ليزر أم أشعَّة جاما؟
رأى «أحمد» أنَّهم يتحرَّكون إلى داخل الصحراء، فصاح فيمَن حوله قائلًا: إلى أين أنتم ذاهبون بنا؟ المنطقة تتعرَّض لفيض إشعاعي قاتل!
فنظر إليه أحد الضبَّاط بغير اكتراث، ولم يُعره التفاتًا، فعاد يقول لهم: إنَّ تليفوناتنا المحمولة انفجرت من جرَّاء هذا الإشعاع.
فصاح فيه أحد الضبَّاط قائلًا: ولماذا لم تنفجر أجهزتنا اللاسلكيَّة؟!
أحمد: لأنَّ بطاريَّات أجهزتنا مصنوعةٌ من موادَّ نادرة تتفاعل مع هذه الأشعَّة.
فنظر له الضابط في غير تصديق … ثمَّ عاود الصمت مرَّة أخرى، إلى أن انبعث دخان كثيف من مقدِّمة السيَّارة، فتوقَّف بها قائدها، ثمَّ نزل ليرى سببًا لهذا الدخان … وما إن فتح غطاء المحرِّك حتى دوَّى صوت انفجار شديد؛ ألقي الرجل على ظهره … ونظر الضباط إلى «أحمد» في دهشة وهم يفتحون أبواب الجيب وينزلون ليروا سبب ما جرى … ونزل معهم «أحمد» وهو يقول لهم: إنَّها البطاريَّة؛ ألستُ على حقٍّ فيما قلتُه لكم؟!
كان وجه الرجل يُغطِّيه السواد، وكذا ملابسه، فأسرعت إحدى السيَّارات بحمله والانطلاق به إلى أقرب مستشفى؛ كما أمر قائدهم.
وحينما اطَّلع الباقون على مقدِّمة السيَّارة هالهم شكل البطاريَّة؛ فقد تناثرت أشلاؤها في أكثر من مكان فوق المحرِّك وخارج السيَّارة.
وهنا نظر الضابط إلى «أحمد» في تساؤل، فقال لهم: مَن لديه منكم تليفون محمول فليطمئنَّ على البطاريَّة، فإن ارتفعت درجة حرارتها فليتخلَّص منه فورًا.
وفي الحال انشغل الجميع بالاطمئنان على تليفوناتهم … وفي حركة جماعيَّة مُفاجئة ألقَوا جميعهم بأجهزتهم إلى أقصى مدًى تسمح به أذرعتهم … ولم تمضِ إلا ثوانٍ معدودة حينما انبعثت أصوات انفجارات متتالية من أكثر من مكان، وهنا ابتسم «أحمد» وهو يقول لهم: هل أصطحبكم الآن إلى مكتب القائد؟!
ومرَّة أخرى اطَّلع الضابط على بطاقات الشياطين الأمنيَّة، ثمَّ دار بينهم حديث وُدِّي عرف منه «أحمد» أنَّ الحريق لم يصل إلى منشآت المُفاعل … إلا أنَّ سؤالًا تقليديًّا — ولكنَّه مهمٌّ — ألحَّ بشدَّة على «أحمد»، فاندفع يقول لهم: ألم تعرفوا سبب الحريق؟!
فردَّ كبيرهم قائلًا: حتى الآن لا … وهناك أكثر من سلاح يفحصون مُخلَّفات الحريق؛ للوصول إلى السبب، وعلى رأسهم سلاح الحرب الكيماويَّة.
أحمد: إنَّ لي رجاءً، وأرجو أن تقبلوه لمصلحة مصر.
فقال الضبَّاط في صوتٍ واحدٍ: نعم نقبله ما دام في مصلحة «مصر».
أحمد: أرجو ألا يعلم أحدٌ شيئًا عن انفجار التليفونات المحمولة.
نظر الضبَّاط لبعضهم، ثمَّ تحدَّث كبيرهم قائلًا: نحن نثق فيك يا «أحمد»، ونعدك بذلك.
أحمد: أرجو ألا يطول هذا كثيرًا … وسأخبركم بنتائج بحثنا، وبعدها يمكنكم التصريح بما شئتم. فمدَّ له كبير الضبَّاط يده يُحيِّيه ويُودِّعه.
بادل الشياطينُ الضبَّاط التحيَّة، وانطلقوا عائدين، بعد مكالمة قصيرة أجراها «أحمد» عبر تليفون السيَّارة مع رقم «صفر»، وفي الطريق كان الحديث مُهمًّا، وتطرَّق إلى أسئلة كثيرة، ولكنَّ السؤال العقدة الذي أرهقهم جميعًا هو: مَن الذي فعل هذا؟!
مَن الذي أشعل الحريق، ولمصلحة مَن؟ وهل كان المقصودُ المفاعل، أم أنَّها مصادفةٌ؟! وهل الأشعَّةُ التي فجَّرت أجهزتهم المحمولة من نتاج مُفاعل «أنشاص»، أم هناك مَن يبثُّها مِن مكانٍ ما؟!
ثلاثة أسئلة مُهمَّة كان لا بُدَّ من طرحها على بقيَّة الشياطين في اجتماعهم المسائيِّ في مركز معلومات المقرِّ، والذي طلب «أحمد» عقده أثناء اتصاله برقم «صفر»، وبالفعل حضروا جميعًا الاجتماع عدا رقم «صفر»؛ فهو لم يطلب ذلك … وكذلك «أحمد»؛ فما زالت القضيَّة في طَورِ البحث.
وأثناء انتظارهم لعودة «أحمد» و«إلهام» و«عثمان» و«رشيد» … راجعوا على أجهزة الكمبيوتر بعض التقارير المصوَّرة عن عصابة «سوبتك»، وعن عمليَّاتهم السابقة معهم، ووصلوا إلى نتائج قاموا بتلخيصها في تقارير تحوي نقاطًا مُركَّزة ومهمَّة.
وعندما اقتربت «اللاندكروزر» من ميدان «الرماية»، انطلقت إشارات من ساعات أيديهم تُعلن ذلك … فتحوَّلوا إلى برنامج الاستطلاع، فظهرت على شاشات أجهزتهم المنطقة المحيطة بالمقرِّ، ومن بين عشرات السيَّارات المزدحمة حول صينيَّة ميدان «الرماية»، رأوا «اللاندكروزر» وقد تغيَّر لونُها تمامًا … وانقسموا جميعًا ما بين مُرجِّح أنَّها هي، ورافض لهذا الرأي.
فاللاندكروزر كُحليَّة داكنةُ اللون … ولكنَّهم اتَّفقوا جميعًا على أنَّها هي، عندما صوَّبوا نقطة إشعاعٍ عليها كبؤرةٍ، ورأوا تفاصيلها أنَّها هي. كذلك صاح «مصباح» عندما رأى أرقامها … ولحظتها، انتابهم جميعًا قلق قاتل؛ فقد قالت «ريما»: السيَّارة كانت في منطقة مُفاعلٍ ذرِّي، وهذه المنطقة تعرَّضت لحريق كبير.
والتقطت «هدى» سيل الأفكار منها، وقالت: وهذا يعني أن تغيير لون السيَّارة حدث بسبب نشاط إشعاعيٍّ في المنطقة.
وهنا فجَّر «قيس» قنبلة القلق التي ثارت بداخلهم، حينما قال: هذا ما حدث للون السيَّارة … فماذا حدث إذن لأصدقائنا؟!
هكذا استبدَّ القلق بالجميع، ولم يلاحظوا أنَّ اللاندكروزر اختفت من على الشاشة، ولم يعُد لها وجود، إلا عندما طال انتظارهم … ورأوا أقصى يمين أسفل الشاشة أرقام الدقائق تتصاعد وتتصاعد؛ لتعلن أنَّ ثلاثين دقيقة مرَّت منذ رأوا «اللاندكروزر» عند ميدان «الرماية»؛ فأين هي إذَن؟ ولماذا لم تصل؟
اتصالات عديدة أجرَوها مع جهاز أمن المقرِّ ومعمله ومركزه الصحِّي، فلم يعثروا على إجابة. اتصالاتٌ أخرى حاولوا إجراءها مع «أحمد» و«إلهام»، فلم تُفلح، ولم يصلوا إلى شيء.
تحوَّل القلق والفزع القابع بين أركان مركز معلومات المقرِّ إلى حيرة، وعشرات من علامات الاستفهام التي لم تهدأ إلا عندما اقتحم الغرفة عليهم زائر لا يعرفون له هُويَّة … زائرٌ أزاغ أبصارهم، وأربكَ كلَّ قوانين المنطق في عقولهم؛ فقد كان يحمل رأسًا فضِّيًّا ووجهًا فضِّيًّا وأيديًا فضِّيَّة، حتى بذلته وحذاؤه … كلُّ ما به فضِّي … ولم يكتشفوا شخصيَّته إلا عندما تحدَّث؛ فقد قال لهم: أرأيتم ما فعله الإشعاع بي!
وهنا صاحت «ريما» قائلةً: ما هذا يا «أحمد»؟ لقد قلقنا عليك كثيرًا!
وصاح «قيس» وملء عينيه ابتسامٌ: لقد أيَّنَك الإشعاع!
شرع «أحمد» في غطاء الرأس وقناع الوجه وكذلك القفَّازات الفضِّيَّة، وهو يحكي لهم قائلًا: هذه بذلةٌ مضادَّةٌ للإشعاع، يدخل في تركيبها عنصر الرصاص، وتعرفون أنَّه فِلز خاصٌّ لا يتفاعل ولا يسمح بمرور الأشعَّة … وهذا الفِلز تُبطَّنُ به الحوائط الأسمنتيَّة العازلة للإشعاع في المُفاعلات الذرِّيَّة.
وهنا صاح «بو عمير» من آخِر القاعة يسأله قائلًا: ولماذا ترتديه يا «أحمد»؛ ألم تنتهِ مُهمَّتكم في «أنشاص»؟!
هزَّ «أحمد» رأسه وهو شاردٌ، ثمَّ قال له: لا، لم تنتهِ؛ ولنا عودةٌ إلى هناك!
والتفت فجأةً كلُّ الشياطين الموجودين بالقاعةِ إلى مَن تقف بالباب … إنَّها «إلهام»، التي حيَّتهم واتَّجهت مباشرةً إلى مقعدها خلف جهاز الكمبيوتر الخاصِّ بها … ومن ورائها دخل كلٌّ من «رشيد» و«عثمان»، ومثلما فعلت فعَلَا، واتَّخذا مقعدهما خلف جهازيهما … واستدار الجميع إلى لوحة المفاتيح، وبالطَّرق على بعض أزرارها كانت كلُّ الأجهزة في وضع الاستعداد لعقد الاجتماع عبر الإنترنت.
وهي تعني الشبكة الداخليَّة للمقرِّ، أيْ تُعقد دون اتصالات خارجيَّة … وعلى جميع الشاشات ظهر شعار الشياطين صغيرًا في منتصف الشاشة، ثمَّ أخذ ينمو وينمو ليملأها تمامًا، ثمَّ خرج من أضلاعها الخارجيَّة ليحُلَّ مكانه وجه رقم «صفر» … ولكنَّه ليس دقيق الملامح، بل تفاصيله دائمة التغيير؛ فلا يمكنك تذكُّر أيَّة ملامح له، لكنَّك تخرج بانطباع عامٍّ بالألفة والحزم.
«مساء الخير»؛ قالها رقم «صفر»، ثمَّ أكمل قائلًا: في الاجتماع السابق تقرَّر سفرُ مجموعة منكم إلى «سويسرا»، ولكن يبدو أنَّ «سويسرا» أتت إليكم هنا في «أنشاص»!
ضغط «أحمد» زرًّا وصلت إشارته إلى رقم «صفر»، فأعطاه الكلمة، فقال: معنى هذا أنَّكم ترون أنَّ هناك صلة بين ما جرى في «أنشاص» وبين عصابة «سوبتك»؟
تغيَّرت ملامح رقم «صفر» على الشاشة وهو يقول: ليس هذا فقط، ولكنَّنا نرى أنَّ مَن فعلها هو اللواء المتقاعد «زائيفي»، بمعاونة الرجل «السايبورج» — «مارلو».
هذه المرَّة طلبت «إلهام» الكلمة، وقالت: هل هذا يعني أنَّ «زائيفي» و«مارلو» في «مصر»؟!
اختفى وجه رقم «صفر» من على الشاشة، وظهر بدلًا منه قمر صناعي يصاحبه صوت رقم «صفر» وهو يقول: هما لا يحتاجان للسفر إلى هنا؛ فلديهما أقمار «سوبتك» العديدة، وهذا القمر الذي ترونه على الشاشة الآن ليس قمر اتصالات … إنَّه قاعدة إطلاق؛ فهو يحمل مُولِّدات ليزر متقدِّمة للغاية وعالية الطاقة.
وكانت الإشارة هذه المرَّة من «رشيد» الذي قال بعد أن أعطاه رقم «صفر» الكلمة: ومن أين يحصل هذا المُولِّد على الطاقة؟!
عاد وجه رقم «صفر» مرَّة أخرى للشاشة وهو يقول: من التفاعُلات الذرِّيَّة؛ فالقمر مُزوَّد بأحدث بطاريَّات ذرِّيَّة عرفها العالَم.
وكانت الإشارة هذه المرَّة من «عثمان»؛ حيث قال: ولكن ما واجهناه في «أنشاص» لم يكن أشعَّة ليزر؛ بل يُحتمَل أن تكون أشعَّة «جاما» أو …
وهنا قاطعه رقم «صفر» قائلًا: مركز بحوث المقرِّ استطاع تفسير كل شيء في تقرير مُطوَّل، عُرض على لجنة من كبار علماء المُنظَّمة … ومَن يريد منكم أن يطَّلع عليه مُفصَّلًا أو يطَّلع على النتائج فقط، فله مُطلق الحرية في ذلك … ومَن يريد أن يناقش أيَّ فكرة أو معلومة أو تفسير فيه، فيمكنه الاتصال بمَن شاء من العلماء … وأيضًا من الضباط، وبي شخصيًّا في أيِّ وقت.
والآن عرفنا مَن سنواجه، ولكنَّنا لم نعرف بعد أين ومتى سنواجهه. حتى الآن احتمال مواجهته على أرضه هناك في قرية «أنماس» هو الأرجح؛ فالهدف هو التخلُّص من هذا اللواء والرجل «السايبورج» الذي بصحبته … كونوا على استعداد دائمًا؛ وفَّقكم الله.
عندما ضحك «أحمد» هذه المرَّة، كان لضحكته ولأوَّل مرَّة أسباب علميَّة، وكانت «ريما» هي أكثر الشياطين فضولًا لمعرفة سبب هذه الضحكات، فسألته قائلة — في تهديد مباشر: تضحك ولا نعرف الأسباب؛ فهل ستخبرنا؟!
احتفظ «أحمد» بابتسامته وهو يقول لها: إن كان سببُ ما حدث في منطقة «أنشاص» أشعَّة ليزر، فلكم أن تتخيَّلوا أشعَّة ليزر تُسلَّط على تليفوناتكم المحمولة وتُكسبها هذه الطاقة … وأنتم تستمتعون بدفئها فوق صدوركم … ثمَّ يتحوَّل هذا الدفء الخادع إلى انفجار لا نعرف نتائجه!
تدخَّلت «إلهام» في الحوار؛ تسأله في دهشة قائلة: وهل ستعرف الأشعَّة موقع التليفون، مع أنَّ موقعه يتغيَّر كلَّما تحرَّكنا؟!
وكان «أحمد» جاهزًا بالإجابة، فقال: الأمرُ بسيطٌ … فهم يرسلون موجات تتبُّع؛ لتحديد الموقع لحظيًّا بدقَّة قبل إطلاق الشُّعاع المُدمِّر!