أثر التصريح في اليهود والعرب
اغتبط سواد اليهود — أو قل سواد الصهيونيين — بهذا التصريح، وإن كانت هناك أقلية كانت ترجو أن يَصدر في صيغة أخرى، توضِّح رضاء بريطانيا عن إنشاء دولة يهودية ولو تحت الحماية أو الانتداب أو الإشراف البريطاني، على أنه بينما اتَّجَهَ بعض الصهيونيين إلى إنشاء مملكة وإقامة عرش وملك، اتجه آخرون إلى إقامة جمهورية اشتراكية، ثم مضى اليهود — أو الصهيونيون — منذ صدور التصريح، يزيدون مهاجرتهم ويقوون نفوذهم، متوسعين في شراء الأراضي من السكان العرب الفقراء بأثمان مربحة جدًّا، فكانوا يؤدون عن الدار أو المزرعة ثلاثة أمثال ثمنها أو أكثر.
أما العرب، فقد ألفوا المظاهرات ونظموا الإضراب. وقاموا بالثورات احتجاجًا على صدور التصريح وعلى زيادة عدد المهاجرين اليهود وإنشائهم الشركات والمستعمرات والمصانع، وشرائهم لكثير من الأراضي. وكان العرب في سائر البلاد العربية من المسيحيين والمسلمين ينصرون العرب الفلسطينيين.
وقد عقد منذ خمس عشرة سنة مؤتمر إسلامي في فلسطين دعا إليه ونظَّمه سماحة السيد أمين الحسيني — رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين — وحضره الكثيرون من المسلمين، وكان موضوعه الخلافة الإسلامية.
حضرات النواب المحترمين: دفعت محنة فلسطين القاسية كثيرين من ذوي العاطفة الشريفة إلى عقد مؤتمرات سابقة، اشترك فيها كثير من الوجهاء والنبلاء والمفكرين، وأصدروا قرارات، لكنَّا رأينا — وقد ازدادت المحنة وعم البلاء — أن يكون هناك مؤتمر مؤلف من نواب الأمم العربية والإسلامية، وممثلي الجماعات ذوات الشأن، حيث لا توجد مجالس نيابية، فكان هذا المؤتمر ممثلًا تمثيلًا صادقًا للأمم العربية والإسلامية، وكان لحضراتكم أن تعتقدوا بحق أنكم في مداولاتكم وفي قراراتكم التي تتخذونها ستتحدثون عن أممكم، وتقومون بتنفيذ هذه القرارات بما أوتيتم من صفة النيابة في برلماناتكم، وجماعاتكم، وبما لكم من النفوذ العظيم في دياركم، وسيصغي العالم السياسي إلى كلمتكم في هذا المؤتمر، باعتبار هذه القرارات صادرة من أمم العرب والإسلام جميعًا، فبقدر ما يكون لهذه القرارات من أهمية رسمية سيكون لها الأثر القوي في توجيه المساعي وتوحيدها نحو الغاية المنشودة التي تبتغيها، وسنصل بعون الله وتوفيقه إلى تحقيقها، ما دامت تظللنا هذه الراية الكريمة من الإخلاص، والوفاء، والتضامن. «تصفيق».
وإذا كان موضوع قضية فلسطين موجهًا إليكم كنواب، فوجب أن تُعرَض عليكم وقائع قضيتها عرضًا صحيحًا صادقًا، لا لبس فيه ولا إبهام، ولكم بعد ذلك أن تصدروا قراراتكم غير متأثرين إلا بدافع الحق والعدل. واعتقادي أن فلسطين لا تطلب منكم أن تصدروا حكمكم، متأثرين بالعاطفة وحدها، عاطفة القرابة والدم — وهي قوية الأثر عند النفوس الأبية الكريمة — ولكنها تطلب أن تحكموا — وأنتم رجال مسئولية ومركز نيابي — الحق والعدل، والتاريخ الصادق. «تصفيق».
أيها السادة: إن بحث هذا الموضوع يتطلب أن أرجع بكم إلى تاريخ احتلال اليهود فلسطين بعبارة موجزة، ثم أعرض لكم التطورات التي قامت، وكيف وجد اليهود الآن في فلسطين؛ حتى تستبينوا الحق من الوقائع، وتقدروا مبلغ الكارثة التي وقعت على فلسطين.
كانت فلسطين وطنًا لأمم من غير اليهود، وحوالي سنة ١١٠٠ قبل الميلاد احتل الإسرائيليون أغلب البقاع الجبلية فيها، ثم اتحدوا بعد شقاق وقع بينهم، تحت لواء الملك داود، وهزموا الفلسطينيين، ثم قام الملك سليمان وانتهى عهده حوالي سنة ٩٣٠ قبل الميلاد، وبموت الملك سليمان، الذي بنى الهيكل، تطرق الضعف إلى هذه المملكة، وانقسمت قسمين: مملكة إسرائيل، ومملكة يهوذا.
اندمجت أولاهما في إمبراطورية آشور، فيما بين سنة ٧٢١ وسنة ٧١٥ قبل الميلاد. وبقيت الثانية وهي مملكة يهوذا، تحت سيادة هذه الإمبراطورية. وفي سنة ٥٨٨ قبل الميلاد قام بختنصر — ملك الإمبراطورية البابلية التي حلت محل الإمبراطورية الآشورية — وضم مملكة يهوذا إلى ملكه، ونهب مدينة القدس، ودمرها كما دمر الهيكل تدميرًا تامًّا، ونفى اليهود إلى جهة الفرات في منطقة بابل. وفي سنة ٥٣٦ قبل الميلاد بعد أن احتل قورش — مؤسس الإمبراطورية الفارسية — بابل، سمح لليهود بالرجوع إلى فلسطين، فرجع إليها بعضهم، وأخذوا في إعادة الهيكل بتصريح من هذا الإمبراطور، وبعد ذلك بقرنين أو أكثر خضع اليهود لحكم البطالسة، خلفاء إسكندر الأكبر. وفي سنة ٦٣ قبل الميلاد اكتسح الرومان القدس، ولم تقم لدولة اليهود بعد ذلك قائمة إلى الآن.
ومن هذا البيان ظهر أن اليهود قد اغتصبوا فسطين من أهليها الأصليين، ولم تكن لهم دولة مستقلة ذات سيادة إلا في حكم الملك داود، وخلفه الملك سليمان من سنة ١١٠٠ قبل الميلاد إلى سنة ٩٣٠ قبل الميلاد؛ أي ١٧٠ سنة كما أسلفنا. ثم استمروا خاضعين لدول أجنبية، يُطردون ويَرجعون إلى أن كانت سنة ٦٣ قبل الميلاد، وهي التي انتهى فيها كل أثر لدولة اليهود، سواءٌ كانت مستقلة استقلالًا تامًّا، أو خاضعة لإمبراطوريات مختلفة، استمر الرومان يحكمون، وبقي هيكل اليهود الثاني تحت رحمة الدولة الرومانية إلى سنة ٧٠ بعد الميلاد. وفيها دمر الإمبراطور «تيطوس» أورشليم، وأحرق الهيكل، بعد ثورة شبت من اليهود، وفي سنة ١٣٥ ميلادية جاء إمبراطور الرومان «أدريانوس» وأقام مكان الهيكل اليهودي هيكلًا وثنيًّا، باسم آلهة المشتري «جوبيتير»، وبقي إلى أن قامت المسيحية في القدس. فدمر النصارى هذا الهيكل الوثني من أساسه، في عهد الإمبراطور قسطنطين، ووالدته هيلانة.
ظلت فلسطين خاضعة للرومان إلى أن فتحها العرب، ودخل عمر بن الخطاب مدينة القدس فاتحًا، وسلمها إليه البطريرك في سنة ٦٣٧ ميلادية. بعد أن أخذ عليه عهدًا بعدم السماح لليهود بدخول فلسطين. واستمر العرب فيها إلى الآن، ونحن في سنة ١٩٣٨ ميلادية، وعلى هذا لم تقم لليهود في فلسطين دولة، ولو صورية من سنة ٦٣ قبل الميلاد إلى الآن؛ أي أكثر من ألفي سنة. ويكون العرب قد أقاموا فيها إلى الآن أكثر من ١٣٠٠ سنة كافحوا فيها ما كافحوا ضد كل مُغِير، ومن يوم فتح فلسطين؛ أي من سنة ٦٣٧ ميلادية، صارت أرضها موطنًا لهم. عاش فيها آباؤهم وأجدادهم أكثر من ثلاثة عشر قرنًا، ودفنوا في تربتها موتاهم، وأقاموا فيها مساجدهم، ومعابدهم. وصارت اللغة العربية لغة البلاد وحدها. ولم يبق للتاريخ اليهودي في فلسطين في تلك البقاع أي أثر.
قلنا: إن الرومان دمروا أورشليم سنة ١٣٥ ميلادية للمرة الأخيرة، فلما حلت هذه الكارثة خرج اليهود مهاجرين إلى العراق، ومصر، وسوريا، واليمن، مترسمين في هجرتهم آثار الفتح العربي في شواطئ أفريقيا الشمالية، إلى أن وصلوا إلى الأندلس تحت حماية العرب، وفي ظل الحرية التي أسداها إليهم العرب، واصطلحوا على استعمال اللغة العربية لغة لهم، واتخذوا لأنفسهم أسماءً عربية، واتبعوا التقاليد والعوائد العربية.
ولما فتح مسلمو الترك مدينة القسطنطينية كانت دولة الأتراك مثابة لليهود وأمنًا؛ فتوغلوا في هذه البلاد، وأقاموا بها على الرحب والسعة بعد أن هجروا إسبانيا وقد تركها المسلمون، واستقر قسم كبير من الإسبانيين اليهود في مقدونيا، وخاصة في سالونيك، تحت لواء الحرية التي أسداها إليهم المسلمون. وقد وصل بهم الأمر إلى أن تربعوا في أرفع المناصب، في بلاط السلاطين، وفي ميدان السياسة وقت أن كانت المذابح تتوالى عليهم من كل جانب في البلاد الأوروبية شرقيها وغربيها. وما زال صدى اضطهاد اليهود في روسيا وغيرها يرنُّ في آذاننا إلى الآن. ولم يرجع اليهود إلى الهجرة في أوروبا الغربية إلا بعد أن ظهر فيها التسامح في العصور الأخيرة، وأعتقهم الأمريكيون والغربيون من القيود التي كانوا يرزحون تحتها. فلم يكونوا ليسمحوا لهم بامتلاك عقارات، أو اشتغال بالزراعة أو الصناعة. وكل هذه المعاملات الاستثنائية كانت عامة في إيطاليا، أو فرنسا، أو ألمانيا، أو إنجلترا، أو أمريكا، تلك حالهم في بلاد الغرب. أما في بلاد العرب والإسلام فقد كانوا في بحبوحة من العيش وحسن المعاملة، وإنه ليأخذكم العجب إذا عرفتم أن اليهود لم يعتقوا في فرنسا إلا في سنة ١٧٩٠م، وفي إيطاليا إلا سنة ١٨٧٠م، وفي أمريكا إلا في ١٨٨٧م. وكانت إنجلترا أبطأ الحكومات في إصدار تشريع بالمساواة بصورة رسمية، فاستمرت تسديهم بعض الحقوق إلى أن كان آخر مظهر من مظاهر الحرية في سنة ١٨٩٠م.
يحدثنا التاريخ أن اليهود طالما جُرِّدُوا من أملاكهم في إنجلترا، وفي فرنسا وفي غيرهما، وطالما طُردوا، وسيموا العذاب، وطالما لقوا من إسبانيا أيام محاكم التفتيش ألوانًا من الاضطهاد، والأذى، والتقتيل. إلى أن أصدرت أمرها في سنة ١٤٩٢م بطرد الباقي منهم.
فما سبب هذه الكراهة المتأصلة في نفوس الغربيين؟
إن الذي يمكننا أن نستخلصه من أقوال المؤرخين هو أن الغربيين قد منعوا اليهود من امتلاك الأراضي، والاشتغال بالزراعة أو الصناعة لاعتبارهم فئة أقل منهم مرتبة لاختلافهم عنهم في العنصر، والدين، والعادات، والتقاليد؛ قد دفعوا هؤلاء الناس للاحتفاظ بوجودهم، فكان من الضروري أن يقوموا بأعمال تجارية صغيرة. ولما كانت الكنيسة تحرم الربا على النصارى، فقد أصبح اليهودي مرابيًا بحكم الضرورة، وظهر بالتجربة أن مهمة إعطاء القرض بفوائد أخف المهن، وأكثرها دَرَّ خير على صاحبها. وإن استعمال الفوائد قد دفع أصحابها إلى التمادي في سعر الفائدة. فأصبح كثير من اليهود أغنياء، بينما الفلاح والصانع والتاجر الغربي لا ينال قوته إلا بعد الكَدِّ والكدح والتعرض للمخاطر.
لهذا وجدت البغضاء بين الفريقين، ولهذا كان الملوك والأمراء، والحكام عندما يشعرون بحاجة للنقود، ويرون أمامها أجانب قد اكتظت خزائنهم بالذهب — كان هؤلاء يبررون مصادرة أموال أولئك الغرباء، ويعتقدون في ذلك الأجر والثواب والخير لأممهم. لم يكن شيء من هذا في بلاد العرب والمسلمين. وكان اليهود في بحبوحة من العيش، نعاملهم معاملة المواطن. لهم ما لنا، وعليهم ما علينا. شيء آخر أثار بغض الغربيين لليهود؛ ذلك أن هؤلاء بعد أن صاروا أغنياء وصاروا بقوة الذهب من ذوي النفوذ، وهم محتفظون بكيانهم الأصلي، ورابطتهم اليهودية، ويعتبرهم الغربيون جسمًا غريبًا عنهم؛ قد سولت لهم أنفسهم أن يتدخلوا في شئون البلاد التي تُؤْويهم، في توجيهها السياسي، وفق ما يرضون، كما تدخلوا في نظمها الاجتماعية. أحس الغربيون بهذا الخطر فقامت دول تنتقض عليهم، وتنتقم منهم وتطردهم. كما أحس باقي الأمم — ولو كانت ديموقراطية — بكثير من القلق لهذا التدخل الغريب، الذي يؤذي الممالك في كيانها السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، ولا بد أن الزمن سيساعد على إنماء هذا الشعور في العالم ضد اليهود.
(١) معنى تصريح بلفور
ثم قال علوبة باشا: أيها السادة: الحق أني لم أفهم لهذا التصريح معنى محدودًا، فهو مكتوب بطريق اللف والدوران، حتى صار مبهمًا، وأغلق عليَّ الأمر في فهم حقيقته ومرماه، وتعرُّف ما يكنه في ثناياه. فلم أجد وسيلة سوى الرجوع إلى المراجع الإنجليزية نفسها. في التصريح شيء اسمه تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي، فما معنى هذا؟ وفيه شيء اسمه عدم إضرار بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية فما معنى هذا؟ وشيء اسمه حماية الأماكن المقدسة، والمواقع الدينية، فما معنى هذا؟ ذلك كله مع العلم بأن الانتداب بطبيعته مؤقت، وأن ميثاق عصبة الأمم احترم قاعدة تقرير المصير، وأن الحلفاء أعلنوا أن خير هذه الشعوب التي خرجت من حكم الأتراك وتقدمها أمانة مقدسة في عنق المدنية، فكيف يمكننا أن نفهم كل هذا، وأن نوفق بين النصوص الغامضة في تصريح بلفور، والصريحة فيما أعلنه الحلفاء جميعًا؟ الحق أني تعبت، ولم أفهم معنى إنشاء الوطن القومي، وعلى أي نحو يكون؟ إذا صح أن له وجودًا مشروعًا! هذا؛ ولا يفوتنا أن الدعاية اليهودية قد نشطت بين العرب أيام صدور التصريح، مدعية أن الغرض من إنشاء وطن قومي لليهود لا يعدو أن يكون إنشاء وطن روحي لا سياسي. ورجعت إلى تقرير اللجنة الملكية لفلسطين «تقرير لورد بيل» لسنة ١٩٣٨م، فإذا هو يفضح الأمر، ويثبت الحقيقة المرة.
فقد جاء في هذا التقرير أن المستر ونستن تشرشل — وزير المستعمرات سنة ١٩٢٢م — أصدر بيانًا في شهر يونية من السنة المذكورة بالسياسة البريطانية في فلسطين، يطمئن الناس على أن لا ضرر من تكوين طائفة لليهود في فلسطين، وأن تنمية الوطن القومي فيها لا تعني فرض الجنسية اليهودية على أراضي فلسطين إجمالًا، بل زيادة نمو الطائفة اليهودية بمساعدة اليهود الموجودين في أنحاء العالم؛ حتى تصبح فلسطين مركزًا يكون فيه الشعب اليهودي.
أيها السادة: كان من نتائج تلك الثورات المتوالية أن أرسلت إنجلترا لجانًا في أثر كل ثورة. قدمت تقاريرها، تؤيد فيها ما للغرب من حقوق، وتتكهَّن بمآل استمرار الهجرة، وتؤكد ضيق أراضيها على أهليها، إلى أن قدَّمت اللجنة الملكية برياسة اللورد بيل تقريرها سنة ١٩٣٧م بإثبات الوقائع التي ذكرناها عنها، وقررت فيما قررت أن الشعبين العربي واليهودي لا يمكنهما أن يعيشا معًا بسلام وتعاون، على الوضع الحاضر، وأن بينهما عداءً عنصريًّا، وشكًّا متبادلًا، وظهر لنا استحالة التوفيق في التنفيذ بين التعهدات التي أعطيت للعرب باستقلالهم، وبين تصريح بلفور. وكنا نأمل من جانب اللجنة الملكية بعد أن ثبت لها ما رأته وقررته أن تنصح بالرجوع إلى قواعد العدل، وتقرير المصير، وتطلب إلغاء تصريح بلفور. لكنها لم تفعل، وأرادت تنفيذ العهدين المتناقضين، عهد قائم على الحق والعدل، وآخر قائم على الظلم ومنافاة القاعدة التي أقرها الحلفاء وأعلنوها، وهي أن رفاهية هذا الشعب، وتقدمه، وحقوقه أمانة في عنق المدنية.
- أولًا: دولة لليهود، تلك التي تشمل أفضل الأراضي وأخصبها، مع السواحل والإقليم الزراعي الكبير في الشمال.
- ثانيًا: دولة للعرب، وهي القسم الجبلي الذي لا خير فيه ولا ثمرة.
- ثالثًا: قسم آخر يبقى تحت سيطرة بريطانيا مباشرة.
وخلقت اللجنة بهذا التقسيم صورة تذكرنا بإقليمي السار، وميمل، وممر دانزج.
أيها السادة: وكانت نتيجة هذا التقسيم أن لا بد من تبادل السكان بين الدويلتين، فهب العرب وثاروا؛ لأنهم رأوا أن دولة اليهود قد أخذت أخصب البلاد، وأن المنطقة المخصصة لهم بلغت مساحتها نحو ثمانية ملايين دونم، منها أربعة ملايين ونصف أرض زراعية، ملك اليهود منها نحو مليون وربع دونم، وإن ما يملكه العرب من بساتين البرتقال، في تلك المنطقة المحددة لليهود هو نحو سبعة أثمان جميع ما يملكه العرب، من أراضي البرتقال في فلسطين.
ففكرة تبادل السكان إذن غريبة لعدم إمكان تصورها بين ألف ومائتين وخمسين يهوديًّا، مقابل ثلاثمائة وخمسة وعشرين ألف عربي. كما أن أملاك العرب في المنطقة المخصصة لليهود هي جل ثروتهم. واليهود لا يملكون شيئًا يُذكر في الجبال المخصصة للعرب، فكيف يمكن تنفيذ هذا الاقتراح؟!
وقد عد المستر تشرشل — وزير المستعمرات يومئذ — أن هذا هو تفسير حكومة جلالته لتصريح بلفور الصادر في سنة ١٩١٧م.
وقد عد هذا التفسير للوطن القومي في بعض الأحيان أنه يحول دون إنشاء دولة يهودية، غير أنه وإن كانت عباراته قد وضعت في قالب يرمي إلى تخفيف خصومة العرب للوطن القومي بقدر الاستطاعة، فليس فيه ما يمنع من إنشاء مملكة يهودية في النهاية. وقد قال لنا المستر تشرشل نفسه، عندما أدلى بشهادته أمامنا: إنه لم يكن القصد الحيلولة دون إقامة دولة كهذه. وقد اشتركت الجمعية الصهيونية في هذا الرأي. وصرحت لجنتها التنفيذية بعد درس بيان السياسة أن الجمعية الصهيونية ستسير في أعمالها على أساس السياسة المبسوطة فيه، والسبب الذي حال دون الإشارة إلى الدولة اليهودية في سنة ١٩٢٢م «أي في بيان المستر تشرشل» هو عين السبب الذي حال دون الإشارة إليها في سنة ١٩١٧م «أي في تصريح بلفور» «فقد كان الوطن القومي مجرد تجربة».
الآن قد انفضح الأمر، وفهمنا معنى تصريح بلفور، وما يرمي إليه. ولقد أكد تقرير اللجنة الملكية ما فهمناه بعبارة أخرى قوية صريحة؛ إذ قال: «ويجدر بنا الآن أن نبحث في معنى تصريح بلفور. لقد سمح لنا أن نفحص الأوراق والوثائق المتعلقة بالموضوع. وظهر لنا عبارة «إنشاء وطن قومي في فلسطين» كانت نتيجة توفيق بين رأي بعض الوزراء، الذين كانوا يريدون إنشاء دولة يهودية في النهاية، ورأي البعض الآخر، الذين لم يكونوا يفكرون في ذلك، ومن الواضح على كل حال أنه لم يكن في استطاعة حكومة جلالته أن تتعهد بإنشاء دولة يهودية، بل كل ما كان في وسعها عمله هو أن تتعهد بتسهيل نمو «وطن». أما نمو هذا الوطن نموًّا كافيًا، وتطوره إلى درجة يصبح معها دولة، فذلك أمر يتوقف في الدرجة الأولى على حماسة اليهود وعزيمتهم. وقد قال لنا المستر لويد جورج، الذي كان رئيسًا للوزارة، في ذلك الحين، في معرض الشهادة: «لقد كانت الفكرة ألا يعمد في معاهدة الصلح إلى إقامة دولة يهودية فورًا، دون الرجوع إلى رغبات أكثرية السكان. وهذا هو التفسير الذي فسر به للتصريح في ذلك الحين، ومن الجهة الأخرى كان في النية أنه متى حان الوقت لمنح فلسطين مؤسسات تمثيلية، ووجد أن اليهود قد اغتنموا الفرصة، التي تتيحها لهم فكرة الوطن القومي، وأصبحوا في غضون ذلك يؤلِّفون أكثرية السكان. فعندئذ تصبح فلسطين دولة يهودية!»
من هذا وضح الخفاء، وصار معنى إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين هو السعي في جعلها دولة يهودية، لا وطنًا روحيًّا، كما كانوا يقولون. ولهذا كان العرب والمسلمون على حق فيما اعتقدوه من أن مساعدة الهجرة في فلسطين ليست إلا لتمكين اليهود من أن يكتسحوها ويمتلكوا أراضيها، حتى يصبحوا أكثرية فيكونوا الدولة اليهودية. كما أن العرب والمسلمين كانوا على حق فيما اعتقدوه من أن مخالفة ميثاق عصبة الأمم وعدم إعطاء فلسطين حكمها الذاتي إلى الآن إنما كان بقصد الانتظار حتى يتمكن اليهود من نوال الأكثرية في فلسطين.
لقد قيل للوفد: إن التغييرات الدستورية الشاملة التي طلبها لا يمكن قبولها بالكلية؛ لأنها تجعل القيام بالتزامات حكومة جلالته حسب صك الانتداب مستحيلًا! وقد أوضح أنه لا يمكن البحث في اقتراحات لا تتوافق مع مقتضيات الانتداب. وبما أن تنفيذ رغبات الوفد العربي بخصوص الحكم الديموقراطي يجعل قيام حكومة جلالته بمسئولياتها كدولة منتدبة على فلسطين مستحيلًا. وبما أنه بالرغم عن الشرح والتأكيدات المعطاة من قبل وزراء جلالته لم يتمكن الوفد أن يرى سبيلًا لتعديل موقفه، فقد أصبح من الواضح أنه لا فائدة ترجى من مداومة البحث في هذه المسألة.
أيها السادة: وعلى هذا النوع من الانتداب والحكم، كان عدد اليهود في فلسطين سنة ١٩١٥م حوالي ٤٦ ألفًا، فوصل الآن إلى أكثر من أربعمائة ألف، بينما عدد العرب من مسيحيين ومسلمين ٩٥٠ ألفًا. وكان اليهود قبل الحرب لا يملكون أكثر من مائة ألف «دونم»، فإذا هم يملكون في سنة ١٩٣٦م مليونًا وأربعمائة واثنين وثلاثين ألف دونم.
وقد أثبت تقرير لجنة شو في سنة ١٩٣٠م أن البلاد لا يمكنها أن تستوعب أكثر مما فيها إلا إذا وجدت طريقة جديدة لاستثمار الأراضي، وأنه حَذَّرَ الحكومة من عاقبة الهجرة المفرطة.
وجاء في تقرير السير جون هوب سمبسون في السنة نفسها ما يؤيد هذه الحقيقة، مقررًا أن ما يصيب العائلة العربية من الأراضي لمعيشتها أقل مما يجب أن يكون للقيام بأودها. ومما كان له أفظع الأثر في تنفيذ هذه السياسة الضارة بالعرب، والقاتلة لهم، ذلك التسامح الغريب في إرسال الموظفين اليهود من الإنجليز، ليقوموا بإدارة الحركة العامة في فلسطين، فتعيَّن منهم السير صموئيل اليهودي حاكمًا عامًّا لفلسطين من سنة ١٩٢٠ لسنة ١٩٢٥م، كما عين المستر بنتويش اليهودي رئيسًا للنيابات العمومية فيها، وغيرهما وغيرهما. حتى أصبحت فلسطين محكومة فعلًا باليهود، يسعون في تنفيذ الرغبة في أن تنقلب فلسطين إلى دولة يهودية.
سادتي: سبق أن قلنا: إن بعض وزراء إنجلترا كانوا يقصدون من الوطن القومي اليهودي إنشاء دولة يهودية، وأن الزعماء اليهود قد صرحوا بأن هذا هو غرضهم، وعلى هذا مساعيهم. ولقد ظهرت هذه الرغبة الصريحة من اليهود في أعمالهم، وصحفهم، ومؤلفاتهم، بطريقة لا تدع مجالًا للشك. ومما صرح به زعماؤهم ما قاله السير ألفريد «لورد ميلتشث» سنة ١٩٢٢م من أن اليوم الذي سيعاد فيه بناء الهيكل أصبح قريبًا جدًّا! وأنه سيكرس ما بقي من حياته لبناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى! وما قاله المستر جابرتنسكي — زعيم الصهيونيين الإصلاحيين — أمام لجنة تحقيق سنة ١٩٢٩م «لجنة شو» من أنه يريد صراحة أن تشجع الحكومة الاستعمار اليهودي تشجيعًا فعليًّا؛ كي توجَدَ في البلاد أكثرية يهودية. وما فاه به الزعيم اليهودي زينكويل؛ إذ قال: وما على العرب إلا أن يهدموا خيامهم ويرحلوا إلى الصحراء من حيث أتوا!
ولكن لا هذا ولا ذاك «أي الصلوات» يجددان بناء الهيكل «أي محل البراق الشريف»، إنما أبناء الجيل الذين سيقومون بهذا، والذين يعتقدون أن العمل هو الصلاة الحقيقية ينزلون في القدس ويسكنونها، وهم ينتظرون قيام قورش جديد «وناحميا» جديد، يشقان الطريق لاستعادة المكان المقدس الطاهر لليهودية، وهو «المسجد الأقصى»!
وقد نشر اليهود من «الخرائط» والرسوم أنواعًا كثيرة عليها صور للحرم الشريف، وقبة الصخرة المشرفة، ومكان البراق، وضعوا عليها شعارهم القومي الديني، وكتبوا عليها كتابات بالعبرية تثير العواطف وتؤلم النفوس، رأيتها بنفسي وقدمتها بيدي إلى لجنة التحقيق، في قضية البراق الشريف. وهي تدل دلالة أكيدة على أن القوم يدبِّرون حدثًا كبيرًا لانتزاع فلسطين، من أهليها، واغتصاب المسجد الأقصى، وهو ثالث الحرمين الشريفين، واغتصاب محل البراق الشريف، وجعلهما هيكلًا لهم!» انتهى خطاب علوبة باشا.
زعموا أن لليهود حقًّا مغصوبًا في الشطر الجنوبي من سوريا، وأنهم بإعطائهم منه وطنًا قوميًّا يبعثون لهم حقًّا قديمًا، وهم لو أنصفوا في الحكم وعرفوا منشأ هذا الاغتصاب، الذي يسمونه حقًّا؛ لتبين لهم فساد الحجة، ووهن البرهان. حل سيدنا إبراهيم مع ابن أخيه لوط من موطنه الأصلي في العراق منذ أربعين قرنًا مع عبيده، وإمائه، ونزل في وادي الأردن ثم هجر إلى مصر وأقام فيها برهة من الزمن وعاد إلى أغوار الأردن، حيث بقي ابنه إسحاق، وحفيده يعقوب، إلى أن لحق مع أنساله بابنه يوسف إلى مصر، ونالوا حظوة عند ملوكها في دولة الهكسوس الأعراب الذين كانوا مالكي مصر؛ فتناسلوا وتكاثروا في نحو خمسة قرون إلى أن دالت دولة غزاة الهكسوس الأعراب في مصر، وعاد الملك إلى أهله من المصريين، فضاق باليهود ذَرْع الفراعنة، وخشوا مؤامراتهم ودسائسهم مع أعداء مصر الأجانب؛ فعمدوا إلى التضييق عليهم، واستخدامهم بالأشغال الشاقة كأسرى الحروب لأجل خضد شوكتهم، واجتناب الغائلة من ناحيتهم، وعمدوا إلى قتل أبنائهم والبغاء على بناتهم، فنهض بهم موسى الكليم في أواخر القرن الرابع عشر قبل المسيح، وهربوا جميعًا عابرين برزخ السويس إلى برية سينا، حيث تاهو أربعين عامًا، دخلوا بعدها، غازين الإقليم الفلسطيني، من جهة جنوبه الشرقي، التي كانت مفتحة الأبواب لخلوها من المعاقل والحصون، مكتسحين البلاد، قرية قرية، ومدينة مدينة، وشعارهم الإبادة والتقتيل، ولا يعفون حتى عن الحيوانات السائمة، زعمًا منهم أن الرب يهوذا الذي كانوا يحملون تابوت عهده أقطعهم أرض الميعاد هذه وأمرهم بتطهيرها من كل حي يعيش فيها لتخلو لهم وحدهم يقطنونها مطمئنين، ويتلذذون بما تُفيض عليهم من اللبن والعسل.
استمر هذا الفتح الوحشي نحو ثلاثة قرون، من عهد موسى الكليم سنة ١٣٠٠ إلى عهد داود، وابنه سليمان الحكيم، في سنة ١٠١٥ قبل الميلاد، حين بلغت دولتهم أوسع حدودها. ولم يتمكنوا من تثبيت أقدامهم في الأرض إلا عندما استولى ملكهم الثاني داود النبي على حصون أورشليم، وجعلها عاصمة لملكه في سنة ١٠٥٠ قبل الميلاد، واستمرت المعارك سجالًا بينهم وبين الفلسطينيين والكنعانيين، الذين فروا أمامهم، وتجمعوا في ساحل البلاد الغربي أو في المناطق الشمالية طول مدة اغتصابهم، إلى أن دالت دولة اليهود وخلت منهم الديار.
امتدت الأرض التي استولوا عليها من دان شمالي بحيرة الحولة في الشمال، إلى بير السبع في الجنوب. وأما من الشرق فلم يمكنهم الأنباط العرب من المؤابيين والعموريين، من التوسع إلا على مساحة ضيقة على الضفة الشرقية، من وادي الأردن في اليرموك والزرقاء، فاقتسموا هذه الأرض التي أبادوا سكانها وأخرجوهم من ديارهم بين أسباطهم الاثني عشر، واستقروا عليها عهدًا قصيرًا، لا يتجاوز ثلاثة قرون، قضوها بالقتال الدائم مع سكان البلاد الأصليين الذين كانوا يغتنمون كل فرصة لاسترداد وطنهم من هؤلاء الغزاة المعتدين، وضعفت دولتهم بعد موت سليمان بانقسام الأسباط، وشطر المملكة إلى شطرين؛ أحدهما في أورشليم لسبطي يهوذا وبنيامين، والآخر في السامرة «نابلس» بالشمال للأسباط العشرة. وقد أغار عليهم مرارًا فراعنة مصر وملوك آرام واكتسحوهم، وحاولوا إجلاءهم عن البلاد وإعادتها إلى أهلها، إلى أن تم ذلك لسرجون الآشوري — ملك نينوى — سنة ٧٢٢ قبل الميلاد، فحطم مملكتهم الشمالية، وأجلى اليهود عنها، وردهم إلى مخرجهم الأصلي، في شرق الفرات، وأعاد الكنعانيين والفلسطينيين المشرَّدين إلى ديارهم.
وفي سنة ٥٨٦ قبل الميلاد، أغار نبوخذ نصر — ملك بابل — على أورشليم، وهدم أسوارها وهيكلها، وأجلى يهود المملكة الجنوبية وحملهم إلى الأهواز في شرقيِّ الدجلة؛ فخلت أراضي فلسطين من اليهود خلوًّا تامًّا، وهكذا بقوا بعيدين عنها، إلى أن دالت دولة بابل بتغلب كورش الفارسي عليها، فأذن لهم ملوك الفرس بالعودة إلى أورشليم، في أوائل المائة الرابعة قبل الميلاد، فأخذوا بالعودة تدريجيًّا، بحماية ملك مادي وفارس، وأعادوا بناء الهيكل والأسوار تحت حماية حراب جنوده، الذين صدُّوا عنهم غارات العرب والنبط وسائر عشائر كنعان وفلسطين بقيادة جشم العربي، ولم يلتفت ذلك الملك العظيم إلى عرائض الاحتجاج، التي تقدمت بها وفود البلاد والتمست العدول عن ذلك القرار، بل كان يجيبهم بأن شريعة مادي وفارس لا تنسخ، فعليهم أن يذعنوا ويطيعوا، وهكذا تمكن فلول اليهود من الاستقرار في أورشليم وبعض الكور حولها، بصفتهم رعية لملك الفرس، وتفصيل ذلك وارد في سفري عزرا ونحميا من التوراة.
من ذلك ترون أيها السادة أن اليهود لم يكونوا في فلسطين إلا غزاة غاصبين تمكنوا في إحدى غفلات الدهر من اجتياح شطر من هذا الإقليم والاستقرار فيه بعامل القهر والتغلب، ولم يعترف لهم سكان البلاد الأصليون في وقت ما بهذا الحق، بل كانوا دائمًا يناهضونهم ويقاتلونهم، ويحاولون استرداد الأرض التي انتزعوها منهم، فلم تمر سنة من مكوثهم في فلسطين إلا اصطلوا بنار حرب لهم أو عليهم، ولم تطل مدة ملكهم إلا أقل من ثلاثة قرون، قبل السبي الآشوري، ولم تقم لهم بعد السبي الآشوري والبابلي قائمة ملك، ولا كان لهم دولة، بل أصبحوا رعايا للآشوريين، فالبابليين، فالفرس، فاليونان البطالسة، فالرومان، أسوة بالشعوب الأخرى التي اندمجت في سيطرة هذه الإمبراطوريات. ولم يكن في هذه العهود لليهود وطن قومي خاص بهم، بل كانوا منتشرين في الأقاليم المختلفة، أقلية في كل مكان إلا في مدينة أورشليم، وبعض الكور في جوارها، من غير أن يكون لهم فيها حكم أو سلطان. ولما اشرأبَّت أعناقهم إلى الحكم، وإقامة وطن قومي لهم في عهد المكابيين أنكر عليهم ذلك قياصرة الرومان، وحمل عليهم القيصر تيطس الروماني في سنة ٧٠ بعد الميلاد، وحاصرهم في أورشليم إلى أن فتحها قهرًا، وقتل منهم نحو مليون نفس، وسبى الباقين، وفرقهم في أنحاء دولته العظيمة، وحرم على كل يهودي العودة إلى أورشليم أو إلى الإقليم الفلسطيني الذي بقي خاليًا منهم أكثر من ستة قرون، إلى أن سمح لهم بعد الفتح الإسلامي بالسكنى، أينما أرادوا، فتسلل إليها عدد قليل منهم أقاموا في أنحائها، ولم يبلغ عددهم فيها عند الاحتلال الإنكليزي أكثر من ٥٥ ألفًا.
إن تاريخهم القديم، المسرود في التوراة مملوء بالفجائع والفظائع، واحتلالهم كما هو معترف به في ذلك التاريخ المفصل كان قائمًا على قرض السكان أصحاب البلاد الأصليين وإبادتهم، وقد مضى عليهم إلى اليوم ١٩ قرنًا وهم متفرقون في أقطار الدنيا، لا يجمعهم كيان سياسي، وإنما ظل البعض منهم يمنون أنفسهم بآمال خائبة بإعادة سيرتهم الأولى، واغتصاب القطر الفلسطيني من سكانه، ليجعلوه وطنًا قوميًّا، ويقيموا فيه معالم الدولة التي تمتعوا بقسم منه ثلاثة قرون، وعجزوا عن الاحتفاظ بها ستة وعشرين قرنًا منذ السبي الآشوري، في القرن الثامن قبل الميلاد حتى اليوم. فهذا الاحتلال القديم الذي يستندون إليه لم يكن حقًّا مشروعًا، بل دخلوا البلاد بالقوة القاهرة، وأُخرجوا منها بالقوة القاهرة، ومن أَخَذ بالسيف وأُخذ منه بالسيف تتهاتر عنده الحجة؛ قهر بقهر، والبادئ «أظلم». تقوم الحكومة البريطانية اليوم بإعادة الكرة للمرة الثالثة، وتعتمد على مدافعها وطياراتها وسائر آلاتها الحربية، لتحمي أنصارها اليهود، وتقيم لهم وطنًا قوميًّا، في سوريا الجنوبية، وستفشل خطتهم هذه المرة كما فشلت الخطط العنيفة التي تقدمتها في التاريخ؛ لأنها بنيت على فساد، ولا يدوم على الفساد شيء. الوعد البلفوري الشهير محكوم عليه بالفشل المحتوم، ولا بد أن يثوب ساسة الإنجليز إلى الرشد، ويعرفوا أن أمرهم بالتصرف بمِلك الغير باطل، بحكم كل شرع معروف، ومصدر هذا الأمر غير ملزم بتنفيذ أمره، ما دام البلد الفلسطيني ليس ملكًا للواهب. بل هو ملك للعرب المقيمين فيه، منذ القديم، وما دام العرب لم يجيزوا هذا العقد الفضولي، وهم في جميع أقطارهم عازمون بالإيمان الذي لا يتزلزل على الاستعانة في مقاومة هذا العمل الجائر، والاستمرار بالكفاح مهما يطل أمده، وتتفاقم ويلاته.
المشكلة اليهودية أصبحت مشكلة عالمية لا تتسع فلسطين إلى تحملها، فهي إقليم صغير لا يمكن أن يستوعب — على فرض خلوه لهم — عُشرهم، فأين يذهبون بالأعشار التسعة الباقية؟ يوم بذلوا لهم وعد بلفور لم تكن قائمة معاضل طردهم من أكثر البلاد، فالحال اليوم قد تبدلت تبدلًا يوجب إعادة بهذا الوعد الأهوج والتطلع إلى قطر آخر يتسع لبضعة عشر مليونًا منهم.
فَصَلُوا المقاطعة الفسطينية عن أمها سوريا، لكي يسهل عليهم ازدرادها، ومزَّقوا سوريا إلى دويلات، وأحدثوا في كل دويلة مشاكل داخلية، لكي يخضدوا من شوكتها، ويُلْهُوها بنفسها، ويحولوا دون نجدتها لإخوانها، وهم اليوم يقيمون العراقيل في طريق سوريا ليؤجلوا موعد استقلالها ريثما ينجزون خطتهم المشئومة باقتطاع هذا الشطر الغالي عنها، وإفراغه في حالة تتعذر معها وسائل الاسترداد.
فلسطين — أيها السادة — لا تستطيع أن تعيش وحدها مفصولة عن أمها سوريا، والشعب السوري برمته ومنه جميع الفلسطينيين العرب معتمدًا على قوة الحق التي لا تغالب، منكرٌ لهذا الانفصال، وثائر على كل أسلوب يرمي إلى تحقيقه، ومقيم على المطالبة والمواثبة بكل وسيلة مستطاعة، لتأييد حقه بالوحدة التامة، وإعادة فلسطين المغصوبة إلى الحظيرة السورية العربية، ليجتمع الشعب الواحد في كيان سياسي موحد، يتمكن من استثمار مواهبه في خدمة السلام. «هتاف وتصفيق».
حاولت أوروبا بأسرها انتزاع فلسطين من أيدي العرب في حملاتها الصليبية فلم تفلح إلا أمدًا قصيرًا، عادت بعدها بالخيبة والندم، فكان على الصهيونية ومناصريها أن يعتبروا بسوابق التواريخ، ويستفيدوا من عبره البارزة، ولا يغامروا باقتحام مشروع محروم من مبادئ العدل ومن عناصر النجاح. «تصفيق».
(٢) قرارات المؤتمر البرلماني العالمي
في الساعة الخامسة من مساء يوم الثلاثاء ١٧ من شعبان سنة ١٣٥٧ﻫ، ١١ أكتوبر سنة ١٩٣٨م، وافق المؤتمر بالإجماع على القرارات التالية:
انعقد المؤتمر البرلماني العالمي للبلاد العربية والإسلامية في مدينة القاهرة «من اليوم الثالث عشر من شعبان سنة ١٣٥٧ﻫ، إلى اليوم السابع عشر، ومن ٨ إلى ١١ من أكتوبر سنة ١٩٣٨م»، بحضور حضرات ممثلي الهند، والعراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، ومصر، واليمن، ويوغوسلافيا، والمغرب، والصين وبلاد المهجر بأمريكا، وبعد سماع بيانات حضرات خطباء هذه الوفود، والاطلاع على التقارير المقدَّمة منها، والمكاتبات المرسلة من الأفراد، والجماعات العربية، والإسلامية، في أوروبا، وآسيا، وأفريقيا، والولايات المتحدة، والأرجنتين، وشيلي، وفنزويلا، قررت لجنة الاقتراحات بالإجماع ما يأتي، لعرضه على المؤتمر، وتوصي بقبوله:
عن تصريح بلفور
يجب أن تعترف إنجلترا باستقلال البلاد العربية، بكل معنى من معاني الاستقلال، وتكون حدودها شمالًا مرسين، وأظنه حتى الدرجة «٣٧» من خط العرض إلى حدود فارس، وشرقًا حدود فارس، حتى خليج البصرة، وجنوبًا المحيط الهندي — مع استثناء منطقة عدن — وغربًا البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط حتى مرسين.
نتشرف بإسداء الشكر إلى سموكم، من أجل إفصاحكم عن شعوركم الخالص نحو إنجلترا، وإنه ليسرنا أن تكون المصالح العربية بريطانية، والبريطانية عربية في رأي سموكم، ورأي رجالكم. وفي هذا الصدد نثبت لكم ما جاء في رسالة اللورد كتشنر، التي وصلت إليكم، وهي الرسالة التي سطرت فيها رغبتنا في استقلال العرب، والبلدان العربية.
وأما مسألة الحدود فيلوح لنا أنها سابقة لأوانها، وإن وقتنا ليضيق عن البحث في مثل هذه التفاصيل ونحن في إبان الحرب … إلخ.
ولكنكم يا صاحب الفخامة تصفحون فتسمحون إذا قلت بصراحة: إن ما بدا من التواني والتردد في مسألة الحدود، باعتبار البحث فيها في الوقت الحاضر مضيعة للوقت، قد يتخذ دليلًا على فتور أو شيء من هذا القبيل.
وإني ليؤسفني أنكم لاحظتم في كتابي الأخير، وحديثي عن قضية الحدود شيئًا من الفتور والتردد، مع أني لم أقصد ذلك، بل كنت أود أن أقول: إن الوقت لم يحن بعد للبحث فيها بحثًا مثمرًا.
إن إنجلترا مستعدة — على أساس التعديلات المشار إليها أعلاه — أن تعترف باستقلال العرب ضمن البلاد الداخلة، في الحدود، والتخوم التي اقترحها شريف مكة، وأن تؤيد هذا الاستقلال، وتضمن بريطانيا العظمى حماية الأراضي المقدسة من كل اعتداء خارجي، وتعترف بأنها مصونة من كل تَعَدٍّ …
وتقدم بريطانيا إرشادها للعرب عندما تسمح الحالة بذلك، وتساعدهم على تأليف شكل الحكومة التي يلوح أنها أفضل الأشكال، في مختلف البلاد العربية المذكورة … إلخ.
ثم تُبُودلت كتب أخرى بين الطرفين، تؤيد هذا الخطاب الأخير، وتثبت أن الشريف الحسين نظرًا لحالة الحرب وويلاتها ترك التمسك بما تشبثت به فرنسا مؤقتًا، مع احتفاظه بالعودة إلى المناقشة فيه بعد الحرب.
إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية. على أن يفهم جليًّا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يضر بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية، المقيمة الآن في فلسطين، ولا بالحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى.
- أولًا: أنه افتئات على حقوق العرب الذين نالوا استقلالهم، بحكم التحالف أو الفوز في الحروب، وصادر ممن لا يملك إعطاءه. وما كان العرب ليخوضوا غمار الحرب ضد سلطانهم وخليفتهم، وينضموا إلى خصومه، لو لم تتعهد لهم إنجلترا بتأييد هذا الاستقلال، وبعدم المساس به، ولم يكن من المعقول أن يضحي العرب بدمائهم في محاربة الدولة العثمانية، ليقعوا تحت سيادة اليهود.
- ثانيًا: أن هذا التصريح قد تأيَّد بطلانه بعد إعلانه، بالمبادئ التي
أعلنها الرئيس ويلسون في ديسمبر سنة ١٩١٧م وقَبِلَها الحلفاء،
ومنها المبدأ الآتي:
إن الأجزاء التركية من السلطنة العثمانية الحالية يجب أن تُضمن لها سيادتها التامة. أما الشعوب الأخرى «غير التركية» الخاضعة الآن للحكم التركي فينبغي لها العيش بأمان واطمئنان، وأن تتاح لها فرصة الرقي في مدارج الحكم الذاتي، دون تدخل أو انزعاج.
- ثالثًا: وقد تأيَّد بطلانه أيضًا بالتصريح الذي أعلنته إنجلترا وفرنسا معًا في ٧ نوفمبر سنة ١٩١٨م، على جميع الأمم العربية، ونصه: «إن الهدف الذي سعت إلى تحقيقه بريطانيا وفرنسا عندما خاضتا في الشرق غمار الحرب، التي أثارتها مطامع الألمان هو تحرير شعوبه، الذين مضى عليهم ردح طويل من الزمن، وهم يذوقون الأمرين تحت حكم الأتراك، وإقامة حكومات وإدارات وطنية، تستمد سلطتها من السكان الوطنيين، وتسير وفق رغباتهم الحرة، وتحقيقًا لهذه المقاصد ستقوم فرنسا وبريطانيا العظمى فورًا بتشجيع ومساعدة إنشاء حكومات وإدارات وطنية في سوريا والعراق، اللتين تم تحريرهما بواسطة الحلفاء، وفي البلاد الأخرى التي تسعى هاتان الحكومتان لتحريرها، وأن تعترفا بها حين تأليفها، وهما لا تنويان قط أن تفرضا على سكان هذه الأصقاع أي شكل من المؤسسات الحكومية. بل إن جل غايتهما أن تضمنا بما تقدمانه من المعاضدة والمساعدة الوافية حسن سير الحكومات والإدارات، التي يختارها السكان أنفسهم.
- رابعًا: وقد تأيَّد بطلانه بميثاق عصبة الأمم نفسه، الذي وقَّع عليه
الحلفاء في ٢٨ يونية سنة ١٩١٩م؛ إذ جاء في المادة ٢٠ منه ما يأتي:
- (١) يوافق أعضاء الجامعة عضوًا عضوًا على أن قبول هذا العهد إلغاء لكل ما بين الواحد منهم والآخر من التزام أو تفاهم، مما يتعارض مع أحكام هذا العهد، ويتعهدون بين يدي ذي الجلال أنهم لا يرتبطون فيما بعد أي ارتباط يتعارض مع أحكامه.
- (٢) وأي عضو في الجامعة يكون قبل صيرورته عضوًا فيها قد
تحمل أي التزام يتعارض مع أحكام هذا العهد، فمن الواجب
عليه أن يبادر إلى التخلص منه، وجاء في المادة ٢٢ منه
ما يأتي:
إن المستعمرات والأقاليم التي قضت نتائج الحرب الأخيرة بخروجها من سيادة الدول التي كانت تحكمها فيما مضى، والتي تسكنها شعوب لا تستطيع حكم نفسها في الأحوال الشاقة، التي تسود العالم الحديث، ينبغي أن يطبق عليها المبدأ القائل: «إن خير الشعوب وتقدمها أمانة مقدسة في عنق المدنية.» وأن تدمج في هذا الميثاق الضمانات اللازمة لحسن الأمانة … إلخ.
وجاء في الفقرة الرابعة من هذه المادة ما يفيد:أن الأقاليم التي كانت تابعة للسلطنة العثمانية، ووصلت إلى درجة من الرقي يعترف بقيامها كأمم مستقلة مع المشورة والمساعدة الإداريتين اللتين يسديهما إليها الانتداب إلى أن تستطيع حكم نفسها بنفسها، ويجب أن يكون لمشيئة هذه الأمم اعتبار أساسي في اختيار الدولة المنتدبة.
- خامسًا: واعتمادًا على ما سبق من الأدلة والتعهدات، وعلى الحق الطبعي لأمة العرب يكون الرجوع إلى وضع تصريح بلفور واعتماده بعد ذلك في صك الانتداب على فلسطين بتاريخ ٢٤ يونية سنة ١٩٢٢م عملًا باطلًا من أساسه لانعدام شرعيته.
عن هجرة اليهود
يرى المؤتمر أن من أكبر المصائب التي ابتليت بها فلسطين تلك الهجرة اليهودية المتدفقة؛ نتيجة لتصريح بلفور، ومتى كان هذا التصريح باطلًا، واعتداءً صريحًا على حق العرب فإن المنطق يقضي بإرجاع الحالة إلى أصلها، وعدم اعتبار هذه الهجرة من بدئها. لكن المؤتمر يرى مع ذلك رغبة منه في معاونة الحكومة الإنجليزية على حل هذه المسألة، واستبقاءً لحسن العلاقات بينها وبين الأمم العربية والإسلامية — يرى المؤتمر أن يضحي الفلسطينيون، فيرضوا بالحالة الحاضرة، وهي بقاء اليهود الذين دخلوا فلسطين إلى الآن على حالتهم الحاضرة بشرط منع الهجرة الصهيونية من الآن منعًا باتًّا، حتى لا يزداد البلاء، بسبب هذه الهجرة التي أضرت بالبلاد ضررًا بليغًا، وأدخلت فيها لغة أجنبية، لم تكن موجودة من قبل، وهي اللغة العبرية.
ومما يساعد الحكومة الإنجليزية على هذا الحل السخيِّ لليهود أن تصريح بلفور نفسه — حتى بفرض بقائه صحيحًا نافذًا، وهو ما لا يقبله المؤتمر بحال — لا يفيد أن الحكومة الإنجليزية قد تعهدت بإنشاء دولة يهودية، وإنما التصريح بنصه، وبما ورد على لسان رجالهم الرسميين يدل فقط على أن إنجلترا «تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي.»
هذا إلى أن النص وهو «النظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين»، لم يقل: «جَعْل فلسطين مؤسسة يهودية»، وفرق ظاهر بين الحالتين.
ومتى كان الأمر كذلك، ولم تقل إنجلترا مطلقًا: إنها تعهدت بإنشاء وطن لليهود ولا أن يكون هذا الوطن دولة، ولا أن تكون فلسطين هي الدولة، فلا حرج إذن على إنجلترا إذا قالت الآن: إنها قد نفذت ما وعدت به اليهود، بتسهيل هجرتهم إلى الآن، في فلسطين حتى بلغ مجموعهم نحو أربعمائة ألف يهودي، وهو أمر يحقق فكرة النظر بعين العطف إلى إنشاء الوطن القومي للشعب اليهودي في فلسطين، والقول بخلاف ذلك يقلب التصريح إلى تعهد بتهويد فلسطين، وهو ما لا تتحمله نصوصه. ويُغضب المسيحيين والمسلمين، في جميع أقطار الأرض، ويحاربه العرب والمسلمون بكل ما أوتوا من قوة.
ولا يرى المؤتمر بعد ذلك محلًّا للتنبيه إلى الخطر المحدق بفلسطين من جراء تدفق الهجرة اليهودية، بالطريقة التي عليها الآن، فإن هذا الخطر ثابت من تقارير اللجان الملكية، وأخصها تقرير لجنة «شو».
عن مشروع تقسيم فلسطين
إن الخطر من تقسم فلسطين لا يقل عن خطر الهجرة، ولا يتفق مع ما أعلنته إنجلترا من «أن الهدف الذي سعت إلى تحقيقه عندما خاضت في الشرق غمار الحرب هو تحرير شعوبه، وإقامة حكومات وإدارات وطنية، تستمد سلطتها من السكان الوطنيين، وتسير وفق رغباتهم الحرة.»
كما لا يتفق مع ما أعلنته من «أن خير الشعوب وتقدمها أمانة مقدسة في عنق المدنية.»
ويخلق من فلسطين دولتين متجاورتين متعاديتين، فضلًا عن عدم تصور إمكان المبادلة بين الممتلكات والسكان والأماكن المقدسة من مساجد ومعابد، ومقابر. يضاف إلى هذا أن التقسيم المفروض يحرم العرب من ممتلكاتهم، وهي جل ثروتهم في المنطقة التي يراد إعطاؤها لليهود، وتسد المنافذ على العرب من جهة البحر. يضاف إلى هذا أنه ليس لليهود شيء يذكر من الممتلكات أو السكان في المنطقة الجبلية الجرداء، التي يراد تركها للعرب.
وفوق ما تقدم فإن العرب لا يعترفون بشرعية تصريح بلفور. حتى ولو كان الغرض منه إنشاء وطن قومي روحي لليهود، فكيف يمكنهم الرضا بانتزاع أخصب بقاع وطنهم من أيديهم، ووضعهم في بقاع جبلية، لا خير فيها، فينتهي حالهم بالجوع، فالفناء.
- أولًا: اعتبار تصريح بفور باطلًا من أساسه، ولا قيمة له في نظر العرب والمسلمين.
- ثانيًا: ضرورة منع هجرة اليهود لفلسطين من الآن منعًا باتًّا.
- ثالثًا: رفض تقسيم فلسطين على أي نحو كان، والتمسك ببقائها بأكملها.
- رابعًا: ضرورة إنشاء حكومة وطنية دستورية بمجلس نيابي منتخب بالتمثيل النسبي، من العرب واليهود، وعقد معاهدة تحالف ومودة بين إنجلترا وفلسطين ينتهي بها الانتداب.
- خامسًا: العفو العام الشامل عن المتهمين، والمحكوم عليهم في حوادث الثورة الفلسطينية، وإطلاق سراح المعتقلين والمسجونين، وإعادة جميع المبعدين والمنفيين السياسيين.
- سادسًا: إن تنفيذ الطلبات السابقة هو الحل الوحيد لقضية فلسطين، وبالتالي لإعادة الهدوء والسلام بها، ولإيجاد الصداقة والثقة بين إنجلترا وبين العرب والمسلمين، وإلا فالشعوب العربية والإسلامية في جميع أقطارهم، يعتبرون موقف الإنجليز واليهود منهم موقفًا عدائيًّا، جديرًا بأن يقابل بمثله، وأن يقرن بالنتائج الطبيعية له، حيال الصلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
- سابعًا: حث ملوك وحكومات الأمم العربية والإسلامية وشعوبها، على العمل على تنفيذ هذه القرارات بكافة الوسائل الممكنة، وتبليغها إلى هذه الحكومات والحكومة الإنجليزية، وعصبة الأمم.
- ثامنًا: انتخب المؤتمر لجنة دائمة، تنوب عنه في اتخاذ ما تراه من الوسائل المؤدية لتنفيذ هذه القرارات مكونة من حضرات: محمد علي علوبة باشا «رئيسًا»، مولود مخلص باشا، فارس بك الخوري، جبران بك التويني، حمد الباسل باشا، توفيق دوس باشا، الدكتور عبد الحميد سعيد، السيد عبد الرحمن صديقي، جمال بك الحسيني، عوني بك عبد الهادي، ألفريد بك روك. يكون مقرها الرئيسي بمصر، ولها أن تضم إليها؛ وأن توكل عنها من تشاء.