في حدود أبعادٍ ثلاثة لهذا الجدل؛ البُعد الأول موروثٌ ثقافي يمثِّل رصيدًا أو مخزونًا للعقل الجمعي والسلوك الجمعي إذ كان أداة الماضي ووليد حضارته. والبُعد الثاني مُنتجٌ ثقافي جديد وليد الفعل الاجتماعي الحاضر النشِط؛ إذ يتولَّد المنتَج الثقافي الجديد استجابةً لاحتياجات وتحدِّيات العصر عندما يُواجِهها المجتمع بفعالية وإيجابية. ويتفاعل البُعدان بحُكْم الاتصال المجتمعي؛ إذ يمثِّل المجتمع بموروثه متصلًا زمانيًّا من حيث الوجدان والتاريخ والذاكرة. ويجري تأويل البُعد الأول أو تطويعه للتلاؤم مع الثاني على نحوٍ يكفُل اتساقَ وسَواءَ الشخصية الاجتماعية، ويخفِّف من حدة التوتُّر بين الماضي والحاضر ويُعزِّز القدرة الاجتماعية على الفعل. ويتفاعل البُعدان أو حاصل جدلهما مع البُعد الثالث الإقليمي أو العالمي؛ ذلك لأنه لا يوجد في التاريخ مجتمعٌ مغلقٌ على نفسه لم يتأثَّر بغيره ويؤثِّر فيه. وهكذا يكون الفكر الاجتماعي في حركته المتطورة المتجددة حصاد جدلٍ ثلاثي الأبعاد. ويكون العمل الاجتماعي واطِّراد نجاحه هو المعيار والحكَم على جدوى وإيجابية هذا الحصاد.
ويحتل الفكر الاجتماعي أو الثقافة الاجتماعية منطقة دون الوعي. ويصوغ البنية الذهنية للسلوك المجتمعي التلقائي أو العَفْوي. ويتحدَّد الفكر الاجتماعي في ضوء بُعدَين؛ أولهما الهدف الاجتماعي المشترك وله دور المحدِّد الواعي للسلوك. وثانيهما العدوُّ في ضوء العقيدة المجتمعية .. وهذا البعد هو الأهم إذ قد يحجُب الأول ما لم تجرِ ملاءمة الثاني مع مقتضيات الفعل والهدف الاجتماعيَّين. مثال ما هو العدو المشترك بين الناس؛ التخلُّف الاجتماعي .. أم الخطيئة والشيطان .. أم شيطان التخلُّف والخطيئة؟ وهنا يبين الاختلاف بين الثقافة الاجتماعية وتنميطها للسلوك وبين المعلومة التي هي وليدة تفكيرٍ عقلاني، وزاد المجتمع لتحقيق الهدف؛ إذ تنزع الثقافة الاجتماعية، أو لنقل أنماط السلوك الاجتماعي إلى التواتُر العفْوي، بينما إنتاج المعلومة وليد جهدٍ واعٍ، ويُفضي إلى حركةٍ إرادية واعية قد يكون من شأنها أن تغيِّر الطابع العفْوي أو تكون على نقيضه. ويتحدَّد هذا في ضوء التحديات الجديدة التي تفرضها الحياة النشِطة والإرادة الجمعية على التطوير والتغيير إذ تَقبَل التحدِّي على أرض الواقع وساحة الوجود.
والحياة الاجتماعية نهرٌ دافقٌ متغير أبدًا، متجدِّد الاحتياجات .. والتطور الحضاري عمليةٌ إنسانية اجتماعية تاريخية أداتُها الفعل الإنساني الاجتماعي النشِط، وثمرتها قُدراتٌ جديدة علمية وتكنولوجية، وإطارٌ فكري قيمي جديد يجري بناءً عليه وفي ضوئه تأويلُ وتطويعُ السابق الموروث، وغرس ثقافةٍ اجتماعية جديدة ملائمة لعملية إبداع البناء الحضاري. ويكون هذا الجهد الإبداعي هو التجسيد الحق لازدهار الهُوية الاجتماعية ويكون انتصارًا للحياة في مضمار المنافسة العالمية بين المجتمعات.
الفكر بين المراجَعَة والرُّجعَى
لهذا وفي ضوئه يمكن وصفُ النصف الثاني من القرن العشرين بأنه عصر المراجعة على الصعيدَين العالمي والقومي .. إذ سادت خلال هذه الفترة، والتي لا تزال ممتدة، عباراتٌ تبدأ بكلمة: ما بعد .. أو إعادة .. هناك ما بعد الحداثة، وما بعد البنيوية وما بعد النزعة الإنسانية، وما بعد عصر التصنيع .. أو عبارة إعادة التفكير في …
والناس في العالم الآن فريقان؛ فريق المراجعة .. وفريق الرُّجعَى أو الرجوع .. والفارق بين الاثنين كبير؛ فالعلاقة بين الاثنَين علاقة تضاد .. المراجعة عقلانية ناقدة؛ العقل يُراجِع حصاده ناقدًا ذاته .. والرُّجعَى وجدانٌ وحنينٌ إلى رحم الأم أو حضنها، إلى السلف الصالح حسب رأي المخيِّلة .. والمراجعة توتُّر وتوثُّب يقِظ، وتأهُّب لحركة وعزم معقود .. والرُّجعَى حُلمٌ وطمأنينة وسكون وتسليم.. المراجعة النقدية إعمال للعقل في سبيل بناء الحاضر والمستقبل بناءً إبداعيًّا .. والرُّجعَى استسلام للماضي، وأسًى على مفارقته، إنه عصرٌ ذهبي ولَّى .. المراجعة نقد للحاضر والماضي تأسيسًا على إنجازات وفعالية الذات الجمعية، مع تطلُّع إلى المستقبل في ضوء فكرٍ جديد، ومسئولية إزاء الفعل والفكر الجديدَين. إنها الحضور الجمعي الفاعل الخصيب .. والرُّجعَى خصومه مع الحاضر، ومطابقةٌ أبدية مأمولة ومستحيلة مع الماضي، وذاتٌ مفردة ومجتمعٌ خاوي الوفاض، واغترابٌ أبدي في الزمان وانفصام بين فعلٍ مَهيض وفكرٍ مُحلِّق في فراغ الأمس هو المثل الأعلى والأمل المنشود المفقود وتمضي السنون وتَفِر القرون والحصاد قَبْض الريح .. وهنا تتمايز أو تتفاضل المجتمعات .. مجتمعاتٌ تنتزع وجودها تصنعه إبداعًا متجددًا لأنه حقُّها على الأرض، واجبًا وفرضًا لحاضرها وليوم الحساب فيزداد فعلها نشاطًا ويزداد فكرها ثراءً وإذا بها زاخرة بالإنتاج، عامرة بمدارس الفكر، أقدامها راسخةٌ على أرض الواقع، ومن رسخَت أقدامه هو الأقدر على النزال، وقادرةٌ بعد هذا على فرض إرادتها على من آثروا الاستكانة وانتظروا عودة الماضي الذي لن يجيء.
تُرى إلى أي الفريقين نحن ننتمي الآن وعلى مدى العديد من القرون؟
أذكر هنا قصة أهل الكهف ومغزاها .. والقصة يعرفُها الجميع .. إنهم فتيةٌ أهلُ صلاح للمجتمع، انصرف عنهم الناس فظلَموا أنفسهم. وآثر الفتية أن يهجُروا الناس التزامًا بفكرهم. وبعد بضع قرونٍ عادوا بما آمنوا به وكان فيه الهداية والرشاد للناس يومذاك، ولكن وجدوا الناس غير الناس والقضايا غير القضايا والمشكلات الاجتماعية غير ما كانت .. وعرفوا أن التغيُّر منطق الوجود والحياة الحقيقية نسبية وليست مطلَقة والمجتمع تبايَن على مدى الزمان والمكان وأن لكل عصر أهله وفكره وقضاياه، وما صلح بالأمس إنما كان صالحًا ليومه، وأهل مكة أدرى بشعبها، وأهل الحاضر أدرى بحياتهم، وهم أهلٌ لفهم قضايا حياتهم وبناء واقعهم وعلى عاتقهم تقع مسئولية الفعل والفكر، فهم فقهاء وأئمة عصرهم، ففكر كل عصرٍ حقٌّ لأهله لا يقبل التصرُّف ولا يُنتزَع منهم، ولا ولاية لسابقٍ على لاحق، وإنما كما قال حكيمٌ منذ قرون: «اعرف حكمة القدماء وعايش العصر .. بذا تغدو معلمًا.» وهنا رأى الفتية وهم أهل حكمة أن كهفهم أولى بهم، فآوَوْا إلى كهفهم وتركوا أهل الدنيا يبنون دنياهم بعقلهم وعلى مسئوليتهم.
تأمَّلتُ هذا وتساءلت ما هي أزمتنا؟ هل هي أزمة فكر أم أزمة عملٍ اجتماعي أم كليهما؟ ما الذي نريد أن نغيِّره من أو في حياتنا وفكرنا حتى ننتزعَ حقنا في الوجود، ونكونَ أهلًا للحياة امتدادًا لصُناع الحياة، ولحمل رسالة الإنسانية عن العدل والخير والنهوض الاجتماعي والارتقاء بالإنسان .. كيف نكون أقوياء فتكون كلمتُنا مسموعة فالعالم لا يسمَع الضعفاء وإنما يُرهِف السمْع للأقوياء.
استغرقَنا التفاخر بتاريخٍ لسنا صُنَّاعه وإن غفَلنا عن مساره نشأةً وتطورًا وعن سياقه الاجتماعي وتناقُضاته الفاعلة لنعرف ماذا حدث ولماذا وكيف في ضوء تفسيرٍ اجتماعي .. واستغرقَنا البحث عن الذات .. من نحن؟ ومضت قرونٌ دون إجابة وكأننا أرجأنا الخَطْو على درب الحياة وصُنع الحضارة إلى حين الإجابة .. والبحثُ عن الذات سؤالُ الضعفاء المهزومين فالقوي لا يسأل من أنا؟ وإنما يفعل ويفكِّر لنفسه ويكون فعله وفكره هما وثيقة وجوده وبيان ذاتيته وشهادة الآخرين عنه.
لم نسأل أنفسنا لماذا مضت قرون ولم يظهر بيننا أمثال ابن الهيثم والخوارزمي والبيروني وأمثال علماء بابل ومصر القديمة فنكون صُناعَ حياةٍ وحضارة وقبلةَ العلماء والباحثين عن المعرفة. ونسجنا بخيوط الخيال أحلامًا نَنشدُها تشُدُّنا عن واقعنا الملموس. واصطنَعنا كعادتنا شياطين نرجمُها حتى تستنفد طاقتنا ونشعُر بعدها أننا قد بَرأنا وتطهَّرنا ليستغرقنا الحُلمُ اللذيذ. ويَسعَد لهذا الأعداء والخصوم، وبين هذا وذلك ننهل ونعبُّ من مُتَع الدنيا بشَرَه يحسُدنا عليه أهل التكاثُر .. حياة طغى فيها الوجدان الساذج وغاب عنها العقل الناقد الذي هو عُدة الإنسان/المجتمع.
سؤال ألحَّ على فكر المصلحين منذ قرن ونصف أو يزيد لماذا تأخَّرنا وتقدَّم غيرنا؟ ولا يزال السؤال بدون جواب. وتشيع إجابةٌ مُبتسَرة مبتورة يردِّدها الكافة والخاصة لأننا تركنا ديننا .. ثم يُلحِقونها بعبارة كل من ليس على ديننا خصمٌ لنا متآمرٌ علينا .. وتشيع عصبية الجاهلية. وكَفَّ العقل عن التحليل وكشف الأسباب وفترَت الهممُ عن الحفز والاستفسار .. والعودة إلى الدين نَجتزِئها خاطئين ونظُن أنها جلباب وحجاب ولباس الأولياء وخطاب الأقدمين. وتَفِر الحياة من بين أيدينا إلا مظاهر وشكليات، ونعيش عيالًا على الآخرين الفعَّالين المجدِّدين، ونجد من يقول لنا إن الله سخر لنا الغرب وكأنه يُصدِر صكَّ غفران وتقديسٍ لقُعودنا وتكاسُلنا وتبعيَّتنا. والأديان جميعها براءٌ من هذا السلوك.
العلمانية نهجٌ متجدِّد
اصطنعنا شيطانًا اسمه العلمانية وقلنا إنها من تعاليم الغرب .. على الرغم من أن العلمانية نهجٌ اجتماعي متجدد مع كل تجدُّدٍ حضاري فهي موجودة مع وجود الإنسان قبل الغرب وبعده. والعلمانية اختصارًا هي إعمال العقل في شئون الدنيا وهي مجال مسئولية الإنسان/المجتمع ومجال ممارسة العقل والإرادة في ثوبها الحضاري الجديد؛ أي بما يسَّرته الحضارة من إمكانياتٍ وقدرات .. ونلعنُها وكأن الدين يُحرِّم علينا هذا .. لقد كان الرسول يرى خطَط الحرب مكيدة وتدبيرًا عقلانيًّا وليست من أمور الوحي ولم يختَر قادة الحرب ومبعوثيه إلى الأمصار عن وحيٍ بل عن بينةٍ ودرايةٍ وتجربة في الحياة. ورأى نظام الزرع عقلًا اجتماعيًّا وجماع خبرة الإنسان في الزمان وليس من أمور الوحي. وهكذا مايَز الرسول بين الوحي لشئون النبوة والدين وبين تدبير شئون الدنيا وخبرة أهلها وتجاربهم، فكان علمانيًّا في شئون الدنيا، بشرًا مثل سائر البشر، نبيًّا في شئون الوحي. وجديرٌ بنا أن نتأمَّل الموقف من العلمانية على لسان فِرَق المسلمين باختلاف الزمان والمكان وظروف الحياة في عصرنا الراهن، والتي تعني ألا يكون للدولة سلطانٌ على شئون الدين.
الشيعة في إيران لهم الهيمنة والسلطان وهم الغالبية الساحقة وسُننهم في الحكم ولاية الفقيه .. والسنة في إيران أقلية لهذا فإنهم يطالبون بالعلمانية ويَرونَ في هذا مصلحتهم. ونجد الأمر على العكس من ذلك في باكستان وفي السعودية؛ إذ إن الشيعة أقليةٌ نسبية هنا وهناك ويُطالِب الشيعة في البلدين بغير النظام السائد في إيران وهو نظامُ حكمٍ علماني. ولا يرون في هذا خروجًا على الدين. ولنتأمَّل أيضًا واقع حال المسلمين سُنةً وشيعةً في مجتمعات أوروبا والأمريكتَين. الجميع هناك يؤكِّدون ويتشبَّثون بالعلمانية ويُطالِبون بالمزيد من الحقوق تحت راية العلمانية وباسمها، فتكون لهم مساجدهم، ويمارسون شعائرهم داخل مؤسسات المجتمع من مدارس وغيرها، وأن يدرُسوا الإسلام من منظورٍ إسلامي … إلخ.
التنوير عقلانيةٌ نشطة
شيطان آخر اصطنعناه هو التنوير قلنا إنه غربيٌّ واتباعه تغريبٌ وعليه اللعنة. والتنوير نقيضُ الجاهلية ومحوٌ للظلامية أو تغييب العقل. وهو مقدمة كل تحوُّلٍ حضاري على مر العصور واستردادٌ لاعتبار العقل في كل المجتمعات الناهضة ولا يختص به مجتمعٌ دون آخر. التنوير نأيٌ عن رؤية الحاضر بعيون الماضي. إنه رؤية الحياة وقضاياها، حاضرها وماضيها تأسيسًا على معرفةٍ منهجية تمثِّل حصادَ إنجازات العقل الإنساني إعدادًا لبناء الحاضر وتمهيدًا لبناء المستقبل؛ أي أن نبني حاضرنا ونخطو إلى المستقبل ونحن على نور، نور العقل نستضيء به في شئون واقعنا وحياتنا؛ فكل عصر هو حقبةٌ حضارية جديدة وله إطاره المعرفي/القيمي الذي نعمل ونفكِّر في ضوئه ونرى الوجود من خلاله ونتحدَّث لغته ويتغيَّر إيقاع حياتنا معه. إنه صياغةٌ جديدة ونهجٌ جديد، ثمرة تجربةٍ إبداعيةٍ للفعالية الإنسانية في الفكر والعمل، وهي فعاليةٌ نقدية دائمًا دوام الفعل المجتمعي النشِط. ويُعبِّر المجتمع عن هذا بفلسفةٍ جديدة تتمثَّل فيها خصوصية التجربة الإنسانية في الزمان والمكان .. ورفضُ التنوير هو مصادرةٌ على هذه الفعالية ومصادرةٌ على حركة الواقع وتجميدٌ لنهر الحياة الدافق الذي يتحول بسبب ذلك في الأذهان إلى بركة آسنةٍ عاطلةٍ من الفكر والعمل، ويعيش الإنسان/المجتمع أسير الماضي الذي يتحوَّل إلى أسطورة بعد أن فقدَت نبض الحياة.
وما يجري من صدام ومنازعة بين نهجٍ قديم وآخر جديدٍ هو منطقٌ سوي للمجتمع الإنساني في حركته مع كل نهضة أو تحوُّلٍ حضاري.
هكذا كانت اليابان كمثال خلال القرن التاسع عشر في عصر طوكوجاوا إذ تنازعها تياران؛ أحدهما يرى الغرب كافرًا ويتعيَّن غلق الأبواب دونه، بل وقال إن من لا يأكل الأرز بملاعقَ من خشبٍ فهو كافر. والثاني يرى الغرب نموذجًا وتحديًا ويدعو إلى النهضة واستيعاب، بل واستراق أسباب التقدُّم والنهوض وتغيير البنية الذهنية للإنسان/المجتمع الياباني.
وعرفوا أن السبيل ليس تبعيةً عمياء للماضي ولا قطيعةً حضارية مع العصر وإنما تحصيل أسباب التقدُّم فكرًا وعملًا. ودَعَوا إلى أن نُحيي من التُّراث ما يُحيينا وأن نفكِّر عَبْر الحقيقة. إن كونفوشيوس ليس وثنًا نعبده، بل نبض حياة ودعوة إلى التغيير. واستخرج كل فريقٍ من عقيدته كل ما يُلبِّي حاجة أمته ويمثِّل قوةً دافعة. وتجلَّى هذا كلُّه لا في كثرة البناء بناء المعابد، بل في تحوُّل جذريٍ وعظيم في نُظم التعليم والبحث العلمي والسياسية والاقتصاد والتشريع والحريات … إلخ. وأصبحوا قوة. كَفُّوا عن السؤال: من نحن؟ وعن الحرص على العيش في جلباب السلف وأصبح العالم كله هو الذي يسأل: من أنتم؟ وأصبحَت اليابانُ قبلة الأمم والعلماء والباحثين دون أن يتخلَّى المجتمع عن عقيدته.
مثالٌ آخر المسلمون في شبه القارة الهندية قبل باكستان وبعدها منذ القرن الثامن عشر وشبه القارة الهندية تزخر بحركاتٍ فكرية ودينيةٍ إسلامية وهندوسية داعيةٍ إلى الإصلاح والنهضة، وبحث أسباب التخلُّف قياسًا إلى الغرب. ظهر من زعماء الإصلاح المسلمين شاه ولي الله (١٧٠٢–١٧٦٢م) الذي قال إن الرسول جامع بين أعمال النبوة وهي ملزمة وبين أعمال غير النبوة وهي غير ملزمة مثل الزراعة والطب. ويذكِّرنا بمقولة ابن خلدون: «جاء الرسول ليعلم الناس الدين لا ليُعلِّمَهم الطب.» ورأى ولي الله أن ليس كل ما في التُّراث الديني واجب التطبيق شرعًا وأعلن رفض التقليد، وبذا كان مؤسس جماعة أهل القرآن وناصَبَه العلماء العَدَاء.
دعاة الإصلاح والتجديد
وظهر من بعده زعماءُ وتياراتٌ إسلامية داعية إلى التجديد، وبحثَت عن أسباب التخلُّف، واجتهدَت للفصل بين دلالة التراث ومرجعية عقل الإنسان، نذكر من بينهم سيد أحمد خان (١٨١٧–١٨٩٨م) مؤسس حركة النهضة الإسلامية التي كانت توأمًا لحركة النهضة الهندوسية، وكان هدف الحركتَين النهوض بالأمة الهندية، ورأى سيد خان أن تُراث الروحانيات مُلزِم وما عدا ذلك من دنيوياتٍ فغير مُلزِم.
-
عقيدة الإيمان عالمية لا تخضع للحدود الوطنية.
-
الوطنية أو القومية مسألةٌ جغرافية، والمسلمون ملزمون بالولاء بهذه الحدود مع إخوانهم المواطنين غير المسلمين، وأن يعيشوا في إخاء وانسجام داخل الهند المستقلة، وإن كانت ليست دار الإسلام، ولكنها ستكون دار الأمان حيث يتمتع كلٌّ بحق وبحرية ممارسة شعائره الدينية؛ فالهند وطن الجميع.
«يمكنكم الانتماء إلى أي دين أو طائفة أو عقيدة. هذا لا علاقة له بعمل الدولة .. إننا ننطلق من مبدأٍ أساسي. إننا جميعًا مواطنون لدولةٍ واحدة .. حريٌّ بنا أن نضع هذا نُصْب أعيننا وسوف تجدون مع الزمان أن الهندوسي سوف يكُفُّ عن أن يكون هندوسيًّا والمسلم سيكُف عن أن يكون مسلمًا ليس بالمعنى الديني لأن الدين عقيدةٌ شخصية لكل فرد، وإنما بالمعنى السياسي كمواطنينَ أبناءِ دولةٍ واحدة.»
قال محمد علي جناح هذا وفي ذهنه أيضًا أن المسلمين داخل الهند، ناهيك عن العالم، ثقافاتٌ وأعراقٌ وقبائلُ متباينة. هناك أهل البنجاب والسند والبلوش والباتان وغيرهم. ولكن خَلَفه لم يُدرِكوا حكمته مثلما هو الحال في أفغانستان، فثارت المنازعات والانقسامات وانفصَلَت بنجلاديش.
القضية المأساة أننا ننظر إلى الحاضر بعيون الماضي وننطلق من رؤيةٍ لا تاريخية بمعنى الفضاء الزماني والمكاني امتدادٌ متجانس، وما صلح للأمس صالح للأبد، وما أثمر هنا صالحٌ للإثمارِ في كل مكان. نعيش في جلباب السلف على الرغم من أن السلف في تدبيره لشئون الدنيا استقل بفكره ومايز بين مساحة الاختصاص للدين ومساحة الاختصاص للطب أو الفلك أو الرياضيات .. إلخ. ونظُن مخطئين أننا نستطيع أن ننهض تأسيسًا على حصاد إنجازات السلف، وأن نقنَع بإنجازات الخوارزمي أو ابن الهيثم لننهض بعلم الرياضيات والبصريات .. وما أنجزَتْه البشرية بعد ذلك تأسيسًا على إنجازاتهما نضعُه بين قوسَين.
وهكذا نعيش غربتَين؛ غربة في الزمان مع السلف، وغربة في المكان هي تبعيةٌ فكرية أو استهلاكية للغرب.
أما عن الذاتية القومية فإن البحث عنها في التراث متاهة ومضيعة وإنما ذاتنا هي إنتاجنا الإبداعي من الفعل والفكر على مستوى حضارة العصر ولكل حضارةٍ عقلُها أو إطارها الفكري/القيمي الذي هو ثمرة إنجازاتها وإبداعاتها المادية والفكرية .. وهذه تجلٍّ لمرحلةٍ جديدة لا تنفي حضارات الأسبقين ولكنها طورٌ في حلقاتٍ ممتدة مع الزمان الذي هو إنجازات الإنسانية في حوارها أو مواجهتها لتحديات النفس والمجتمع والطبيعة أو الأيكولوجيا العامة في الزمان والمكان .. وهي قراءةٌ جديدة للوجود الإنساني في ضوء الإطار الفكري القيمي الجديد وهي قراءةٌ متوتِّرة لا مُطمئِنَّة؛ لأنها فعلٌ نشِطٌ حافز لحركةٍ مستقبلية في سياق نهرٍ وجودي في صيرورةٍ أبدية .. ولهذا يُراجِع الإنسان/المجتمع نفسه كلما حان له أن يَطْوي صفحة ويفتَح أخرى بعد أن يَربُو حصاده، وتتجمَّع مشكلاته بما لها من خصوصية عصره .. يفكِّر ويُراجِع ليتجاوز ويبني ويجدِّد فكره وأدواته.
والسؤال الآن إلى أي حدٍّ نحن أهلٌ للانتماء إلى حضارة العصر؟ وأعني بذلك الانتماء الإنتاجي في مجال العلم والثقافة وليس الاستيراد الاستهلاكي .. وأعني أيضًا امتلاك ناصية فكر وثقافة العصر وقدرةٍ إبداعيةٍ ذاتية تتجلَّى فيها خصوصية الزمان والمكان، وليس امتلاك سلعٍ استهلاكية تُرسِّخ من حال التبعية؟ وما هي صورة المجتمع المصري الذي نكِدُّ ونحشُد الجهد لبنائه متسقًا مع العصر وقدوةً للغير؟ وما هو فكرنا المصري أو العربي على النطاق القومي والوطني الذي نلتفُّ حوله؟ ما هي الثقافة الاجتماعية التي يمكن أن نقول إنها ثقافة العصر المصرية أو العربية؟ وكيف يتجلَّى هذا كله في صياغة العقول عَبْر الإعلام والتعليم ومواطن التنشئة في الأُسرة والمدرسة ودور العبادة وغيرها وفي مناخ الحريات؟ .. نحن نعيش حالةً من التشظِّي والأميبية والانفلات الغريزي.
ما هو دَورنا في التنوير؟ أعني الوعي بالتاريخ على أساسٍ من العقل النقدي، والبحث المنهجي العلمي في موضوعيةٍ لا تشوبُها حساسيةٌ بحيث نفهم مواطن الخطأ وملابسات الحياة، ونعرف ما أُسمِّيه المنفيَّ الفعَّال؛ أعني العناصر التي طمسَها سردٌ تاريخي منحاز وفعلٌ سياسي قاهر مما أدى إلى وهن أواصر التلاحُم الاجتماعي .. الإنسان المصري عَبْر الزمان ما هو تاريخه الاجتماعي ولماذا أصبح على ما هو عليه من سلبية وتواكُل؟ وأعني أيضًا الوعي العقلاني النقدي بحاضرنا المحلي والإقليمي والعالمي من منطلق الإيمان بذواتنا وحقنا في أن يكون كل امرئ عنصرًا فاعلًا ومشاركًا بحرية في الإنتاج وتدبير شئون الأمة على أساسٍ من التسامُح والتعدُّدية وحق التبايُن، ونصوغ الحاضر من أجل مستقبلٍ نختاره بإرادةٍ جمعيةٍ غير شمولية، واتساقًا مع صورةٍ مشتركة لمجتمع يقف ندًّا عصريًّا لسواه .. التنوير وعيٌ بمشكلاتنا وقضايانا .. نقد العقل العملي والعقل النظري؛ أي نقد القيم والفكر والسلوك وكل ما يُشكِّل معوِّقات للإنتاج الإبداعي حتى نصوغ نسقًا شاملًا لنشاطنا الذي نرى فيه ابتكارنا لأنفسنا ومستقبلنا؛ مصر بين العرب وعرب قادرين على العطاء قدرتنا على الأخذ وهكذا تتعزَّز ثقتُنا بأنفسنا، ونستطيع أن نُسهِم علاوةً على ذلك في تقدُّم الفكر العالمي .. وبذلك نؤكِّد دور العقل الذي تُلِحُّ ثقافتنا المعاشة على أنه قاصر، واعتدنا تسليم قيادتنا لعقلٍ آخر؛ عقل السلف أو الغرب.
نحن نعيش عصر العلم وتفجُّر المعلومات وكونية التفاعُل الثقافي. انتصار الحياة، حياة الإنسان/المجتمع رهن الإيمان بأن الحقيقة العلمية وهي ليست مطلقة ولا أبدية كما أنها ليست إرثًا ولا وليدة تأمُّلٍ نظريٍّ مجرَّد وإنما هي نشاطٌ اجتماعي وخطوةٌ على طريقٍ ممتدٍّ يحكُمُه منهجُ بحثٍ متعارف عليه، منهجٌ جاد. ومنهج التفكير العلمي يؤكِّد على أن مظاهر الخطأ والخلل في المجتمع لا نبحث عن علَّتها في كتب الأقدمين، وإنما في ضوء دراسةٍ منهجية لواقع حالنا، والاستعانة بإنجازات العقل العلمي، وهي إنجازاتٌ نسبية، ثم فعاليةٍ اجتماعيةٍ نشِطة في غير تواكُل أو ركونٍ إلى إرادة الغير.
وعصر تفجُّر المعلومات هو عصرٌ توفَّرت له، على نحوٍ غيرِ مسبوق، أدواتُ إنتاج وتحصيل ومعالجة وتوظيف المعلومات بكثافةٍ مذهلة. وأصبح هذا كله أساسًا للتمايُز الحضاري بين المجتمعات .. وخصوصية المعلومة أنها تتصف بالجدَّة ومنهجية التحصيل وقابلية النقد؛ أعني أن تكون معرفةً جديدة مع الالتزام في تحصيلها بمنهجٍ وقواعدَ متعارَفٍ عليهما، فإذا كان مجتمعٌ يطرب لسماع قصة أبو زيد وأخذ يُكرِّرها يوميًّا صباحًا ومساءً فليس في هذا الجهد القيِّم أيُّ معلومة .. لأن المعلومة إنتاجٌ إبداعي جديد، وإضافةٌ إلى رصيد البشرية في مُعالجتها للقضايا الحياتية ومُضاعفة مقدراتها.
ولكن أين نحن من العلم منهج البحث والتفكير؟ وأين نحن من العلم ثقافة عصرٍ تنفُذ إلى كل دروب حياة الفرد والمجتمع؟ وأين نحن من إنتاج المعلومة الإبداعية الجديدة؟ نحن لا نزال حتى الآن مجتمعًا شفهيًّا .. الكتلة الأساسية لا تعرف القراءة والكتابة ومع الأمية الأبجدية تفشَّت الأمية الثقافية. وإذا تأمَّلنا ما يقرؤه القارئون لوجدنا أنهم لا يُحصِّلون معارفَ أو معلوماتٍ جديدة يُعايشون بها العصر ويُسهِمون بالإضافة إليها. ومن أسف إفراطنا في صَب اللعنات على العلمانية وعلى التنوير وعلى العقل العلمي ولم نسمع من يلعن الأمية ويقول إن الإنسان أو المجتمع الأمي إنما يعيش في جاهلية وهي خطيئة أو يقول إن من يبني مدرسةً أحبُّ عند الله ممن يبني مسجدًا لأُميِّين؛ فعبادة العالِم خيرٌ من عبادة الأُمي. ولم نسمع من يقول إن الأمة التي لا تحشُد جهودها للتفوُّق في العلم والإنجاز العلمي وتكون قدوةً للعالَم إنما هي أمةٌ غير جديرة بالانتساب إلى رسالة قدَّسَت العلم والعلماء، وإنما نسمع من يُردِّد سؤالًا عن العلاقة بين الدين والعلم وكأنهما ضدان وبذا يكرِّس الانصراف عن العلم. وهكذا نتردَّى أكثرَ فأكثرَ في مهاوي التخلُّف. إن خطوط المنازعة بين التحديث والتكفير إنما هي من صُنع الإنسان، أو فئةٍ ترى مصالحَها الذاتيةَ أسبقَ من مصالح ونهضة الأمة.
التراثُ الديني هو الممارسة الإنسانية عند تطبيق الأصول (وإن تباينَت الآراء في تحديدها) وفقيه الدين له اختصاصه ورجال العلوم الدنيوية لهم تخصُّصاتهم المتعددة، وليس لأحدٍ ولاية على الآخر. فقيه الدين منوطٌ به إعمال عقله في تطبيق وتأويل نصوص الأصول في العبادات وغيرها مما يخص التنزيل وأن يكون بتأويله قوةَ دفعٍ لحركة المجتمع وفاءً بقاعدة حيثما تكون المصلحة فثَم شرع الله. ورجل العلم منوط به إعمال عقله الذي هو ثمرة دراسته وحصاد إنجازات العلوم على أساسٍ منهجي في البحث والتجريب لكشف غوامض وألغاز ومشكلات الحياة، وإبداء الرأي بشأن قضيةٍ تدخُل في مجالِه مثل كيفية صنع القرار وتعزيز التلاحُم الاجتماعي أو علاج مريضٍ أو تسخير الطبيعة … إلخ، وهو في هذا أيضًا يعمل وفاءً لقاعدة المصلحة العامة.
ليس بين الدين والعلم خصومة وإنما توزيع اختصاصات ولا تطابُق أو تداخُل بين المجالَين .. ليس لعالم طب أو زراعة أن يفتي في شئون العبادات أو عالم الغيب، كذلك ليس لفقيه الدين أن يُفتِي في شئون الطب أو الزراعة إلا إذا كان عالمًا بها. والعلم له أخلاقه التي لا تتنافى ولا تتنازع مع أخلاق الدين؛ فالأديان جميعها تدعو إلى ترسيخ قيم مثل الأمانة والصدق والعمل لخير الناس، وهكذا العلم أيضًا لا يكون علمًا إلا بشروطٍ حددها منهج البحث؛ منها الأمانة والصدق وخير الإنسانية. وهكذا تختفي أسباب المنازعة في إطارٍ من الحرية وحق كل امرئٍ في أن يُقرر ما يؤمن به.
والتراثُ ليس خصمًا للتحديث؛ فالتراث عملية وصيرورة قرين الفعالية الاجتماعية. إنه متصلٌ زماني في حالة اطِّراد أو هو إضافةٌ متجددة على امتداد الوجود والأجيال. والعقل كذلك فليس عقل السلف هو عقل الخلف محتوًى وأدواتٍ ومنهجًا. والتراثُ كما يقول مفكِّرٌ غربي أشبه بشعاع ضوءٍ يسقط في سياق ظروفٍ حياتية عَبْر منشورٍ زجاجي فيخرج الشعاع ألوانَ طيفٍ متباينة. يختار المرء في اتساق مع ظروفه، هذا اللون أو ذاك، ولكن اختياره يحوي في باطنه على نِسب بالشعاع الأصلي.
مرةً أخرى العالَم كُلُّه يُراجع فكره وإنجازاته على طريق التغيير والتجديد بعقلٍ علمي ناقد وفي مُناخ من الحرية بغيرِ قيود. والعالَم كله يتأهُّب لعصرٍ غيرِ مسبوق والبشرية في غمار سباقٍ وحشي ضارٍ وصولًا إلى عقلٍ جديد، كلٌّ يلتمس لنفسه مكانًا في ركب صُناع الحضارة إن لم يحتلَّ مكانَ الصدارة.
وسبيلُنا إلى تجاوُز عُنق الزجاجة أن نقتحمَ شئون الحياة الدنيا بروح الجماعة أو الأمة وسلطان العقل العلمي المستنير الذي لا سلطان عليه دونه منهجًا وإنجازًا، وأن يكون الاجتهادُ العقلاني في شئون الدنيا يدًا تُعزِّز الجهد الاجتماعي، ولكن كما يُقال هناك مجتمعاتٌ لو اختفت من الوجود فلن يشعر بها أحد، ولن ينقُص غيابُها شيئًا من حضارة العصر الراهن والمستقبل .
تُرى بالنسبة لنا ما هو المصير؟ والمصير من صنع الإنسان/المجتمع.