نافورة
أمرُّ عليها في الذهاب وفي الإياب.
أقف أمامها لأشاهدها وأتأملها بعد ما شاهدتها وتأملتها عشرات بل مئات المرات دون أن أشبع أو أقنع …
ها هي شعلة الماء ترتفع — كما فعلت على الدوام — وتصعد لي أعلى، تميل على شعلة ثانيةٍ، تميل هي أيضًا على ثالثة، ثم رابعة …
وتدفق الماء المنحدر كشلالٍ صغيرٍ وعنيفٍ في حوض من المرمر؛ فيسقط الماء في قاع الحوض يدمدم ويدوم ويحوِّم كآلاف الطيور البحرية الصارخة.
يمتلئ الحوض بالماء المتموِّج حتى يندلق من حوافه ويفيض، يندلق ويفيض وهو متلألئ مختال بكنزه الفضِّيِّ الرقراق فيصبُّ في حوض ثانٍ يقع أسفله، ويظل يتدفق حتى يؤلم القاع، يغني هذا الحوض بثروته فيعطي ويسخو فورًا وبلا تردُّد على الحوض الثالث الذي يقع تحته ويتقبَّل عطاءه الجيَّاش. هكذا أرى كل حوضٍ يأخذ ويعطي، يتدفق ويستقر في نفسه، يكون ولا يكون في وقتٍ واحد.
وبعد أن أشبع عينيَّ من المشهد — دون أن أكتفي أو أقنع! — أكاد أسمع صوتًا لا أدري حين يتردَّد في سمعي إن كان قد هبط عليَّ من أعلى، أو صعد من داخل كياني وعمق ذاتي: