مفاجأة مذهلة!
لم يتوقَّف الجميع عند سرِّ ارتداد شعاع الليزر، بل فكَّروا سريعًا في كيفيَّة الاستفادة من الوضع الحالي؛ ﻓ «زائيفي» قد اكتشف مراوغة الطائرة له، وهروبها من مسار الاختطاف الذي ساقها إليه.
و«أحمد» تمكَّن من التعامل مع أشعَّة الليزر.
وأيًّا ما تكون النتيجة، فهناك ضرورة حتميَّة الآن لأن يأخذ كابتن «أدهم» أقصى انحراف له؛ للعودة إلى مساره الطبيعي إلى «سويسرا»، وعدم إهدار الوقود أكثر من ذلك.
وهذا ما حدث بالفعل؛ فقد مالت الطائرة ميلًا شديدًا، لكنَّه غير خطير … ولم يُؤثِّر ذلك على الرُّكَّاب؛ لأنَّ مَن قام به قائد ماهر.
وكأنَّما كان هذا الميل وهذا الهروب مفاجأة أثارت أعصاب «زائيفي»؛ فقد انطلقت أشعَّة الليزر حول الطائرة، فتقاطعت في خطوط طوليَّة وعرضيَّة، ولشد ما أثار دهشة الشياطين أنَّها لم تُصِب الطائرة … غير أنَّهم ظلُّوا مترقِّبين في خوف؛ فلو أنَّ شعاعًا من هذه الأشعَّة أصاب الطائرة، لأسقطها سقوطًا مُدوِّيًا!
بدأ انحراف الطائرة وميلها يقلُّ تدريجيًّا، غير أنَّ «أدهم» قال لهم في قلق: أنا غير متأكِّد الآن من صحَّة المسار الذي نتَّبعه.
تمالك الجميع أعصابهم؛ فأيُّ إثارة للأعصاب الآن تُشتِّت تفكيرهم، وهم أشدُّ ما يحتاجون للتركيز الآن.
وقال له «أحمد»: ألا يمكنك اختبار أجهزة الملاحة الإلكترونيَّة الآن؟!
أدهم: إنَّني أحاول، ولكن بلا جدوى!
وبرقت عينا «عثمان»، وضرب جبهته بكفِّه … وقال في لهجة المكتشف: أجهزة المحمول الخاصَّة بنا؛ لماذا لا نستخدمها؟
فقالت «ريما» ناسية: حتى لا تؤثِّر على أجهزة الملاحة.
وفجأة تذكَّرت أنَّ أجهزة الملاحة مُعطَّلة بسبب الأشعَّة الكهرومغناطيسيَّة المُسلَّطة عليها من الخارج.
وهنا قال «أحمد» في صوت مسموع: أنت رائعٌ يا «عثمان»!
وقام بالاتصال برقمه الكوديِّ على القمر، فلم يُفلح؛ فأجهزة الاستقبال به لم تعُد تستجيب؛ فماذا حدث للقمر إذَن؟ هل ضاع حقًّا بعد تدمير أطباق التحكُّم الأرضيَّة؟!
مرَّة أخرى حاول «عثمان»، ومرَّات حاولت «ريما»، وكثيرًا «إلهام»، غير أنَّ القمر لا يستجيب، وأشعَّة الليزر أصبحت أكثر ضراوة وأشعَّتها أكثر غِلظة … غير أنَّها لا تُصيب الطائرة؛ لماذا إذَن؟!
وكان هذا سؤال «أدهم» ﻟ «أحمد»، فقال: كلُّ هذه الأشعَّة ولا تصيب الطائرة؟ هذا يعني أنَّ هناك خللًا في جهاز التوجيه!
لم يوافق «أحمد» على كلامه، فقال: لو أنَّ هناك خللًا في جهاز التوجيه لأصابتنا أكثرُ هذه الأشعَّة؛ لأنَّها أمامنا والطائرة تتحرَّك.
أدهم: إذَن لماذا لا تصيبنا؟
أحمد: لأنَّ مَن يُطلقها لا يريد هذا.
أدهم: لا أفهم!
أحمد: لا أستطيعُ أن أُصرِّح لك بأكثر من هذا، ولكن عليك أن تصل بنا إلى أقرب مطار يُمكننا الوصول إليه … ويمكنك الاستفادة من أجهزة المحمول الخاصَّة بنا.
كان «عثمان» ينتظر نهاية الحديث بين «أحمد» و«أدهم»؛ لينفردَ ﺑ «أحمد» في ركن غير بعيد، ويسأله سؤالًا يُحيِّره قائلًا: كيف عرفت أنَّ «زائيفي» لا يريد قتلنا؟!
«أحمد»: لسببين … الأوَّل؛ لأنَّه لو أراد تدمير الطائرة لفعل هذا منذ البداية وحتى الآن … الثاني؛ لأنَّ لنا ثمنًا، هذا الرجل يطمع فيه، أم نسيتَ المائة وخمسين مليون دولار التي فاوضَنا عليها؟!
عثمان: تقصد أنَّه حتى الآن يطمع فيها؟!
أحمد: نحن لم نُعلمه بالرفض حتى الآن.
عثمان: إذن فلنلاعبه بحرِّيَّة.
أحمد: لا نستطيع ذلك؛ فلو شعر بخطورتنا على حياته أو عمله سيقتلنا ويحصل على المائة مليون دولار، التي وعدته بها «سوبتك»!
وفجأة ترك «عثمان»، واقترب من «أدهم» وقال له: ما رأيك في المُناورة؟!
أدهم: لا أفهم.
أحمد: أريد أن أُشعِره أنَّنا نضيع منه.
أدهم: كيف؟
أحمد: أريد أن تتَّخذ وضع الهبوط، ثمَّ تهبط إلى أسفل نقطة يمكنك الهبوط إليها، ثمَّ العودة مرَّةً أخرى. في هذه اللحظة، ستعمل أجهزة الملاحة الإلكترونيَّة؛ لأنَّ أجهزة الشوشرة وقتها لن يمكنها رصدك.
أدهم: تقصد أنَّك تريد الشوشرة على أجهزة الشوشرة؟!
أحمد: نعم … وعلى عقل وتفكير هذا اﻟ «زائفي»؛ نريد أن نُلاعبه.
وابتسم «أدهم»؛ فقد صرَّح «أحمد» بما كان يكتمه … وابتسم «أحمد» لهذه الزلَّة، غير أنَّه وجدها فرصة للاستفادة منه؛ فهو رجل عسكريٌّ، و«زائيفي» كذلك … سيكون أسلوب عملهما مفهومًا لهما.
فقال له: كابتن «أدهم»، هذا الرجل الذي نلاعبه لواء جيش متقاعد، ودكتور في العلوم العسكريَّة، ويتعاون مع عصابة خطيرة وضعت تحت تصرُّفه قمرًا صناعيًّا للاتصالات، وقاعدة لإطلاق أشعَّة ليزر مداريَّة.
أدهم: أهي التي تُمطرنا بهذا الوابل من الأشعَّة؟!
أحمد: نعم.
أدهم: أنا أرى أنَّ خُطَّتك هي الأفضل الآن.
وفي حركة مفاجئة، مالت الطائرة لأسفل … وخرجت «إلهام» و«ريما» ليطلبا من الرُّكَّاب ربط الأحزمة والتزام الهدوء.
حالة من الراحة والتفاؤل سَرَت بين الركاب جميعهم؛ فقد ظنُّوا أنَّهم وصلوا إلى «سويسرا»، وأنَّهم في طريقهم في ميلها … إنَّها أصبحت مثل الصقر الذي انقضَّ على فريسته … إنَّ شدَّة ميلها أصابت ركَّابها بحالة من الذُّعر.
ونفس الذُّعر أصاب «زائيفي»؛ فقد شعر أنَّ الصيد يفرُّ منه، وأنَّه سينهزم في أوَّل مواجهة بينه وبينهم … لذلك، فقد آثَر أن يُحادثهم، فأوقف فيض الأشعَّة الكهرومغناطيسيَّة المُسلَّطة على الطائرة … ورأى «أدهم» لأوَّل مرَّةٍ منذ اتَّخذ قرار الهبوط أجهزة الملاحة تعمل بصورة طبيعيَّة … وشعروا أنَّ خُطَّة «أحمد» قد نجحت، إلا أنَّ «أحمد» لم يشعر بهذا النجاح إلا عندما رأى وجه «زائيفي» على شاشة جهاز توجيه الطائرة!
نعم … ظهر وجه «زائيفي» على شاشة كمبيوتر الملاحة الإلكترونيَّة، وهو يقول لهم: ماذا تفعلون؟!
ابتسم «أحمد» في زهوٍ، وقال: ليس أمامنا إلا هذا.
ثار «زائيفي»، وانتفض جسده، وصرخ يقول في حِدَّة: إلى ماذا أيُّها المجنون؟ إنَّ معك مئات الأرواح!
ضحك أحمد في سخرية، وقال له: أكنت تخطفنا من أجل هذه الأرواح؟!
زائيفي: لقد كنت أريدكم أنتم فقط، ولم أكُن أنوي قتل أحد!
كانت الطائرة تواصل الهبوط في سرعة مخيفة، ممَّا أثار «زائيفي» أكثر … فصرخ في هَلَع يقول: أوقفوا هذه المهزلة!
فقال له «عثمان»: والثمن؟!
همس «أدهم» ﻟ «أحمد» قائلًا: لم يعُد الوقت في صالحنا … لم يتبقَّ غير ثوان معدودة ونُعاود الصعود مرَّة أخرى … فقال له «أحمد» يُطمئنه: أمر قيادة الطائرة في يدك أنت، فاتَّخذ ما شئت فيه من قرارات.
والتفت «عثمان» إلى إشارة لا سلكيَّة تحاول المرور بين موجات اتصال «زائيفي»، فنبَّه إليها «أدهم» الذي حملها على برنامج المؤازرة، وبعد ثوانٍ اتَّضحت الإشارة؛ إنَّها من برج مراقبة … وهنا صرخ كابتن «أدهم» رغم وقاره … صرخ من المفاجأة، وصرخ من الفرحة؛ فالأمل قد تضاعف عشرات المرَّات في النجاة.
فالإشارات كانت من برج مراقبة مطار … أوه … إنَّه مطار «جنيف» الدولي يا «أحمد»!
لم يُصدِّق «أحمد»، ولم يُصدِّق الشياطين … اعتدلت الطائرة بناءً على رغبة كابتن «أدهم»، اعتدلت بنعومة، بانسيابيَّة … اعتدلت بناءً على مهارة هذا القائد المحارب، وبناءً على رؤية هذا الزعيم المحارب «أحمد»، وأخذت في الهبوط وسط صيحات تهليل من الرُّكَّاب، وصيحات الغضب من «زائيفي» والتهديد والوعيد.
وضحك الشياطين كثيرًا لهذه المصادفة؛ فعودة الطائرة من مسار الاختطاف كان في انحرافٍ وصل بها إلى «سويسرا».
يا لكَ من تعيس يا «زائيفي»؛ فقد هُزمت من أوَّل نِزال بيننا … هكذا قال «عثمان».
ويا لكَ من محظوظٍ يا كابتن «أدهم»؛ فقد وضعك هذا الاختبار في قلوب الشياطين وعقولهم.
وعلى أرض المطار، هبطت الطائرة، وأرسل «أحمد» رسالةً إلى رقم «صفر» عَبْر ساعة يده يقول فيها: وصلنا إلى أرض العمليَّة بسلام.