وإن كنت تعبت
– لا أرى أي فائدة في التجديف.
– ومع ذلك لا بد أن تجدف.
– الأمواج تتصرف بالقارب غير عابئة بهذا التجديف.
– ومع ذلك لا بد أن أجدف.
– لماذا؟
– هذا عملي.
– وإن كان بلا فائدة؟
– ليس هناك عمل بلا فائدة.
– أتراك توجه القارب بتجديفك هذا؟
– أنا لا أدري ولكن لا بد أن أجدف.
– فإذا كنا تحت رحمة الأمواج؟
– ولكن لا يستوي من يجدف ومن لا يجدف.
– كيف عرفت؟
– انظري حولك الجميع يجدفون.
– أترى الجميع؟
– أرى من حولي.
– ربما كان هناك آخرون لا يجدفون.
– أولئك لا شك قد توقفوا في الطريق.
– أنت تستنتج؟
– بل أنا أعرف.
– كيف عرفت؟
– وعرفتِ معي.
– تقصد هذا الذي يقوله لنا الآخرون؟
– نعم.
– أتصدقه؟
– ولماذا أكذبه؟
– أنا لا أصدق شيئًا لا أراه.
– ومع ذلك فأنت تعرفين أن ابنك يجدف هو الآخر مع زوجته، وأنت وابنتك في قارب زوجها الذي يجدف هو بها ويطفيه.
– ما شأن هذا بما قلت؟
– أنت لا ترينهم دائمًا ومع ذلك تعرفين أنهم موجودون.
– موجودون طبعًا.
– أن تصدقي ما تريدين أن تصدقيه وترفضي ما لا تحبين.
– ربما كان تجديفهم عبثًا هم أيضًا.
– وليكن ولكن لا بد أن نجدف.
– ربما إذا توقفت عن التجديف بعض الشيء يتواثب السمك إلى قاربنا.
– بل السمك لا يثب إنما ينبغي أن نقتنصه بالشباك، وأنت تعلمين ذلك.
– ومع ذلك فهو يثب أحيانًا.
– الاستثناء ليس القاعدة.
– ألا تذكر السمكتين اللتين وثبتا معًا إلى قاربنا دون جهد؟
– مرة.
– ولكن السمك يثب إلى قوارب أخرى أفواجًا.
– ومع ذلك فأصحاب هذه القوارب يصيدون بالشبك هم أيضًا.
– هواة متاعب.
– يفعلون ما يجب أن يفعلوا.
– لو كنت مكانهم لاكتفيت بالسمك الذي يثب إلى القارب.
– من يدري ربما إذا توقفوا عن الصيد توقف السمك عن الوثوب إليهم.
– فليجربوا.
– ليس لدينا وقت للتجارب.
– من تقصد؟
– نحن جميعًا، جميع الذين يجدفون يجربون أن يتوقفوا.
– ما الذي يخيفهم؟
– الذي يخيفنا.
– وما الذي يخيفنا؟
– الذي يخيفهم.
– وما آخرة هذا التجديف؟
– أظن أننا سيأتي علينا وقت ونستريح.
– من أين عرفت؟
– لا شيء يظل كما هو.
– طبعًا.
– كانتا ضعيفتين أول الأمر ثم أخذتا تشتدان شيئًا فشيئًا، ثم أخذتا تضعفان شيئًا فشيئًا.
– فكف عن التجديف إذن.
– سيأتي وقت أكف فيه على رغم أنفي، لا تستعجلي.
– لقد جئت إلى قاربك وذراعاك قويتان.
– أعرف ذلك.
– لم تشكُ إليَّ ضعفهما إلا الآن.
– ومع ذلك فقد عرفت أنهما ضعفتا.
– نعم.
– ولم تقولين؟
– كنت أيضًا أحس بالضعف.
– أعرف ذلك.
– ولم تقل؟
– الأشياء البدهية لا داعي لذكرها.
– ولكننا مع ذلك نقولها.
– إنْ تجنبنا البدهيات في كلامنا، ما زاد كلامنا عن جملة كل سنة.
– أخاف على ابنتي.
– لماذا؟
– إنها تجدف مع زوجها.
– وأي غريبة في ذلك؟
– لم نعوِّدها على ذلك.
– كنا مخطئين.
– أخشى أن تتعب.
– ولماذا لا تخافين على زوجة ابنك؟
– إن من واجبها أن تجدف مع زوجها.
– أليس هو نفس الواجب بالنسبة لابنتك؟
– صحتها ضعيفة.
– أرى صحتها أحسن من صحة زوجة ابنك.
– أيامنا لم نكن نجدف.
– الأيام تتغير، أين نحن وأين هم؟
– نعم، بيننا مسافة بعيدة.
– والمسافة بيننا وبين آبائنا أبعد.
– بل يخيَّل إلي أننا نقترب منهم.
– ليس إلى الحد الذي تتصورين.
– إلى أين نحن ذاهبان؟
– إلى أبي وأبيك وأمي وأمك.
– منذ زمن بعيد لم نرهما.
– كلما اقتربنا إليهما زاد شوقنا لرؤيتهما.
– تعبت، فتوقف.
– لا أستطيع.
– ألا ترى الموج يسير بنا حتى وإن لم تجدف.
– لا بد أن أساعده.
– يخيَّل إليك أنك تساعده.
– بل يعرف أنني أساعده، على الأقل حين أجدف أحس أنني أتقدم.
– وهْم.
– بل الوهم أن أتوقف وأترك للموج كل شيء.
– إن كل شيء في يده.
– ولكنه مع ذلك يريدني أن أجدف.
– أقال لك هذا؟
– كثيرًا.
– أبينك وبينه حديث؟
– لا تسمعينه.
– حسبت أنني وحدي التي أكلمه.
– وإنما نظن أننا ننفرد بأشياء.
– غرور.
– لا بد منه.
– لماذا؟
– لنتحمل الرحلة الطويلة.
– ألا تحتمل إلا بالغرور؟
– وبأشياء أخرى.
– مثل ماذا؟
– مثل التجديف.
– وماذا؟ وهذا الكلام الفارغ.
– ولا أدري، ربما أيضًا بشعورنا أننا لا بد أن نحتمل.
– وإن لم؟
– لا يهم، سواء عند الموج أن نحتمل أو لا نحتمل، فالرحلة ستتم.
– أعلم، أتذكر متى بدأنا الرحلة؟
– لم أعد أذكر شيئًا.
– ولا أنا.
– هذا حسن.
– لماذا؟
– ربما معناه أننا اقتربنا.
– أتريدنا أن نقترب؟
– لا.
– ولا أنا.
– مع أنك تعبت؟
– مع أني تعبت.