نهايات وأخرويات العالم الآخر

لم يسعفنا الكثير من النصوص حول نهاية العالم عند المصريين، وكان هناك القليل من الأدلة حول أخرويات العالم، وكما هو الحال مع جميع الثقافات القديمة والدائمة، فالمصادر الموجودة مبهمة ومتناقضة، والنصوص القليلة التي تتعامل مع نهاية الزمن تتصور أن هناك دمارًا هائلًا سيحصل ثم ستتبعه العودة إلى الدولة البدائية.

وبرغم أن اﻟ «دوات» يمكن أن ينظر له باعتباره منطقة، إلا أنه في الحقيقة «حالة من حالات الوجود» أكثر من كونه منطقة، وهي الحالة التي تصير إليها المخلوقات حين تموت وتترك جسدها المادي، وهي أيضًا الحالة نفسها التي تأتي منها المخلوقات لتتجسَّد في عالم الظاهر، وبعبارة أخرى أن اﻟ «دوات» هو العالم الذي يذهب إليه الموتى، وهو في نفس الوقت العالم الذي يأتي منه الأحياء ليتجسدوا في العالم المادي، وكما تولد الشمس في الأفق الشرقي كلَّ يوم من رحم الأم السماوية «نوت» وهو اﻟ «دوات» كذلك تولد «كل المخلوقات التي تأتي للوجود — بما في ذلك البشر — من الرحم نفسه كلُّ الأشياء التي تأتي لتتجسد في عالم الظاهر تأتي من اﻟ «دوات». فهناك تتواجد المخلوقات قبل أن تولد في عالمنا، وإلى هناك تعود مرة أخرى بعد أن تطرح عنها جسدها المادي وتتركه وبرغم أن اﻟ «دوات» يقع داخل جسد نوت، إلا أن الكيان الإلهي الذي يحكم ذلك العالم الباطني ليس نوت، وإنما ابنها البكر أوزير» (نيدلر، د.ت، ٤٨).

في كتاب الموتى، يعلن الإله آمون أنه بعد «ملايين الملايين» من السنين، سوف يدمر كلَّ ما قام به من خلق «وستعود الأرض إلى العمق، إلى طوفان المياه، كما كان الخلق من قبل». ومع ذلك، يقول آمون أيضًا: «أنا وأوزيريس سنكون الباقيين». لقد جسَّد آمون نمط الوجود المتغير، وكان أوزيريس، إله الحياة الآخرة، تجسيدًا للولادة اليومية، لذا فإن بقاء الآلهة «يحمل معه وعدًا بخلق جديد وبداية خلود جديد».

كانت دورات الاضمحلال والوفاة والبعث أساسية بالنسبة للكثير منذ مظاهر الحياة المصرية، ويظهر رمز الخلود المشترك للثعبان وهو يبتلع ذيله هو اختراع مصري لما عرفناه فيما بعد ﺑ «أوروبوروس»، حيث يبتلع نفسه ليُبعث من جديد، ويعتقدون فوق كلِّ شيء آخر في «قدرة الكون على تجديد نفسه على الدوام، بحيث يمكن أن تكون كل نهاية بمثابة بداية جديدة».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥