جامعة الأمم العربية وميثاقها
خرج من أحداث الظلم والظلام، منذ تفرقت كلمة العرب، وضعفت دولهم، وطمع المستعمرون الأوروبيون فيهم، واتخذوا بعضهم لبعض عدوًّا — مولودٌ جديد هو جامعة الأمم العربية. ففي يوم الاثنين ٢٥ سبتمبر سنة ١٩٤٤م حضرت وفود الدول العربية، واجتمعت في قصر أنطونياديس في الإسكندرية في هيئة لجنة تحضيرية لعقد مؤتمر عربي. وفي ٨ ربيع الثاني ١٣٦٤ﻫ/٢٢ مارس ١٩٤٥م دُوِّنَ ميثاق جامعة الدول العربية، وهي: سوريا، وشرقي الأردن، والعراق، والمملكة العربية السعودية، ولبنان، ومصر، واليمن. وقد نصت المادة الثانية من هذا الميثاق على أن الغرض من الجامعة هو توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها تحقيقًا للتعاون بينها، وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة في شئون البلاد العربية.
وقد اختبرت الحوادث، صلابة هذا الميثاق في ثلاث مسائل في خلال عام ١٩٤٥م: الأول في مؤتمر سان فرانسيسكو ومؤتمر محكمة العدل الدولية الذي عقد في واشنطون؛ فقد ظهرت وفود الدول العربية في هذين المؤتمرين متحدة الكلمة. أما المسألة الثانية فهي حوادث سوريا ولبنان؛ ذلك أن فرنسا في مايو سنة ١٩٤٥م قد زادت قواتها هناك، ورفضت تسليم جيشي سوريا ولبنان إلى الدولتين، وزاد الطين بلة، أنها حرضت على بذر الشقاق بين المسلمين والمسيحيين وبين الطوائف، معتدية على الآمنين، مدمرة المساجد والمدن. وعند هذا وجَّه رئيس الوزارة المصرية يومئذ محمود فهمي النقراشي باشا — رئيس وفد مصر في مجلس جامعة الدول العربية — الدعوة إلى الدول العربية، فعقد المجلس الدورة الأولى في أوائل يونية ١٩٤٥م، وأصدر قرارات في ٧ يونية، عَدَّ فيها الحكومة الفرنسية معتدية على سوريا ولبنان، وطلب جلاء قواتها منهما، وأن يتخذ المجلس تدابير طبقًا للمادة السادسة من الميثاق.
وكان من أثر هذا، أن سلمت فرنسا الجيش الوطني العامل إلى سوريا ولبنان، وباتت مقاليد الحكم في أيدي الوطنيين.
قضية فلسطين
المسألة الثالثة: وكانت قضية فلسطين هي المسألة الثالثة، فقد اكتسبت بإنشاء هذه الجامعة، عضوًا قويًّا جديدًا، ولعل صيحة الإنسانية والسلام تدعو اليهود، وهم أبناء عمومة العرب الذين من ولد إسماعيل، إلى مصافاتهم كما كان حالهم في البلاد العربية والإسلامية كما أوضحنا قبلًا.
ولعل هذا المجهود الصغير في هذا الكتاب يعين هذين الفريقين على الحل الذي يتفق مع العدل والحق والسلام. فقد دُعِيَ مجلس جامعة الدول العربية إلى عقد اجتماع في مصر، لتقرير الرأي الإجماعي للعرب دولًا وشعوبًا لتأييد قضية عرب فلسطين، وتفنيد قرارات المؤتمر الصهيوني العالمي في لندن سنة ١٩٤٥م.