إلى مؤسس بناء الحرية
الأمير الجليل المرحوم مصطفى فاضل باشا
أيها الأمير
أنطقتَ كمالًا وأصحابه، واخترتَ الصمت. وُلدتَ بنفسك غنيًّا ومتَّ لوطنك فقيرًا. علمت محب الحرية كيف يغنِّيها فغنَّاها، ثم طربت فشربت كأسًا هي الحمام، في حبِّ حبيبٍ هو الوطن. ما كنت شاعرًا ولكن خلقت الشعراء. فلما جئت في لداتي لم نجد ما نقول بل كرَّرنا ما قاله الأسلاف من تلامذتك.
لو أمست البلاد العثمانية كلها قبرًا لك وحدك، وخِيط كفنك مما يتسرَّب من آماق بَنِيها من الأشعة، وأُقيم لك تمثال من الذهب أطول من برج «إيفل» عشر مرات، وكُتب مدحك على أديم الأرض من شمال البالقان إلى جنوب اليمن، لكان ذلك دون قدرك.
هذا كتاب فصوله كثيرة، ولكنها فصلان، لي في كليهما شئون؛ أمَّا الفصل الأول فبيان لمحنة الأمة، وأمَّا الفصل الثاني فاستخراج العبرة من تلك المحنة. وقد ذهب الشرُّ وجاء الخيرُ ولكن ضعت أنت في الفترة.
هذا كتاب أهديه إلى اسمك الخالد، لا تقرُّبًا إليك بأملٍ دنيوي، إذ لا سبيل إليك، بل تشريفًا لي ولكتابي، ثم اعترافًا لك بفضل لا يخالفني فيه أحد. فليطب مضجعك، ولتتغمدك الرحمة، وليسقِ ثراك الغيث أيها الأمير الفاضل الجليل.