سيزيف والصخرة
جاء في الأساطير أن الآلهة قضت على سيزيف بالصعود إلى أعلى الجبل وهو يدفع أمامه صخرة، وقضت الآلهة ألا تستقر هذه الصخرة في أعلى الجبل أبدًا، فكلما صعد بها سيزيف تعود فتنزل إلى السفح، ويعود سيزيف فيدفعها أمامه إلى أعلى الجبل.
وفي يومٍ صعد سيزيف إلى أعلى الجبل دافعًا أمامه الصخرة، وتركها وعاد لينام، وكان قد تعوَّد أن يستيقظ مع فجر كل يوم، ليجد الصخرة التي وضعها على القمة في أمس، قد عادت إلى السفح مع الفجر. ومع انبثاق النور يعود سيزيف فيدفع الصخرة إلى أعلى الجبل، ويستغرق منه هذا الجهد اليوم جميعه حتى الهزيع الأول من الليل.
وفي هذا اليوم صعد كشأنه وترك الصخرة، ونزل لينام ولينتظر لتعود فيدفعها في باكر الصباح.
وأشرق الفجر. ولا يدري سيزيف لماذا راح ينظر حواليه، فوجد أنه يعيش في أجمل مكان في العالم؛ فحوله الجداول الرقراقة والأشجار اليانعة والحدائق الغنَّاء، والطيور تستقبل النهار بموسيقى سماوية، وتودعه بمواكب حافلة من الأنغام. وتعجَّب سيزيف أنه لم يلتفت إلى هذه الجنان حواليه إلا في يومه هذا، وأسِف لهذا القضاء الذي فرضه عليه قدره، وتمنى أن تتاح له الفرصة أن يستمتع بهذا الهناء، الذي يرف حواليه ولا يصيب هو منه شيئًا حتى ولا متعة النظر. كان قد مر عليه عشر سنوات وهو راضخٌ لقدره، طائع له مستسلم غير متبرم به ولا هو ضجر، ولكنه في يومه هذا كان يتمنى لو كان قدره أكثر رفقًا به.
قام إلى الصخرة ومد يديه دون أن يكلف نفسه عناء النظر، ولكن يديه بالهواء استُقبلتا، ونظر فإذا الصخرة ليست في السفح، وتشوَّف القمة فإذا الصخرة راسخة هناك لم تنزل. جُن جنونه من الفرح وصعد الجبل وثبًا، وفي مثل اللمحة الخاطفة كان واقفًا هناك، الصخرة ثابتة حيث تركها في الأمس، إذن فقد أفرجت عنه الآلهة.
جرى إلى الجدول الرقراق وراح ينقع نفسه فيه ويصب ماءً صبًّا، وغسل ثوبه فإذا هو يعود جديدًا كأنما لم تعمل فيه السنون بيديها، وبحث عن حجرٍ وراح يسنه حتى أصبح قاطعًا، وراح يحلق ذقنه فهي ناعمة، ثم استقبل الجنة التي حواليه، وراح يأكل مما بها من فواكه رائعة.
وما إن غذَّ في السير حتى وجد أطفالًا يلعبون، عليهم ثياب نظيفة وفي وجوههم مرح ونعيم، وسألهم: ماذا تعملون هنا؟
– نلعب.
– ألكم بيت؟
– طبعًا.
– أين؟
– في هذه القرية هناك.
– إذن فبجانبه قرية أيضًا.
قصد إليها، فإذا من بها يلتفون حوله: من أنت؟
– سيزيف.
– صاحب الصخرة؟
– نعم.
– لست به.
– بل إنني هو.
– سيزيف أشعث أغبر قذر الثياب طويل اللحية، مكشر لا يعرف الضحك طريقًا إلى وجهه.
– لقد عفَت عني الأقدار.
– والصخرة؟
– في أعلى الجبل.
– ولم تنزل؟
– بل هي باقية حيث أرسيتها بالأمس.
– إذن لنقيمنَّ لك عيدًا.
– ولكنكم لا تعرفونني.
– بل نعرفك، كنا نرقبك طوال السنوات الماضية.
– لم أرَ أحدًا منكم.
– كنت مشغولًا عن الدنيا جميعًا.
– إذن فهل أطمع أن أكون واحدًا منكم؟
– كن.
وأقيم العيد، وضج المكان بالموسيقى والرقص، وفي أثناء الرقص وقعت عينا سيزيف على فتاةٍ، كانت تبدو أمامه كنجمةٍ مجنحة هبطت من السماء، فيها إشعاعٌ حلو ريان، ينساب جسمها كحلم وسْنان، وهي ترقص كملاك وتبتسم كأمل، وتغني وكأنها أمنية تتحقق.
– ما اسمكِ؟
– سيفيليا.
– زوجة أنتِ لا شك؟
– بل لستُ زوجة.
– كيف، أهذا الجمال جميعه لم يجد الزوج؟!
– يبدو أن السماء تريدني لغير من طلبني.
– تُرى أترضى بي السماء زوجًا لك؟
– إني أرضى.
– إذن فالسماء ترضى.
وكان الزواج، وعاش سيزيف أجمل فترات حياته، وأنجب من سيفيليا ابنًا وابنة، وكان دائمًا يسأل أهل قريته عملًا.
– ولكن لا عمل لك.
– أبدًا؟
– لقد وزعنا الأعمال من قبل مجيئك.
وهكذا ضاق سيزيف بالفراغ، ووجد نفسه يذهب إلى الصخرة يدفعها عن الجبل، ولكنها كانت ثابتة، لا تريد حراكًا، فأتى بفأسٍ وراح يضرب حواليها حتى وهنت جذورها، ودفعها فسقطت إلى السفح، ومنذ ذلك اليوم أصبح عمله كل يوم أن يدفع الصخرة إلى القمة طوال اليوم، وفي اليوم الثاني يدفعها إلى أسفل، ثم يعود فيصعد بها إلى أعلى.
وعجب ابنه وابنته، فتشجع ابنه وسأله: أبي، ماذا تفعل؟
– أعمل.
– ولكن بلا فائدة!
– وكيف تقول هذا؟
– لا أرى نتيجة لعملك!
– النتيجة الوحيدة أنني أعمل.
– أليس لكل عملٍ فائدة؟
– أريد أن يوجد العمل أولًا.
– يوجد العمل أولًا؟! حتى ولو كان بلا هدف؟
– لو فكرت يا بني قليلًا، لو فكرت لوجدت الهدف. أتُراك وجدته؟ لا يهم، سوف تجده.