وبقي شيء
أخذ طريقه في الحياة وهو يعلم أن لا سبيل له غير اجتهاده. كيف استقر هذا المعنى في نفسه؟ إنه لا يدري. كان الشباب يتفجر في داخله وكان إخوانه يمزقون الحياة بشبابهم، ولم تكن نفسه عازفة عما يصنعون وإنما كان يتوق إلى ملاعبهم وتهفو إليها خواطره ورغباته، وكان يريد أن يكون خنجرًا في صدر الليالي يعتصر رحيقها أحمر في لون الخمرة الحمراء أو في لون دماء العذراء، وكانت نفسه تحن إلى الليالي التي لا تعرف بداية أو نهاية؛ ولكنه كان يقمع كل ما تمور به رغباته وينصرف إلى الدرس والمذاكرة. شيءٌ واحد ضعف أمامه ولم يستطع أن يرد نفسه عنه هو المسرح.
وقد جعل ذهابه إلى المسرح في كل يوم خميس هو جائزته عما بذله من جهدٍ في أيام الأسبوع الستة الأخرى. وقد كان منتظمًا مع المسرح كما كان منتظمًا مع المذاكرة.
أخلف موعده مع المسرح في مراتٍ قلائل ذهب فيها مع رفاقه، وتمتع بما يتمتعون به وبهرته حياتهم، ولكنه مع ذلك استطاع أن يمنع انبهاره أن يميل إلى طريق الرفاق.
فالحياة التي كان يشاركهم فيها يوم الخميس كانوا هم يعيشون فيها كل أيام الحياة، وربما استثنى بعضٌ منهم شهرًا أو شهرين قُبيل الامتحان، ولكن الحياة الطبيعية كانت هذه المتعة التي يعيشون بها ولها، والتي خاف بهجت أن يشاركهم فيها بأيام الخميس فتصبح كل أيامه خميسًا.
ليس يدري من أين واتته هذه الحكمة التي لا تتفق مع طبيعة الشباب، والتي تختلف بالذات مع طبيعته هو؛ فقد تنسجم مع فتًى غير راغب في العربدة، أما هو فيعبد هذه العربدة، ومع ذلك استطاع أن يكون هذا الفتى المثابر في المذاكرة والحريص على النجاح.
ولا يدري أيضًا من أين جاءه حبه للتمثيل؛ هذا الحب الذي جعله يواظب على حضور المسرح كل خميس في أيام المذاكرة وكل يوم في أيام الإجازة.
وقد حاول أن يحلل هذا الشغف بالمسرح، فعجز وأسلم نفسه إليه في نشوةٍ وبغير تحفُّظ.
ربما كان حرصه على المذاكرة وليد ما كانت أمه تنبهه إليه؛ فقد مات أبوه وهو بعدُ في المراحل الأولى من الدراسة. وقد كان أبوه غنيًّا واسع الغنى، ولكنه كان يريد هذا الغنى أن يتسع ويزداد ولا تقف به نهاية، فكان يدخل في مشروعاتٍ مالية لا آخر لها. ونجحت بعض هذه المشروعات فكان جنون المال عنده يزداد. وهكذا أصبح المال عند أبيه غايةً لا وسيلة؛ فكان عنده ما يستطيع أن يحيا به في خفضٍ من العيش وفي بحبوحةٍ ورغد. وكان عنده ما لو تركه لولده لأصبح من الأغنياء الذين تُذكر أسماؤهم إذا ذُكر الغنى. ولكن لم يكن هدف شاكر أن يصيب المال ليأمن الفقر، ولا أن يصيب المال ليهيئ لابنه أمانًا من الحياة. لقد أصبح جمع المال في ذاته هو الغاية والهدف. وحين يصبح الأمر كذلك يصبح من الطبيعي أن يندفع شاكر منتهبًا أيام عمره في تحقيق هذا الهدف، وهو لا يدري ما يدريه كل الناس أن هذا هدفٌ لا يمكن أن يتحقق؛ فإنه لا نهاية للأرقام.
ومثلما تستطيع هذه الأرقام أن ترسل الأمن والنشوة الطاغية المتفجرة إلى النفوس، تستطيع أن ترسل الألم المرير واليأس القاتل، وتستطيع أن تصبح ركامًا من الثلوج بلا دفء ولا رحمة، فالأرقام التي لا تعرف النهاية لا تعرف الرحمة أيضًا.
وحين مات الأب كانت ثروته كلها قد استُنزفت في محاولة إنشاء ثروة أضخم، وبقي لزوجته بعض مال يشكل فقرًا أكثر مما يشكل سترًا، وبقي لها أيضًا بهجت في أول حياته، فمستقبله جميعًا عبء على أكتافها، وعلى أكتاف هذه الصبابة الضئيلة التي بقيت لها من أموال زوجها.
وكانت تفيدة تعلم أنه لا أمل لها في أن تنال شيئًا من عون خيري عم بهجت وأخي زوجها؛ فقد كان الأخوان متنافرَين، وربما كان سعار شاكر في جمع المال يرجع إلى غنى أخيه الفاحش؛ فقد كان تاجرًا يُحسن العمل في تجارته، ولم يكن يتجاوز مجال نجاحه هذا إلى أي مجالٍ آخر؛ فقد كان يتاجر في الفاكهة، والموز بوجهٍ خاص، وقد اشترى من تجارته أرضًا زراعية واسعة ولم يزرع فيها إلا الموز؛ فهو في زراعته وتجارته خبيرٌ قلَّ أن يلحق به لاحق. وقد حاول شاكر أن يشاركه ولكنه أبى عليه هذا، مدعيًا أنه تعوَّد أن يكون منفردًا بتجارته وبرأيه فيها، ويخشى إذا شارك أحدًا حتى ولو كان أخاه أن يتعثر به الرأي. ولم يكن هذا الطلب من شاكر وهذا الرفض من خيري هو أول الخلاف ولا كان آخره، وإنما هو خلافٌ نشب بينهما منذ الطفولة، ونما معهما واشتد مع الزمان، وكأنه كائنٌ حي تزيده الأيام قوةً وصلابة. وكانت تفيدة على ثقةٍ من أن شاكر لو كان قُدِّر له أن يعيش حتى يبلغ الشيخوخة، لما استطاع وهنُ الشيخوخة أن ينال من عنف الخلاف بين الأخوين؛ فهو خلافٌ من ذلك النوع الذي تغذيه الأيام وتزيده مرارةً وشرًّا وقتامة.
أدركت تفيدة منذ بدأت تفكر بعد موت زوجها وهو مفلس، أن ليس لها إلا هذا المال القليل الذي خلَّفه لها ولابنها. وحين زارها خيري ليُنبئها أنه تحت أمرها لم تحاول أن تطلب منه شيئًا؛ فهي تعرف أن الأخ الذي يريد أن يقدم عونًا لا يعرض قولًا وإنما عملًا، وما دام لم يفعل فالأمر إذن كما توقعته.
واجهت الأيام، ونشأ بهجت في هذه الضائقة، وكان يعرف ما تعانيه أمه وما كان له ألا يعرفه، وكيف وهو لا يسمع من أمه إلا عن هذا العناء. ولعله في نفسه البعيدة كان يردُّ نفسه عما تشتهيه حتى لا يزيد عبء أمه أعباء.
وحيث إنها سمحت له بالذهاب إلى المسرح، إلا أنه لم يكن يقول لأمه إنه في أغلب الأيام التي يذهب فيها إلى المسرح كان يشاهد روايات سبق له أن شاهدها مرات ومرات، وكان في أول هوايته يعجب من نفسه ومن جنونه هذا الذي يجعله يذهب ليرى شيئًا شاهده وعرف كل أسراره، بل إنه في بعض الروايات كان يسبق الممثلين بجُمل الحوار، وراح يمعن النظر في شأن نفسه، فتخادعه نفسه عن نفسه ولا يدري سر هوايته. ولكن سرعان ما تكشفت له الحقيقة؛ إنه يحب التمثيل أكثر مما يحب المسرح. إنه يتمنى أن يكون ممثلًا، ولا شك في هذا. كانت نفسه تطوي عنه هذه الحقيقة، ولم تكن تعترف بها حتى حين يعود من المسرح، ويقف أمام المرآة ليمثل الأدوار، حتى أدوار النساء والخدم.
أملٌ لا سبيل إلى تحقيقه؛ فهذه مهنة قد يعترف بها مثقف، ولكن هيهات أن تقبلها أمه له، لقاءَ ما عانت من حرمانٍ وشظف عيش.
إنها ستقول: أهذا جزائي؟! وفكَّر أن يحاول، وخاف واستجمع بعض شجاعته ثم لم يستطع. كان امتحان الثانوية العامة قد اقترب وكان قد اختار القسم الأدبي؛ لأنه كان يعرف أنه أقوى في المواد النظرية. وكانت أمه دائمًا تقول إنها تحب أن تراه وكيل نيابة وقاضيًا، فلم تكن تسأله عن الكلية التي يريد الالتحاق بها مفترضةً أنها الحقوق؛ فما تعود أن يخذل لها رغبةً فكيف إذا كانت أمنية!
للأمومة عند تفيدة لحظات تفيض فيها وتنسى أن ابنها أصبح شابًّا، وتحب أن تحتوي هذا الابن وتُجلسه على ركبتيها وتهزه بهما، وكأنه ما زال ذلك الطفل الوليد. وكانت تفيدة في كثيرٍ من الأحيان تحب أن تزيل عن ولدها ما كانت ترسبه في نفسه من مشاعر فقر وحاجة، تُربِّت ظهره وتقبِّله وتنظر إليه، ويسمع من عينيها أن هذه النظرة حبها من الدنيا، وأنها تجد فيها أعظم مكافأة على ما بذلت من سنوات عمرٍ شداد.
في مرةٍ من المرات ظن بهجت أن الأمومة تستطيع أن تقبل منه أي شيء حتى رغبته في أن يكون ممثلًا.
– هل أعجبك الفيلم الذي شاهدناه؟
– متى؟
– الشهر الفائت.
– ولماذا تذكرته؟
– فقط أسأل.
– لقد قلت لك إنه أعجبني ساعتها.
– ألم يعجبك الممثل؟
– وكيف لا يعجبني؟! إنه أحسن ممثلٍ في مصر وربما في الشرق الأوسط.
– أريد أن أكون مثله.
– لقد كان يمثل دور طبيب، وأنت أدبي.
– أريد أن أكون ممثلًا.
لو كان قد أخرج مسدسًا ووضع فوهته أمام عينيها، ما أصابها هذا الذي طفح على وجهها. أُخِذت، صمتت، انفتحت عيناها حتى أوشكتا أن تنفجرا، إنهما بركانان صغيران بل كبيران هاتان العينان. وجهها صفرة، جبهتها غضون، الابتسامة صارت يأسًا، الحنان أصبح هلعًا، نور الصباح انقلب في سمتها ظلامًا قاتمًا. لحظات، وطفرت دموع أمسكت بها لن تسيل، فيرتد البكاء إلى صوتها لتقول، فينحبس القول وتبتلعه فيستعصي، وبهجت يتمنى لو لم يكن قال ما قال، ويهم بأن يدَّعي شيئًا يزيل هذا الهول الذي ألمَّ بها فتردعه نفسه. لقد قال، فلينتظر إلى أي مدى تصل به تجربته. واستجمعت الأم نفسها آخر الأمر، وصرخت في صوتٍ مكبوت لا ترتفع نبراته، وإن كان الصياح منه يطرق أبواب السماء.
– لو عرفتَ الأيام التي عشتُها أو التي متُّها من أجلك! الذعر من الغد، واليأس يمسك به بعض الأمل، فإننا بينهما خرقةً ممزقة متهرئة لا ترتاح إلى اليأس فتسقط وتنتهي، ولا تتعلق من الأمل بأسبابٍ تتيح لها أسباب البقاء. حياتي خوفٌ راجف بعض منه يزلزل الجبال، والحياة حولي متاهة كبيرة لا أجد أحدًا أسأله الطريق، بل لا أجد أحدًا أشكو له التيه. أخاف عليك الشتاء يأتي فلا أكسوك، وأخاف عليك أن يجرحك زميل بامتهان. طفولتك شيخوختي وأنا في ربيع الشباب، وشبابك أعبائي وأنا في خريفٍ من الكهولة.
أكلُّ الذي بذلتُ لتكون ممثلًا؟! آمالي ونفسي وطمأنينتي من أجل …
– كفى، كفى، وهل أصبحت ممثلًا فعلًا؟!
– يكفي أن تريد.
– كلمة جرَّها حديث.
– بل أنت الذي خلقت الحديث.
– ربما أردت أن أمزح.
– ليس في القتل مزاح.
طوى أمله في ذلك المكان من نفسه الذي تعوَّد فيه أن يكبح رغباته. ولو أن هذا الأمل كان جامحًا لا يتيح له أن يهدأ أو يرتاح إلى يأس.
دخل كلية الحقوق وسار حياته كما تعوَّد أن يسيرها، واطمأنت أمه فلم تصبح تخشى عليه أن يذهب إلى المسرح في كل أسبوع كما تعوَّد. وانتهت السنوات حتى صار إلى السنة النهائية، ثم حدث حادث.
كان عمه يزور مزرعته ومعه زوجته وابنه الوحيد عاصم، وكان لا بد للعم أن يعود إلى القاهرة في المساء، وكانت السماء تمطر ذلك المطر المصري الهين، الذي يجعل الطريق صعيدًا زلقا، والذي يجعل السيارات معرَّضة لخطورةٍ بالغة. ولولا أن خيري كان واثقًا من مهارة سائقه لاتخذ في السفر وسيلة أخرى غير السيارة. ولكن كيف إذن تنقلب حياة بهجت؟! انقلبت سيارة خيري في النيل ومات الأربعة جميعًا، وفجأة أصبح بهجت الوارث الوحيد لعمه.
لو لم يكن في نهاية الطريق في كلية الحقوق لكان فكر أن يكتفي، ولكن لم يرَ بأسًا من أن يكمل دراسته، وانتهز الفرصة من هذه الأشهر التي كانت تفصل بين الثروة المفاجئة التي هبطت عليه، وبين الامتحان ليعد الخطة التي يريد أن يختطها. في أناةٍ وروية أعد خطته وبغير أي تسرع، ونجح بهجت في الامتحان.
– هل تصرين أن أكون وكيل نيابة؟
– هذا شيء أحبُّه لك، ولكن أنت في ذلك حر؛ فما دمت قد نلت الليسانس فأنت …
– إذن فاسمعي ما أقوله لك جيدًا ولا تغضبي.
– قل.
– المال الذي تركه لي عمي.
– ما له؟
– أولًا أنا سأصفِّي التجارة.
– ولماذا؟
– أتريدين أن أصبح مثل أبي؟
– وكيف؟
– لو تاجرت فسأصبح مثله كما تعرفين؛ لا أدري من شأن الموز شيئًا إلا أنه فاكهةً يأكلها الناس بعد أن يقشروها، وتقول الأمهات لأولادهن لا ترموا القشر في الطريق، حتى لا يتسبب في وقوع الناس، وإلى هنا وتنتهي معلوماتي عن الموز.
– هذا عن التجارة، فماذا عن الزراعة؟
– إن عرفت عن الموز جملة، فأنا لا أعرف في الزراعة حرفًا.
– فستبيع الأرض إذن؟
– لا، وصلت إلى طريق.
– ما هو؟
– سأؤجر الأرض إلى خبراء، وقد سألت فعرفت القيمة المناسبة، ولن أكون مظلومًا في الإيجار.
– تفكير لا بأس به.
– وعلى هذا فرأس المال سيبقى ولن يمسه أحد، حتى ولو انتحرت؛ فلا شك أنني سأتزوج، ولا أحب لزوجتي أن تعاني ما عانيتِ أنتِ معي.
– عين العقل.
– وأيضًا سأعتبر ما أحصل عليه من تصفية التجارة من ضمن رأس المال، وسأشتري به أسهمًا باسمك حتى لا أمسَّها.
– أنا لا أريد شيئًا.
– أنا الذي يريد أن يكبِّل نفسه.
– وهو كذلك.
– المال السائل بعد ذلك أنا حرٌّ فيه.
– وماذا ستفعل؟
– هذا شأني؟
– ألا تقول لي؟
– ستعرفين.
وعرفت. كانت آمال المتعة ما زالت تداعب نفسه، ولكن الأمل في أن يكون ممثلًا كان أكبر. ليس من السهل أن ينشئ مسرحًا؛ فهو يعلم أن أحدًا لم يسمع به، وأن أحدًا لن يرى مسرحه، وستكون التجربة غير مقنعة بالنسبة إليه.
فهو يريد أن يعرف رأي الناس، ولن يأتي هؤلاء الناس للمسرح أبدًا ما دام هو منشئه.
كان قد أعد الخطة: سيعتمد في أول الأمر على مشاهير الممثلين، وسيمثل إلى جانبهم الروايات العالمية؛ إنه يريد أن يمثل عطيل ويسأل ديدمونة عن المنديل.
وفيدرا.
وأوديب الملك، ويُخرج عينيه ويصبح أعمى.
وصلاح الدين، ويحارب.
وأنطونيو وكليوباترا ويحب ويخون بلاده ثم يموت في سبيلها.
أهل الكهف لتوفيق الحكيم.
وكل الأدوار.
يريد أن يكون ممثلًا كوميديًّا أيضًا، فيجمع إلى بطولة المأساة بطولة الإضحاك. وهو يعلم أن موهبته بقدر ما يريد.
أنشأ المسرح.
وبدأ التمثيل، وكان لا بد من البروفات، وكان المخرج أمينًا، ولكنه وجد نفسه وجهًا لوجه أمام رجل صاحب مال، ولكنه يقف لأول مرة على المسرح فانتحى به جانبًا.
– أستطيع أن أقول لك إنك أعظم ممثل في العالم.
– غير معقول!
– أنت صاحب المال، والمفروض أن صاحب المال هو أعظم كل شيء في العالم.
– ولكنك أمين.
– ليس فقط لأنني أمين، ولكن أيضًا أعلم أن كذبي سينكشف منذ اللحظة الأولى التي سيرفع فيها الستار عنك.
– وماذا ترى؟
– ماذا ترى أنت؟
– أمرك.
– أمري أن تؤجل افتتاح المسرح عامًا كاملًا.
– عامًا كاملًا؟
– أعلمك فيه التمثيل.
– وهل عندي موهبة؟
– أكذب أيضًا لو قلت إنني أعرف؛ فكثيرًا ما انتظرنا أن يصبح تلميذ من تلاميذنا أحسن ممثل في العالم، ثم لا يقبله الجمهور. والعكس صحيح؛ نجح من كنا نتوقع لهم الفشل الذريع.
– ولكني أعبد المسرح.
– المسرح لا يهتم كثيرًا بمن يعبدونه أو لا يعبدونه.
– وكيف أعرف؟
– أستطيع بعد فترةٍ من تمرينك أن أخبرك، ولكن الحكم ليس لي.
– للجمهور.
– إنه لا يهمه أن تكون صاحب مال أو لا تكون، ولا يهمه أن تكون صاحب موهبة أو لا تكون، هو يقبلك وهو لا يقبلك، دون سبب، وهو لا يحتاج أن يبدي أسبابًا.
– والنقاد؟
– لا شأن للجمهور بالنقاد؛ فقد يصفقون ويشقون حناجرهم بالهتاف للرواية أو للمسرحية أو للمؤلف أو للممثل، ولا يقبل الجمهور، وقد يكيلون الصفعات ويقبل الجمهور.
– إذن!
– الأمر لك.
– ليكن ما تريد.
وبدأ العام واستطاع صحفي ذكي أن يتعرف على بهجت، واستطاع أن يجعل من تجربته هذه مادةً صحفية فيها طرافة وفيها جد، وفيها أيضًا شهرة سبقت بهجت إلى المسرح، وأقبل عليه مصورو الصحف يلتقطون صورته وهو يتعلم التمثيل، ويُجرون معه الأحاديث فيخبرهم عن الكتب التي يقرؤها في هذا الفن، واستطاع المخرج فعلًا أن يجمع له برنامج المعهد العالي كله في عامٍ واحد. أما الامتحان فهو لم يكن في حاجةٍ إليه. وكانت المجلات والصحف تضع عناوين مثيرة للتجربة: المحامي يترك ساحة القضاء إلى خشبة المسرح، بهجت شاكر لا يستعجل الشهرة وإنما يعد نفسه للفن الصحيح … والمجال واسع والصحفيون في إنشاء العناوين لا مثيل لهم.
وانقضى العام، وكان بهجت ذكيًّا، فلا يقبل أن يكون هو بطل الرواية، وإنما قدم أحد عمالقة المسرح، ونخبة متألقة من نجومه ليقف في ظله وظلها.
ونزلت الإعلانات في بذخ الأسماء الكبيرة: أحمد فؤاد، وسهام سامي، وبالخط الكبير الضخم، وتحتها في تواضع: بهجت شاكر.
أحمد فؤاد، ممثل أصبحت شهرته تملأ العالم العربي أجمع، واستطاع من خشبة المسرح أن يكون نجمًا سينمائيًّا شهيرًا.
وسهام سامي فتاة في ريعان العمر متألقة الجمال، قفزت هي الأخرى إلى السينما، وأصبح تمثيلها على المسرح حدثًا فنيًّا من شأنه أن يحقق النجاح.
وكانت الليلة الأولى.
ويرى الجمهور لأول مرة في حياته ويراه الجمهور.
كانت الليلة ناجحة نجاحًا باهرًا؛ فالمدعوون يملئون المسرح وليس الجمهور، والمدعو فرِحٌ دائمًا؛ لأنه تفلَّت إلى المسرح مجانًا؛ فهو كثير التصفيق. ولم يدرِ المصفقون ماذا صنعوه بتصفيقهم هذا لبهجت. لقد جُن به الجنون وراح يجوب الطرقات ماشيًا، تاركًا سيارته أمام المسرح. لقد حقق الأمل الأكبر في حياته ولقد أصبح ممثلًا.
وفي الليلة التالية عرف المخرج وعرف الممثلان الكبيران أن المسرحية فشلت. ولم يدرك بهجت هذه الحقيقة إلا في اليوم الخامس، حين تقلص المدعوون وأصبحت الصالة لا تحوي إلا المشترين. لم يفكر في خسارته المادية ولكنه أحس أن أمله بعيد، وأنه ما زال بينه وبين هذا الأمل مدًى بعيد، كان هذا أمله الوحيد بعد سوسن وقد ضاع أيضًا.
أدرك هذه الحقيقة على رغم مقالات النقاد، التي أمطرته بوابلٍ من المديح والتمجيد.
كان قبل تجربته يظن أن أقلام النقاد هي رأي الجماهير، ثم روَّعته الصالة الخاوية التي تمثلت له هوَّةً من الفراغ واليأس، وأدرك أن النقاد جمهورٌ مستقل بذاته، لا صلة بينه وبين الجمهور الذي يصنع النجوم. إن هذا الجمهور يحكم بلا حيثيات، ويصدر حكمه في قسوةٍ واضحة بلا رحمة، وبلا محاولة للتلطف في التعبير أو إبداء الرأي. إنه ببساطة لا يشتري التذكرة؛ وبهذا التوقف عن الشراء يُصدر الحكم.
حاول الصحفي ذكري لطيف: ليست التجربة الأولى هي كل شيء.
– بل هي كل شيء إذا لم أعرف العيب حتى أصححه.
– الرواية أرفع من مستوى الجمهور.
– إن عدم إقبال الجمهور لا يعطينا الحق أن نشتمه. لقد أقبل على رواياتٍ أعلى مستوًى مما قدمت.
– مسألة حظ.
– حجة عاجز. لماذا يخدم الحظ غيري ولا يخدمني، وقد هيأت له كل الفرص ليمشي في ركابي؟
– الحظ لا يسأله أحد.
– ألا تجرب مرةً ثانية؟
– أوَأدري فيمَ أخطأت في الأولى؟
ولم يجد ذكري شيئًا يقوله، ورن جرس التليفون في بيت بهجت.
– آلو، من؟
– أنا سهام.
– سهام سامي؟
– هل تعرف غيرها؟!
– أهلًا.
– ماذا تفعل الليلة؟
– أمثِّل.
– أقصد بعد التمثيل.
– أنام.
– بل لا تنم.
– خير؟
– أريدك أن تتعشى عندي.
– أمرك.
وسألته أمه عما تريده منه سهام فأخبرها.
– ما المناسبة؟
– لا أدري، يبدو أنها تريدني في شيءٍ مهم.
– وماذا بينك وبينها؟
– زملاء.
– هل أصبحت مثلها؟
– على كل حال هي تعمل عندي الآن.
– ليست هذه لغة فنون ولكنها لغة صاحب مال.
– يبدو أن هذه هي الحقيقة.
– فلماذا لا تقتنع بها؟
– حين أتأكد سأقتنع.
– أتريد أن تتأكد؟
– لقد علمني الفقر كثيرًا.
– مثل ماذا؟
– مثل أن أواجه الحقيقة مهما تكن مرة.
– فواجهها.
– حين أراها بعيني سأواجهها.
– ألم ترها؟
– ليس بعد.
– سأتركك حتى تراها.
– لو كنتِ رحبتِ بفكرة أن أكون ممثلًا يوم عرضتها عليك أيام الفقر، لأخذت رأيكِ اليوم بلا أي تفكير، ولكنكِ لو رأيتِ نفسك يومذاك وإلى أي حدٍّ ذُعرت، لعلمتِ أنني على حق حين أرفض رأيك، أو على الأقل أتحفَّظ في الأخذ به.
– أرجو أن أكون مخطئةً وتكون محقًّا.
وفي العشاء وجد بهجت نفسه مع سهام سامي وأحمد فؤاد، ووجد معهم ثالثًا يعرفه بالشهرة ولم يكن قد التقى به قبل ذلك؛ إنه سالم خليل المخرج السينمائي.
قال أحمد: عدم نجاح تجربة المسرح يجعلنا نبحث عن الطريق السليم.
– وما هو؟
– ما رأيك في الإنتاج السينمائي؟
– لا خبرة لي فيه.
– ولم تكن لك خبرة بالمسرح.
– لقد أخذت أحسن العناصر التي تعمل في المسرح.
– وستختار أحسن العناصر التي تعمل في السينما.
– لم أنجح في التجربة الأولى.
– وقد تنجح في التجربة الجديدة.
– هل عندك قصة؟
– سالم خليل هو الذي اختارها.
– هي قصة لكاتبٍ معروف لم يسقط له عمل قبل اليوم.
– هل أنت واثق منها؟
– أستاذ بهجت، إن لي اسمًا لا بد أن أحافظ عليه.
– هل معك القصة؟
– معي.
– أقرؤها.
– إذا شئت؛ فأنت رجلٌ مثقف وتستطيع أن تحكم.
– لم أستطع أن أصل في المرة السابقة.
– كم من فشلٍ أعقبه نجاح.
– أستاذ سالم، أتعرف لماذا قدمت هذه المسرحية؟
– حبًّا للفن.
– أنا أريد أن أمثل، لا أريد مالًا فعندي ما يكفيني، ولكنني أريد أن أمثل.
– وهذا وحده سببٌ معقول.
– وأحب المسرح.
– لعلمك إذا نجحت في السينما تستطيع أن تنتقل إلى المسرح.
– آخذ الطريق من آخره.
– المهم أن تصل.
– أجرِّب. ولكن هل رأيت المسرحية؟
– نعم، نعم.
– لماذا فشلت؟
– لا أدري، كثيرًا ما تكون الأعمال جيدة ولا تنجح.
– لا شك فيها.
– وأنت يا أستاذ أحمد؟
– فعلًا.
– وأنت يا سهام؟
– ألم تلاحظ أنني لم أتكلم من أول الليلة؟
– لاحظت.
– فاسمح لي إذن أن أكمل الليلة بالأحلام.
– ألا تخبريني على الأقل برأيك في موهبتي؟
– لو قلت رأيي لقلت كل شيء، إن لي معك كلامًا آخر.
– أمرك.
– متى ستقرأ الرواية؟
– سأتصل بك في مدى يومين.
– أحمد يعرف كيف يجيء بي؛ فهو يمثل معي الآن، حين تنتهي من القراءة قل له وأنا تحت أمرك.
– وهو كذلك.
ليس يدري لماذا فكر وهو في السيارة في قصة حبه الكبيرة، إنها تلح عليه، منذ اللحظة الأولى التي عرف فيها سوسن، منذ هما يتقدمان معًا للجامعة، وهي بجمالها الهادئ القوي تقف عاجزة، لا تدري ماذا تفعل وكأنما توسمت أن تجد عنده عونًا، وقام عنها بالإجراءات. لقد كانت في طريقها إلى كلية الحقوق مثله، وتعارفا وأحبها حبًّا عنيفًا جارفًا، حتى لقد قرر فجأة: لا بد أن أتركك.
– المفروض ألا أسألك لماذا؛ فتركك لي امتهان وسؤالي إمعان في هذا الامتهان؛ ولهذا فأنا أسالك: لماذا؟
– لأنني أُكبِرك وأحبك وأحبك.
– تخاف من المستقبل.
– فقر وضياع وذل وهوان، وأنظر إليك فأجد أنك ليس لهذا خلقت.
– أنت في السنة الثانية من كلية الحقوق، ومن يدري ماذا سيحدث حتى نتخرج بعد سنتين.
– أما ما سيحدث لي فلا شك فيه، وأما ما يحدث لك فإن أمره إذن سيكون بلا شك خيرًا من حياتك إذا ما ارتبطت بي.
– ومن يدريك؟
– طبائع الأشياء.
– ألا يكفي أن تحبني وأن … أحبك؟
– يكفي لو كنا سنؤلف قصةً لا بيتًا.
– وماذا تريد مني؟
– إذا جاءك خاطبٌ فلا ترفضي.
– هذا أمر؟
– هذا انتحار.
– ومن أنبأك أنني أقبل لك هذا؟
– لا بد أن تقبليه، أرجوك.
– وتلح أيضًا؟!
– سعادتك عندي تستحق هذا الإلحاح.
– كلامٌ عجيب لم أسمع مثله من قبل!
– لأنك عرفت الحب من كتَّاب سخفاء يكتبون القصص ولا يكتبون الحياة.
– لهذا السخف تحب أن تعيش؟
– ولكن الحياة لا تحب أن تعيش به.
– لو لم أكن أدري مقدار حبي لك الذي يجعلني أثق بمقدار حبك لي، لظننت أنك تريد أن تتخلص مني.
– سوسن، الحياة التي تنتظرني شاقة، والعبء فيها ثقيل إذا تزوجتك.
– سأعمل ولن أكون عبئًا عليك.
– إنك تستحقين خيرًا من هذا.
– لماذا تضحي أنت ولا أضحي أنا؟!
– ولو كنت أستطيع الزواج بعد تخرجي لضحينا معًا ولكن لا أستطيع.
– وفيم العجلة؟
– ستكون حياتي جحيمًا وأنا أعرف أنك تنتظرين موعدًا لا أدري متى إنجازه.
– لقد جاءني الخاطب.
– ورفضته؟
– أنا رفضته.
– ولكن أباك لم يبلغه الرفض.
– لم يبلغه؛ فهو معجبٌ به.
– أغني هو؟
– وهل ينظر أبي إلى غير هذا؟
– اقبليه.
– هل أنت واثق؟
ولم يُجب، وإنما سارع يبتعد مخفيًا دمعاته. كانت قد تعودت أن تعنف به ويقبل عنفها. امتنع عن الصخب مع الرفاق وامتنع عن ملذات الشباب، وامتنع عن متعٍ كثيرة يعلم أن فقره لا يتيحها له، ولكن ما فرضه على نفسه مع سوسن كان أبعد الجراح غورًا. وحين جاءت ثروة عمه كانت سوسن قد أنجبت طفلها الأول.
وحين التقى بها في الكلية بعد أن سمعت بغناه المفاجئ نظرت إليه نظرةً طويلة، ولم يجد شيئًا يقوله أو يعمله إلا أن يغمغم: لم أكن أدري.
وابتسمت في مرارة: لقد أصدرت حكمك على المستقبل دون أن تقرأ صحيفة الدعوى.
– لا تزيدي آلامي.
– إنها بعض آلامي.
– أسعيدة أنت؟
– تريد أن تطمئن على تضحيتك؟!
– أريد أن أطمئن عليك.
– لا تطمئن.
– اتركيه.
– وماذا أقول لابني حين يصبح في مثل عمرنا؟
– ألا سبيل؟
– الأحكام التي تصدرها الحياة لا يجوز إعادة النظر فيها لسابقة الفصل في الدعوى.
– بلا استئناف؟
– فات موعده. لا تطعن. أنت لم تخطئ في تطبيق القانون، ولكنك أخطأت في وجهة النظر. لا نقض ما دام القانون قد طُبق.
– تسدِّين عليَّ المسالك.
– أنا فقط أُبقي عليها مسدودة كما أردتَها.
– أهذا ما كنت أريد؟
– أحببت أن ترى نفسك بطلًا، افرح لقد أصبحته.
– أحببت أن تعيشي في سعادة.
– هيهات؛ أتعرف أنت أين سعادتك أو أين سعادتي.
– خُيِّل إليَّ، ظننت.
– الأحكام في الحياة لا تُبنى على ظنون.
– ألا ترحمين؟
– إني راحمة لأني أعرف دوافعك.
– لعلها تغفر لي عندك.
– لقد غفرت لك عندي منذ دمعاتك التي أخفيتها.
وانصرف عنها إلى الأبد وهو يخفي دموعه عنها مرةً أخرى.
ما الذي جعله يذكر هذا؟ لا يدري أفي نفسه حبٌّ جديد؟ ربما. حين ذهب إلى البيت أمسك بالرواية ونظر إليها بضع دقائق، قلب صفحاتها، كانت المرة الأولى التي يقرأ فيها سيناريو، كان الوقت متأخرًا فألقى بها إلى جانبه، وانصرف يهيئ نفسه إلى النوم.
في الصباح كان أول شيء سمعه دعوى تليفونية من سهام سامي.
– هل قرأت الرواية؟
– لم أبدأ بعد.
– هل يمكن أن أقول لك رأيًا؟
– واضح أنك دعوتِني من أجل هذا.
– أنت رجل مستقيم.
– أرجو أن أكون كذلك.
– ولكن أتحب الرأي المستقيم؟
– كنت أرجو أن تكوني عرفتِني أكثر من هذا.
– إذن اسمع.
– أنا أسمع.
– حرامٌ أن تضيع مالك ووقتك.
– هواية؛ أنا أعبد التمثيل.
– اعبده كما تشاء ولكنك بلا موهبة.
– هكذا مرة واحدة؟!
– اسمع، أنا لست أستاذة في المعهد ولا تسمح لي سني أن أكون خبيرة، ولكن لي حاسة، وقد تدربت هذه الحاسة فأصبح لها حكم في هذا الوحش الذي يسمى التمثيل، ولي أيضًا أصدقاء قالوا لي ما لا يستطيع أحدٌ أن يقوله لك، أو ما يحب الكثيرون أن يخفوه عنك لمصالحهم الخاصة. ابتعد عن هذا الوحش إنه فتاكٌ يمتص فريسته ويخدعها، ويسلط عليها غرورها حتى تصبح نفاية بشرية.
– الحكم غاية في القسوة.
– بعد سنوات قلائل ستدرك أنه غايةٌ في الرحمة.
– ولماذا تقولين لي هذا؟
– لو كان غيرك ما قلت له شيئًا؛ فهذا الفن يجعل بعض العاملين فيه يتحاسدون. ولو كنت أعلم أنك من هذا الصنف لمنعت نفسي أن أصارحك؛ خشية أن تظن أنني أخشى على مستقبلي منك.
– ما هذا الكلام الفارغ؟! أنتِ في مجدكِ هذا تخشين ناشئًا؟!
قلَّ أن يدرك ناشئ أنه ناشئ. وهو يبحث دائمًا عن سبب مثل هذه النصيحة غير أن تكون خالصة. فليطمئن نفسه أن الممثلة التي بلغت من شهرةٍ تخاف على نفسها منه؛ ولهذا تنصحه أن يبتعد عن التمثيل.
وإذا تخلصتْ منه أليس من الطبيعي أن يأتي آخر يكون صاحب موهبة حقًّا؟
الفاشلون يعمون عن كل الحقائق، فلا يدركون مثلًا أن لكل نجم في التمثيل فترة، وأن النجم لا بد له من نجومٍ حتى يؤكدوا وجوده، وكل هذا يغيب عن تفكيرهم ليؤكدوا لأنفسهم أنهم أصحاب مواهب.
– وما رأيك في الإنتاج السينمائي؟
– مربحٌ جدًّا لمن يفهمه، وخرابٌ للهواة أمثالك.
– ولكنك مع ذلك لم تجيبي على سؤالي.
– لقد نسيته.
– لماذا تقولين هذا لي؟
– أخشى على نفسي منك.
– هذه فهمناها، وماذا أيضًا.
– أخشى عليك من نفسك.
– هل تقدمين نصيحتك لأي إنسانٍ تخشين عليه من نفسه.
– لا شأن لك بهذا.
إنهم يحتفلون بعيد ميلاده الستين، تحتفل به ابنته إخلاص وابنه فتوح، ويحتفل أيضًا به زوج ابنته سعيد مجدي المحامي، ويحتفل أيضًا أبناء ابنته إلهام وبهجت، والجميع يلتفون حول الممثلة السابقة والجدة الحالية سهام سامي.
سنوات مرت وسنوات، وقطع من العمر طريقًا طويلًا، ومن النجاح طريقًا أطول، فلم يكن أمامه أن يعود إلى المحاماة، وكان قد تعوَّد الجد الذي أُرغم عليه في أول حياته، فنجح نجاحًا ساحقًا.
وأصبحت شهرته تشمل العالم العربي أجمع، بل إنه تولى قضايا دوليةً خارج العالم العربي.
ولكن العجيب أنه مع كل هذا النجاح بقي له شيء هامٌّ من هوايته القديمة؛ فهو يمثِّل في كل تصرف يعمله، يمثِّل في المحكمة، يمثل مع أبنائه، يمثِّل مع أحفاده، والغريب الغريب أنه يمثل مع الممثلة الشهيرة زوجته، وكانوا جميعًا يضحكون فيما بينهم على طريقة تمثيله، ويزدادون له حبًّا من أجلها، لم تمر به هوايته عبثًا.
لقد بقي منها شيء، بقي منها شيء كثير.