أحلام فترة النقاهة: الأحلام الأخيرة
حلم ٢٠٠
وجدتُني في حالة تأهُّبٍ للصراع مع عدوٍّ شرسٍ، وتاقت نفسي إلى شيءٍ من الراحة، فصعدت إلى الدور الأعلى؛ حيث رأيت محمد علي الكبير يتلقَّى الأنباء، وينتفخ عظَمةً، ولكنه جُنَّ جنونًا.
حلم ٢٠١
رأيتُني أذهب إلى مسكن صديقي المرحوم «أ»، ودعوته للذَّهاب معي إلى القهوة، فاعتذر؛ لأن اليوم ستزوج أخته زينب، فذهبتُ إلى المقهى، وأخبرتُهم وكنَّا نتعجَّب لشدَّة قُبح زينب، وإذا بنا نرى موكب العروس قادمًا وهي محاطة بالنسوة، والجميع مُتَّشِحات بالسواد من الرءوس إلى الأقدام، ويَسِرن بخطواتٍ منتظمةٍ عسكرية.
حلم ٢٠٢
وجدتُني في بيتٍ ريفيٍّ أغوص في الظُّلْمة والصمت، ولا صوت إلا نُباح كلبتي الجميلة المتقطِّع، وإذا بطلقٍ ناريٍّ يخترق الليل والصمت، فذهب صاحبي وبعد قليل رجع ليقول بصوتٍ أسيف: قتلوا كلبتك الجميلة، فانتابني حزن لحدِّ البكاء، وقلت: أهم لصوص؟ فأجاب: أو قوم يعبثون.
حلم ٢٠٣
وجدتُني في مكانٍ غريبٍ يبعث منظرُه الأسى، وإذا بحبيبتي «ب» قادمة مكلَّلة بشيخوختها، فتولَّاني شعور كئيب بأنني لن أراها مرةً أخرى.
حلم ٢٠٤
رأيتُني أتجاوز الأربعين، وأداعب وردةً بيضاء وهي تستجيب لعواطفي، بل وتشجِّعني، ولكنني لفارق السنِّ أتردَّد وأتمادى في التردُّد، حتى تهجرني وحيدًا مع الزمن.
حلم ٢٠٥
رأيتُني أدرس القانون إكرامًا لأبي، وأذوب في الأنغام مراضاةً لروحي، وعند ذروة الاختيار تناهَى بي العذاب، ولكن الروح انتصرت في الختام.
حلم ٢٠٦
رأيتُني في بَهْوٍ واسعٍ أنيق يجمع في جانبٍ منه الأهل والأصدقاء، وفي الجانب الآخر يُفتح بابٌ وتخرج منه حبيبتي «ب» وهي تضحك، ويتبعها والدها، فنسيت وقاري، وفتحت ذراعي، وفتح المأذون الدفتر، فشملت الفرحة الجميع، وحضرت أمي، فباركت العروس، وأحرقت البَخور.
حلم ٢٠٧
رأيتُني أسير في شارعٍ طويلٍ، وفي بيتٍ على اليسار فُتحَت نافذة، ولاح فيها وجه امرأة سرعان ما تذكَّرتها على الرغم من أنني لم أرها منذ خمسين سنة، وأن جمالها اختفى وراء ستارٍ كثيفٍ من المرض، ولما استيقظت في اليوم الثاني وجدت الحُلْمَ باقيًا في ذاكرتي، فعجبت ورحت أتصفح جريدة الصباح، فقرأت نعيها في صفحة الوَفَيَات، فازددت عجبًا واعتراني حزن شديد، وتساءلت: تُرى أيُّنا زار الآخر في ساعة الوداع؟!
حلم ٢٠٨
وجدتُني في مكتبي تزورني السيدة «س» لتُسلِّم عليَّ قبل رحيلها لإحدى البلاد العربية للعمل، ووضعت يدها في يدي، ولكنها لم تسحبها، واغرورقت عيناها الخضراوان بالدموع.
حلم ٢٠٩
وجدتُني مع الرئيس عبد الناصر في حديقةٍ صغيرةٍ، وهو يقول: لعلَّك تتساءل لماذا قلَّت مقابلاتنا؟ فأجبته بالإيجاب.
فقال: كلَّما شاورتك في أمرٍ جاءت مشورتك بالاختلاف كليًّا أو جزئيًّا، فخفت أن تتأثر صداقتي لك بهذا الموقف. فقلت: أمَّا أنا فلن تتأثَّر صداقتي لك مهما اختلفنا.
حلم ٢١٠
وجدتُني في قهوة الفيشاوي، وأمامي على بُعدٍ غير بعيد الفنانة البالية الموشكة على الاعتزال، فنظرت إليها بشغفٍ وتلفَّتت تنظرني بسماحة، وظهرت على شفتيها ابتسامة خفيفة، فقال لي صاحبي: أبشر، فلن تخوض معركة الحياة الأخيرة وحيدًا.
حلم ٢١١
وجدتُني أمام منصَّة يجلس عليها الزعيم سعد زغلول، وإلى جانبه أم المصريين، وإذا برجلٍ يتقدَّم زاعمًا أنه الزوج الحقيقي للسيدة، ويطلب منه أن تتبعه، وقدَّم للزعيم أوراقًا، ولكنه نحَّاها جانبًا، وقال له: بيني وبينك القانون والشعب.
حلم ٢١٢
رأيتُني أتأمَّل صورة في حجم الكفِّ تجمع زخارفها بين فتًى لعلَّه يُشبهني، وفتاة تشبه «ب»، فقلت: أصبحنا نادرة تُحكَى وتُصوَّر.
حلم ٢١٣
رأيتُني واقفًا أمام معرِض مصوِّر الأفراح في حيِّنا، ورأيت لأول مرَّة «ب» عن قربٍ وبتمهُّل، فشعرت بخيبة، ولم أفقد الأمل في السُّلوان.
حلم ٢١٤
رأيتُني في محطة الترام وقد اكتشفتُ أنَّني نُشلت، ولمحتُ الصديق أحمد مظهر مسرعًا، فلحقت به، فأخبرته عن حالي، فقال ضاحكًا: وأنا أيضًا نُشلت، فقلت له: هلمَّ إلى العباسيَّة لنجد النقود، فقال لي: إنني أدعوك للتطوُّع في الفرقة الجديدة من المدنيِّين التي تعمل مع وزير الداخلية مباشرة، وهدفها تطهير البلاد من النشل والنشَّالين.
حلم ٢١٥
رأيتُني وسط جماعة من الشبَّان المعاصرين، ورأيت فيهم واحدًا مختلَّ الأعصاب، فتصدَّت له فتاة منهم، وعاملتْه بعطفٍ ومودَّة، حتى استردَّ صحَّته النفسية، ثم جمع بينهما حبٌّ عميق، وأراد أصحابه أن يتأكَّدوا من شفائه، فاقترحوا عليَّ أن أُمثِّل دَوْرَ العاشق مع الفتاة، ففعلتُ، ولكنها صدَّت عني بأدب، وإذا بي أحبُّها حقًّا، وعزَّ عليَّ أن تُفضل عليَّ ذلك الفتى المريض، وذات مرة شَعَرتُ بمن يعزف نغمة من أنغام الزار، وتراءت لعيني الفتاة وهي ترقص، فرقصت معها، حتى استيقظتُ منهوكَ القُوى، ولكن في صبح يوم جديد.
حلم ٢١٦
رأيتُني في بيت العباسيَّة أزور أمي، ولكنها استقبلتني بفتور غير متوقَّع ولا مبرَّر، ثم غادرت مجلسها، ربما لتُعِدَّ لي القهوة، غير أنَّها ذهبت بلا رجعة.
حلم ٢١٧
رأيتُني أسير في مظاهرة ملأت الشوارع والميادين، وفي مقدِّمتها رفعت صور مكبَّرة لأحمد عرابي وسعد زغلول ومصطفى النحاس، وتعالت الهُتافات تنادي بدستور جديد يناسب العصر، ولم تستطع قوات الأمن تفريقها، وبدت كأنها مصمِّمة على النصر.
حلم ٢١٨
رأيتُني في المحكمة مع بعض الزملاء، وقلت للقاضي: إنني مُختصٌّ بالتقييم الفني، ولا شأن لي بالرقابة، وقال لي مدير الرقابة إنه وحده المسئول عن الرقابة، ولكن لا عَلاقةَ له بالجانب الفني، وبعد المرافعات أوصى القاضي بأن تُمثَّل الرقابة في جميع اللجان الفنية كي لا تُصدِر الوزارة قراراتٍ متناقضةً تثير السخرية.
حلم ٢١٩
رأيتُني ربَّ أسرةٍ كثيرةِ العدد، يعاني مُرَّ المعاناة لتوفير الحياة لهم، وأخيرًا قرَّرتْ ربَّةُ البيت أن تستغلَّ مهارتها الفائقة في صنع الطعميَّة لمساعدتي، ووجدت أول زبائن لها في فروع الأسرة، ثم الجيران، وأخيرًا الحي، «وبشرى لنا زال العنا».
حلم ٢٢٠
رأيتُني في قسم الشرطة نائبًا عن سكان شارعنا، وقلتُ للمأمور أن يخصِّصَ لشارعنا جنديًّا في الليل؛ لكثرة اللصوص، فقال لي إنه سبق أن فعل ذلك في شارعٍ آخر، وقتله اللصوص في ظلمة الليل، فقلتُ له: اسمح لنا بأن نتسلَّح دفاعًا عن أنفسنا، فقال: في تلك الحال ستكونون أشدَّ خطورةً علينا من اللصوص، فسألته: بمَ تنصحنا؟ فقال: بإحكام إغلاق النوافذ والأبواب وإنارة المصابيح الخارجيَّة.
حلم ٢٢١
رأيتُني أقرأ السيرة الذاتيَّة لسعد زغلول بقلمه، واستمتعت بكلِّ ما فيها، وإذا بي أرى الزعيم يجلس بكل عظمةٍ، فهُرِعْتُ إلى يده أقبِّلُها، وقلتُ له: إنني استمتعتُ بكلِّ كلمة في الكتاب، ولكن طبعته قديمة، ولا تليق بعظمة الزعيم، واستأذنتُ في إصدار طبعة جديدة تليق به فأذِنَ لي، ولمَّا رجعت إلى البيت وجدتُ زوجتي قد أنجبت توْءمَين ذكرًا وأنثى، فقرَّرتُ أن أسمِّيَ الذَّكَر سعدًا، والأنثى سعادة. وعادت ليالي الهنا والقلبُ نال المُنى.
حلم ٢٢٢
رأيتُني أعاصر التغيُّرَ الكبير؛ حيث أُلغيَت الحدود بين الدُّوَل، ورُفِعَ عن المرور أيُّ عوائقَ تحت مظلَّة العدل والحرية واحترام حقوق الإنسان، وتجوَّلت بين العواصم، ووجدت في كل مكان عملًا مناسبًا، ولهوًا ممتعًا ورفقاء في غاية العظَمة، ثم حننتُ إلى مصر، فرجعت إليها، وقابلني أصدقاء الطفولة، وطلبوا مني أن أحدِّثهم، فقلتُ لهم: هلمُّوا أولًا إلى الحيِّ القديم، فنصلي في مسجد الحسين رضي الله عنه، ثم نتغدى عند الدهَّان، ثم نذهب إلى الفيشاوي، فنشرب الشاي الأخضر، وأقص عليكم العجائب.
حلم ٢٢٣
رأيتُني أحمل حقيبة السفر الكبيرة أنا وزوجتي، وإذا بالمحبوبة «ب» تجيء فتساعدنا، فاستخفَّني الطَّرَب ولمست يدها، وقلت: لن أنسى هذه اللحظة ما حييت، فقالت لي: بل عليك أن تنساها، وأصارحك بأنني سعيدة مع زوجي وأولادي، فانطفأتْ آخرُ شمعة في مصباحي.
حلم ٢٢٤
رأيتُني معها في حديقة الشاي، وهي تقول لي: أنت وعدت أن تزور أبي وهم ينتظرونك، فقلت لها إنني عندما علمتُ بأنني أكبر منها بعشرين عامًا تراجعتُ حتى لا أظلمها، فقالت: لكنني لا أعترض، فقلت لها: أنا لا أستغلُّ البراءة وأظلمك، ومرَّت أيام عذاب طويلة، حتى علِمتُ أن زميلي «أ. ن» عقد قرانه عليها، وهو يماثلني في العمر، وأكثر من ذلك أنه أرمل وأب لبنت في سنِّ الزواج، فتذكَّرتُ الشعر الذي يقول:
حلم ٢٢٥
رأيتُني في مكتبي أستقبل فتاةً هي قريبة لي من بعيد، وأخبرتْني بوفاة أمِّها من أسبوع، فتذكرتُ فترة من الماضي الجميل. وقالت: إنها أوصتني قبل وفاتها بأن ألجأ إليك عند الحاجة إلى مشورة، فقلت في نفسي: يرحمها الله آثرَتْني على خالها وعمها، فلا خيَّبت لك ظنَّك.
حلم ٢٢٦
رأيتُني مع كتيبة من الجنود في مخبأٍ مُغطًّى بالأعشاب نتحيَّن الفرصة للخروج ومفاجأة العدو، وفي الوقت نفسه نخشى أن يعثر العدو على باب المخبأ، فيُسلِّط علينا غازاتِه ونموت كما تموت الفئران.
حلم ٢٢٧
رأيتُني جالسًا مع المرحوم «ك» في شرفة بيتِه الريفيِّ تحت ضوء البدر الساطع، وفي حِضْن ليل الريف الساجي، وكان يقول لي: أنت تعلم أني لا أهتمُّ بالسياسة، وعلى الرغم من ذلك انقضَّ عليَّ زُوَّار الفجر وساقوني معصوبَ العينين إلى حجرة مظلمة قضيتُ فيها شهرًا دون تحقيق ولا معرفة لسبب ذلك، ولمَّا عدتُ إلى قريتي كانت أعصابي قد اختلَّت، ثم كانت النهاية، فقلت له: لقد سار في جِنازتك جميع الحرافيش وهم يتساءلون.
حلم ٢٢٨
رأيتُني في الإسكندرية ودخلت بنسيونًا أنيقًا، وتبيَّن لي أن التي تديره هي حبيبتي، فغرقت في العشق حتى قمَّة رأسي، فقالت لي: لمَ لا نتزوج إذن؟ فقلتُ متذكِّرًا ما جَرَى بيني وبينها في العباسية: إني أخشى إن تزوجتك أن أفقدك. والمرة الثانية وجدت البنسيون مُغلَقًا، وقال لي البوَّاب: إن المدام رحلت إلى أثينا موطنها الأصلي.
حلم ٢٢٩
وجدتُني في مقهى ريش مع أصدقاء ريش، وكلنا ننتظر بَدْء الحفل، وجاء أعضاء الأوركسترا حتى اكتملوا عَدًّا وعُدَّة إلَّا المايسترو، فوضعني الأصدقاء مكانَه، وأدرتُ الحركة بنجاح، وتَخلَّل العزفَ صوتُ أم كلثوم وصوتُ عبد الوهاب، وغنَّى الأصدقاء والنادل وصاحب المقهى، وفُتحت النوافذ التي تُحيط بالمقهى، واشتركوا جميعًا في الغناء، حتى تَواصَل الغناء بين السماء والأرض.
حلم ٢٣٠
رأيتُني في سُرادِق كأنه بلا حدود مُكتَظٌّ بالناس، وفي صدره رجل يخطب عن الوحدة، ولما انتهى من خطابه قلت له: لقد رحل سعد زغلول، وتلاه مصطفى النحاس، فباتت الوحدة أمانة في عُنقك.
حلم ٢٣١
رأيتُني أشاهد إبراهيم باشا وهو يغادر تمثاله ويتنقل من مقهًى إلى مقهًى متحديًا أبطال الطاولة، ويغلبهم واحدًا في إثر واحد، وعند الفجر ذهب إلى مسجد الإمام الحسين رضي الله عنه، وصلَّى ثم رجع إلى قاعدته، فشَعَرتُ بفخرٍ كبيرٍ وحزنٍ عميق.
حلم ٢٣٢
رأيتُني في الغوريَّة وجنود الشرطة أضعاف المدنيِّين، ورأيتُ أبي قادمًا وشرطي عن يمينه، وآخر عن يساره، فانقبض صدري، وخِفْتُ أن يكون مقبوضًا عليه، ولكنه سلَّم عليَّ، وقال لي: رأيتك مقبلًا وشرطيٌّ عن يمينك وآخر عن يسارك، فخِفْتُ أن يكون مقبوضًا عليك.
حلم ٢٣٣
وجدتُني في بيت العباسية، ورأيت أمي وأخواتي في غايةٍ من الحزن لموت كلبنا العزيز الأمين، ولم يكن سبق لي أني رأيتهنَّ على تلك الحال، إلَّا عند رحيل الأعزَّة.
حلم ٢٣٤
رأيتُني صاحبَ مزرعةٍ كبيرةٍ أنشأتُ بها قرية حديثة فيها ماء نقي وكهرباء، وفي القرية أيضًا وحدة صحية ووحدة تعليمية ومسجد وكنيسة، وضاعفت أجور العاملين، وإذا بمأمور المركز يقول لي: أنت مُتَّهَم بالفوضوية، وإحراج المُلَّاك من حولك، وتحريض الفلَّاحين الأبرياء على التمرُّد.
حلم ٢٣٥
رأيتُني مع جماعة من الشبَّان نستمع إلى عثمان بوزي (أكبر صانع روائح عطريَّة في صباي) وهو يدعو الواقفين إلى مقاطعة البضائع الأجنبيَّة، وقال لي والدي وهو متربِّع على سَجَّادة الصلاة: هذا كلام جميل، ولكننا لم ننتج بعد احتياجاتنا للضروريات، فقلت له: فلنبدأ بالممكن.
حلم ٢٣٦
رأيتُني أدخل الشقَّة الجديدة يتقدَّمني البوَّاب، واختفى البوَّاب، فشعرت بالوَحْشة، وقرَّرت الرجوع، ولكنَّني ضلَلْتُ السبيل، وتطَوَّعَتْ أصوات لإرشادي، فتارةً تقول لي: خذ يمينك، وتارة أخرى تقول لي: خذ يسارك، ولكنني لم أهتدِ إلى سبيلي، وتساءلت: أين البوَّاب وأين أهلي؟ ويزحف الظلام، فأسقط في الحَيْرة، ولكنَّني لم أفقد الأمل.
حلم ٢٣٧
رأيتُني أدخل حديقة الخالدين بعد أن ارتددتُ إلى سِنِّ المراهقة، وارتديتُ البنطلون القصير، وفي الداخل رأيت طابور الحِسان يتقدَّمنَ وهنَّ في مثل سِنِّي تتقدمهنَّ الخالدة «ع»، وجرت جداول من البسمات والدموع، ثم زال الحسن كله في الموجات التي لا تتوقَّف، ولم يبقَ إلَّا جداول من الدموع الجافة.
حلم ٢٣٨
رأيتُني أتسلَّم هدية ثمينة من يد الشيخ الفنَّان وهو يقول لي: لا تستمتع بها إلَّا حيث يلتقي النيل بالبحر، وذهبتُ إلى هذا الملتقى فوجدتُ الشيخ في انتظاري واستمتعنا معًا بالهدية، وترنمت الحناجر بالمواويل العذبة، وما زلنا كذلك حتى سبح في الفضاء الرطيب أذان الفجر المبارك.
حلم ٢٣٩
وجدتُني أسير بين الجموع الغفيرة، فهذا يوم الانتخابات العالمية التي تشارك فيها جميع الأمم، ورأيت الملوك والرؤساء والصفوة متنكِّرين في زيِّ فتيات ريفيَّات يُنْشِدنَ أجمل الأناشيد وأسماها، وأدليت بصوتي ورُحْتُ أتساءل عمَّا ستُسفر عنه الانتخابات غدًا، وأثر ذلك في بلاد العالم وبلادي، أمَّا مراكز البحوث فقد تنبَّأت بوقوع كوارث.
حلم ٢٤٠
رأيتُني في حجرتي أقرأ، وفي الخارج يتصاعد هُتاف بلغاتٍ شتَّى، فأغلقوا النوافذ وأسدلوا الستائر، ولكن اقتحم الحجرة نَفَرٌ من الأصدقاء، وقالوا لن نغادر بيتك إلَّا وأنت معنا، فقد انقضى زمان العُزْلة.
حلم ٢٤١
دُعِيتُ إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون بعد غيابٍ طويلٍ لمناقشة موضوع الإجهاض، وجاءت لمحاورتي سيِّدة من الرعيل الأوَّل فتبادلنا التحيَّة بحرارة، وقلتُ لها: رُبَّ صُدفةٍ خيرٌ من ميعاد، فلعلَّنا نُحسن استغلالها هذه المرَّة، فابتسمت وقالت: لعلَّنا.
حلم ٢٤٢
وجهُ حبيبتي القمريُّ يلوح لي في كل مكان، يستوي في ذلك أماكن العمل وأماكن اللهو والطرب وأماكن الراحة والاسترخاء، وحتى عند مطلع الفجر يلوح لي وجهها القمري، وهي تسبح بصوتها الحنون.
حلم ٢٤٣
وجدتُني أبحث عن دليل يُثبت أنَّ حُبِّي كان حقيقةً لا وهمًا، فقد رحلت الحبيبة في عزِّ الشباب كما رحل الشهود، وتغيَّرت معالم الشارع، واختفت الفيلَّا الوردية، وحلَّت محلَّها عِمارة شاهقة مكتظَّة بالسكان، فلم يبقَ من الماضي الجميل سوى ذكرياتٍ لا دليلَ عليها.
حلم ٢٤٤
رأيتُني واقفًا مع زملائي في الإدارة أمام المدير العام، وهو يرمقنا باستياءٍ ويتساءل: كيف هان عليكم أن تبيعوا الكراسيَّ التي تجلسون عليها؟ فأجابه كبيرنا: إنَّ الوقوفَ أحبُّ إلينا من الموت جوعًا.
حلم ٢٤٥
وجدتُني بين الجمع المحتشِد لمشاهدة إمبراطور اليابان في زيارته لنا، وتصادف أنَّ الزعيم مصطفى النحَّاس كان يُغادر عيادةَ طبيب أسنانه فرمقته العيون والقلوب، حتى توارى داخل سيارته، وعند ذاك فكَّرْتُ في أنَّ للرجلين مأساةً واحدة وإن اختلفت الأسباب.
حلم ٢٤٦
رأيتُني أزور السيدة «م» لأطمئنَّ على صِحَّتها، وكنتُ على صلةٍ وثيقةٍ بأولادها، وعلى علم بالخلافات التي تفرق بينهم، وراح كلُّ فريق يتَّهم الفريقَ الآخرَ بأنَّه السبب في مرض السيدة الطيبة أمهم، فقلت لهم: إذا لم تصغوا لصوتِ الحكمة، فإنكم ستقضون عليها.
حلم ٢٤٧
رأيتُني مع بعض أصدقاء العباسية نستعدُّ لمشاهدة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وفي الطريق مررنا على بيت الحبيبة فنفخ فيَّ نشوة ملأت جوانحي، وفي ساحة الاحتفال طُفْنا بالسُّرادِقات، وسمعنا أناشيد صوفية، وعند نصف الليل انطلقت الصواريخ، وتفجَّرت في السماء، وهوت في شكل لآلئ من الأنوار ترسُم أشكالًا شتى أضاءت القبَّة السماوية، ورجعنا وما تزال النشوة تملأ جوانحي.
حلم ٢٤٨
رأيتُني بين الجموع التي تزور المعْرِضَ الزراعيَّ الصناعيَّ السنويَّ، وتشاهد معروضاته، وإذا بالزعيم مصطفى النحَّاس يزور المعرِض، فالتفَّت الجماهير حوله، وهتفت باسمه، فاقتحمت قوة من الأمن المعرِض، وانهالت بالعصِيِّ على الجماهير، ثم أطلقت بعض الطلقات النارية. وقد استُشهد في ذلك اليوم طالبان، وكان أحدهما ابن رئيس القوة، وظلَّ ذلك حديث الجماهير.
حلم ٢٤٩
وجدتُني مع الأسرة في بيت العباسية، فطُفنا بالحجرات حتى صعِدْنا إلى السطح، وهناك وجَدْنا بعضَ برطمانات مملوءة إلى نصفها مادَّةٌ زيتيَّة، وترقد فيها عقاربُ ميتة، فقالت أمي: هذا علاج لمن تلدغه عقرب، ونظرتُ من فوق السور الخلفي، فرأيتُ أمامي وإلى يساري حقلًا بلا نهاية، وإلى اليمين تقوم غابةُ التينِ الشَّوْكيِّ وفي الشارع الموازي لها تجاورتُ فيلَّاتٍ رأيتُ بينها الفيلَّا التي ستشهد فيما بعد أفراحي وأحزاني.
حلم ٢٥٠
انتشر الفول السوداني إنتاجًا وتوزيعًا واستهلاكًا، وأصبح رجاله قوة في الوطن، وضاقت الحكومة بذلك، فأصدرتْ قانونًا يحرِّم إنتاج الفول وتوزيعه واستهلاكه، وكان ردُّ الفعل شديدًا، فخرجت جموع المتظاهرين، وعجزت قوات الأمن عن تفريقها، فسقطت الحكومة وهوى النظام، وعاد ازدهار الفول ورجاله، واستنبتوا أنواعًا جديدةً غزَوْا بها العالم، وتوفَّرت الأموال، فتصدَّى العهد الجديد بكلِّ قوةٍ وأمانة للمشاكل السياسية والاقتصادية والبطالة والتعليم والصحة، وسُمِّيَت هذه الثورة فيما بعد بثورة الفول المباركة.
حلم ٢٥١
رأيتُني موسيقارًا وصاحبَ فرقةٍ أدعوها للتمرين في شقَّتي بالدَّوْر الأرضيِّ لفيلَّا في بين الجناين، وقابلتني سيدة آية في الجمال، وقالت لي إنها المقيمة في الدور الفوقاني، وإن الضجيج يمنعها من النوم، فقلت لها: هذا رزقي ورزق الرجال، فاقترحت عليَّ أن نحتكم إلى ضابط نقطة الشرطة، وهي تقع عند مُلتقَى ثلاثةِ شوارع كلها بساتين وأشجار، ويخيِّم على النقطة هدوءٌ ملائكيٌّ، وعَرَضْنا الأمرَ على الضابط، فرأى حلًّا للإشكال أن يدعوَني لإجراء التجارِب في النقطة، ودعا السيدة معنا، فقلتُ له: أخشى أن أعطِّل عملك، فقال لي: إنه مضَى عليه عامان في النقطة دون أن تدخلها مخالفة واحدة، فجئت بالفرقة وغنَّيْنا «بستان جمالك من حسنه»، وطَرِبت السيدة وغنَّت معنا، وكان صوتها عذبًا مثل وجهها.
حلم ٢٥٢
رأيتُني ضمن جمهور يستمع إلى محاضرة الأستاذ «أ»، ورأى أحد السامعين أنه يستهين ببعض المُقدَّسات، فوقف مُحْتَجًّا ومُعترِضًا، فاعتبر المحاضر هذا مصادرةً لحريَّته، وغادر المِنصَّة، وثار بيننا جَدَل، ونادى رئيس الندوة الجمهور إلى المناقشة والاحتكام للعقل، ولكن الجدل اشتدَّ وأنذر بالاشتباك بالأيدي.
حلم ٢٥٣
هذا يوم الاحتفال بذكرى العقاد، وجمهور يتدفَّق إلى صالة الاحتفالات، والتقيت الدكتورة «أ» بعد غيابٍ طويلٍ، وكانت ستُلقي بحثًا عن أسلوب العقاد، وأنا عن شعره، ولكنها ذكَّرتني بأيام الدراسة حين جمعَتْنا آمال لم نستطع أن نحقِّقها، فدعوتُها إلى اللقاء بعد القيام بواجبنا، فابتسمتْ ولم تنبِس بكلمة، ولكنها وافقت دون كلام.
حلم ٢٥٤
حصل ابن أختي على ليسانس الحقوق، وأراد أن يمضيَ أسبوعًا في الإسكندرية، وسافر في الصباح الباكر، ولكني وجدتُه أمامي عند الظهر، فسألته عمَّا أرجعه، فقال: الحقيقة أن المنيَّة وافتْني وأنا أبحث عن غرفة خالية، فجئتُ لنتبادل الوداع، وقد ودَّعْتُه بدموعٍ غزيرة.
حلم ٢٥٥
رأيتُني أغوص في الحيِّ الشعبيِّ حتى بلغتُ عربة يد عليها ترمس، وتستند إلى ذراعها امرأة عرَفتها بصعوبة، فأقبلتْ نحوي، وسألتني كيف عرفتُ مكانها؟ فقلت: دَلَّني عليه صديق من العهد القديم وحكى لي الحكاية كلها، فقالت بتأثُّرٍ شديد: خسرتُ كل شيء، وتنكَّرَت لي الدنيا، ولم يبقَ لي إلَّا هذه العربة لأضمن لُقمة العيش، وقلت لها إني لن أتخلَّى عنها، فقالت وعيناها تغرورقان بالدموع: وأنا أعدك بالتوبة الصادقة.
حلم ٢٥٦
لم أنسَ حكاية صديقي «ح» الذي أنشأ له والدُه مكتبةً في شارع هام، وتوَّجها بأفضل الكتب ليبدأ حياته العملية، واستخدم هو من ناحيته فتاةً وسيمةً لتساعدَه، وتمرُّ الأعوام فتصبح الفتاة مالكةً للمكتبة، وتستخدم صديقي «ح» عندها.
حلم ٢٥٧
رأيتُني أشاهد خواجة ينشئ محلًّا للحلاقة لَصْقَ المحلِّ الذي اعتدنا الحلاقة فيه منذ طفولتنا، ولمَّا انتهى منه أعلن أنه سيُخصِّصه للنساء، فقلت: الخواجة يجهل تقاليدنا وسيخسر ماله، ولكنَّ عروسًا جريئة ذهبت إليه، فكانت تسريحة شعرها الفاتنة خير إعلان للخواجة، فأصبح مكسبًا لكلِّ العرائس، ثم النساء والآنسات، وانقضَّ (الخواجة) على حلاقنا العجوز، وعرض عليه شراء محله بثمن لا يُقاوَم، فباعه المحلَّ، وأصبح الخواجة حلَّاق النساء والرجال الذي لا منافس له.
حلم ٢٥٨
هذا أبي يغضب على أمي ويطردها من البيت، فأثور ثورة جنونيَّة، وأقول له: كيف تطردها من بيتها؟ فلطمني على وجهي، فازدادت ثورتي حِدَّة، وخاف أبي من الفضيحة ومن الجيران، وقال لي: اذهب وأحضر أمَّك، ولكنني صرختُ في وجهه: اذهب أنت أحضرها بنفسك، فذهب أبي إلى بيت جَدَّتي، وعادت أمي كريمة مكرَّمة.
حلم ٢٥٩
سافر زوج حبيبتي «ب» لحضور مؤتمر علمي، فدعوتُها إلى مقابلتي، ورحنا نتمشَّى في حدائق القبة، وإذا بنا نرى رجلًا مُقبِلًا من بعيد، فارتعشَت حبيبتي وقالت: هذا قاضٍ وصديق زوجي، فاتفقنا على السفر إلى الإسكندرية بعيدًا عن الأنظار، وعندما بلغ القطار محطَّة النهاية رأينا القاضي واقفًا على رصيف المحطة كأنه ينتظرنا، فخِفْنا العواقب الوخيمة، وقرَّرنا العودة والعدول عما نَوَيْنا.
حلم ٢٦٠
وجدتُني أستمع إليها وهي تقول لي: إنَّ عطفك هو الذي شفاني من مرضٍ قاتل، فقلتُ لها: أنا أيضًا في حاجةٍ إلى العطف، فقالت لي: اتفقنا، ولكنك في السادسة عشرة وأنا في الخمسين، فقلتُ: إنَّ عامًا مملوءًا بالعطف خير من ألف عامٍ مما تَعدُّون.
حلم ٢٦١
رأيتُني أشاهد المرحوم «ش» وهو يقول لي: إني جئتُك لأعتذر، فقد كنت أحبُّ الإنجاب، فأورثتك همًّا ثقيلًا، فقلت له: لقد كنت صافي النية لم تَخْطُر وفاتك المُبكِّرة على بال أحد، وكنت تواظب على صلاة الفجر في مسجد سيدنا الحسين.
حلم ٢٦٢
رأيت عمِّي وزوجته جالسَين أمام أبي ويقولان: نحن نخطب ابنك لابنتنا، فقال: إنه أمامه مشوار طويل كي يستعد، فقالا: البركة فيك، (ساعِده) كما ساعدت إخوته، فقال لهما: نحن في أزمةٍ الآن، وأنا أعاني، فخرجا خائبَي الأمل، ولما تُوفِّيَ أبي زارنا عمِّي وهو يبكي فتساءلت: أهي دموع الحزن أم دموع الندم؟
حلم ٢٦٣
رأيتُني أجلس مع قريبتي وهي تقول لي: لا يعيب الأمَّ أن تختار الرجل المناسب لابنتها، فقلت لها: أنتِ تعرفين ظروفنا، فقالت: لن نكلِّفك مِلِّيمًا واحدًا، فقلتُ: وهذا ما أرفضه رفضًا قاطعًا.
حلم ٢٦٤
ذهبت إلى الإسكندرية لأقضيَ شهر العُطْلة، وفتحت الكابينة، ورحتُ أتلقَّى الجو الجميل، ومرَّت بي فتاة إفرنجيَّة، واستأذنَتْ في خَلْع ملابسها في الكابينة، فأذِنتُ لها، وكان ذلك بَدْءَ صداقة ستدوم شهرًا، ثم يذهب كلٌّ منَّا إلى حال سبيله، وانقضى الشهر السعيد، فكتبتُ لها رسالةَ توديع ومضيتُ نحو السيَّارة المنتظرة، فإذا بداخلها تجلس الفتاة، فابتسمتْ وسألتني: ماذا أخَّرك؟
حلم ٢٦٥
وجدتُني واقفًا وسط الجموع على رصيف المحطة والقطار ينتظر وهو قسمان؛ قسم للعموم كثير الضوضاء تفوح منه رائحة الأطعمة الشعبية، وقسم بالغ النظافة والأناقة، فقلتُ لصاحبي: القسم الأول لا يُهيِّئ الجوَّ المناسبَ لعملنا، فقال صاحبي: ولكني ألمح في القسم الثاني بعض خصومنا، فقلت له: إني مستعدٌّ للتحدِّي.
حلم ٢٦٦
وجدتُني في حديقة الأسماك وصاحبي يقول لي: إنها على أتمِّ الاستعداد للرجوع، ووعدتني خيرًا، فقلت له: لم أعد أثق في وعودها، فقال لي: لا بُدَّ من قَدْرٍ من حُسْن الظن ما دمت حيًّا.
حلم ٢٦٧
دقَّت طبول الفرح في البيت القديم، واجتمع الأهل، وكانوا يَغبِطونني على خلوِّ بالي، فلا أسرة ولا أولاد، فطلبوا مني أن أعرض بعض ما أملك من فنون التهريج، فرقصتُ حتى أذهلتُهم وأسمعتهم أغاني لا تُسمع عادةً إلَّا في مواطن السوء والفجور، ولما انتهت السَّهْرة وجدتُني وحيدًا مع الليل، وفي طريقي إلى المسكن الخالي.
حلم ٢٦٨
وجدتُني بين جماعةٍ من الأصدقاء، وهم يعلنون نيَّتهم على الهجرة، ويدعونني للرحيل معهم، ولكني اعتذرتُ طبعًا، وكان ثمَّة جماعة أخرى ترحل سنويًّا للمشاهدة والاعتبار، وترجع أكثر معرفةً ونفعًا فانضممتُ إليها.
حلم ٢٦٩
دعاني المرحوم المهندس «د» لمشاهدة اختراعه الجديد، فجلستُ مع الجالسين، وقال المرحوم إنه محرِّك جديد، وقد جرَّبه بنجاح، ودخل سيارة صغيرة وجلس أمام عجلة القيادة وضغط على زرٍّ، وإذا بالنار تلتهم السيارة وما فيها، وما زالت رائحة الموت تملأ خياشيمي.
حلم ٢٧٠
رأيتُني راجعًا من عملي إلى بيتنا بالعباسية، ووقفت برهة أمام النافذة أنظر إلى فيلَّا حبيبتي بعد أن هجرتها بزواجها، وإذا بشقيقتي تقول لي: إن «ع» تُوفِّيت وهي تضع مولودها الثاني، فتجمَّدتُ وشعرت بأن الدنيا فقدتْ نورها.
حلم ٢٧١
رأيتُني لاعب كرة قدم في المنتخب على رغم حداثة سني وضآلة حجمي، ولكن سرعان ما جذبت الأنظار لمهارتي في المحاورة وإصابة الهدف، فراح المشاهدون يحرِّضون أبطالَهم على كسري للتخلُّص مني، ووجدتُني محاصَرًا، وإذا بالكرة تأخذني وتصعد بي حتى ذهبت جميع الأعين وهي تتابعني، وما زالت الكرة تصعد بي حتى توارت بين السُّحُب.
حلم ٢٧٢
وجدتُني مع مصباح علاء الدين، فطلبتُ منه أن يردَّ الحياةَ إلى حبيبتي «ع»، ولكن في الوقت نفسه رددت موظفًا صغيرًا يكتب ولا يدري كيف يطبع أو ينشر ما يكتبه، ورأيت أيضًا المظاهرة التي أفزعتني بهُتافها: «تقدم يا روميل»، كما رأيتُ أعلام الفاشيَّة والنازيَّة تُرفرِف ناشرةً اليأسَ الأسودَ بين الملايين، فرجعت إلى المصباح ورجوته أن يعيد الأمورَ إلى طبيعتها.
حلم ٢٧٣
وجدتُني في قَبْو وثمَّة رجلٌ قادم ظننتُه لأول وهلة متسوِّلًا لرثاثة مَلْبَسه وتعاسة وجهه، ولكن سرعان ما عرفته وهُرِعتُ إليه، وسلَّمْتُ عليه بحرارة، فدَمَعَتْ عيناه، وقال لي إنني أول زميل لا يتجاهله، ولا يشمئزُّ منه، فسألتُه عن الحكاية، فقال إن أحد الحُسَّاد وشَى به، فضُبط في غرزة وحُكم عليه بعامٍ في السِّجْن، وهناك شوَّهه المكان والمساجين، وفقد الماضي والمستقبل، فسألتُه عن الزميلة التي ينوي الزواج منها، فقال إنها تجاهلته، وإنه لا يلومها على ذلك؛ إذ كيف يمكن أن تُقدِّمَ عريسًا لأبيها من أصحاب السوابق ومُدْمِني المخدِّرات؟! فقلت له: ولكن موهبتك لا يمكن أن تتجاهلك، فقال: دعنا من ذلك، واسمح لي أن أذهب قبل أن يراك أحد معي؛ فيظن بك الظنون.
حلم ٢٧٤
رأيتُني في حديقة الأورمان والذكريات من حولي كالأشجار، ونحن نسمع الشعر والأغاني ونتبادل نظرات الحياء مع الزميلات، أو نتظاهر هاتفين بالحريَّة مُخضِّبين الأعشابَ بدماء الشهداء.
حلم ٢٧٥
رأيتُني أقابلها بعد أن تقدَّمنا في العمر، وتجاوزنا فترة الحياء، فقالت لي: إنها في مطلع شبابها تمنَّت أن تتزوج مني، وإنها أتاحت لي الفرص لكي ألتفتَ إليها، ولكنني كنت أمرُّ بها كأني في غيبوبة، وتذكَّرت أن الغيبوبة كانت غيبوبة الحب الأول الذي وهبني من المسرَّات مثل النجوم، ومن الأحزان مثل السُّحُب.
حلم ٢٧٦
دعيت لأكون عُضوًا في لجنة امتحان القَبول في معهد موسيقى للبنات، فذهبت مرتديًا جلبابًا بلديًّا؛ لأرتاح من البدلة والكرافتة وغيره، وكانت مديرة المعهد خطيبتي، فلمَّا رأتني في الجلباب قطَّبت وقالت: يحسُن بنا أن نظهر بمظهر لائق، حتى تتصوَّر الفتيات أنها مقبلة على دراسة جادَّة لا على لَهْوٍ ولعب، وهمست في أذن أحد أعضاء اللجنة أنها تريد أن تعلمَني الأصول، فانقبض صدري، وكانت هذه المقولة السبب اللاشعوري في فسخ الخطوبة فيما بعد.
حلم ٢٧٧
وجدتُني مع صاحبي في حديقة، وهو يقول لي: أنا لا أشكُّ في أنك كنت تحبُّها، فقلتُ له: كنت وما أزال أحبها، فقال لي: فكيف تراجعتَ في اللحظة الأخيرة. فقلت: وجدتُها لا تُخفي مَيْلها إليَّ، فرَكِبَني خوف غامض وآثرتُ الهروب مع العذاب.
حلم ٢٧٨
وجدتُني أعشق عن بُعد فتاةً تلوِّح لي في شُرفتها معلِنةً عن رشاقتها، وبالإشارة تواعدنا على محطة الترام، تقابلنا ولكني وجدتها على غير ما تخيَّلتُ فصُدمت، ويبدو أن خيبة الأمل كانت متبادَلةً؛ فإنها لم تعُدْ تظهر في الشرفة!
حلم ٢٧٩
في لحظة سعيدة دُعِيتُ للانضمام إلى الفريق القومي للعب الكرة، وفي الوقت نفسه تلقَّيْتُ دعوةً للسفر من أجل الحصول على جائزة، وتحيرتُ ماذا أفعل، وإذا بجارتي التي لم أكن أعلنت خِطْبتي لها بعدُ تعرِضُ بجرأةٍ السفرَ بدلًا مني، وهكذا بدأنا حياة مثمِرةً في الجِدِّ واللعب.
حلم ٢٨٠
وجدتُني في حديقة أرضها مُغطَّاة بالزهور، وفي مكانٍ ما شجرة طويلة وحيدة، فقلتُ للبستاني: لماذا هي وحيدة؟ فقال لي: انظر إلى جمالها فلا مثيل له، وإلى رشاقتها فلا شبيه لها، وعُشَّاقها لا يحيط بهم حصر، وضحاياها لا يُحيط بهم حصر كذلك، فأيُّ إنسان يجد الشجاعة للاقتران بها!
حلم ٢٨١
وجدتُني في الاحتفال بالمولد النبوي أتنقَّل بين معارض الحلوى، وقال لي الحلواني: خذ من هذه الحلوى البيضاء فبها يستقرُّ القلب، وخذ من هذه الحلوى الحمراء فبها تنفتح أبواب السماء ويطير المرء بغير أجنحة.
حلم ٢٨٢
وجدتُني أقرأ في حجرتي، وفي الحجرة المجاورة تتربَّع المرحومة أمي على سَجَّادة الصلاة، وإذا بقريبتي الحسناء المرحومة «أ» تلوح عارية وهي تغنِّي أغنية مؤثرة، فغضِبَتِ المرحومة أمي، وقالت لها: لا تعطِّليه عن عمله.
حلم ٢٨٣
وجدتُني في السوق العالمية أمام قسم العسل أسأل الموظَّف عن العسل «د» الذي كثر الإعلان عنه في الجرائد والفضائيات، فقال لي إنه متوفِّر، ولكن غالي الثمن، ولدى البعض عسير الهضم، فابْتعْتُ منه ما أريد مُصمِّمًا على هضمه.
حلم ٢٨٤
رأيتُني أعود إلى زمن الحب الصافي، حيث أتعبَّد في مِحْرابه، ولكن لديَّ أيضًا جَوْلات خفيَّة بين المراهقات تدفعني إليهن الرغبة المحمومة، ثم يصدُّني عنها الشِّبَع الثقيل والاشمئزاز اللزج والندم العميق، ولكي أتطهَّر أستحمُّ وأصلِّي، ثم أرجع إلى المحراب.
حلم ٢٨٥
رأيتُ فيما يرى النائم أني أملك قطعة أرض، سرعان ما قام نزاع عليها بيني وبين قوم آخرين، ولجأت إلى القضاء، فحكم بأني المالك الوحيد للأرض، ولكنهم لم يحفِلوا بهذا الحُكم، واستمر النزاع وتلقَّيتُ تهديدات، بل ووقع اعتداء عليَّ، وأنا عائد إلى بيتي ليلًا، وسارت القضية عامة وأنا لا أتنازل عن حقي المشروع.
حلم ٢٨٦
رأيتُني في مظاهرة صامتة تملأ الشوارع والميادين، ولمحت بين المتظاهرين أناسًا ممن رحلوا عن دنيانا في أزمنة مختلفة، وإذا بهم يخرقون الصمت، ويحوِّلون المظاهرة إلى مظاهرة هاتفة بهُتافات عدائيَّة، وتَكَهْرَبَ الجوُّ وأنذر بالخطر.
حلم ٢٨٧
رأيتُني مع الحرافيش في عربة قطار تتصدَّرها الدكتورة «س» تتحدَّث عن أنواع الحب، وبعد ذلك تقول: سأحدِّثكم الآن عن كيف تختارون الحبَّ المناسب، وإذا بالقاطرة تنفصل عن بقية القطار آخذةً معها الدكتورة، وتنطلق فنجد أنفسنا نتخبَّط في الصَّحْراء على غير هُدى.
حلم ٢٨٨
رأيتُني مع بعض المثقَّفين في بيت الصحافي «م»، وهو يحدِّثنا عن أنواع العذاب الذي ابتليَ بها كعذاب الطفولة والمراهقة والشباب والكهولة، ويقول: وثمَّة عذاب يلاحقني من آنٍ لآن، لا أدري له سببًا، وقد دعوتكم لنكشف معًا سرَّ هذا العذاب، قال ذلك وأسلم الروح، فشُغِلْنا بموته عن أيِّ شيءٍ آخر.
حلم ٢٨٩
وجدتُني في سُرادِق لا مثيلَ له في طوله وعرضه يتصدَّره الزعيم سعد زغلول، وهو يجمع الوفديِّين الأحياء والأموات والمفصولين من الوفد وباشوات الأحرار الدستوريِّين والمستقلِّين وبقية الأحزاب، ويقول سعد إنه طلب مقابلة المسئول الأول، وسيذهب إليه بصحبته شعراوي باشا وعبد العزيز فهمي ومصطفى النحَّاس، ويقدِّم إليه مطالب الأمة، فقام الحاضرون مُصفِّقين هاتفِين.
حلم ٢٩٠
هذا رجل ميسور الحال، ومتزوِّج من امرأتين جميلتين، يذهب إلى بيته في آخر النهار، فيجد المرأتين على أحسن حال، والمدفأة مشتعلة الجمرات والجوزة مغسولة من الداخل والخارج والعَشاء مُعَدًّا، وتدور الجوزة وتدور الرءوس، وتتحدَّث المرأتان بما سمِعتا في السوق، فيقول الرجل: الدنيا بخير، ومصر المحروسة بخير، ولا يقول غير ذلك إلَّا الحاقدون. ثم يُقدَّم العَشاء وهو مكوَّن من لحمة رأس وطعمية وجبنة قريش وفول أخضر، أمَّا الطبق الرئيسي فهو البسبوسة.
حلم ٢٩١
رأيتُني مع المرحوم المستشار «أ»، ومعنا مندوبة الوزارة التي نُدبَت لفرز مستحقَّاته في أوقاف أمِّه، وقدَّمْتُ لصديقي المستشار الفتاةَ باعتبارها خطيبتي، فدُهِشَ وقال: لا أحدَ يعلم أنك خاطب، فقلتُ: إنَّنا أجَّلنا إعلان الخطوبة حتى تنتهيَ الحرب، ويرجع أخي بالسلامة.
حلم ٢٩٢
رأيتُني في معرِض الفنَّان «ص» أمام صورة لمعبودتي «ع»، فقلتُ للفنَّان صاحب المعرض: ثمة تغيير في ملامح وجهها، فقال لي: إن هذا من مقتضيات الفن، فهو لا يَنقُل الواقعَ كما هو، فقلت له: ليتك أبقيتَ على الأصل، فهو مَثَلٌ أعلى لا يجوز تحريفُه، ولم أغادِرْ مَوْقِفي أمام الصورة، ولم أحوِّل عينيَّ عنها.
حلم ٢٩٣
رأيتُني ألعب في فريق مصر في أهمِّ مباريات السنة، ولمحتُ بين صفوة المشاهدين «ع» مع زوجها، فبذلتُ أقصى ما لديَّ من براعة، حتى هتف الجمهور باسمي، فسعِدَ بعضَ الوقت قلبي الحزين.
حلم ٢٩٤
رأيتُني واقفًا أمام مفتِّش الضرائب، فأقدِّم له بيانًا بأعمال السنة، ويتفحَّصها بوجهه الصارم، ويُسجِّل الضرائبَ المطلوبة، وأذهب إلى كهف الأموال الواردة، وهو مُكوَّن من موظفين وخزائن، وقدَّمت الضرائبَ المطلوبة لأحد الموظفين فراح يعدُّها، ولاحظت أن موضع أصابعه مخالب، فاقشعرَّ بدني، فقال: نحن نعلم أننا غير محبوبَين، ولكننا نجمع الأموال لتنفقها الدولة على التنمية، فسألت: وأين هي التنمية؟ فأشار إلى باب، فذهبت إليه ودخلته، فاستقبلني رجال أشِدَّاء، وطرحوني أرضًا وانهالوا عليَّ ضربًا بالعصِيِّ.
حلم ٢٩٥
في الصباح الباكر أتأهَّب لمغادرة البنسيون، فأكتشف أني فقدتُ ساعتي، وفي البَهْو فكَّرتُ في إبلاغ الشرطة، وإذا بحبيبتي «ب» تقف أمامي، وتساءلتُ: ماذا جاء بها؟ ولم أكن رأيتُها منذ زواجها، وتبادلنا حديثًا سريعًا وذهبت. ونظرت إلى البَبغاء في قفصه المُدلَّى من السقف، وقلتُ له: أنت الذي يعرف كلَّ شيء عن ضياع ساعتي، فقال الببغاء: ما زلتُ أحبُّكِ يا فلانة، فارتجف قلبي؛ لأني قلت هذه الجملة للفتاة، وعدَلَتُ نهائيًّا عن إبلاغ الشرطة، وحملت حقيبتي وغادرت البنسيون، وصوت الببغاء يطاردني قائلًا: ما زلتُ أحبُّك يا فلانة.
حلم ٢٩٦
أمام بيت صديقي «ث» رأيتُ خادمه يغادره ودماؤه تسيل، فقال لي: انظر كيف يعاملني صاحبك لمجرَّد أني تأخرت دقيقة في إعداد الشاي، وذهب، ودخلت فوجدت صاحبي في نوبة من نَوْباته، وهدَّدني بإطلاق النار، فغادرت البيت، وجاء أهل الخادم، وقالوا لي: صاحبك يتصرَّف كأنَّ البلد بلا قانون. ودخلوا عليه، فأطلق النار فرمَوْه بالأحجار من كل جانب، حتى سقط فاقد الوعي.
حلم ٢٩٧
رأيتُني جالسًا في مقهًى أتناول طعامي، وعلى مَقْرُبةٍ تجلس امرأة من نساء الليل، وكانت تنظر إلى الطعام بنَهَم، فدعوتُها بإشارةٍ فلبَّتِ الدعوةَ دون تردُّد، وانقضَّت على الطعام بنَهَم، فانطفأتْ رغبتي وصمَّمتُ على التراجع، ولكنها اعترضت وقالت: إذا لم تَقُمْ معي فسيعتبر نوعًا من التسوُّل، وأنا أرفض بكلِّ شدة أن أكون متسوِّلة.
حلم ٢٩٨
رأيتُني أسير في الظلام، وشبح يتحرَّك هنا وآخر هناك، فامتلأتُ رُعبًا، ولجأتُ إلى تمثال سعد زغلول، فوثب الزعيم إلى الأرض، وأيقظ الأسد الذي راح يزأر، فإذا بالأشباح تختفي، وإذا بالطُّمأنينة ترجع إلى صدري، فشكرتُ الزعيم الجليل، وعبرت الجسر في سلام.
حلم ٢٩٩
رأيتُني في زيارة لليابان، ومضى بي المرشد من منظر عجيب إلى منظر أعجب، وقال لي: إنَّ كثيرين لن يتصوَّروا أن تصلح اليابان للحرية والديمقراطية، وها هي في طليعة الأمم في الحرية والديمقراطية. فعاد إلى صدري الأمل بعد التشاؤم.
حلم ٣٠٠
رأيتُني أنا وزميلي في إحدى إدارات الوزارة، وقد خلت الدرجة الرابعة، فاقترح رئيسنا أن يعقد لنا امتحانًا، ويقترح ترقية المتفوِّق، وإذا بموظفة تُنقَل من وزارة أخرى، وتُرقَّى في الدرجة، فغضبنا طبعًا، وقرَّرنا تقديم شكوى لوكيل الوزارة، ولكننا ذهبنا لاستقبال الموظفة الجديدة كما تقضي اللياقة، ومع أنَّ مِلفَّ خدمتها يؤكِّد أنها عذراء لم تتزوج، إلَّا أنَّ منظرها وشَى بجمال امرأة تامَّة النضج، فعَدَلْنا عن تقديم الشكوى.
حلم ٣٠١
رأيتُني صبيًّا دون السابعة، وكان أخي الأكبر شارعًا في الزواج، وعلى سبيل المداعبة، قال لي: أنت بحكم سِنَّك تدخل حرم أيِّ بيت من الجيران، فما رأيك في فلانة وفلانة وفلانة؟ أيتهنَّ تختار عروسًا لك؟ فأجبتُه بصدقٍ وبراءة: أختار الثلاث معًا، وضحِكَ أخي.
حلم ٣٠٢
رأيتُني سكرتيرًا للمجلس الأعلى لوزارتنا، وانعقد المجلس، وإذا بالسُّعاة يدخلون حاملين الصواني المليئة بالفَتَّة واللحم، وينقضُّ عليها الأعضاء، فيمسحونها مَسحًا، ثم قُدِّمت الموضوعات، وتمت الموافقة عليها، وانفضَّ المجلس، ورجع رئيسه إلى حجرته بالوزارة، وبعد انصراف الموظفين حضر صديق الرئيس الحميم الموسيقار محمد عبد الوهاب متأبِّطًا عوده وراح يغنِّي: «غلبت أشكي وغلبت أبكي لا شكوى نفعت ولا بكايا.»
حلم ٣٠٣
وجدتُني مرَّة أخرى في هذا اليوم التاريخي أستمع إلى بيان الجيش الأول، وذهبت إلى الوزارة فلم أجد في المكتب أحدًا، وجاء الوزير الجديد لأول مرَّة، وطلب لقاء موظفي مكتبه، فذهبتُ وقلت له: لا أحد في المكتب سواي، فسألني عن عملي، فقلت: السكرتير البرلماني. قال لي: وأين البرلمان؟ فقلت: يبدو يا معالي الباشا أنك لم تعرف بعدُ بعصيان الجيش، فنظر إليَّ غاضبًا، فشغَّلت الراديو الموضوع بجانبه، وسمع نداء الجيش، فزايلته دلائل العظَمة، وغادر الحجرة مُهَرْوِلًا.
حلم ٣٠٤
وجدتُني فوق سطح البيت القديم أعدُّ النجوم في ليالي الصيف أو أسبح في ضوء القمر، أمَّا في ليلة القدر فيزفر صدري أمانيه، فتضيء الظلمات.
حلم ٣٠٥
وجدتُني بين أفراد الأسرة، ومضَى كلب أبيض صغير، كأنه وردة بيضاء متفتِّحة، وكنَّا نأخذُه معنا للعب في الخارج، فيتخاطفه الأصحاب، ويستعيرونه في بيوتهم، فطاف أجمل بيوت الحي، وعند رجوعة كان يشمله الفرح، ويرقص بزيه المخصوص، ويقول بصوتٍ حنون: حقًّا يا قلبي أنت لا تعرف راحة البال إلَّا في هذا البيت الصغير، فهنا تتردَّد على وجهك أنفاس الحب الخالص.
حلم ٣٠٦
رأيتُني أسير مع أمي، وهي توصلني إلى مدرسة خان جعفر الأوليَّة، فأجري إلى الشُّرفة، وأتابع أمي وهي تسير نحو مسجد سيدنا الحسين، وأقول لها معاتبًا: كيف يهون عليكِ أن تسلميني كلَّ صباح لهؤلاء الوحوش الذين ينهالون على أصابعي بالمسطرة لأتفه الأسباب ولغير ما سبب؟!
حلم ٣٠٧
اشتعلتُ غضبًا، واندفعتُ أجري كالمجنون، فتجاوزت العباسية، وواصلت الاندفاع في الجمالية، حتى وصلتُ إلى مقام الأحبَّة وهم مجتمعون في الظُّلمة، فعرفتهم بقلبي، وارتميت إلى جانبهم وأنا ألهث، وقلت لهم: أغيثوني لقد اقتلع المجرمون أشجار حديقتي الصغيرة لكي يحلوا محلَّها حجرة للبوَّاب غير مبالين بما قلت لهم من أن حبيبتي نظرت يومًا إلى الحديقة، وابتسمت، وهيهات أن أحتمل الحياة بلا حديقة ولا ابتسامة.
حلم ٣٠٨
المتحدِّث في التلفزيون صديقي المرحوم «أ» يقول إنه حصلت أمور تضطرُّه إلى بيع سيارته، وهي سيارة عزيزة، وله فيها ذكريات، ويعزُّ عليه أن يستعملها شخص سواه، ولكنَّ ثمة شرطًا، فسألت عن الشرط، فقال أن تشمل برعايتك أرملتي.
حلم ٣٠٩
وجدتُني في حجرة المومياوات بالمتحف المصري بصحبة أمي، وكانت تتأمَّل ما حولها وتقرأ الفاتحة على أرواحهم، ثم وقفت أمام مومياء امرأة، وقالت لي: إذا أردت أن تتذكَّرني بعد وفاتي، فما عليك إلَّا أن تقفَ أمام هذه السيدة وتتلوَ الفاتحة.
حلم ٣١٠
ذهبتُ مع صديق إلى المسرح القومي، وكانت بطلة المسرحية تشبه حبيبتي «ب»، فأعجبت بها، وصفَّقت طويلًا، حتى قال لي صاحبي: ما هي إلَّا امرأة مُذْنبة، ولا يُعجب بها إلا المذنبون.
حلم ٣١١
رأيتُني مع «ماري بيكفورد» في أحد أفلامها، وأني أحبُّها للشبه بين عينيها وعينَي حبيبتي «ع»، ويلعب دور البطولة معها «لون شاني» فيحبُّها، ولا تبادله هي الحب، فيذكرني حاله بحالي، غير أنه في الفيلم وجد لأزمته حلًّا، أمَّا أنا فلا أجد حلًّا.
حلم ٣١٢
وجدتُني في متحف الشمع مع غانيات الخديوي الساحرات وفاتنات العصور المختلفة، وسألت المرشد: كيف يحتفظ الزمان بذاته؟ فأجاب بأن السرَّ يكمن في الاحتفاظ بدرجة برودة معيَّنة، أمَّا إذا اختلَّ الميزان درجة واحدة، فالحسن أركانه تتقوَّض ولا يبقى إلا التراب ونشارة الخشب.
حلم ٣١٣
رأيتُني أعاصر البناء الجديد الذي يُشيَّد مكان الكازينو وحديقته المترامية، وترامى البناء طولًا وعرضًا وارتفاعًا، حتى أطلقوا عليه هرم مصر الحديثة، وتردَّدت في جنباته جميع اللغات، حتى قال داعية الجماعة: غدًا تشرق شموس وتدقُّ طبول.
حلم ٣١٤
رأيتُني أسير وحدي في شارع الجبلاية في الصباح الباكر، وإذا بسيارةٍ تجيء من ناحية كوبري الجلاء مندفعة بسرعة جنونية مترنِّحة يَمْنةً ويَسْرة، فاحتميتُ وراء جذع شجرة ضخم، فاتجهت نحوي واصطدمت في الشجرة، وغبت عن الوعي فترة وجيزة، ولما أفقت وجدتُني فوق غصن ضخم في أعلى الشجرة، ونظرت إلى أسفل، فرأيت السيارة مُهشَّمة، ولم أرَ كيف نجوت ولا كيف ارتفعت.
حلم ٣١٥
وجدتُني في سفينة نيلية مُعطَّلة عن العمل لغلبة الفئران عليها، وبيدي عصا ذات رأس حديدية وبها نفاثة غاز، فرحت أقتل الفئران ضربًا وخنقًا، حتى طَهَّرتُ السفينة، فعادت إلى القيام برحلتها إلى القناطر الخيرية، وخاصَّةً في الليالي القمرية.
حلم ٣١٦
رأيتُني في الشرفة أنتظر صديقي «ط» قبيل أيام من وفاته، وجاء متأخِّرًا على غير عادته، ومُتجهِّمًا على غير طبيعته، وارتمى على المقعد، وأجهش في البكاء، ثم قال: طالما تمنَّيتُ أن أتزوج، وماذا كنت أنتظر؟!
حلم ٣١٧
رأيتُني أسير في جنازة أبي، وألمح بين المشيِّعين نفرًا من الإفرنج، فتذكَّرتُ حالة أبي المالية، وهكذا عرفت آلام القلق وعذاب الأرق.
حلم ٣١٨
رأيتُني أتلقَّى رسالة بالبريد من «ع»، تدعوني الرسالة إلى الصلح وغسل النفس من الأكدار والأحزان، فوجدتُني جالسًا تحت الشجرة في الحقل المترامي، وانطلقتْ من قلبي ضحكة صافية، ورحت أطير بغير جناح.
حلم ٣١٩
وجدتُني في مدينة الظلام والأشباح أعمل مع العاملين في الحفائر، وصاح المرشد: إننا عثرنا أخيرًا على المصباح المنير! وتبدَّت محبوبتي وهي ترسل نورها في جميع الجهات، فتجلَّت المدينة في أبهى صورة، وأشرقت الوجوه بالبسمات.
حلم ٣٢٠
رأيتُني أحتفل مع الحبيب لعودته من رحلة موفَّقة، ودُعيت للغناء فلبَّيتُ. غنَّيت: «أمانة يا رايح يمُّه تبُوس لي الحِلو في فمُّه، وقل له عبدك المُغرَم ذَليل»، وجاءونا بالعشاء صينية من الذهب الخالص رُصَّت عليها أطباق المشهيَّات من أغاني شيراز، أمَّا الطبق الرئيسي، فكانت السورة المباركة: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى، وقال الحبيب: هذه الليلة خيرٌ من ألفِ شهر.
حلم ٣٢١
رأيتُني في ميدان الأوبرا، فقابلتُ الأستاذ زكي نجيب محمود، فسلَّمتُ عليه بحرارة، وسألته عن أحواله، فقال لي إنه وجد أخيرًا مَسْكنًا في ميدان الأوبرا مكوَّنًا من حجرتين، وأنت تعلم أن بيوت وسط المدينة ممتازة، وتزوَّجت، ولكن لم أُنجب، فقنِعتُ بتلاميذي الذين يزورونني في بيتي أو في مقهى الحرية الكائن بالميدان.
حلم ٣٢٢
رأيتُني سوَّاقًا لعربية سوارس التي أصبحت تسير بالكهرباء بدلًا من الخيل، أنطلق من العباسية مخترقًا الحسينية، فالجمالية فبين القصرين والنحَّاسين وبيت القاضي، ثم أقف للاستراحة أمام بيتنا القديم، وكان جميع من يركبون عندي من الجنس اللطيف، وفي مقدمتهن جميلات درب قرمز وحِسان العباسية، ووقفتُ أنتظر أن تُشغل المقاعد ويتساقط عليَّ زهر «دقن الباشا»، وأنظر إلى الشُّرفتين، فأجد وراء الخَصَاص خيالَ أمي.
حلم ٣٢٣
رأيتُني ألعب عشرة طاولة مع الزميل «ي»، وضبطته وهو يغشُّ، وكدنا نشتبك في عراك لولا أن تدخَّل أستاذنا «ت» فصالح بيننا، ودعوتهم لعشاء عند العجاتي الكبابجي، ثم ذهبنا إلى مقهى الفيشاوي، حيث غنَّى زميلنا «م»: «يوم الهنا حبي صفا لي».
حلم ٣٢٤
رأيتُني صبيًّا ممسكًا بيد أمي، ونحن نسير أمام مدرسة عليا، ويلوح لنا أخي الأكبر، فتدعو أمي له بالتوفيق وطول العمر، ثم أجدني مع أمي أمام المدرسة الحربية، وأخي الآخر الطالب بها يحمل البندقية، ويذهب ويجيء، فتحمِّلني أمي صندوقًا من الكرتون مليئًا بالبقلاوة والكنافة من صنع يديها، فأذهب به وأناوله لأخي فيتسلَّمه باسمًا دون كلام، وأرجع إلى أمي جريًا.
حلم ٣٢٥
رأيتُني صبيًّا جالسًا أمام أبي المتربِّع على الكنبة بعد صلاة العشاء أحدثه كالعادة عن أخبار اليوم، فقلت له: إن أخي الأكبر أخذني أنا وأمي وزرنا المتحف، وحدثته عن التماثيل والتحف، فقال أبي لأمي: ها أنتِ تزورين المتحف الذي لم أزره أنا ولن أزوره.
حلم ٣٢٦
رأيتُني طفلًا بين السادسة والسابعة، وأمي في البيت القديم تستقبل أم علي الداية، وحفيدتها هنيَّة في مثل سِني، فانتهزت فرصة انهماك المرأتين في الحديث، وأخذتُ هنيَّة من يدها إلى السطح، واقترحت عليها أن نلعب لُعبة العروس والعريس، ولكن أمي أدركتنا قبل أن يبلغ العرس ذروته.
حلم ٣٢٧
رأيتُني طفلًا جالسًا بين أمي وعمتي، وعمتي تروي لي قصص الريف، لصوصه وعفاريته، ثم اختفت، فسألت أمي عنها، فقالت أمي لي: إنها رجعت إلى بيتها وأولادها في الريف، فظهر على وجهي الحزن، فقالت أمي معاتبة: ألست أروي لك كل ليلة عجائب القصص عن الإنس والجن؟!
حلم ٣٢٨
رأيتُني أُطِلُّ من النافذة، فأرى جميع الحرافيش أمام الباب، فأنزل وأسلِّم عليهم وأدعوهم إلى الفيشاوي، وهناك أذهب لأُعِدَّ لهم العَشاء، ولما أرجع أجد المكان خاليًا، فسألت النادل: أين ذهب الأصدقاء؟ فأجابني: إنني جئت وحدي.
حلم ٣٢٩
رأيتُني جالسًا مع أسرتي، وإذا نوبة من البكاء تنتابني بلا سبب، فكفَّ أهلي عن ضربي وإهانتي لبلادتي في الدراسة، ومضت أمي إلى الحسين والسيدة، وزارت معي الشيخ لبيب فكتب لي حجابًا، وبعد حين توقَّف البكاء، وخُلِقتُ خَلْقًا جديدًا أدهش أهلي والمدرِّسين لاجتهادي وتفوُّقي.
حلم ٣٢٠
دخلت المحلَّ وطلبت فطيرة، ودخلتْ محبوبتي «ب» مع زوجها، وطلبا فطيرة أيضًا، فجاء النادل لهما بالفطيرة، واعتذر لي بأن الفطائر نفِدَت، فغادرت المكان وهِمْتُ على وجهي، حتى نهشني الجوع، وصادفني محلُّ فول وفلافل فدخلت.
حلم ٣٣١
رأيتُني أمام سراي الزعيم «ف»، وهو يتجه إلى أخيه الصغير، ويقول له: لا تظنَّ أن قرابتنا تحميك من جريمتك، وأعطاه مسدسًا فصوَّبه الشابُّ الصغير إلى رأسه، وأطلق النار، وأجهش الباشا في البكاء.
حلم ٣٣٢
رأيتُني في الجماليَّة وأهلها منطلقون للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، وإذا بالزعيم مصطفى النحَّاس يخطب داعيًا لوضع دستور جديد يقوم على مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية، واحترام حقوق الإنسان.
حلم ٣٣٣
رأيتُني أُلقي محاضرةً في قاعةٍ متسعةٍ مكتظةٍ بالبشر عن الحب والزواج، ثم جاءتني بطاقة بغير إمضاء يسأل مُرسلها عن رأيي، فيمن يضحِّي بالحبِّ والزواج حفاظًا على فنِّه، فدافعتُ عن الحب والزواج، وضربتُ الأمثال وعيني تبحث عمَّن ظننتُ أنها صاحبة البطاقة، فكان قلبي يخفق بشدَّة.
حلم ٣٣٤
رأيتُني بيَّاعًا أدفع أمامي عربة يد، وأنادي على بضاعتي بصوتٍ جميلٍ، ولحنٍ مُبْتَكر: «العراجين يا ملانة.»
حلم ٣٣٥
رأيتُني أتجوَّل في الأزمنةِ، فهذه أمي تستقطر العطر من الورد والزهر وتملأ القوارير من العطر حتى الفجر، ولما حضر الموتُ ابنَ أختي رحتُ أودِّعه، فقال لي: إنه ذاهب ليستقطر العطر من خمائل الورد.
حلم ٣٣٦
رأيتُني في السوق أبتاع قرطاسًا من السمك الصغير، وفي البيت امتدَّت سمكة طولًا وعرضًا، وتألَّقت تمامًا وغنت: «أنا كنت صياد سمك وصيد السمك غيَّة.»
حلم ٣٣٧
رأيتُني في مكان الثور أدير ساقيةً معصوبَ العينين، ثم فكَكْتُ العصابة، فرأيت على بُعد خطواتٍ جميلةً ترقص، فدبَّ فيَّ نشاط جديدٌ، وتدفَّقت المياه إلى القناة، وأنا أحاول الوصول إلى الجميلة قبل أن تخورَ قُواي.
حلم ٣٣٨
وجدتُني مع أمي وهي تُهديني سندوتشات فول، وسندوتشات بيض، ولما كان البيض مُحرَّمًا عليَّ بحكم الطب، فقد تناولتُ الفول، ووزَّعت البيض على الشحَّاذين، فقال الناس: يا له من محسن كريم!
حلم ٣٣٩
رأيتُني في سُرادِق مع آخرين، ونحن ننتظر نَعْشَ المرحوم الدكتور «غ»، ولكن حدثت معجزة إذ ردَّت الروح للمتوفَّى، وجاءنا فاستقبلناه بالهُتاف والتصفيق، ودعانا إلى الغداء، ففريق طار من الفرح، وآخر لم يَدْرِ كيف يواري شعوره بالخَيْبة.
حلم ٣٤٠
رأيتُني في بيتٍ واحدٍ مع «ب»، واشترطوا عليَّ ألا أبرح المكان إلَّا حين يسمح الطبيب، وكان الطبيب يمرُّ كل صباح، وبعد عشرة أيام سَمَحَ لي بالخروج حين أشاء وممارسة حياتي الطبيعية.
حلم ٣٤١
رأيتُني عند قاعدة تمثال عالٍ للزعيم عبد الناصر، وقد أَجْرَوْا مسابقةً لاختيار اسم له، فاشتركت فيها، وكان الاسم الذي اقترحتُه «نصير الفقراء».
حلم ٣٤٢
استقبلت في بيت العباسية جميع الحرافيش، ورحَّبَت بهم أمي، وقالوا لها إنهم غير راضين عن بقائي بلا زواج، حتى جاوزت الأربعين، فقالت: لعلَّكم تتَّهمونني أنا بأني السبب كما يفعل كثيرون، ولكنني بريئة وهو المسئول والسبب.
حلم ٣٤٣
رأيتُني في كازينو اسبورتنج أُطِلُّ على البلاج، وأرى في أول كابينة الحبيبة «ب» مع زميلاتٍ لها في فساتين خفيفة، فلم يكن عند إحداهن شجاعة الخادمة التي خلعت جلبابها، وألقت بنفسها بين الأمواج، ومرَّ بي عرَّاف هندي، وبسطت له راحة كف يدي، فقرأ الخطوط، وقال لي: إنك تنظر الآن إلى رفيقة العمر. وقامت الحبيبة وصعدت إلى الكورنيش، فهُرِعْتُ إلى باب الكازينو، وانتقلت إلى الكورنيش، وأنا مُصمِّم هذه المرَّة، ولكني لم أهتدِ إليها في الزحام.
حلم ٣٤٤
وجدتُني في محلِّ فول وفلافل، وطلبت للإفطار فولًا مُدمَّسًا، فجاءني النادل بطبقٍ فيه فولات ولا شيء سوى ذلك، فسألته عن الإفطار، فقال: إنه نظرًا لارتفاع الأسعار، فقد جعلنا الخبز طلبًا، والزيت، طلبًا، والليمون طلبًا، والملح طلبًا، والزيتونة المُخلَّلة طلبًا، ولكلِّ طلبٍ ثمنه، فأدركتُ معنى الجوع.
حلم ٣٤٥
وجدتُني أسير في شارع يبدو مرَّة كالعباسية وأخرى كالكورنيش بالإسكندرية، ورأيت رجلًا يخرج من أحد المطاعم مُفْرِطًا في السِّمنة لدرجة لم أشهد مثلها في حياتي، وتزحلق الرجل فانحطَّ على الأرض، ولم يستطع الحركة، فأقبل عليه أهل الشهامة يساعدونه على القيام دون جدوى، وسألت أحد الواقفين عن هُويَّة الرجل، فقال لي: إنه الفقر.
حلم ٣٤٦
أخيرًا وجدتُني خاطبًا للحبيبة «ب» واتفقنا على يوم لعَقْد القِران، ولكني أُصِبتُ بالأنفلونزا، فطلبتُ تأجيل الميعاد، وإذا بهم يفسخون العقد، ويُعلنون خطبتها لعريسٍ جديد، ووجدتُني وحيدًا مع حزني وغضبي.
حلم ٣٤٧
أقبل العيد الأكبر، فاشتريت خروفًا، وأطلقته في الحديقة وواليته بالتغذية والتنظيف، ولما جاءت الساعة ووقف الجزَّار فوق رأس الخروف رأيتُ وجهه وقد حلَّ به صورة فتاة مليحة مستسلمة، فكرهتُ أكلَ اللحوم.
حلم ٣٤٨
رأيتُني مع صحبة في صَحْراء الهرم في ليلةٍ قمرية، ومعنا بعض الأطعمة الجافَّة والمياه الغازية، وإذا بنا نرى شبحًا قادمًا من الجنوب، حتى اقترب، فرأينا فيه هيكلًا عظميًّا، فجلس بيننا دون استئذان، وأخذ أحدنا وسار به إلى مدخل الهرم، ولم نعترض، وقلنا: لنهبط الطريق المؤدِّي للمدينة التي تبدَّت في هيئة مصابيحَ مضيئة منثورة تنبعت من جوانبها موسيقى وأغانٍ.
حلم ٣٤٩
رأيتُني في الإسكندرية في زمنٍ مضَى، وقرَّرت أن أبقى يومًا بعد انتهاء الموسم، فيا إلهي! أين الفاتنات السابحات والموسيقى والرقص ومحلات الأطعمة والأشربة؟! لم يبقَ إلَّا الفناء والوحشة وزفير الرياح. وزمجرت الأمواج، وأقبلت موجةٌ عالية فتكسَّرت على البلاج، وتطاير شَرَرُها، فغمر الكورنيش، فجريت إلى الداخل والهواء يدفعني.
حلم ٣٥٠
رأيتُني بين يدَي أبي الهول ويغمرني اكتئاب وخوف من المجهول، ولكنِّي على غير المتوقَّع وجدتُ عطفًا من الشرق والغرب، فشكرت وصليت وتمنَّيت أن يمنَّ الله على روحي بقطرةٍ من الماء النقي الصافي، وعند ذاك عزفت الموسيقى لحن الطُّمأنينة.
حلم ٣٥١
رأيتُني أعيَّن مفتشًا ماليًّا، وسُرعان ما قام صراع بين قلبي وعَقلي، فقلبي يدعوني للرحمة وعقلي يدعوني للواجب، وقد انتصر القلب والرحمة، ولكنني فشِلْت كمفتش مالي.
حلم ٣٥٢
فجأةً اخترق الزلزال قلبي، وجفَّ قلبي، وكانت ثواني كأنَّها أعوام، ولكنَّ الله سبحانَه كتب لنا السلامة، واختلفت الطوائف، فقال المسلمون: إن الله أكرم الخلق إكرامًا لهم، وقال المسيحيون: إن السلامة كانت هدية لهم، وقال اليهود: إنهم أحباب الله منذ القِدَم، واشتد الجدل واحتدم، وكادت الفتنة أن تشتعل.
حلم ٣٥٣
وجدتُني في جمعية الفتاة الحديثة لأكتب عنها تقريرًا، ولفت نظري اسم مديرة الجمعية «ف. أ»، وتأكَّد ظني لما رأيتها، ورجعت في الزمن إلى حين كنت دون السادسة، وكانت المديرة في العاشرة، ولم تكن تكفُّ عن مداعبتي، ولم أكن أكفُّ عن حبِّها، وذكرتها بدرب قرمز، فابتسمت الذكريات على شفتيها، وراحت تسألني عن أمي وأخواتي وزميلات الحارة، ولكن كما تقول الأغنية: «عُمْر اللي راح ما هيرجع تاني»، ولكن قلبي أُفعِم بالسعادة.
حلم ٣٥٤
رأيتُني أقابل مصطفى النحاس بوصفه رئيس الوزارة الجديدة لأسأله عن برنامجه، فقال لي: إن أُولى مهامِّه السفر للمفاوضات، وثمة مشروعات قوانين قدَّمها للبرلمان عن استقلال القضاء، ومحاكمة الوزراء، ومجانية التعليم والنهوض بالصعيد الذي طال إهماله.
حلم ٣٥٥
وجدتُني في حشدٍ مكوَّنٍ من مليون شخص هي نسخ مكرَّرة، فسُمرتهم غميقة وقاماتهم قصيرة وبدينة كأنهم براميل، وقسمات وجوههم غليظة، وإذا بالجيش يتقدَّم تتقدَّمهم فرقة موسيقية تذيع لحنًا يبعث في النفوس الرهبة والخوف، فتساءلت: تُرى أهي مناسبة تاريخيَّة أم جِنازة قومية؟
حلم ٣٥٦
وجدتُني في مكانٍ غريب، ولكنه يلوح كأنه موضع في حديقة، وإذا بها تقف أمامي مبتسمة، وتقول بصوتٍ ناعم: أخيرًا التقينا. فأنعم سعادة وشجاعة، وقلت لها: غدًا سأقابل والدك. وإذا بي أجد نفسي وحيدًا حزينًا، وقد استرددت ذاكرتي، ويمتدُّ أمامي سور من الورد، وهي في الناحية الأخرى، ولم تكن وحيدة، ولم تكن حزينة.
حلم ٣٥٧
رأيتُني وأنا أرجو صاحبي «و» ليحدث قريبته مديرة المنطقة التعليمية كي تنقُلَ ابنتي إلى مدرسة قريبة من البيت، ووعدني بذلك على الرغم من علمه بنفورها من الواسطة، وكان أن حدثت المعجزة، وأمرت بنقل ابنتي إلى المدرسة القريبة، فطلبت المقابلة للشكر، وهناك في حجرتها وجدت امرأة حلَّ فيها الوقار محلَّ الجمال القديم، وقالت لي: لا داعي للشكر؛ فإنما فعلتُ ما فعلت بداعي الشعور بالواجب. وقد حيَّرني قولها، وما زال يُحيِّرني كلمَّا ذكرته.
حلم ٣٥٨
وجدتُني في حفلة لأم كلثوم بصحبة الشيخ زكريا أحمد، وقد بلغ الطرب منتهاه عندما غنَّت «وتميل عليه وتقول له ليه طاوعتني.» وعند انتهاء الحفلة خرجتُ مع الشيخ زكريا نسير في شوارع القاهرة الفاطمية «وتميل عليه وتقول له ليه …» حتى وصلنا إلى حارة بيت القاضي، حيث كان ينتظرنا طاجن كفتة وصينية بسبوسة.
حلم ٣٥٩
وجدتُني جنديًّا مُتطِّوعًا في جيش الدفاع نقضي الليل في أطراف المدينة، وعند الفجر نُصلِّي، ثم نستمع إلى صوت العدو وهو يصلنا عبر الأثير، فيتهمنا بالكفر، ويتوعَّدنا بالويل.
حلم ٣٦٠
رأيتُني تلميذًا في سنة أولى ابتدائي، واقترب مني المدرس وهو يلوِّح بالعصا، وسألني عن معنى كلمة، فإذا بي أجيب الإجابة الصحيحة، فذُهل الرجل، وأبعد عني العصا، وسأل عن معنى كلمة أخرى، فأجبت الإجابة الصحيحة، فقال لي: ماذا جرى لك؟ فقلت: لم أعد أحتمل ضرب العصا والإهانات، فقال لي: برافو عليك. ونظر إلى الفصل وطلب من التلامذة أن يُصفِّقوا لي فدوَّى الفصل بالتصفيق.
حلم ٣٦١
رأيتُني في السادسة في حنطور معي أمي وأختي «أ» في ثياب العروس، ونحن متوجِّهون إلى بيتها الجديد، وهناك استقبلنا أهل زوجها وهو معهم وساروا بها إلى الداخل حيث ينتظر المأذون، ولما علِمَ خالي بذلك غضب، وقال: كيف يراها عريسها ويسير معها قبل أن يعقد الكتاب عليها؟ ولما يئست من عودتها إلى بيتنا قلت لخالي: إني رأيتهما معًا يلعبان الكوتشينة، ويداعب خدَّها ويُقبِّلها، وتوقَّعْت أن يثور ثورةً تردُّها إلى بيتنا، فإذا هو يضحك ويقول لي: لا تتلصص؛ فهذا عيبٌ وحرام.
حلم ٣٦٢
رأيتُني في أول عهدي بالوظيفة ولي رغبة في الزواج، وعملت بعد الظهر في مكتب صديقٍ حميم لأضاعفَ مرتبي، وإذا بزميل يقول لي إنه كشف عملي الثاني، فسألته: ماذا تريد؟ فقال: نصف إيراد العمل الإضافي، فشاورت أهلي، فأجمعوا على وجوب أن أتخلَّى عن عملي الإضافي، وكانوا يتمنَّوْن تأجيل زواجي.
حلم ٣٦٣
رأيتُني راجعًا ليلًا إلى مسكني، وهناك أكتشف أنَّ يدًا عبثت بمحتويات المسكن فأخبرت القسم، وبعد أيام قال لي الضابط إنه تحوم الشبهات حول الناقد الدكتور «ع»، فذهلت وقلت له إنه شخصية مرموقة، ومن نشاطه الفني والأدبي يربح أموالًا طائلة، فقال لي: نحن لا نأخذ بما يقال، ولكن بما تنطق به الحوادث.
حلم ٣٦٤
رأيتُني في ميدان محطة الرمل، وإذا بي وجهًا لوجه مع السيدة «خ» فتصافحنا وقالت لي: ألا تزورني كالزمان الأول؟ فقلت لها: لقد تغيَّر الزمان، فقالت ساخرة: الزمان لا يتغيَّر، ولكن الإنسان لا يثبُت على حال.
حلم ٣٦٥
رأيتُني في السادسة من عمري، وجاءت فتاة قريبتنا، وقالت لأمي: يا تيزة لقد اخترتِ لي زوجًا خسيسًا، ثم جاء الزوج وهو قريبنا أيضًا، وقال لأمي: يا ست أم إبراهيم لقد اخترتِ لي زوجة متوحشة، ولما انفردت بأمي قلتُ لها: يا ست أم إبراهيم لقد اخترتِ لي زوجة متوحشة، فضحكت وخرَّجت قليلًا من كربها.
حلم ٣٦٦
هؤلاء زعماء مصر وهم بالتوالي: عمر مكرم، وأحمد عرابي، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وسعد زغلول، ومصطفى النحاس، ومكرم عبيد، ومحمد نجيب، وجمال عبد الناصر، وأنور السادات، وأنا أقوم بالخدمة، فأقدِّم القهوة والشاي، والسماء تقطر صفاءً والجوُّ غاية في الهدوء، حتى يكاد يكون له عمق وأنغام.
حلم ٣٦٧
رأيتُني في الأرض التي أشجارها تثمر البخور والعطور، وثمة امرأة جميلة تغنِّي لا دوام لشيءٍ إلا الله، وأن الحب موسيقى الوجود وزينته، فيردِّد غناءها جميع الأحباب.
حلم ٣٦٨
وجدتُني أعمل «مسحراتي»، فأدق الطبلة، وأمر بالبيوت، وأدعو سكانها للاستيقاظ والاجتهاد لعلهم ينجحون ويجبرون بخاطري.
حلم ٣٦٩
رأيتُني عندما كانت المدينة تتحول إلى ملهًى، فاكتظَّت الشوارع والميادين بالنساء والرجال وهم يرقصون، وفي الجنبات عزفت الموسيقى الشرقية والغربية، وانتشرت المطاعم والمشارب، أمَّا الإدارة فكانت بيد فريقٍ من النساء الجميلات، وقد عملت سكرتيرًا عندهن، وذُبت في الأشكال والألوان والأنغام.
حلم ٣٧٠
رأيتُني أزور بيت جَدتي، وأراها بمجلسها بين الفرن والبئر، فرحَّبت بي كل الترحيب، وقالت لي: تقبل دعائي أنت وذريتك، وبخاصَّة المساجين منهم.
حلم ٣٧١
رأيتُني في غابة التين الشَّوْكي لأقرأ ألف ليلة وليلة بعيدًا عن الأعين، وفتحت الكتاب فإذا بثعبانٍ ضخم يزحف نحوي، فهربت إلى فيلَّا معبودتي «ع»، واختفيت في حديقتها.
حلم ٣٧٢
رأيتُني أساوم رجلًا لشراء سيارته، واتفقنا على كل شيء، ولما جاء وقت التنفيذ صحوت من نوبة النسيان التي تنتابني، فتذكرت أنني لا أعرف القيادة، ولا رغبة لي في اقتناء سيارة.
حلم ٣٧٣
وجدتُني في نافذة بيت العباسية أُطِلُّ على غابة التين الشَّوْكي، وإذا برجلٍ حافي القدمين يدخل الغابة تتبعه فتاة يبدو أنها بياعة يانصيب، فتابعتهما بدهشة وانفعال حتى ندَّت عني صيحة قوية فانفكَّ الاشتباك، واختفى الفاعلان.
حلم ٣٧٤
رأيتُني أسأل أستاذي عن الثقافة، فقال: إنَّ الثقافة لا حصر لها سواء في التاريخ أو الجغرافيا، ولكل شخصٍ منها على قَدْر طاقته.
حلم ٣٧٥
رأيتُني أتلقَّى دعوة عشاء من المرحوم محمود بك تيمور، وهناك رأيت العديد من الأصدقاء الأحياء منهم والأموات، وارتبكتُ لأني لا أستعمل إلَّا يدي اليسرى، ولكن المذيعة «ص» تطوَّعت لمساعدتي، فقدَّمت لي طبقًا حافلًا بما لذَّ وطاب، ثم غنَّى صوتٌ عذب: «وحقك أنت المنى والطلب.»
حلم ٣٧٦
رأيتُني أهنِّئ صديقي الشاعر «أ» لاختياره رئيسًا لمؤسسة السينما، ورحت أحدِّثه عن تجرِبتي القديمة في المؤسسة، ونصحتُه بالاهتمام بالوقت ليعمل كلَّ يوم من الساعة الثامنة صباحًا، فقال لي إنه يسكن الآن في مُستعمرة بكوكب القمر، ولا يستطيع أن يصل إلى المؤسسة صباحًا قبل العاشرة.
حلم ٣٧٧
رأيتُني أستقبل المرحوم الأديب «ي» فعاتبني؛ لأني لم أسأل عنه طَوال غيبته، فاعتذرت لسوء صحَّتي، وسألته عمَّا فعل في تلك الغَيبة الطويلة، فقال إنه كتب عشر قصص قصيرة هي أجمل قصص في الأدب العربي، ورواية طويلة لا شكَّ في أنها أعظمُ رواية عربية، ثم طلب مني أن أُسمعه صوتي كما كنا نفعل قديمًا، فغنَّيْتُ له: «عشنا وشوفنا كتير … واللي يعيش يشوف العجب.»
حلم ٣٧٨
وجدتُني مع إخوتي، وكان أخي الأكبر يحدِّثني عن عَقْد قِراني، فقلت له: ما هذا الحزن العميق الذي يستحوذ على أمِّنا؟ فقالت أختي الكبرى: إنه بانتقالك إلى بيت الزوجة تصير هي وحيدة في العالم، فقلت: يمكن أن تقيم مع أيٍّ منا، فقالت: أمُّنا غريبة الأطوار، ولا تقبل هذا الحل أبدًا.
حلم ٣٧٩
وجدتُني في الديزل المنطلق من الإسكندرية إلى القاهرة، وقبيل الختام دهمتنا هزَّة فظيعة، توقَّعتُ بعدها انفجارًا أو انشقاقَ أرض العربة، ولكن القطار توقَّف ونزلنا والليل يزحف، وهناك علِمنا أنَّ القطار صدم سيارة نقل كبيرة تعثَّرت، وهي تعبر المزلقان، وتجرَّعنا كآبة، ولم نكفَّ عن التساؤل.
حلم ٣٨٠
رأيتُ أنني في ذكر من أذكار الصوفية أذهب وأجيء، وكان المُنشِد الأستاذ العقاد، حتى تساقطنا على الأرض بين فاقدٍ وعيه، وآخر يكاد يفقِده، ولما ساد الصمت غنَّى الأستاذ العقاد بصوتٍ مؤثر: «يا أهل مصر هنيئًا لكم الحسين.»
حلم ٣٨١
رأيتُني أشاهد التغيُّرات الكبيرة التي حدثت في منطقتنا نتيجةً لشراء شركة كبيرة بعض الحقول حول مساكننا، فقد رأينا وسائل إنتاج لا تخطر بالبال، وتضاعفت المحاصيل وتنوَّعت بصورةٍ مذهلة، وأثَّر أناس الشركة في تقاليدنا وعاداتنا من بَدْء المدارس الأولية، وحتى المساجد، وتمخَّض ذلك كله عن صراعٍ لا يعرف الهوادة.
حلم ٣٨٢
رأيتُني مع خطيبتي نشاهد المساكن ومحالَّ الأثاث، ثم تناولنا الطعام عند كبابجي مشهور، وشعرت في ذلك اليوم بسعادةٍ لم أشعر بمثلها أبدًا.
حلم ٣٨٣
رأيتُني أسير مكتئبًا حتى دفعَني اليأس لزيارة الشيخ الفلكي، وبعد الأسئلة المعتادة عمل حساباته، وقال لي: تعيش وحيدًا وتموت وحيدًا، فقلت له: ولكني لستُ وحيدًا، فقال: أنا أعمل حساباتي ولا يخدعني الواقع.
حلم ٣٨٤
وجدتُني في حديقة الأورمان مع نخبة من طلابِ وطالبات الدكتور طه حسين، وسرعان ما حضر الدكتور، وراح يعلِّمنا أصول الغناء الشرقي والغربي، وجعل يغنِّي ونحن نغنِّي وراءه، وجاء السمِّيعة من المصريين والأجانب، ثم جاء الإعلام من الصحافة والإذاعة والتلفزيون وأصبحت فرقة طه الغنائية أعظم الفرق.
حلم ٣٨٥
وجدتُني مع أستاذي ووزيري الشيخ مصطفى عبد الرازق في وزارة الأوقاف، كان يشاور مدير المستخدمين في إيجاد وظيفة لي، فاقترح أن أكون سكرتير المجلس الأعلى للأوقاف، فسأل الوزير عمن يشغل الوظيفة الآن، فأجاب بأنه الأستاذ الأديب «ك»، وكنت أنا من قرَّائه، فاعتذرتُ عن قَبول الوظيفة، ووافقني أستاذي واستدعى الأديب «ك» وحيَّاه وأكرمه وتركه في وظيفته، وأنشأ في الميزانية الجديدة وظيفة سكرتير برلماني لي، وتأكَّد لي ما عرفناه عن أستاذنا من نُبلٍ وعدل.
حلم ٣٨٦
وجدتُني ضابطًا احتياطيًّا في الفرقة المكلَّفة بحماية الجسور والأماكن الهامة عند اندلاع الحرب، وهاجمتنا طائرات العدو، وأخذت تزلزل الأرض بقنابلها، وأصابت قوة الدفاع إحدى طائرات العدو، فأهلكت من في الطائرة إلَّا واحدًا تمكَّن من الهبوط بالبراشوت فاعتقلناه، وتبيَّن لنا أنه الذي كان أستاذنا في اللغة الإنجليزية وآدابها، فأكرمناه، وراح يحدِّثنا عن الحروب في الآداب المختلفة، وكيف اندلعت لحل مشكلات، ولكنها زادتها تعقيدًا، وختم كلامه بقوله: العدل هو الحل.
حلم ٣٨٧
وجدتُني مع بعض الحرافيش في مسكن المرحوم الشاعر «ص»، ومعه الفنانة المرحومة «س»، فتصافحنا بحرارةٍ، وسألتُه: هل أنت تؤلِّف لها دراما شعرية؟ فقال: إن الذي يجمعني بها الآن الانتحار الذي ارتكبناه ضيقًا بالحياة. وأخذنا نتسامر حتى الهزيع الأخير من الليل، وغادرنا المسكن، أمَّا الشاعر والفنانة فسارا في الشارع الطويل الخالي، ونحن في الناحية المضادة والحزن يملأ جوانحنا.
حلم ٣٨٨
وجدتُني ومعي بعض الحرافيش في مقهى الفيشاوي، وإذا بالمرحوم المعلم فهمي يُقبل علينا ويدعونا للعشاء في بيته، فقمنا معه إلى بيته في حي الحسين القديم، فصعِدنا إلى السطح، وجلسنا في ركن على مرأًى من الدجاج والأرانب، وجاءوا بصينية كبيرة مليئة بالمدمس واللحمة المفرومة، فأكلنا بشهية، ودخَّنَّا تحت النجوم الساهرة، ومئذنة مسجد الحسين رضي الله عنه تُطِّل علينا، حتى هبط منها الصوت الرخيم يؤذِّن للفجر.
حلم ٣٨٩
وجدتُني في محل بيع أقمشة البِدَل بميدان الأوبرا، وهو المحل الذي أتردَّدُ عليه في المناسبات منذ عهد التلمذة، وقال لي صاحبه إنه سيعمل جراحة في غاية الخطورة، فتمنَّيْتُ له السلامة، ويبدو أنه لمس في صوتي الصدق، فأجهش في البكاء، وغادرت المحل دامع العينين.
حلم ٣٩٠
رأيتُ صديقي «ع» وهو يجمع التبرُّعات لبناء مستشفى للفقراء، وبيده بنت في السابعة آية في الجمال، فتبرَّعت له وتبرع أصدقائي، وفجأة اختفى تاركًا الصغيرة، فأدركنا أنها عملية نصب، وأراد كل واحدٍ منا أن يستحوذ على الصغيرة، ومنعًا للنزاع أخذها كل واحدٍ مرَّة ليرعاها، حتى تبلغ سن الرشد، وتختار بنفسها صاحب الحظ الجميل.
حلم ٣٩١
رأيتُني جنديًّا في الجيش بقيادة الشيخ مصطفى عبد الرازق، وقد طرح للمناقشة مشروع سلام في الشرق الأوسط يقوم على العدل الكامل.
حلم ٣٩٢
وجدتُني فجأة في خريف العمر، وما أزال من ذوي الدخل المحدود وحولي بيوت سعيدة. كان من الممكن وبشيءٍ من التفكير السليم أكون رب بيت منها، ولكني أسير وحيدًا نادمًا على ما فاتني من فُرَص وآسفًا على المبادئ المتطرِّفة التي اعتنقتها.
حلم ٣٩٣
رأيتُني في قاربٍ أجدِّف، وإذا سفينة كبيرة تشقُّ النيل، فابتعدت عنها ما استطعت، ولكنها دفعت إليَّ موجةً عالية، فاختلَّ توازن القارب، وأوشكت على الغرق، ولكن أقبلت نحوي فتاة أجنبية كانت تعبر النهر وصعِدت إلى القارب، وسرعان ما استعاد توازنه، وسرت إلى أقرب موقع من الشاطئ، فتركت القارب، وأنا أشكرها من كل قلبي، ووجدتُني في حقلٍ صغير، فعبرته إلى ميدان، وكان رجل يمرُّ فسألته عن المكان، فقال لي: أنت في رحاب السيدة رضي الله عنها.
حلم ٣٩٤
وجدتُني صاحب دكَّان صغير لبيع البسبوسة في روض الفرج القديم أنتظر زبائن آخر الليل من سمَّار الليالي، وزبائن القوارب الشراعية، يَجيئون وهم يترنَّحون وفي لهفة للحلو، فيلتهمون البسبوسة نظير قروش وهدايا من السجائر المعمرة، وأنتظر حتى يذهبوا ويعود السكون، فيجيء الغفير حارس الليل، فندخِّن السجائر معًا، ويدعوني إلى الغناء، فأغنِّي: «على بلد المحبوب ودِّيني.»
حلم ٣٩٥
وجدتُني في حفلٍ لتكريم رموز الثقافة والعلم، ووقف الرئيس وتحدَّث عن «أولاد حارتنا» فنفى عنها أي شبهة إلحاد ونوَّه عما فيها من تسامح واستنارة.
حلم ٣٩٦
سمعت صوتًا آتيًا من الغيب يقول إنهم في العالم الآخر بدءوا يشمُّون رائحةً كريهةً صادرةً من عالمنا، فنظر مستطلعًا فوجد السبب في الفاسد المستفحل، فسألته: وماذا ستفعل؟ فقال: نحن نبدأ بالوعظ والإرشاد، وإذا لم يُجْدِ ذلك عمدنا كارهين إلى وسائلَ أخرى.
حلم ٣٩٧
رأيتُني واقفًا أمام البيت القديم متفائلًا ومستمتعًا، فلمحني الساكن الجديد وهو المغني الشيخ «أ»، وجلسنا في حجرة الجلوس، ورحَّب بي، فهو صديق لوالدي، كما أنَّ حَرَمَه صديقة لأمي، ثم قال إنه مدعوٌّ الليلةَ للغناء في فرح، ولا بُدَّ من بعض التمرينات، وتناول العود ولعب بالأوتار، وغنَّى بصوتٍ عذب: «ياما انت واحشني».
فأكملت وأنا في نشوة الوجد: «وروحي فيك».
حلم ٣٩٨
وجدتُني صبيًّا واقفًا أمام حارة بيت القاضي أنتظر حتى خرج منها رجل أبيض البشرة متمنطق بفوطة حمراء، ويحمل وعاءً مستطيلًا مُغطًّى بغطاءٍ أحمر، وينادي: «دندورمة»، فهُرعت إليه وأعطيته مِلِّيمًا، وقدمتُ له طبقًا، فوضع فيها قطعة من «الدندورمة» ومضى، والتهمت «الدندورمة» بشهية، ثم انتظرت مجيء بياع الكُسكُسي.
حلم ٣٩٩
رأيتُني واقفًا أمام حديقة فيلَّا صغيرة أستمع إلى الصوت الجميل الذي يغني: «رق الحبيب.» وإذا بحبيبتي تبدو عند مدخل الفيلَّا وهي تقول لي: لا تؤاخذني على جرأتي، فما دفعني إليها إلَّا علمي بأنك ما تزال تحبُّني، على الرغم من مرور الأعوام.
حلم ٤٠٠
رأيتُني تلميذًا بمدرسة خان جعفر الأولية والمدرس يشرح الدرس، وأنا مستغرق في تأمُّل صور الكتاب، ويُقبل عليَّ وينهال عليَّ بالمِسطرة ويقول: اسمع نصيحتي وتعلَّمْ حِرفة، فأنت لا مستقبل لك في التعلُّم.
حلم ٤٠١
رأيتُني في فرح إحدى قريباتي، وخصوا الصبية بمائدة عشاء، فجلسنا حول المائدة، وكلما جاءونا بطبقٍ انقضُّوا عليه، وهكذا حتى فرغ العشاء دون أن أذوق منه شيئًا، وذهبت إلى أمي وحكيت لها ما حصل، فقامت وجاءتني بطبقٍ فيه سندوتش من الجُبن، وبعض الحلوى.
حلم ٤٠٥
رأيتُني راغبًا في التغيير، وكلفت أختي الكبيرة بأن تختار لي عروسًا من الجيران، وفي الوقت نفسه ذهبت إلى قبر أمي لعلَّها تبارك زواجي، وباركته بصوتٍ فاترٍ وتحت شرط ألَّا أخضع لمطالب أهلي الجُدد عند الاختلاف، وقد اختلفت حول المهر والمسكن، وفي أثناء ذلك تقدَّم لهم شاب بلا عقبات، فقبلوه وتذكرت النشيد: «يا قليل المال .. رفقتك محال .. في زمن الأندال».
حلم ٤٠٦
رأيتُني في البيت القديم وهو على حالٍ يرثى لها، فرسمت خطة لبعثه في الحياة من جديد، وشاورت بعض الأصدقاء، فأشاروا عليَّ ببيعه وشراء شقَّة عصريَّة، ولكني صمَّمت على خطتي وهي تقوم على ترميم الجدران، وتجديد المرافق والمصابيح على أحدث الأساليب العصرية، وانتظرت لتسلُّم تحفة معمارية وأنا أغني: «يا بيت العز يا بيتنا.»
حلم ٤٠٧
رأيتُني في حديقة الجيران كهلًا يتذكَّر المرات التي أتيحت له ليتزوج، ولكنها خابت، وها هو يقف وحيدًا أمام الزمن، ويتذكَّر أغنيته المفضلة: «أراك عصيَّ الدمع شيمتك الصبر.»
حلم ٤٠٨
رأيتُني العائش الوحيد مع أمي بعد زواج إخوتي وأخواتي، وشاهدتُ بيعها لبيتها القديم، وتجمَّع بضعة جنيهات بين يديها، وراحت تقدِّم الهدايا لإخوتي وأخواتي، وبخلاف المتوقَّع لم تقدم إليَّ هدية بمِلِّيم، فعجِبتُ لسلوكها، وازددت كربًا على كرب.
حلم ٤٠٩
رأيتُني وحدي أخيرًا، وإخوتي يختارون ما يعجبهم من الأثاث القديم، ولمَّا أعترض يقولون لا مفرَّ من زواجك غدًا أو بعد غد، وسيَجيئك الجهاز بكل ما يرضيك.
حلم ٤١٠
وجدتُني مع إخوتي نتفق على القيام بنزهةٍ فسبقوني إلى الطريق، وصعِدت إلى حجرتي لأتمَّ زينتي، فرمقت تحت الفراش لصًّا عملاقًا لا قِبل لأحدٍ به، فناديت إخوتي فلم أسمع إلا الصمت الثقيل، فقلت: أتفق مع العملاق فأتركه يذهب بهدوءٍ ولا يمسُّني بسوء، ولكنه استمع بغير مبالاةٍ، فعلمت أنه لا فائدة.
حلم ٤١١
رأيتُني مع بعض أقرباء معبودتي، ثم انضمَّت إليها المعبودة، وحدَّثتنا عن سهرة أمس مع الأسرة لمشاهدة «الغندورة»، تمثيل وغناء منيرة المهديَّة، فقلت لها: إذا كنتِ تُحبِّين صوت منيرة، فلا بُدَّ من سماع «أسمر ملك روحي»، وهكذا غازلتها وأنا لا أدري.
حلم ٤١٢
رأيتُني تحت الشجرة أتأمَّل نوافذ الفيلَّا المغلقة بعد سفر الأسرة إلى رأس البر، وسألتُ نفسي: كيف ستكون حياتي في غيابها شهرًا كاملًا؟ وماتت الحياة في نظري، وتكوَّمت جثتها على صدري، حتى صرت عصفورة تقفز من غصنٍ إلى غصن حتى عودة المحبوبة من مصيفها.
حلم ٤١٣
رأيتُني في أعقاب صلاة المغرب أناشد العزيز الرحيم أن يُعفيَني من هذا الحب، فسمعتُ صوتًا يقول لي: وهل تحتمل الحياة بغير هذا الحب؟
حلم ٤١٧
وجدتُني في احتفالٍ عظيم، ويتقدَّم مصطفى النحاس رئيس الوزراء من الملك، ويتهمه بالفساد في سياسته وأخلاقه، ويسمع ذلك جميع السكان، ويصيح رئيس الديوان مُتهِمًا الزعيم بالخيانة العُظمى، وتقع اضطرابات، ثم ينطوي نظام ويهلُّ نظام جديد.
حلم ٤١٨
رأيتُني أُنقل من القاهرة إلى بلدة ريفية، فأضيق بها حتى يدلَّني زميل على فندق حديث يملكه ويديره رجل يوناني، واستأجرتُ حجرةً كاملةَ الأوصاف تتصل بها استراحة بها تلفزيون ومكتبة، ولكن مرتبي لم يكفِ لتغطية حياتي، حتى إني لم أذُقِ اللحوم إلَّا يومًا واحدًا في الأسبوع، ولكني فضَّلتُ التقشُّف مع الحياة الجميلة في الفندق.
حلم ٤١٩
رأيتُني أدخل بيت صديقي «ع» ويلاحظ أنني متغيِّر، فأجهش في البكاء، وأقول له إن صديقتي «ف» ماتت فجأة، ولَكَم تمنت أن تتزوج مني ثم تتوب، فكيف هان عليَّ أن أحرمها من الحب والحياة الشريفة في ظل التوبة؟!
حلم ٤٢٠
وجدتُني في الإسكندرية لقضاء بضعة أيام من الخريف بجوِّها الجميل، وزُرت الصديقة القديمة، وهناك رأيت كريمتها الزميلة تجالس رجلًا أثار منظرُه نفوري، وإذا بي أجدني في قفص الاتهام تنهال عليَّ الأسئلة عن الأسباب التي دفعتني إلى القتل، ولا أجد من جواب إلَّا أنني ما جئت إلى الإسكندرية إلا لقضاء بضعة أيام من الخريف في جوِّها الجميل.
حلم ٤٢١
رأيتُني مشتركًا في سباق الدرَّاجات في مصر العليا، وأحرز تفوُّقًا، فيدعوني الزعيم إلى مقابلته، ويُهديني مكافأة لي الرغيف الصعيدي، وهو يقول: إنَّ من يتناول لُقمة من هذا الرغيف يظل على إخلاصه لي مدى الحياة.
حلم ٤٢٢
رأيتُني أتعلَّم السباحة على يد خبير، وأسبح بعد ذلك في مياه الشاطئ مع صديقي «م» التاجر الساخر، ونغطس معًا حتى نجد البيت ذا الجدران الوردية، وأعلن عن رغبتي في الدخول فيقول لي صديقي: لا صعوبة في الدخول، ولكن الخروج منه مستحيل، فأقول له: إن أمنية القلب في الداخل فلا يهمُّني الخروج، فيقول لي: وإذا لم تجد في الداخل أمنية القلب واستحال الخروج؟ ولكني دخلتُ مطمئن القلب.
حلم ٤٢٣
رأيتُني أسبح في مياه الشاطئ وعلى شيء من البعد رأيتُ أمي وأخواتي ومعبودتي «ع» وحبيبتي «ب» يسبحن، فسَبَحَتُ نحوهن، ولكن ظلَّت المسافة بيني وبينهن كما هي أو ازدادت اتساعًا، حتى سمعت صوت أمي يحذِّرني من الغرق، فتوقَّفت عن السباحة، ورأيت الأحباب يختفين في الأفق.
حلم ٤٢٤
رأيتُني جالسًا في شرفة الفندق المُطلَّة على البحر أتذكَّر أحداث يوم بدأ من وجودي في مجلس الحكيم وأصحابه من رجالات العهد البائد، ثم من وجودي في حديقة «سان استيفانو» مع آباء الإسكندرية، وفي مقدمتهم المرحوم يوسف عز الدين عيسى، والمرحوم نعيم تكلا، والأساتذة محمد الجمل، وسعيد سالم، وعبد الله الوكيل، ثم وجدتُني في المقهى الذي يُديره قريب الزعيم، ويؤمُّها الوفديُّون بعد أن جار عليهم الزمن، وانتظرنا حتى رأينا سيَّارة الزعيم مصطفى النحاس، وهو يختفي داخلها بعد أن حرم عليه الاتصال بالشعب، وها أنا جالس في الشُّرفة المُطَّلة على البحر، وقد مرَّت بي أحداث تبعث على السرور والضحك، وأخرى تدعو إلى الحزن والدموع.
حلم ٤٢٥
رأيتُني مع الحرافيش في دار الأوبرا نشاهد الباليه المصري الحديث المستوحى من التراث الشعبي والفن الأوروبي، وقد نجحت التجربة، ولكن لفت نظري راقصة تحمل سماتٍ من معبودتي «ع»، فاهتممت بها حتى ظنَّ أصحابي أنَّ ثمة بدايةَ عشق جديد.
حلم ٤٢٦
رأيتُني من المقرَّبين من حاكم الجنوب في مصر، وكان حديثُه يدور حول الجماعات المتناحرة على شاطئ النيل، ويومًا قال لي إن النيل جاءه في المنام، وقال له إنه يعهد إليه بتوحيد الجماعات المتناحرة في جماعة واحدة متعاونة، وأن يكون مَلِكًا عليها يقوم بتوزيع المياه بينها بالعدل.
حلم ٤٢٧
أراني استيقظت فزعًا على رنين الجرس، وهُرِعت إلى باب الشقة، فوجدت أن الصمت يسوده من جميع النواحي، فرجعت إلى المجلس الذي عنده سرقني النوم من السعادة المنتظرة.
حلم ٤٢٨
رأيتُني أجدُ المرحومة «ب» تحت شجرة جميز، فقلت لها إني كثيرًا ما أراها في أحلام اليقظة والنوم، فماذا فرَّق بيننا؟ فقالت لي: تذكَّر ما حدث في شارع الكورنيش، فقد تبعتني خطوة بخطوة، حتى تمنَّيْت أن توجه لي كلمة، فأستجيب لك فورًا، ولما طال انتظاري قرَّرت أن أتغلَّب على خجلي، وأنظر خلفي نحوك، ولكنك أرخيت جفنيك فتولَّاني اليأس من ناحيتك، فقلت: يا لَلخَسارة! فإن السعادة سعت إليَّ حتى كانت مِنِّي على بُعد قيراط، فماذا أعماني عنها؟!
حلم ٤٢٩
رأيتُني في حقلٍ بلا ضفاف، وكل موضع فيه يموج بالإناث والذكور في أجمل زينة، وأتمِّ سرور، فرُحتُ أبحث عن المُنى والطلب، ولكني لم أعثر عليهما فغنيت:
حلم ٤٣٠
رأيتُني أصافح الصديق «ع» بعد خصومة سياسية، واحتفالًا بالصلح دعاني إلى قصره، وهناك جلسنا في الحديقة، وراح يُسمعني آخر إنتاجه الشعري، ثم جاءنا السفرجي بالعَشاء المكوَّن من الفول المدمس والطعمية، وقال لي: أنا أعلم أن هذا هو عشاؤك المفضَّل، فقلت له: إذا اشتقت إلى هذه الوجبة، فابحث عنها في الأحياء الشعبية، وخاصةً حيَّ الحسين رضي الله عنه.
حلم ٤٣١
رأيتُني جالسًا على شاطئ البحيرة الساحرة التي يعكس سطحها الماسي القبَّة السماوية بكل جمالها وجلالها، وإذا بوجه معبودتي «ع» يتجلَّى ويختفي في مثل سرعة البرق، فانتظرت أن يتجلَّى ثانيةً دون جدوى فرحت أناجيها: وهواكِ عندي كالغناءِ لأنه حسنٌ لديَّ ثقيلُه وخفيفُه.
حلم ٤٣٢
وجدتُني في سكرتارية حاكم المدينة زميل صباي أطلب مقابلته منتظرًا استقبالًا حارًّا مُفعَمًا بالذكريات، ولكنه استقبلني بفتورٍ هوى عليَّ كالصفعة، فقلت: لعلِّي ذكَّرته بأيام فقره وصعلكته وفساده. وقال لي: إذا كان عندك شكوى فاكتبها واتركها مع السكرتير. فغادرت حجرته، وقد انعقد عزمي على ألَّا أراه ثانية، وأن أحكتم إلى القضاء، وفي أثناء ذلك وقعت محاولة اغتياله، وهو يغادر أحد قصوره.
حلم ٤٣٣
رأيُتني في اليوم الذي تزوج فيه مصطفى النحاس والشعب أراد مشاركته في فرحته، فعُلِّقت الزينات على أبواب الحوانيت والمقاهي، وغنَّى مَن غنَّى، ورقَصَ مَن رقَص، وعند منتصف الليل دعا الزعيم وعروسه كبار المهنئين ليشكرهم، فانبرى من بينهم الموسيقار محمد عبد الوهاب وغنَّى بصوته الرخيم: «جَفْنُه علَّم الغَزَل.»
حلم ٤٣٤
وجدتُني وحيدًا والشباب يفارقني، وقد فعلت ذلك بإرادتي، ووجدتُني بين خيارين؛ ففي الأول الحرية المطلقة التي أتمتَّع بها، وإن شابها أحيانًا شيء من القلق، وفي الثاني توجد قريبتي «ف»، وهي تَعِدُ من يتزوج منها بالاستقرار والطُّمأنينة، ولما طال تردُّدي بين الخيارين كانت العصفورة قد فرَّت من القفص، وعند ذاك شعرت بالخَسارة البالغة، وبأنني سأدفع ثمن تردُّدي حتى نهاية العمر.
حلم ٤٣٥
رأيتُني أسبح في البحر متجهًا نحو الصخرة التي تجلَّت مثل تل في ضوء القمر، وإذا ببركان يثور في وسط الصخرة، ويتطاير من فوَّهته نساء جميلات ينتشرن في أنحاء الصخرة كاللآلئ وجلسنا نغني كلَّنا: «البحر بِيضحَكْ ليه.»
حلم ٤٣٦
رأيتُني سائق ترام في العباسية، وأمام إحدى العِمارات لمحتُ في النافذة محبوبتي، فأوقفت الترام وانطلقت إلى مسكنها، وراحت هي تلبس ثوب الزفاف، وغادرنا المسكن وهي متأبِّطة ذراعي، فرأيت وراء ترامي طابورًا من الترامات، كما وجدت في انتظاري مفتش المصلحة وضابط المباحث والطبيب النفسي، فساقوني إلى التحقيق، فذهبت معهم وعروسي متأبِّطةٌ ذراعي.
حلم ٤٣٧
وجدتُني أموت جوعًا، ووجدت محلَّ كبابجي، فجلست وطلبت طبق كباب، ولكن النادل وقف وقال لي أن أدفع مقدَّمًا، فغضبتُ ولكنَّه أصرَّ، ومن شدَّة الجوع دسستُ يدي في جيبي الداخلي لأتناول المحفظة، فلم أجدها وبحثت في كل الجيوب وصِحْتُ: إنها سُرقت، فتركني الرجل، وغادرت المحل، وفي الخارج وجدت الشرطة تقبض على صاحب المحل، ولما سألت علمت أنه متهم بذبح القطط والكلاب الضالة، فكدت أنسى جوعي، وأسرعت نحو بيتي.
حلم ٤٣٨
رأيتُني مع بعض الأصدقاء نتحلَّق مائدةً في بار صغير أنيق والنادل يملأ لنا الكئوس، وسرعان ما شعرت بالطَّرَب يتمطَّى في قلبي، والخفَّة تنتشر في صدري فأُوشك أن أطير، وقلت: صدق من سمَّاها بالمشروبات الروحية، وإذا بالمعبودة «ع» تتجلَّى وسط منصة الأوركسترا، وهي تقول: سمِّها باسمها الحقيقيِّ وهو مشروب العاشقين.
حلم ٤٣٩
رأيتُني وأنا أحلم برحلة بالعالم الآخر في حديقة فيها أشجار وبساتين وأزهار وجداول لم أرَ مثل جمالها أبدًا، ورأيتُ فيمن رأيتُ المعبودة «ع»، والمحبوبة «ب»، وسعد زغول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد، وكانوا ممن يسبحون في الجداول، أو يطيرون بين الأغصان، وإذا بي أرجع إلى مدينتي العشوائية، ولكني سرعان ما اتفقت مع مكتب هندسي، فأدخلنا الصرف الصحي والكهرباء والماء، وجعلنا لنا سورًا من الياسمين والفل وموقفًا للمساكن، وآخر للمدارس، ومستشفى كبيرًا ومسرحًا عظيمًا، ودارًا للعرض السينمائي، وآخر للفنون التشكيلية، وأنشأنا بينها جداول مائية وبساتين وحدائق، وانبهر الناس بما نصنع، ولعلِّي الوحيد الذي شعر بالفارق العظيم بين الواقع وما حلمت به.
حلم ٤٤٠
رأيتُني في ميدان بيت القاضي يوم الاحتفال بالمَحْمِل، وجاء المَحْمِل يتهادى فوق الجمل، ويسحب وراءه حاملات الكسوة الشريفة، ويموج الميدان بالناس من جميع الأشكال والألوان، ويهتفون بجميع اللغات بالحرية والعدل وحقوق الإنسان، ويُظلُّهم السلام والحب.
حلم ٤٤١
رأيتُني أصافح صديقي «م» بعد غياب أكثر من عامين، فقال لي: إنه اشترك في جِنازة النحاس باشا، وهتف: إلى الفردوس يا نحاس، وفي المساء اعتُقلت، ورَمَوْا بي مع آخرين في السجن دون تحقيق ولا محاكمة، وهكذا ذهب النحاس إلى الفردوس وأنا إلى السجن.
حلم ٤٤٢
رأيتُني أصافح زميلي القديم «ع» الذي فصلَته من العمل لجنة التطهير عقب قيام الثورة، فقال لي: إنه تابع بعض أعضاء اللجنة، وكانوا أفقر منه وهم الآن يركبون السيارات، ويقطنون القصور.
حلم ٤٤٣
رأيتُني وأنا مدير شركة إنتاج سينمائي وتجيء لمقابلتي والدة بطلة الفيلم الذي أعده «ز»، وردَّت إليَّ العربون في ظرف، وهي تقول إن ابنتها تحجَّبت وتابت عن ماضيها، ففزعت على المال الذي صرفته لإعداد الفيلم، وعلى الخطة التي أعددتها للاستيلاء على الراقصة، فطلبت من أمها أن أقابلها، فقالت: إنها لا تقابل الآن إلا الدعاة، وهذا محامي الشركة «أ»، طلبت منه إقامة دعوى فيقول: لِمَ؟ إن الناس ستقول إن هذه امرأة تطلب التوبة، وهذا رجل يريد أن يُرغمها على العودة إلى حياة اللهو، فتصبح أنت هدفًا للإرهابيين.
حلم ٤٤٤
وجدتُني مع صديقي الحميم «ع»، وهو يدعوني إلى الانضمام إلى جماعة سريَّة تعمل لحساب الملك، فرفضت لا حبًّا في الثورة، ولكن اقتناعًا ببعض إيجابياتها، وفي مقدمتها القضاء على النظام الملكي.
حلم ٤٤٥
وجدتُني أستقبل في مكتبي السيدة «ن» جارتنا القديمة في العباسية، وهي تأمل في أن أجد عملًا لابنها الوحيد الذي بلغ العشرين، وما زال أُمِّيًّا، حتى اسمه لا يعرف كيف يكتبه، فوقعت في حيرة وسألتها: هل تقبلين أن أبحث له عن عمل في خدمة أحد السادة الجدد؟ فانتفضت غاضبة، وصاحت في وجهي: نحن السادة وأنتم الخدم.
حلم ٤٤٦
وجدتُني طفلًا ألعب فوق سطح بيتنا القديم في الليالي القمرية، فعشقت القمر والنجوم والليل، ونَما هذا العشق مع نموِّ عمري، حتى تردَّد في أغاني صباي وشبابي مثل: «يا ليل يا عين» و«قمر له ليالي» و«عندما يأتي المسا ونجوم الليل تنثر».
حلم ٤٤٧
رأيتُني تحت شجرة الليمون أحادث نفرًا من أصدقائي الجدد، وإذا بفتاة تُقبل نحونا، وتتابع الحديث، فغمر وجدي شعور لم أعهده من قبل على كثرة ما رأيت من جميلات الجمالية والعباسية، هكذا استقرَّ حب «ع» في أعماق روحي إلى الأبد.
حلم ٤٤٨
رأيتُني أسير حائرًا في شوارع وسط المدينة، وثمة طوابير من الجنود تنتقل من شارع إلى آخر، ثم أخذت الطوابير تختفي، ويحل محلها أشجار ليمون، فتتطاير ثمارها، حتى تنعقد مظلة تقطر عطرًا، فيعبق المكان بشذا طيب.
حلم ٤٤٩
رأيتُني في حديقة غنَّاء مكتظة بالنساء والرجال والمآكل والمشارب، وإذا بصوتٍ يهمس في أذني: إن لم تستحِ فاصنع ما شئت.
حلم ٤٥٠
رأيتُني في مكانٍ خالٍ، وإذا برجلٍ يسير متوكئًا على عكاز، وهو على حالٍ صحيَّةٍ تدعو للرثاء، فأعرف فيه الزعيم أحمد عرابي، وأسأله عمَّا حلَّ به، فيقول إنه فِعل المنفى الطويل، وسوء الاستقبال الذي لقيته عند العودة للوطن، فأقول له متأثرًا: إن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملًا.
حلم ٤٥١
رأيتُني أسير على شاطئ النيل في حديقة مزهرة، وأرى غير بعيد معبودة روحي «ع» واقفة، فهُرعت إليها، وأقول لها: هذه فرصة لألمسك فصافحيني، وقد كان ذلك أمنية حياتي، فتقول لي: إني في طريقي إلى العالم الآخر، فهتفت بذهول: إنكِ ما زلتِ في عزِّ الشباب، واقتربت منها مادًّا يدي فاختفت تاركة إيايَّ للحسرة والأحزان.
حلم ٤٥٢
وجدتُني في مقهى الفيشاوي بصحبة الشيخ زكريا أحمد، وصاحب المقهى المعلم فهمي يرحِّب بنا، وعزف الشيخ زكريا بأوتار العود وغنَّى: «آه يا سلام زاد وجدي آه.» فأكمل المعلم فهمي: «والصبر طال من غير أمل»، وأكملت أنا: «إمتَى الجميل يِصنع جميل وأفرح وأقول حبِّي عَدل»، وفي أثناء ذلك لم يتوقَّف المعلم فهمي عن خدمة الجلسة، حتى غبنا في دخان التمباك العجمي.
حلم ٤٥٣
رأيتُني في الإسكندرية بعد غَيبة طويلة، فجاءت السيدة «خ» لترحِّب بي ومعها زميلاتها، فهنأنني بالسلامة، وراحوا يرقصن ويغنِّين:
حلم ٤٥٤
رأيتُني وسط مظاهرة ضخمة في ميدان عابدين ننتظر ظهور الوزارة الشعبية الجديدة، وإذا بالوزارة تغادر السراي يتقدَّمها رئيسها الجليل، وكلُّهم يرتدون الجلابيب واللاسات البلدية، ورئيسهم يقول: أنتم طالما سمعتم الوعود المعسولة دون أن يتحقَّق شيء، انظروا الآن إلى ملابسنا، فهي تشي بما سنعمل دون حاجة إلى كلام.
حلم ٤٥٥
رأيتُني راجعًا إلى بيتنا في العباسية، وها هي أمي تُخبرني أنَّ الفنانة «ف» سألت عني بالتليفون فاتصلتُ بها، وبعد تبادل التحيات قالت لي إنها تطلب مني كتابة قصة لفرقتها عن الحبيب، الذي فارق أحبابه، فما انتفعوا بالعيش من بعده ولا هو انتفع.
حلم ٤٥٦
رأيتُني في حجرة مدير المستخدمين، وهو يُهنِّئني بالترقية إلى وظيفة في تفتيش الوزارة بالشرقية، فاختلطت الفرحة بالانزعاج، وقلت له: إن الوباء استفحل هناك. وقال لي: إن الترقية بالأقدمية ولا مفرَّ منها، والأعمار بيد الله. وفكَّرتُ طويلًا، ثم سلَّمتُ أمري لله. وفي يوم الرحيل جاء نفر من زملائي لتوديعي، وانطلق القطار يُردِّد اللحن الجنائزي.
حلم ٤٥٧
وجدتُني مع الآنسة «ج»، وقد نفِد صبرُها، وقالت إنه تقدَّمت بها السِّن، وطال انتظارها، فرجوتها أن تمدَّ الصبر قليلًا، ولكنها رفضت، وانفصلنا متخاصمَين، وهكذا انفسخت العَلاقة.
حلم ٤٥٨
وجدتُني مع زملائي في المكتب في لقاء مع الوزير الجديد، وقال لنا: إنَّ مدير المستخدمين في انتظارنا؛ ليوزعنا على وظائف جديدة، وبذلك يتمكَّن الوزير من تكوين مكتبه، وفي صباح اليوم التالي أُذيع بيان الجيش معلِنًا عهدًا جديدًا، وإذا بالملك نفسه يبحث عن مقرٍّ جديدٍ بعيدًا عن مملكته.
حلم ٤٥٩
رأيتُني مع مجموعة من الأصدقاء نتسابق فوق متون جيادنا، حتى بلغنا الميدان، فتفرَّقنا وزِدنا من سرعتنا، وإذا بجوادي يرتفع عن الأرض رويدًا رويدًا، حتى استوى تمثالًا من البرونز على ارتفاع شاهق.
حلم ٤٦٠
رأيتُني أسير في حقل بلا حدود، وبي حذر شديد لثأر قديم، وتُصادفني غابة من أشجار البرتقال، فاندسست فيها، ومن شدة الحذر تحولت إلى شجرة مُثقَلة بالبرتقال ذات منظر شهي، وعبير زكي.
حلم ٤٦١
رأيتُني في بَهْو استقبال يجمع بين أهلي وأهل خطيبتي، وهذا المأذون يُعِدُّ دفتره ليعقد قراني، وإذا بخطيبتي تندُّ عنها صرخة، وتقع على الأرض متخشِّبة الجسد مرتعشةَ الأطراف، غائرة العينين، والرغوة تسيل من فمها، فهُرع إليها أهلها وحملوها، وذهبوا بها مخلِّفين وراءهم حسرة خانقة لا شفاء منها.
حلم ٤٦٢
رأيتُني أستجمع شجاعتي لأصارح أهلي بأنني قرَّرتُ الزواج من «ج» التي هي خادمة في بيتها مع أمها، فذهلوا جميعًا، فالبنت أمِّية سيئة السلوك، وأقرب إلى القبح في شكلها، والأعجب أنها لم ترحِّب بيدي الممدودة، ونشِبَت مشاجرات بينها وبين أمِّها انتهت بهروبها، فأصابتني طعنة دامية في كرامتي وكراهية لفكرة الزواج دامت معي إلى الأبد.
حلم ٤٦٣
وجدتُني في مظاهرة ضخمة، نسير ثلاثة: صديقي «ك»، وإلى يمينه شقيقته التي أحبُّها، وأنا إلى يساره، وما زِلنا نسير ونهتف، ويتقدَّم بنا العمر.
حلم ٤٦٤
رأيتُني أستيقظ على صوت المسحراتي، ودقَّات طبلته، ولما ناداني سرتُ وراءه متنقِّلًا من موضعٍ إلى موضع، ولم يعثر عليَّ أحد.
حلم ٤٦٥
رأيتُني في حقل تحيط به أشجار الحور والجازورينا، والشمس تتوسَّط السماء، وهذه «ع» ترتفع عن الأرض رويدًا رويدًا، حتى تغطِّي قرص الشمس، ويخيِّم الظلام، وتتلألأ النجوم وتغنِّي البلابل: طلع البدر علينا.
حلم ٤٦٦
رأيتُني في الميناء، حيث ترسو سفينة النزهة في انتظار الرُّكاب، ولكن تشترط أن يكونوا متزوِّجين، وأن يصحب كلٌّ زوجته، وعلِم صديق بحالي، وأخذني إلى مسكنه، وزوَّجني من شقيقته العانس، ورجعنا إلى المينا، فوجدنا المكان خاليًا، ورأينا السفينة تُبحر في الأفق والزوجة التي تزوجتها عن غير رغبة تتأبَّط ذراعي، أمَّا أنا فأتخبَّط في مقام الحيرة.
حلم ٤٦٧
وجدتُني شحَّاذًا في الحي الإفرنجي، ورحت أتسوَّل في المقهى مترنِّمًا ببعض المدائح النبوية والخواجات يرمقونني بازدراء واشمئزاز، ثم طلبوا من النادل إبعادي، فمضَى الرجل معي مُبديًا عطفه الشديد، ونفحني بشيءٍ من رزقه.
حلم ٤٦٨
رأيتُني أربح الورقة الأولى من اليانَصيب بعد صبر طويل، وأجد في يدي تكاليف الزواج، فأذهب إلى خالي، وأطلب يد ابنته، ولكنه اعتذر لي، ووافق على زواجها من أخي، وقال لي: إنكما متساويان في كلِّ شيء، إلَّا أنَّ أخاك كان يدَّخر، حتى وفَّر كلَّ تكاليف الزواج، فعرفت أنه بخلافك، يشعر بالمسئولية، وأردتُ أن أسأله عن رأي ابنته، فقال لي: إنه صاحب الرأي، وأدرَى بمصلحتها.
حلم ٤٦٩
رأيتُني أُضبط في بيت قِمار ودعارة، وأدركت أنه لا مفرَّ من السجن، وأنها ستكون كارثة لإخوتي الذين فازوا في كل شيء في الحياة، فكنت أنا الأخ الفاسد في كلِّ شيء.
حلم ٤٧٠
رأيتُني واقفًا مع فتوَّاتنا ننتظر، حتى جاءت الزفَّة والعروسان والأنوار والمغنِّي يغنِّي «يا ليل يا عين»، «عجايب والله عجايب»، فهجمنا على العريس، وتصدَّى لنا فتوَّة حارته، ودارت معركة حامية، وفقدت الوعي، ولما استيقظتُ وجدتُ نفسي في القصر العيني بين الحياة والموت من ناحية، وتهمة القتل والإخلال بالأمن من ناحية.
حلم ٤٧١
رأيتُني في حجرة النوم، وتزورني السيدة «ص»، ونتحدَّث عن ذكرياتنا القديمة، ونتبادل الحب، ثم تودِّعني وتنصرف، ويَجيئني من الخارج صوت شقيقتي «ر»، وتنشَب بين المرأتين معركة كلامية.
حلم ٤٧٢
رأيتُني صبيًّا مع أمي، وهي في فناء البيت تعد الطيارة الورقية للطيران، وأجلس على قاعدتها المزخرفة، وتمضي هي في حركتها، وهي ترتفع رويدًا رويدًا، حتى تبلغ الأفق، فيُتاح لي أن أرى الحيَّ من فوق مثل الأسطح، وما فيها من دجاج وأرانب ورءوس الأشجار بثمار «دقن الباشا»، وأعالي المآذن، وتتلو أمي الآية الكريمة: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فأردُّ وراءها: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
حلم ٤٧٣
رأيتُني في حجرة مكتبي، وفجأة أنام وأحلم أني في بيت «ب»، وأنهم يعقدون قِراننا، وبعد ذلك نذهب كل صباح لإعداد المَسْكن والأثاث، ونعود لأجلس معها في حجرتها، ونمارس الحب، فتغمرني سعادة هائلة وأغني، ولكني صحوت من النوم والحلم، وتذكرت أن «ب» تُمضي شهر العسل مع زوجها وغنيَّتُ: «قدك أمير الأغصان من غير مكابر.»
حلم ٤٧٤
رأيتُني أستقبل في بيتي الأستاذ «غ» الناقد الكبير، وهو على الرغم من ماركسيته إلَّا أنَّ نقده اتسم بالموضوعية، ولذلك كان الناقد الماركسي الوحيد الذي أنصف أدباء غير ماركسيِّين، وقلت له إنَّ بعض الأصدقاء حدَّثني عن صوته العذب، وعِلمه بالغناء قديمه وحديثه، ورجوته أن يُسمِعني صوته، وراح يغنِّي «آه يا سلام آه، زاد وجدي آه، والصبر طال من غير أمل، إمتى الجميل يصنع جميل وافرح، وأقول حبي عَدل.»
فطرِبتُ طَرَبًا عظيمًا وأمضينا الليلَ مُتنقِّلَين بين الأدب والغناء.
حلم ٤٧٥
رأيتُني مشتركًا في الاحتفال بمولد الحسين رضي الله عنه، وقد اكتظَّت الميادين والشوارع والحارات والأزقَّة بملايين البشر، وعند مُنعطَفٍ لمحت وجه محبوبتي «ع»، فخضت أمواج البشر نحوها، ولكنها ضاعت مني في الزحام، وما زلت أبحث عنها حتى أعياني البحث، وهنا هبط عليَّ صوت الشيخ علي محمود وهو يؤذن لصلاة الفجر، فقرأت الفاتحة.
حلم ٤٧٦
رأيتُني مشاركًا في سباق الدرَّاجات الذي يبدأ من العباسية، وينتهي عند بيت الأمة، وفزت بجائزة وهي عبارة عن قلم أبانوس وبطاقة بخط الرئيس الجليل يقول فيها: «يعجبني الصدق في القول، والإخلاص في العمل، وأن تقوم المحبة بين الناس مكان القانون».
وما زلتُ أحتفظ بهذه الجائزة واعيًا لمضمون كلماتها.
حلم ٤٧٧
رأيتُني في السادسة من عمري ألعب أمام البيت القديم، وإذا ببيَّاع الحلوى ينادي فهُرعت وأعطيته مِلِّيمَين، فأخذ جزءًا من الحلوى المعقودة حول رأس عصاه الطويلة، وجذبها برشاقة، حتى صارت خيطًا، وجعله كهيئة الحمار الصغير، وجنبه جناحان، وأعطاه لي فامتطيتُه، وحرَّكت الجناحين، فطار بي في الفضاء، وتصورت أبي وهو يبحث عني دون جدوى، لكن هذا جزاء إرسالي كل صباح إلى الكُتَّاب، وتحريضه شيخ الكُتَّاب على تأديبي، والآن أنا حرٌّ أتجوَّل بين الكواكب والنجوم.
حلم ٤٧٨
رأيتُني راجعًا من سهرة إلى بيتنا في العباسية، وفي الطريق لاح لي صديقي المرحوم «ن»، فاتجهت نحوه بشوق، ولكني توقَّفت لأني رأيت وجهه مُتجِّهمًا، فأردت تذكيره بي، فحدَّثْته عمَّا قمنا به من تُرَّهات أنا وهو وحَرَمُه وشقيقة حَرَمِه الشابَّة، وقلت له: تلك الأيام كانت من أسعد أيام حياتي، فقال لي بخشونة: لكنها كانت أتعس أيام حياتي، وأخرج من جيبه مسدسه، فتولَّاني الذعر، وركضت نحو بيتي تطاردني الطلقات النارية.
حلم ٤٧٩
رأيتُني في الخمسين من عمري، وأنا وحيد، وتعرَّفتُ بالسيدة «س»، وهي مُطلَّقة فتحرك حنيني للزواج، وبعض الأصدقاء قالوا لي: هذه فرصتك الأخيرة انتهزها، وقال آخرون: احذر من فكرة الزواج الآن فهي كارثة، وتردَّدت بين الرأيين وازدادت حيرتي، ولكن حنيني للزواج لم يهدأ، فقرَّرت أن أطلب يدها، ومضيتُ نحو كازينو السكاكيني الذي نلتقي فيه عادة، وقرَّرت الخروج من حيرتي بطلب يدها، ولمَّا لاح لي الكازينو انهزمت فجأة، واجتاحتني رغبة في الهروب لا تقاوم، واستدرت فرجعت مصمِّمًا على البقاء في وَحْدتي حتى نهاية العمر.
حلم ٤٨٠
رأيتُني موظَّفًا كبيرًا، ولكني أتردَّد كثيرًا على بيت يُدار للقِمار، وإذا بالشرطة تقتحمه، وبعد قضاء مدَّة السَّجْن خرجت لأفتح مقهًى صغيرًا عُرِف بالنظافة وجودة مشروباته، وقد كتبت على لافتة في أعلى مدخله «لا تشغل البال بماضي الزمان.»
حلم ٤٨١
رأيتُني بالإسكندرية أنا والأسرة، وذات يوم رأيتُ صديقتي القديمة «خ» تسير بصحبة شاب، وراحا يستحمان في شاطئ البحر، وأنا أقول لنفسي: «خفيف الروح بيتعاجب برمش العين والحاجب.»
حلم ٤٨٢
رأيتُني عبوسًا وحيدًا يتجوَّل في حديقة المنتزه، وقد استحممت في البحر، ثم جلستُ في كازينو «فنسيا»، ورحت أترنَّم بهذه الأغنية:
حلم ٤٨٣
رأيتُني عضوًا في لجنة الطلبة المكلَّفين بجمع التبرُّعات لأسرة زميلنا الشهيد في آخر مظاهرات، وانتقلنا من مكانٍ إلى مكان، حتى وجدنا أنفسنا أمام فيلَّا أمير الشعراء، فدخلنا الحديقة، وهتفنا باسمه، ولكنه لم يظهر، وكنت قرأت قصيدة «ولد الهدى»، فأخذت أردِّد المقطع الذي يبدأ «الاشتراكيُّون أنت إمامهم»، فظهر وتبرَّع بما قُسم وخرجنا فائزين.
حلم ٤٨٤
رأيتُني المراقب للمصنَّفات الفنيَّة، وكنت ميَّالًا للحرِّيَّة وللفن، حتى عُرض علينا فيلم عن حياة السيد المسيح، وجدت فيه إساءةً للمسيحيِّين وللمسلمين معًا، فمنعت عرضه، ونشِبَتْ معركة بدنية بيني وبين اليساريِّين، فألَّف الوزير لجنة من كبار المفكِّرين، فشاهدت الفيلم، ووافقتُ على رأي الرقابة.
حلم ٤٨٥
رأيتُني جالسًا في الترام الذي يسير بين مدينة الملاهي والعبَّاسية، وقد انتصف الليل، وعندما وقف الترام في محطة الزمالك صعِدَ إليه الموسيقار «م. ع»، فرحَّبْتُ به، وقدَّمت له بطاقتي كمحرِّر في مجلة «الفنون»، وسألتُه عن رأيه في الإشاعة التي تتحدث عن عَلاقةٍ بينه وبين إحدى الهوانم في حيِّ الزمالك، فظهر الاستياء على وجهه، وهدَّد بالالتجاء للقضاء إذا نُشر أي كلام عن هذه العَلاقة السخيفة.
حلم ٤٨٦
رأيتُني في ترام روض الفرج، ويجلس أمامي رجل في أوسط العمر، حسن المظهر، وبين يديه غلام في العاشرة يرتدي بدلة سهرة، وهو يقول له: احتفظ بثباتك وأنت تغنِّي أمام الجمهور، ولتقم ببروفة الآن، فغنَّى الغلام: «على دول يا امَّة على دول.»
فقال له الرجل: أحسنت، وعليك أن تنجح أيضًا أمام جمهور الكازينو.
حلم ٤٨٧
رأيتُني في شارع طويل يمتدُّ تحت مظلَّة من الأشجار، وإذا بأجنبيٍّ يداعب فتاةً ويُقبِّلها، وكان ثمة شاب طويل عريض يجلس على دائرة خضراء، فقام وتبع الخواجة، حتى صار خلفه، ومد يده يعبث بالمواضع الحسَّاسة في الفتاة، فغضب الخواجة والتفت وراءه متوثِّبًا للقتال، ولكنه فوجئ بطول الشاب وعرضه، فآثر السلامة، وأمسك العملاق بيد الفتاة، وجذبها نحو الدائرة الخضراء، ولم يسَع الخواجة إلَّا الذهاب، وتابعت أنا ما يحدث سواء في الشارع أو في الدائرة الخضراء.
حلم ٤٨٨
رأيتُني في مسجد سيدنا الحسين رضي الله عنه، وبعد صلاة العشاء تجمَّع جمهور لا يُحصى عدده لسماع الشيخ علي محمود، وهو يغنِّي بعضَ الأناشيد الصوفية، وجاء الشيخ محاطًا بالجوقة، واستعدَّ للغناء، فساد الصمت، ثم انطلق صوته كعزف الكمان، وابتدأ بأن غنَّى: رأيت الهلال ووجه الحبيب.
وما زال يتنقَّل بنا بين القصائد والأناشيد حتى غنَّى: كيف تَرْقَى رُقيَّكَ الأنبياء.
ثم ختم بالصلاة على النبي، وغادرنا المسجد ونحن سكارى من الطرب.
حلم ٤٨٩
وجدتُني ضمن مجموعة من الرجال والنساء في حديقة الدير، وها هو الأب «ج» قائلًا: أهلًا بكم في عالم الروح، من ينوي إقامة طويلة ومن ينوي المكوث بضع ساعات. وتقدَّمنا بين الحديقة والمكتبة، ونحن نتلقَّى شذَى الأزهار، وننعم بالهدوء العميق.
حلم ٤٩٠
رأيتُني أُعلَم بالمسابقة عن أحسن مسرحية، وأراد بعض أعضاء اللجنة المكلَّفة بالفحص أن يُعفيَني من العمل منعًا للإحراج الذي سألقاه بين أصدقائي من الأدباء، ولكني رفضت هذا، وقلت إنَّ صداقاتي لا تمنعني من قول الحق، وظهرت النتيجة في وقتها، وكان القرار بالإجماع، وكانت المسرحية الفائزة لشخص جديد، وتبيَّن أن المسرحية معجزة في عمق أفكارها، وجمال بنائها، وبلاغة أسلوبها.
حلم ٤٩١
وجدتُني في القاهرة أُعايش أحداثها، وسرى نبأ بأنَّ الحكومة تُعِدُّ مشروع قانون ذي أثرٍ رجعيٍّ يحرِّم على النساء العمل، وينشئ لهن تعليمًا خاصًّا يُعدُّهن لشئون البيت، وتربية الأطفال، وتركت الموظفات أعمالهن، وتظاهرن حتى تعطَّلت الحياة في القاهرة، وجاء رجال الأمن، ولكن بعد فوات الفرصة، ووقعت أحداث عنف، وسقطت ضحايا، حتى أعلنت الحكومة في الإذاعة والتلفزيون بأن ما ذاع بين الناس ما هو إلَّا إشاعة كاذبة، ودعت المتظاهرات إلى الانصراف بهدوء واعدةً بالتحقيق في أسباب الفتنة.
حلم ٤٩٢
هذا هو الأمير توت عنخ آمون ينسلخ من مستقرِّه كمومياء ليسير في شوارع القاهرة بعد منتصف الليل، وإذا بقوة من الشرطة تحيط به، وتمضي إلى المعتقل، ولكنه يُفلِت منهم بطريقة سحرية، ويعود إلى مستقرِّه كمومياء، ولكن إدارة الأمن أعلنت أنها قبضت على مفجِّر القنبلة، وأنه اعترف ودلَّهم على الخليَّة التي يعمل بها، فقبضوا عليها والتحقيق مستمر.
حلم ٤٩٣
وجدتُني في الحديقة الصغيرة في بيتي وأقبل عليَّ صديقي القديم «خ» بعد غياب طويل، واعترف لي بأنه أفلس، ولم يجدْ أيَّ معونة من صديق أو قريب، وتذكرت سهراتنا في بيته أيام العز، فأقرضته ما يريد، وفي الميعاد المحدَّد للسداد جلست في الحديقة أنتظر، فترامى إليَّ عَزْفُ الرباب وصوْتُ صديقي وهو يُنشد: «أمِنت لكْ يا زهر، ورجِعت خُنتني.»
حلم ٤٩٤
وجدتُني سائقًا لترام النظافة، وهو عبارة عن غرفة للقيادة، أمَّا باقي الترام فهو فنطاس هائل، وكانت محطة القيام تقع أمام بيت العرائس، حيث تُقام حفلات الزفاف، ورأيت عروسَين يخرجان من البيت، وكنت أعرفهما معرفة الحي الواحد الذي يجمعنا، فدعوتهما للصعود، فصعِدا إلى الغرفة معي، وأدرتُ المحرِّك، فراح الترام يسير على مهل ورشَّ الفنطاس المياه، فغسل القضبان ورشَّ جانبَي الطريق، حتى الْتَمعَ وجه الشارع تحت ضوء المصابيح، ورحنا ثلاثتنا نغنِّي:
حلم ٤٩٥
رأيتُني في البَهْوِ الرسميِّ مع زملائي ننتظر إعلان اسم الفائز بالجائزة الكبرى، وتردَّد الاسم، وانهالت عليَّ ورود التهاني.
حلم ٤٩٦
رأيتُني في زيارة للصديق «ش» المصاب بالاكتئاب، ثم غادرت إلى الشارع الطويل في الهزيع الأخير من الليل، وسرت بلا أيِّ رغبة في العودة.
حلم ٤٩٧
وجدتُني أضيق بالزمان والمكان، وأتطلَّع إلى التغيير، وعلمتْ أمي بما يساورني، فحاولتْ إثنائي عمَّا أفكِّر فيه، ولكنني صمَّمتُ فكشفت لي لأول مرَّة عن جانبٍ خفيٍّ، فانفجرتُ ثائرًا، فانفجرتْ تصبُّ عليَّ اللعنات، وأنا أزداد تصميمًا فتقول لي: اذهب يا جاحد، وسوف تعود متعثِّرًا بالفشل، ولا رفيق لك سوى الدموع، وهيهات أن ينفع الندم!