اختراق وانفجارات!
اجتماع مهم للغاية؛ المكان: غرفة الاجتماعات الكبرى، الوقت: الساعة الثامنة مساءَ ذات اليوم.
الموضوع: سيُعرف في حينه.
ملاحظة مهمة: محظور استخدام أية أجهزة إلكترونية، أو حتى اصطحابها إلى غرفة الاجتماعات أثناء انعقاد الاجتماع!
كانت هذه الرسالة التي تلقَّاها الشياطين جميعًا على شاشات ساعاتهم الشخصية من رقم «صفر»، وكان ما بها يدعو للدهشة ولكثير من التساؤل، ولم يكُن بوسعهم عمل شيء غير الانتظار، واضطروا لاحتمال آلام فضولهم إلى أن حانت الساعة الثامنة إلا ثوانٍ قليلة؛ حين حضر رقم «صفر» … وسمعوا أصوات تقليب الأوراق بين يديه، قبل أن يُلقي عليهم تحية المساء قائلًا: مساء الخير عليكم … أعرف أنَّكم جميعًا تتساءلون عن سبب العودة إلى أسلوبنا التقليدي في الاجتماع؛ بعيدًا عن شبكة الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر.
صمتَ للحظات، ثمَّ استطرد قائلًا: ولكن أستطيع أن أُخمِّن أنَّكم ستستنتجون الأسباب، بعدما طلبت منكم عدم اصطحاب أجهزة إلكترونية خلال الاجتماع؛ أليس كذلك يا «ريما»؟!
وانتبهت حواس «ريما» فجأة، ووصلت إلى مستوى إثارة قياسي حينما سألها رقم «صفر» هذا السؤال، فتوقَّفَت تجيب عليه.
فعلَّق رقم «صفر» قائلًا: وأنتِ جالسةٌ من فضلكِ يا «ريما»!
فجلست «ريما»، وأخذت نفَسًا عميقًا، ثم انطلقت تتحدث بكلمات متلاحقة قائلة: لتسمح لي سيِّدي الزعيم بأن أُهنِّئك على انتهاء العملية الأخيرة بنجاح فائق!
فقاطعها رقم «صفر» يشكرها قائلًا: شكرًا لكِ يا «ريما»؛ ثمَّ ماذا؟
فاستطردَت «ريما» قائلة: لقد خمَّنتُ أنَّ هناك اختراقًا إلكترونيًّا لأنظمة الاتصالات والمعلومات في المنظمة!
فقاطعها رقم «صفر» قائلًا: ليس هذا بالضبط؛ فحتى الآن لم يحدث اختراق … ولكن هناك محاولات جادَّة لهذا، والتكنولوجيا المستخدمة فيه جديدة تمامًا، وعلينا وعلى مراكز بحوث المقرِّ والمُنظَّمة كلها. وبالطبع هناك عمل جادٌّ يدور الآن بالتنسيق بين إدارات المُنظَّمة المختلفة؛ للوصول إلى هؤلاء القراصنة قبل أن يصلوا إلينا.
وهنا علَّق «أحمد» قائلًا: عملًا بمبدأ الهجوم خيرُ وسيلةٍ للدِّفاع.
فقال رقم «صفر» موافقًا: هذا صحيح.
وصمت للحظاتٍ، ثمَّ استطرد قائلًا: القضيَّة أنَّ هناك رجلًا يتنازعه أربعة علماء؛ عالم في مجال الإلكترونيَّات، وآخر في مجال البيولوجيا، وثالث في مجال الاقتصاد، ورابع في العلوم العسكريَّة؛ وهو ضابط برتبة لواء متقاعد أخيرًا.
تغيَّر كمال الهدوء في القاعة، وسَرَت همهمة خفيفة تركها رقم «صفر» حتى هدأت، ثمَّ عاد يقول: هذا الرجل يجمعُ بين قدراته كبشري، وقدرة حاسب آلي متقدِّم، وقدرة أجهزة تنصُّت على أعلى مستوى … وقد تكلَّف إعداده الكثير من الجهد والمال؛ هذا لأنَّه بالطبع لا يملك كلَّ هذه الإمكانيَّات في تكوينه الطبيعي؛ بل تمَّ زرعُ شرائح إلكترونيَّة له، وإجراء عمليَّات دمج بينها وبين خلاياه العصبية … والخطير في الأمر أنَّه أصبح الآن في حوزة رجل العلومِ العسكريَّة؛ فقد اختطفه إلى مكان ما، وبقيَّة الشركاء يبحثون عنه.
وسيتبادر إلى ذهنكم سؤال مهم وحيوي … وهو: وماذا يخصُّنا نحن في هذه القضيَّة؟!
وأجيبكم بأنَّ ما يخصُّنا هو أنَّ تقارير مركز معلومات المقرِّ تؤكِّد أنَّ هذا اللواء بينه وبين عصابة «سوبتك» تعاون مريب منذ فترة!
سَرَت الهمهمة مرَّةً أخرى بين جَنَبات القاعة. لم ينتظر رقم «صفر» عودةَ الهدوء، بل أكمل قائلًا: وتعرفون بالطبع ما بيننا وبين عصابة «سوبتك»؛ إنَّه تاريخ طويل من الصراع على التطويرِ والتحديث، والقدرة الدائمة على المواجهة والانتظار، ولهم عندنا أكثر من ثأر، ولن يهدءوا ولن يتراجعوا حتى يقتصُّوا منَّا، ولن يهدءوا ولن نتراجع عن المواجهة الدائمة والتصدِّي لهم في كلِّ مكان!
أنهى رقم «صفر» جملته، ثمَّ صمت للحظاتٍ قبل أن يسألهم قائلًا: هل لأحد منكم أسئلة عمَّا قلته؟
وكأنَّما كان «أحمد» ينتظر هذا السؤال؛ فقد بادر بقوله: حتى الآن يا زعيم نحن لا نرى ملامح لعمليَّة جديدة.
وهنا سارع رقم «صفر» بالتصحيح قائلًا: لا لا … هناك عمليَّة مهمَّةٌ جدًّا، ولكنَّها خطيرةٌ للغاية … فقد أبلغنا عميلنا في «سويسرا» أنَّ اللواء «زائيفي» — وهذا اسمه — هرب من مراقبتهم بمهارة تدعو للدهشة، وأنَّه يُرجح أن يكون قد توجَّه إلى منطقة «الشرق الأوسط»، ومعه الرجل الذي اختطفه — ويُدعى «مارلو» — بجوازات سفر عربيَّة … غير أنَّنا — وبالاستعانة بأحدث تكنولوجيا المراقبة والتجسُّس — عرفنا أنَّهما يسكنان فيلَّا في قرية «أنماس» الواقعة على الحدود السويسريَّة.
وهنا علَّقَت «إلهام» قائلة: إنَّه أحد مقارِّهم السرِّيَّة يا زعيم!
فأكمل رقم «صفر» قائلًا: نعم … ولنا أيضًا هناك مقرٌّ يقع أسفل جبال القمَّة البيضاء.
فتدخَّل «عثمان» مضيفًا بقوله: لقد كانت لنا هناك أكثر من عمليَّة معهم.
رقم «صفر»: وستكون عمليَّتكم الجديدة أيضًا معهم هناك.
«أحمد» و«إلهام» و«عثمان» و«ريما» يستعدُّون للسفر … سيصلكم ملفُّ العمليَّة وميعاد السفر … أتمنَّى لكم التوفيق.
وكانت هذه الجملة الأخيرة هي نافذةُ الخروج من دائرة الترقُّب إلى رِحاب الحوار … وساد الجوَّ هرج لدقائق، ثمَّ تجمَّعوا كلُّهم في حلقة حول «أحمد» يُعلِّقون على كلِّ ما سمعوه.
وانطلق من أقصى القاعة صفيرٌ حادٌّ متقطِّع، أعقبه تنبيه بضرورة التوجُّه إلى مركز معلومات المقرِّ.
وفي دقائق معدودةٍ، كانوا جميعًا في مركز المعلومات يستمعون لأنباء عاجلة عن وقوع حريق ضخم قُرب مُفاعل «أنشاص» التجريبي، ولم تَرِد معلومات بعدُ عن مدى تأثير الحريق على المُفاعل.
وفي لحظات كان «أحمد» يراسل رقم «صفر» عبر ساعته، ويتلقَّى منه رسالة يطلب منه فيها سرعة التوجُّه إلى «أنشاص» والعمل مع فريق الفحص والتحرِّيات هناك؛ للمعاونة في الخروج بنتائج سريعة ومُرضية؛ فالأمر خطيرٌ خطيرٌ خطيرٌ … وعليه اصطحاب مَن يراه الأصلح لهذه المُهمَّة.
ولم تمرَّ دقائق إلا وكانت سيَّارة «أحمد» — «اللاندكروزر» — تُغادر جراج المقرِّ، وبها — غير «أحمد» — «رشيد» و«عثمان» … وفي منتصف الممرِّ القاطع للحديقة والواصل إلى بوَّابة المقرِّ، توقَّف ليلتقط «إلهام»، التي كانت تحصل من سيَّارتها على بعض أغراضها المُهمَّة … ثمَّ انطلق ليكمل طريقه إلى قاعدة «أنشاص»، مرورًا بالبوَّابة الإلكترونيَّة للمقر التي انفتحت بمجرَّد اقتراب السيَّارة منها … ومرورًا أيضًا بميدان «الرماية»، الذي دار حوله في انحناءة خطيرة، فارتفع صوت زمجرة فرامل السيَّارة، مُختلطًا بصوت هدير مُحرِّكها.
كان الطريق إلى «أنشاص» مُمهَّدًا … وكذا الطريق إلى فهم هذا اللغز الذي كوَّن مُثلَّثًا من الغموض في عقول الشياطين؛ فقد بدأت «إلهام» الطريق بقولها: ألا ترون رابطًا بين الثلاثة أضلاع؟
وكان في نفس المُثلَّث مرسوم في عقل عثمان، الذي أجاب سؤالها بسؤال قائلًا: تقصدين تنبيه الصباح بعدم اصطحاب أجهزة إلكترونيَّة أثناء الاجتماع؟!
فصدَّقت «إلهام» على كلامه قائلة: هذا ضلعٌ.
وهنا تدخَّل «أحمد» ليُكمل المُثلَّث بقوله: والثاني «مارلو»؛ هذا الرجل الذي يحمل مؤسَّسة إلكترونيَّة بداخله، لديها قدرات كمبيوتر متقدِّم وقمر تجسُّس عالي التقنية.
فقالت «إلهام» لتقفل المثلث: والثالث هو انضمام هذا اللواء «زائيفي» ومعه «مارلو» إلى عصابة «سوبتك». وهنا طرح «عثمان» استفسارًا مُحيِّرًا حين قال: وهل النتيجة هي محاولة تخريب مُفاعل «أنشاص» النوويِّ؟!
أحمد: لِمَ لا؟ وقد تكون هذه بداية.
إلهام: تقصد أنَّ الحرب مع «سوبتك» أخذت مُنحنًى أكثر خطورة بدخول هذا الرجل النصف آلي؟
ضحك «عثمان» لتعبير النصف آلي الذي أطلقته على «مارلو»، وقال مُضيفًا: إنَّ التعريف الذي يُطلق على «مارلو» هو «سايبورج»، وهي كلمة خليط من «سايبر» — وتعني تدفُّق المعلومات من خلال الحاسوب — والمقطع الآخر هو جزءٌ من «أورجانك»، أيْ عضوي.
فابتسمت «إلهام» وهي تُعلِّق قائلةً: أعرف أنَّه كمبيوتر بشريٌّ.
عن بُعد ظهرت متاريس تُغلق الطريق، وعلى جانبيه كانت تقف سيَّارات الحرب الكيماويَّة التي تخصُّ القوَّات المُسلَّحة، وكثير من سيَّارت الإطفاء … فقلَّل «أحمد» من سرعة السيَّارة وهو يقول: يبدو أنَّ الحريق كبير!
فاعتدلت «إلهام» في مقعدها وهي تقول: يبدو أنَّ كثيرًا من المسئولين قد حضروا.
ما إن اقتربت «اللاندكروزر» من بعض المتاريس … حتى خرج ضابط بالجيش من خلف سيَّارة جيب رافعًا ذراعه لأعلى في إشارة بالتوقُّف.
ولم يكتفِ «أحمد» بالتوقُّف؛ بل فتح بابه ونزل … وكذا فعل بقيَّة الشياطين وأيديهم في جيوب ستراتهم … فشهر الضابط مدفعه في وجوههم، غير أنَّه ابتسم حينما أخرجوها ممسكة ببطاقاتهم الأمنيَّة.
وبعد أن اطَّلع عليها، سمح لهم بالمرور، وأرسل معهم أحد ضبَّاط الصفِّ؛ ليصطحبهم إلى مكان الحريق.
وحدث ما لم يتوقَّعْه الشياطين، بل ما أثار دهشتهم وحيرتهم … فقد شرعت ساعاتهم في إطلاق وخزاتها بصورة مُتَّصلة، ممَّا دفعهم لخلعها، فهالهم ما رأوا على شاشاتها … فالأرقام الصغيرة تتضخَّم وتتضخَّم حتى تملأ الشاشة، ثمَّ تختفي … والألوان التي تحتويها ذاكرة الساعة والتي لا تحتويها تتراقص تباعًا على الشاشة! وفجأة صرخ «أحمد» قائلًا: أخرجوا تليفوناتكم المحمولة، وألقوا بها بسرعة!
وامتثل الجميع للأمر … ولم تمضِ إلا ثوانٍ معدودة، حتى انطلقت أصوات انفجارات متلاحقة وسط دهشة الشياطين … إنَّها أصوات تليفوناتهم. واندفع «عثمان» يسأله في دهشة قائلًا: كيف عرفت أنَّ تليفوناتنا تحوَّلت إلى قنابل شديدة الانفجار؟!
فتنفَّس أحمد بعُمق، ثمَّ قال: لقد ارتفعت درجة حرارة البطاريَّة بشدَّة، فعرفت أنَّ تفاعلًا غير حميد يتمُّ فيها. وهنا قال ضابط الصفِّ — يسألهم في دهشةٍ: وما الذي نشَّط التفاعل إلى هذا الحدِّ؟
أحمد: هناك نشاط إشعاعي يملأ المكان، وعليكم مغادرته بسرعة … هل يمكنك إبلاغ قيادتك بهذا؟
ولم يتمكَّن الضباط من إجابة سؤال «أحمد»؛ فقد أحاطت ثلاث سيَّارات جيب باللاندكروزر كالمُثلَّث، وأمر الشياطين بالتوقُّف والنزول فورًا.
وما إن غادروها حتى أحاطوا بهم، وفتَّشوهم تفتيشًا دقيقًا، ثمَّ صعد منهم اثنان لتفتيش السيارة … و«أحمد» يراقبهم دون أن ينطق؛ وكذا فعل بقيَّة الشياطين وأخيرًا اصطحبوهم في سيَّارة جيب، وتبعتهم اللاندكروزر يقودها أحد رجالهم.