السرديات المقدَّسة
تشكل السرديات المقدسة العنصر الثاني من المكونات الثانوية لأي دين، وهي ليست بالأساطير لكنها سرديات خاصة بالأبطال الروحيين والأنبياء والكهنة والأحداث الدينية المهمة. وتكون هذه السرديات، بطبيعة الحال، أقل قداسة من الأساطير لكنها كانت تأخذ مداها الكبير على الصعيد الشعبي في زمنها، ويتم تداولها كما الأساطير، وربما أكثر من الأساطير، لكنها تتعرض، عادة إلى إضافات وتعديلات على مر العصور.
(١) سرديات الملوك والفراعنة
كان الملوك والفراعنة في مصر بمثابة آلهة على الأرض، ولذلك كانت سردياتهم مقدسة، فقد وردت القصص والسير الكثيرة عن بعض هؤلاء الملوك في مرجعيات مختلفة من كتابات البردي وجدران المعابد والقبور، بل إن بعضها تسرب إلى أمم وشعوب أخرى وجرى تحويره وإعادة إنتاجه بطريقة تناسب تلك الشعوب، وتسرب منها إلى عصور لاحقة تحت مسميات جديدة وهكذا، ولا شك أننا لا نستطيع، في مجال ضيق كهذا، أن نعيد سرد قصص الملوك والفراعنة المصريين هنا ولو بخلاصات بسيطة، فهناك الكثير منها ولكن بعضهم حظي بشهرة واسعة أكثر من البعض الآخر، وكانت لهم سير مرتبطة الديانة والآلهة المصرية، وهو ما يجعلنا نشير إلى أسمائهم بوضوح، مثل «مينا، خوفو، أوناس، أحمس، حتشبوت، أخناتون، رمسيس الثاني، كيلوباترا».
(٢) سرديات الأنبياء
السرديات التي كان مصدرها التوراة حول «إبراهيم وموسى ويوسف» كانت هي السرديات الأكثر شهرة في الأديان التوحيدية، لكن رصيدها في تراث وآثار مصر كان معدومًا. فليس هناك ما يؤيد وجودهم على المستوى الآثاري، وهناك تأويلات محتملة ولكنها غير مؤكدة. ويبقى حضورها فاعلًا في التراث الديني اللاحق وعلى مستوى الأديان الموحدة والغنوصية بشكل خاص.
(٣) سرديات دينية معادة الإنتاج في تراثات أمم أخرى
مثل قصة أوديب، والتي كشف إيمانويل فليكوفسكي في كتابه «أوديب وأخناتون» من أن أوديب هو أخناتون، وأن طيبة أبو الهول ولغز أوديب موجودة كلها في مصر. (انظر فليكوفسكي، د.ت).
(٤) حكماء مصر القديمة
كانت الحكمة تسمى في مصر على اسم إلهة العدالة والحكمة «ماعت» أو «مات» التي يمكن أن تعني «الاستقامة، الحق، الحقيقة، الانضباط، العدل، القانون الكوني الثابت، المنطق، الصلابة»، وهي تعاكس الفوضى والفساد والشر التي تجمعها كلمة «أيسفت»، وكان رمز ماعت هو الريشة.
لنتأمل في أسماء حقول مترادفة استخدمها المصريون بتميز شديد وواضح:
الكلمة | تصويتها بالهيروغليفية | كتابتها بالحروف اللاتينية |
---|---|---|
الكتابة | سش | sis |
الحكمة، التعليم | سيبايت | sebit |
المعرفة | سيا | sia |
الكلام المبدع أو الخالق | حو | hu |
السحر | حكا | hika |
أما التعليم والحكمة فكلمتهما هي «سيبابت» وهي مشتقة من جذر «سيبا» التي تعني أيضًا «باب، نجم»، وهذا ما يشير إلى أنها تتضمن الرشاد والهداية، ونظن أنها مصدر كلمة «سوفيا» الإغريقية التي تعني الحكمة. فإذا كانت الفلسفة «فيلو سوفيا: حبُّ الحكمة» إغريقية الشهرة، فإن «الحكمة» مصرية الأصل، فقد ظهر حكماء مصر في كل عصورها وكانوا عنوانًا نادرًا لتوازن المجتمع المصري القديم وحكمته، وكانوا هم ومدارس الأسرار الروحية والمعابد مصدر الفلسفة الإغريقية كما سنرى.
الحكمة ارتبطت بالدين، وكانت التبشيرات الدينية الجديدة أقرب إلى الحكمة منها إلى الجوهر الروحي والديني، وهذا ما كان يدعو له الملوك والحكماء، وهذا ما حصل مع تعاليم أخناتون التي كانت تشير إلى دعوته أكثر مما تشير إلى النمط الأدبي الأخلاقي فقط كما ألفناه، حيث «لم يترك لنا أخناتون أي كتاب مقدس، ومن ثَم فإن ما أسسه لا ينتمي إلى ديانات الكتاب. وإن «كلمة الإله» بكل ما في هذه العبارة من معنًى لا يوجد تخيل لها في الديانة الجديدة، حيث إن ذلك الإله الذي أُعلن عنه مؤخرًا ظل صامتًا. فآتون نفسه لم ينطق ببنت شفة، بل على العكس فإن أخناتون المبشر به هو الذي تكلم عنه. ومن ثَم فإننا يجب أن نعتمد على الأدلة المستوحاة والمستخرجة من النصوص الخاصة بالملك وبكبار رجال دولته. وتذكر لنا النصوص في كثير من الأحيان «تعاليم» أو «تعليمات» أخناتون التي وضعها في قلوب رعاياه. ولتأكيد ذلك، فإن الكلمة المصرية المستخدمة لهذا الغرض هي «سيبايت» التي تشير إلى أدب الحكمة المتداولة في الكتابات التي ترجع إلى عصور سابقة حوالي أواخر الدولة القديمة، ولكن في عصر العمارنة يبدو في الحقيقة وعلى وجه الحصر أن حالة التعاليم والتعليمات كان الملك هو فقط الذي يفصح عنها، ولا يوجد في أي مكان آخر أي أثر للرسالات الدينية» (هورنونج، ٢٠١٠م، ٧٣).
- (١)
كا إرسو: عاش حوالي (٢٧٠٤–٢٦٨٠ق.م.) في زمن الأسرة الثالثة معاصرًا للملك «حوتي» آخر ملوك هذه الأسرة، وله صفحتان من بردية ذكر فيها آداب الطعام وسلوك المباشرة والتواضع وعدم التفاخر بالقوة، ومن حكمه: السكين تشحذ لمن يحيد عن الطريق المستقيم. وقد كتب تعاليمه هذه إلى ابنه «كاجمني» (قاقمنا) الذي أصبح حكيمًا بعده.
- (٢)
كاجمني (قاقمنا): وُجدت حكمته في بردية بريس، وقد عاش هذا الحكيم في زمن الأسرة الثالثة وبداية الأسرة الرابعة معاصرًا للملك سنفرو، أما بردية بريس فقد جاءت مكتوبة بالهيراطيقية من الأسرة الثانية عشرة، ويعرف كاجمني أيضًا باسم «ميمي»، ورغم أن المراجع المصرية تذكر أن كاجمني هو شخص آخر عاش في زمن الأسرة السادسة وكان وزيرًا ونسيبًا للملك تبتي.
نصائح كاجمني:
«إذا جالست نهمًا فكل عندما تنتهي شهيته … وإذا شربت مع سكير، فشاركه حين يبلغ كفايته.»
«لا تتكالب على اللحم في حضرة … وإذا أعطاك شيئًا فخذه ولا ترفضه، فإن ذلك يرضيه.»
«إذا كان المرء غير مألوف العشرة، فما من قول يفيد فيه، إنه يقطب وجهه أمام من يحسنون إليه، وهو نكبة على أمه وأصدقائه، وكل الناس تقول عنه: إن فمه لا يستطيع الكلام عندما يخاطبه أحد.»
«لا تفاخر وتزهو بقوتك بين من هم في سنك، وكن على حذر من كلِّ إنسان، حتى من نفسك، إن المرء لا يدري ماذا سيحدث، كما أنه لا يدري ما الذي سيفعله الله عندما ينزل عقابه.»
ثم تختتم التعاليم بالنص الآتي:
«ثم نادى الوزير أولاده بعد أن انتهى من مقاله عن قواعد سلوك بني الإنسان وأحوالهم، كما عرفها بنفسه، وقال لهم:«اصغوا وعوا كل ما أوردته في هذا الكتاب طبقًا لما قلبته»، و«عندئذ خروا سجدًا على بطونهم، وقرءُوه طبقًا لما هو مكتوب، وكان في قلوبهم أحسن من أي شيء آخر في البلاد كلها، وقاموا وقعدوا متبعين ما جاء فيه.» (مهران، ١٩٨٩م، ٢٤٩).
ومن نصائحه:- (أ)
اسلك طريق الاستقامة لئلا ينزل عليك غضب الله.
- (ب)
احذر أن تكون عنيدًا في الخصام فتستوجب عقاب الله.
- (جـ)
الابن الذي ينكر الجميل يُحزن والديه.
- (د)
متى كان الإنسان خبيرًا بأحوال دنياه سهل عليه أن يكون قدوة حسنة لذريته.
- (هـ)
إن قلة الأدب بلادة ومذمَّة.
- (و)
إذا دعيت إلى وليمة وقُدِّم لك من أطايب الطعام ما تشتهيه فلا تبادر إلى تناوله لئلا يعتبرك الناس شَرِهًا. إن جرعة ماء تروي الظمأ ولقمة خبز تغذي الجسم.
- (ز)
احفظ هذه النصائح واعمل بها تكن سعيدًا ومحمود السيرة بين الناس. (زكري، ١٩٢٣م، ١٤).
- (أ)
- (٣)
إمحوتب: وهو الطبيب والمهندس الذي بنى هرم زوسر المدرج، ورغم شهرته الطبية والهندسية لكنه كان حكيمًا أيضًا، وهو شاعر وفيلسوف وقد ظهر إمحوتب في زمن الأسرة الثالثة وتحديدًا في زمن زوسر، وقد ضربت شهرته الآفاق وألهمت الإغريق لاحقًا وطابقوه مع الإله إسكلابيوس (إله الطب)، وهناك من طابقه مع النبي «يوسف» وغير ذلك. ونرى أن له علاقة بهرمس الحكيم المشهور الذي ظهر في العالم القديم.
حظي الكثير من وزراء الفراعنة والكهنة الكبار باهتمام تاريخي واسع وتناقلت أخبارهم الآثار والكتب، وكان أشهر وزير هو «إمحوتب»، مهندس هرم زوسر المدرج، الذي كان عبقرية استثنائية في العلوم وخصوصًا الهندسة والطب، والذي طابقه الإغريق مع إسكلايوس إله الطب عندهم، وهو أول فلكي وهو أحد ألغاز التاريخ المصري بظهوره المفاجئ واختفائه المفاجئ، فقد كان وزير زوسر، لم يعثر على مقبرته، وهناك تماهيات كثيرة بين شخصيته وأفعاله وشخصية الإله تحوت إله الكتابة والمعرفة والعلوم في مصر القديمة، وكذلك مع شخصية هرمس أو إدريس.
إمحوتب. - (٤)
بتاح حتب: وهو الحكيم الذي ظهر مع الأسرة الخامسة وهو وزير الفرعون «ديد كارع»، وقد وُضعت تعاليمه في بردية «بريس» التي تعود لعصر الدولة الوسطى، وكانت حكمته تدرس حتى عصر الأسرة ١٨. وقد وضع حكمته في البردية على أنها «كلمات الإله»، وعددها ٣٧ حكمة، شملت آداب التواضع والمحادثة والعدالة والحقيقة والوداعة والمائدة والكرم والأمانة واحترام الواجب والسعادة وحق الأبناء والتقاليد والخلاص والنساء والفوز بالزوجة الصالحة والنميمة وغيرها، وهذه بعض حكمه:
يقول «بتاح حوتب» في نصائحه لولده:
«لا تزهد بمعارفك، ولا تحسبن نفسك عالمًا، ولكن اجعل الأمر شورى مع الجميع، خذ نصيحة الجاهل، كما تأخذ نصيحة العالم، لأن حدود العالم لا نهائية، وليس هناك من يبلغ الكمال في أحاديثه، والقول الحكيم أشد ندرة من الحجر الأخضر، ومع ذلك فقد تجده الإماء اللائي يجلسن إلى الرحى.
إذا وجدت رجلًا يتكلم، وكان أكبر منك وأسدى حكمة، فأصغِ إليه، واحن ظهرك أمامه، ولا تغضب إلا إذا تفوه بالسوء، وعندئذٍ سيقول عنه الناس: تبًّا له من جاهل. إذا وجدت رجلًا مساويًا لك يتجادل، وأثار حديث السوء فلا تسكت، بل أظهر حكمتك وحسن أدبك، فإن الكل سيثنون عليك، وسيحسن ذكراك عند العظماء. إذا وجدت رجلًا فقيرًا (ليس مساويًّا لك) يتكلم فلا تحتقره لأنه أقل منك، بل دعه وشأنه، ولا تحرجه لتسر قلبك، ولا تصب عليه جام غضبك فإذا بدا لك أن تطيع أهواء قلبك فتظلمه، فاقهر أهواءك، لأن الظلم لا يتفق مع شيم الكرام».
(مهران، ١٩٨٩م، ٢٣٨)ومن أمثاله:- (أ)
«ما أعظم الإنسان الذي يهتدي إلى الحق وإلى الصراط المستقيم.
- (ب)
من خالف الشرائع والقوانين نال شر الجزاء.
- (جـ)
لا ينجو الأثيم من النار في الحياة الآخرة.
- (د)
إن حدود العدالة لثابتة وغير قابلة للتغيير.
- (هـ)
إذا دعاك كبير إلى الطعام فاقبل ما يقدمه لك ولا تُطل نظرك إليه ولا تبادره بالحديث قبل أن يسألك لأنك تجهل ما يوافق مشربه. بل تكلم عندما يسألك فيعجبه كلامك.
- (و)
إذا كلفك كبير بحاجة فأنجزها له حسب رغبته.
- (ز)
إذا تعرفت برجل رفيع المقام فاحترمه وقدِّره قدره اللائق به، تتفوق عليه في الكلام لئلا يعارضك من هو أكبر منك نفوذًا وأكثر خبرة لأن من الجهل أن تتكلم في مواضيع شتى في آن واحد.
- (ﺣ)
لا تعق كبيرًا عن عمله متى رأيته مشغولًا فإن الإنسان يعادي من يعطِّل عليه أعماله.
- (ط)
لا تخن من ائتمنك … لتزداد شرفًا ويعمر بيتك» (زكري، ١٩٢٣م، ١٦).
- (أ)
- (٥)
إيبُّور (إيبو العجوز): وهو الحكيم الذي حذَّر من ثورة اجتماعية قادمة في زمن الأسرة السادسة، وكان موضوع التحذيرات هو ظهور علامات على خراب شامل في البلاد في عهد أحد الحكَّام، فثار عامة الناس على الموظفين والطبقة الحاكمة وعصى الجند قادة البلاد … وقام الساميون بتهديد الحدود الشرقية لمصر، وانحل نظام الحكم المنظم في مصر تمامًا، وقضي على المنجزات الحضارية التي ظهرت في العهدين العتيق والقديم، وكان الملك الطاعن في السن يعيش في طمأنينة في قصره تحيطه الأكاذيب التي كان يسمعها له موظفوه الكبار، وحين ظهر الحكيم إيبور نطق بالحقيقة وأوصل وصفه لما آلت إليه الأمور وأوصل كلامه للملك ووصف له الخراب الذي عم البلاد وتنبأ بما سيأتي بعد، وكان محقًّا في تحذيراته وتنبؤاته ولكن الأوان قد فات ولم يستطع الملك العجوز إيقاف التداعي الذي تراكم عبر فساد حكام الأقاليم والأمراء والوزراء وحتى الملوك.
حصل ذلك في نهاية الدولة القديمة، حيث بدت مصر في نهاية الأسرة السادسة وما بعدها لغاية الأسرة الثانية عشرة وكأنها غرقت في ظلام دامس، فقد غابت عن الوجود وبدت كما لو أنها سقطت في بئر من الظلام، ويرى المؤرخون أن الملك الذي اختفت معه الدولة القديمة ربما يكون بيبي الثاني الذي جلس على العرش في السنة السادسة من عمره وحكم أربعة وتسعين عامًا كما تقول النصوص المصرية نفسها. وهكذا كانت حكمة إيبور المدونة على بردیة لایدن ٣٤٤، والتي سمیت لاحقًا ﺑ «بردیة إیبور»، شهادة على شرف عظماء البلاد من حكماء ومثقفين من أجل إصلاح الأمور وتدوين ما حصل.
إيبُّور (٢٣٧٤–٢٢٨٠ق.م.)تحذيرات إيبور: «حقًّا أن الأرض تدور كعجلة الفخار، واللص أصبح صاحب ثروة.
حقًّا أن النهر قد امتلأ بالدم، فأصبح الرجل يعاف الشرب منه.
حقًّا إن البلاد قد أصابها الدمار، وأصبح الصعيد خاويًا.
انظر لترى قلائد الذهب والجواهر على نحور الجواري، على حين تشتهي الحرة كسرة من خبز، وتقول: «أما من شيء نأكله».
«انظر، لقد حدث هذا بين الناس، فمن لم يكن في قدرته أن يقيم في حجرة، أصبح الآن يملك فناءً مسورًا، انظر، إن الفضيلات الشريفات يرقدن على الفراش الخشن، والأمراء ينامون في المخزن، ومن لم يكن ميسرًا له أن ينام على الجدران، أصبح صاحب سرير، إن الرجل الغني أصبح يمضي الليل وهو ظمآن، ومن كان يستجدي منه الحثالة أصبح يمتلك الجعة القوية، انظر، إن أولئك الذين كانوا يمتلكون الملابس أصبحوا في خِرق بالية، انظر، إن الذي لم يصنع أبدًا قاربًا، أصبح الآن يملك سفنًا، وأصبح صاحبها ينظر إليها، غير أنها لم تعد ملكًا له، انظر، إن الذي لم يكن يملك ما يظله من حرارة الشمس، أصبح الآن يملك ظلًّا، والذين كانوا يملكون ما يئويهم، أصبحوا عرضة للعاصفة.
«انظر لترى المناصب وقد خلت من أربابها، ولترى الناس يهيمون كالأنعام، بل هم أضل سبيلًا، حقًّا لقد عز الذليل، وذل العزيز، وطمع الغرباء في البلاد، فها هم ينتشرون في الأرض، ويعيثون فيها فسادًا.
انظر، لقد عم الحزن البلاد من أقصاها إلى أقصاها، والناس يستغيثون ولا مغيث ويستجيرون ولا مجير.
انظر، لقد أصبحت الحياة مرة حتى عافها الناس، رخيصة حتى هانت على الناس، يقول الكبير: يا ليتني مت قبل هذا. وكنت نسيًا منسيًّا، ويقول الصغير: ليت أمي لم تلدني.
انظر كيف يضحك الوضيع من بكاء العظيم.
انظر، لقد أصبح الناس يأكلون الحشائش، ويشربون الماء، ولا توجد فاكهة، كما لا يوجد عشب يأكل منه الحيوان والطير، وأصبحت القاذورات تُختطَف من أفواه الخنازير، ولم يعد أحد يقول: هذا لي (مهران، ١٩٨٩م، ٢٩٣).
- (٦)
دوا خيتي: عاش هذا الحكيم حوالي ٢٣٠٠ق.م. إبان الأسرة التاسعة، وربما كان الملك خيتي الأول معاصرًا له، وقد ألَّف إحدى المواعظ والتعاليم لابنه «بيبي»، ويعتقد البعض أن المؤلف هو نفسه مؤلف وصايا أمنمحات، والتعاليم تصف مساوئ المهن وتمجِّد بمهنة الكتابة، وقد جاء النص في بردية ممزقة من عصر الأسرة اﻟ ١٩ وهي محفوظة الآن في المتحف البريطاني. وتسمى أيضًا بردية «دواؤف».
- (٧)
خيتي (أختوي) الملك: ظهرت تعاليم الملك إلى ابنه مريكرع حوالي ٢١٣٣ق.م. من الأسرة العاشرة، وهو الملك خيتي الثالث وكانت تحث على الحكمة السياسية وطريقة الحكم واحترام الشعب وإقامة العدالة والعمران، وتحث على مخافة الإله وأداء الطقوس، وقد كتب نص تعاليمه في بردية محفوظة في متحف ليننغراد كتبت منذ الأسرة ١٨ وجاء في بعضها:
«هدِّئ من روع الباكي ولا تظلم الأرملة، ولا تحرم إنسانًا من ثروة أبيه، ولا تطرد موظفًا من عمله، وكن على حذر ممن ينتقم مما قد وضع عليه من ظلم، لا تقتل فإن ذلك لن يكون ذا فائدة لك، بل عاقب بالضرب والحبس فإن ذلك يقيم دعائم هذه البلاد، اللهم إلَّا من يثور عليك وتتضح لك مقاصده، فإن الله يعلم خائنة القلب والله هو الذي يعاقب أخطاءه بدمه، لا تقتل رجلًا إذا كنت تعرف جميل مزايا، رجلًا كنتَ تتلو معه الكتابات (أي زميلك في المدرسة)».
(نخبة من المفكرين المصريين، أحمد فخري، د.ت، ٤٤١)الملك خيتي الأول. - (٨)
نب-كاورع: ربما كان هذا الحكيم هو آخر ملوك الأسرة التاسعة ويسمى «أختيوس الثاني»، وقد جاء ذكره في قصة الفلاح الفصيح وكان معروفًا بالسخرية، وقد ترك حكمته موجهة إلى ابنه مريكاو رع حوالي ٢٠٠٠ق.م. وكانت تشير إلى تمجيد صناعة الكلام والمحادثة وحب الخير والحذر واليقظة والحديث عن كبار الموظفين وواجبات الحاكم والتذكير بالعالم الآخر ويوم الحساب ومعاملة الجيل الجديد والنشاط والعدل وصفات الحاكم.
- (٩)
إمنمحات الأول: لم يكن الملك إمنمحات الأول (١٩٩١–١٩٦٢ق.م.) حكيمًا بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكنه حين تعرض إلى مؤامرة كادت تودي بحياته أشرك ولده «سنو سرت الأول» في الحكم وكتب له «تعاليم» بليغة ومهمة في السياسة والحكم تحذره فيها من الثقة بالأصدقاء ومن مؤامرات المقربين وتسرد المؤامرة التي حصلت وتحذر ابنه من مؤامرات قادمة.
إمنمحات الأول.«أنت يا من غدوت ملكًا، استمع لما أقول، حتى تصبح ملكًا على البلاد، وتحكم على ضفاف النهر، وتسيطر على العالم، وحتى يمكنك أن تحقق الخير، خذ الحذر من عمالك، فما أطاع الناس إلَّا من أرهبهم، وإياك أن تدنو منهم وحدك، لا تثق بأخ، ولا تصطفِ لنفسك صاحبًا، أو تتخذ خليلًا، فلا خير في ذلك ولا جدوى منه».
«لتكن حارس نفسك عندما تنام، حرصًا على حياتك، فلا صديق لامرئ في ساعة الشدة، فأنا قد أعطيت السائل، وربيت اليتيم، وأعنت المعدم، ومع ذلك، فالذي أكل خبزي هو الذي استعدى الناس عليَّ، والذي مددت له يد المعونة ردها بالمكيدة، والذين اكتسوا بكتاني الفاخر نظروا إليَّ كخيال، والذين ضمختهم بعطوري قد أنتنوا أنفسهم بطيبها، فدخلوا مخدعي ليغدروا بي».
«إن تماثيلي وصوري قائمة بين الأحياء، وأعمالي ذائعة بين الناس، ومع ذلك فقد دبروا مؤامرة ضدي لم يسمع بها أحدٌ، وأقاموا صراعًا كبيرًا لم يره أحدٌ (أي لم يفشِ أحدٌ إليَّ بسره)، لقد قاتل الرجال في مكان الصراع، ونسوا ما كان بالأمس، أن حسن الطالع لا يكون من نصيب من يجهل ما دبر له». (مهران، ١٩٨٩م، ٣٢٩).
- (١٠) آني: الحكيم آني ظهر في حدود ١٥٨٠–١٥٥٨ق.م. في عصر الملكة أحمس نفرتاري زوجة الملك أحمس، لكن برديته وصلت لنا بعد نسخها المتواصل من عهد الأسرة الحادية والعشرين، وهي محفوظة في المتحف المصري (بردية بولاق ٤)، وهناك بعض فقرات النصائح في برديات أخرى، وقد كتبت البردية في عصر اضمحلال كانت فيه السيادة لرجال الدين والدعوات للرضوخ لحكم القضاء والقدر والتدين الأعمى. وتسمى البردية ﺑ «نصائح آني» الموجهة لولده «حونسو–حتب»:
- (أ)
أخلص لله تعالى في أعمالك لتتقرب إليه وتبرهن على صدق عبوديتك حتى تنالك رحمته وتلحظك عنايته فإنه يهمل من توانى في خدمته.
- (ب)
لا تتقرب إلى ربك بما يكرهه ولا تبحث أسرار ملكوته فهي فوق مدارك العقول، واحفظ وصاياه وإرشاداته فإنه يرفع من يمجده.
- (جـ)
احترم الأعياد وأدِّ شعائرها وإلَّا فقد خالفت أوامر الله.
- (د)
لا تستعمل الغوغاء والضجيج في بيت الله أيام أعيادك، وادعُ ربك تضرعًا وخيفة بقلب مخلص فذلك أقرب للإجابة.
- (هـ)
إذا استشارك أحد فأشر عليه بما تقتضيه الكتب المنزلة.
- (و)
تتهذب النفوس بالحسنات والترنيمات والسجود.
- (ز)
من اتُّهم زورًا فليرفع مظلمته إلى الله تعالى فإنه كفيل بإظهار الحق وإزهاق الباطل.
- (ﺣ)
اجعل لك مبدأً صالحًا وضع نصب عينيك في جميع أحوالك غاية شريفة تسعى إليها لتصل إلى شيخوخة حميدة وتهيئ لك مكانًا في الآخرة فإن الأبرار لا تزعجهم سكرات الموت.
- (ط)
صن لسانك عن مساوئ الناس، فإن اللسان سبب كلِّ الشرور وتحرَّ محاسن الكلام واجتنب قبائحه فإنك ستسأل يوم القيامة عن كلِّ لفظة.
- (ي)
تزوج حديثًا لترى لك ولدًا في ريعان شبابك يكون سببًا في احترامك وإجلالك وبرهانًا على صلاحك وتقواك (زكري، ١٩٢٣م، ٢٦-٢٧).
«سأحدثك بكل ما هو حسن، لكي يعيه قلبك، فاتبع ما أقول، حتى تكون محمود السيرة، بعيدًا عن كلِّ شر، ويقول عنك الناس: إنك لعلى خلق عظيم، ولا يقولون: إنك فاسد بليد، وإذا اتبعت ما أقول فإنك ستتجنب كلَّ شر، وتبتعد عن مواطن الزلل.»
وفي الزواج المبكر والحض عليه يقول آني لولده «خونسو حتب»:
«تخيَّر لنفسك زوجة منذ الصبا، عساها تنجب لك طفلًا، فإنها إن أنجبته وأنت شاب، استطعت أن تربيه وتجعله رجلًا، وطوبى للرجل إذا أصبح كثير الأهل، وأصبح يرتجى من أجل أبنائه.»
وفي آداب الزيارة يقول:
«لا تكن سليطًا ولا متطفلًا، ولا تدخل بيت غيرك (من غير إذن)، وعندما تكون في منزل أناس آخرين، وترى عيناك شيئًا فالزم الصمت ولا تبُحْ به لأي شخص كان في الخارج، حتى لا تكون لك جريمة كبرى، عندما يصل أمره إلى الأسماع.»
«وفي تحذير ولده من النساء الغريبات وارتكاب الفاحشة يقول آني: كن على حذر من المرأة المجهولة، لا تطل النظر إليها عندما تمر بك، ولا تقضي منها وطرًا، فقد تراودك عن نفسها، لا تستجب لها حتى في غفلة من الناس، إنها جريمة يستحق صاحبها الموت عندما يشيع أمرها بين الناس» (مهران، ١٩٨٩م، ٢٦١).
الحكيم آني في محكمة الموتى، بردية آني. - (أ)
- (١١)
أمنحتب بن هابو: «أو أمينوفيس باليونانية. كان وزيرًا لأمنحتب الثالث، عاش في القرن الخامس عشر قبل الميلاد. بوصفه حكيمًا ومتطلعًا في الأسرار تملَّى أمنحتب جمال ثوث، فلم يضاهِه أحد في زمنه تعمقًا في العلوم والأسرار. بقيت الصروح المعمارية التي شيَّدها تذكِّر أهل طيبة به عبر العصور، ومنها صرح المعبد (المقبرة) الذي بناه لسيده الملك، والذي لم يبقَ منه اليوم سوى تمثالين يزينان الواجهة القديمة، وهما تمثالان عملاقان خضع أحدهما لعمليات الترميم والتجديد عبر العصور تحت اسم تمثال ممنون. استمرت شهرة أمنحتب بالازدياد حتى اعتبر في عصر الأسرة السايسية رجلًا شارك في الطبيعة الإلهية بسبب حكمته، ونسبت إليه كتب السحر، ورُويت عنه الحكايات العجائبية. في معبد الكرنك كان هنالك تماثيل لأمنحتب تلقى الاحترام والتبجيل، ولكنه لم يرتفع قط إلى مصاف الآلهة مثل إمحتب بن تاح. ومع ذلك فقد تم تبجيله مع الآلهة الكبار في المعبد البطلمي الصغير في دير المدينة» (فياود، ٢٠١٧م، ٩٤).
- (١٢) آمنمؤبي Amenemope: مع الحكيم آمنمؤبي نصل إلى ذروة الحكمة المصرية في تطورها، فقد ظهر في حدود ١٠٠٠ق.م. بين الأسرتين ٢١-٢٢، وقد وجه نصائحه إلى ابنه «حور ماحر» على بردية حصل عليها والس بدج ١٨٨٨م، وهي محفوظة في المتحف البريطاني برقم ١٠٤٧٤، ويرى الكثير من الباحثين أنها أساس ما دونته التوراة في الحكم والأمثال المنسوبة إلى الملك سليمان.
تعتبر تعاليمه ذروة السبك والقوة في التأليف، وتحتوي التعاليم على ثلاثين فصلًا من النصائح للحياة الناجحة، وهي مكتوبة في صورة وصية من الكاتب «أمينيموبي بن كاناخت» لابنه. ويعتبرها الدارسون إحدى روائع أدب الحكمة في الشرق الأدنى القديم.
نصوص حكمته مكتوبة في فترة الرعامسة. وهو يصور على أنه كاتب وحكيم عاش في مصر خلال الأسرة العشرين من عصر الدولة الحديثة، وأقام في أخميم (إيوبو المصرية القديمة، بانوبوليس اليونانية)، عاصمة تاسع إقليمٍ في الصعيد القبلي. يتم تقديم خطاباته في الشكل التقليدي للتعليمات من الأب إلى الابن حول كيفية عيش حياة جيدة وأخلاقية، ولكن (على عكس معظم هذه النصوص) يتم تنظيمها صراحة في ٣٠ فصلًا مرقمًا.
على الرغم من أنه كان يعتقد في يوم من الأيام أنه فريد من نوعه، فقد أثَّر بوضوح على كتب الحكمة التوراتية فيما بعد مثل سفري الأمثال والجامعة، ففي كتاب الأمثال تتوازى الآيات ٢٢: ١٧-٢٣: ١١ مع تعليمات أمينيموبي. تاريخ ١١٠٠ قبل الميلاد يضع تأليف التعليم في وقت سابق أكثر من أي جزء من الكتاب المقدس (Collins 2014: 509).ويعزو علماء مصر مثل جيمس هنري برستيد له «وجود تأثير عميق على التطور الأخلاقي والديني الغربي بسبب قراءة تعليماته من قبل العبرانيين، وتضمين أجزاء منها بشكل حرفي أحيانًا في أسفارهم. ومن الواضح أن آمنمؤبي، بدوره، كان يعتمد على نصوص قديمة سبقته، وبشكل خاص نصوص بتاح حتب. (Breasted 1961: 371).كتبت حكمه وأمثاله بالخط الهيروغليفي على الورق البردي المحفوظ اليوم في المتحف البريطاني تحت رقم ١٠١٧٤٥ ويرجع تاريخها إلى الأسرة الثانية والعشرين، وقد عمل على ترجمتها إلى الإنكليزية العالم الأثري بدج Budge ومنها:- (أ)
«احفظ هذه الوصايا واعمل بها تعش سعيدًا، ولا تهملها لئلا تحل بك النكبات والمصائب.
- (ب)
لا تسرق مال غيرك لئلا يقبض الله روحك في لمحة بصر، ويبدد أموالك ويخرب بيتك، وتصير عبرة لمواطنيك ومضغة في أفواههم في حياتك وبعد مماتك.
- (جـ)
إذا أذل الغني فقيرًا أذله الله تعالى في هذه الدنيا وأذاقه عذاب النار في الآخرة.
- (د)
اجتنب سيئ الخلق فإنه أحمق ممقوت من الله والناس.
- (هـ)
سبح الله تعالى واعصِ الشيطان.
- (و)
لا تغالط شريكك أو زميلك في الحساب فيبغضك الله وتشتهر بالغدر والخيانة.
- (ز)
لا تُظهر أمام الناس غير ما تبطن فتخدعهم، واجعل باطنك كظاهرك، فإن الله يبغض الكذوب المخادع» (زكري، ١٩٢٣م، ٣٣).
كان آمنمؤبي موظفًا في مخزنٍ للحبوب بدرجة ناظر في شون الحبوب في إقليم أبيدوس، وكان اسم والده «كار نخت»، وكان ولده أحد كهنة الإله «مين» في أخميم، وكان عدد فصول الوصايا هو ثلاثين. وينقسم الفصل الثامن إلى ثلاثة أقسام:- أولها: عن أهمية الذكرى الطيبة، «اغرس طيبتك في قلوب الناس، حتى يحييك كلُّ إنسان.»
- وثانيها: يحض على اجتناب القول الخبيث، «كن رصينًا في تفكيرك، وثبت فؤادك، ولا تتعود على أن تجدف بلسانك حتى تكون مضلًّا عند الآخرين، ومحترمًا في شيخوختك، وآمنًا من بطش الإله (الله).»
- وثالثها: عن حفظ السر، «لا تفضح إنسانًا بهتك سرِّه، وإذا عُرض عليك أمر لتحكم فيه، فكوِّن رأيك في نفسك، واجعل الحسن منه على لسانك، وأما القبيح فأخفه في بطنك.»
ويحث الفصل التاسع على تجنب الأحمق وسبله، ونقتبس منه:-
«لا تصاحب الأحمق واحذر من الاندفاع.»
-
«لا تصاحبنَّ رجلًا حاد الطبع، ولا تُلحنَّ في مصادقته، واحفظ لسانك من مقاطعة من هو أرفع منك مقامًا، وخذ الحيطة لنفسك من أن تذمه، ولا تجعله يرمي بكلام يوقعك في شركه.»
-
«والرجل الأحمق يقول قولًا مقذعًا يستحق عليه الضرب، وجوابه مليء بالشر، وهو يثير النزاع بين الإخوة، واللهيب يتقد في جوفه، فحذار أن تنضم إلى هذا الرجل.» (مهران، ١٩٨٩م، ٢٧٠).
- (أ)
- (١٣) لقمان الحكيم: هناك الكثير من الغموض يكتنف شخصية لقمان الحكيم، ولكن الأرجح أنه حكيم مصري عاش في النوبة في حدود حكم الأسرة ٢١، ولا شك أن اسمه هذا وصل لنا بصيغته اليونانية «Alcaman» التي صاغها اللسان العربي «لقمان» وورد ذكره في القرآن الكريم. وليس هناك آثار أو برديات عنه وعن حكمته، بل هناك مرويات إسلامية تذكر أنه ابن اخت النبي «أيوب» وهو من أسوان بمصر. الكثير من حكمه وردت عند الحكيم الآشوري الآرامي «أحيقار» الذي كان وزيرًا في بلاط الملك الآشوري سنحاريب ثم ولده أسرحدون (٦٨٠–٦٦٩ق.م.) والذي زار مصر في عهد الفرعون طهراقا.
- (١٤) عنخ شاشنقي: كاهن وحكيم مصري عاش في عين شمس في القرن الخامس قبل الميلاد، ويعتبر آخر أصحاب التعاليم الكبيرة والمؤثرة، وتمت مقارنته لاحقًا بزرادشت وتعاليمه … وتم اتهامه بالتستر على مؤامرة ضد الفرعون وسُجن رغم براءته، ومن تعاليمه وتعبيراته ما يلي:
-
لا تكن ساقط الهمة حين الشدة … وافعل الخير وارمه وسط البحر … وإذا فعلت معروفًا لخمسمائة إنسان ورعاه واحد فحسبك أن جزءًا منه لم يضع.
-
زوِّج ابنتك لصائغ … ولكن لا تزوج ابنك لابنته.
-
قد يستر الصمت حمقًا … وقد يفضل البكم زلق اللسان … وآية الحكيم فمه … وإنما يتأتى التعليم بعد رقي الخلق … ولا تقل إني عالم وتفرغ للعلم … رفيق الغبي غبي … ورفيق الحصيف حصيف … ورفيق الأبله أبله.
-
لا تشاور عالمًا في أمر تافه … ولا تشاور جاهلًا في أمر جلل … ومن وعى ما تعلمه تفكَّر في زلاته.
-
فشل كريم خير من نصف نجاح … الموت خير من الحاجة … من هز حجرًا وقع على رجله … من سرق متاع آخر لن يُبارَك له فيه … يسرق السارق بالليل ويُقبَض عليه بالنهار.
ومن تعبيراته الطريفة:-
أعطِ الشغال رغيفًا تأخذ رغيفين من كتفيه.
-
العزلة خير من أخ شرير.
-
من حزن مع أهل بلده فرح معهم.
-
لا تلف كثيرًا حتى لا تتوقف.
وعندما ضاع الحق في بلده نعى ذلك إلى رع — الإله الذي يعبده ويتقرب إليه — بكلمات تقطر ألمًا وحزنًا على ما آل إليه الوضع في البلاد، فقال:-
إذا غضب رع على أرض نسي حاكمها العرف.
-
إذا غضب رع على أرض عُطِّل القانون فيها.
-
إذا غضب رع على أرض أُبعد الطهر منها.
-
إذا غضب رع على أرض عُطِّل العدل فيها.
-
إذا غضب رع على أرض سقطت الأقدار فيها.
-
إذا غضب رع على أرض ضاعت الثقة فيها.
-
إذا غضب رع على أرض رفعت جهلتها وخفضت عليتها.
-
إذا غضب رع على أرض جعلت أغبياءها فوق علمائها. (موقع العجلوني، موضوع عنخ شيشنق، تاريخ الاقتباس آب ٢٠١٤م.
-
- (١٥) بدي أوزر (بتوزريس Petosiris): كان «بدي أوزر»، أو (بتوزريس كما أسماه الإغريق)، يقف على رأس مجموعة من حكماء عائلته وهم معه (شسو، جد جحوتي إن عنخ، جدحر، بتوكم) وقد ظهروا في عصر الأسرة ٣٠ وهي آخر أسرة فرعونية في حدود ٣٦٠ق.م. إبان الغزو الفارسي الثاني والإسكندر الأكبر، وقد عثر على نصوصهم مدونة على جدران المقبرة التي شيدها بدي أوزر، وهي أشبه بالنداءات إلى الأحياء أو البيانات الأخلاقية للسير الذاتية، وتتكون من عدة مدونات وتحتوي على تعاليم أخلاقية للطريق المستقيم وتعاليم الآلهة والخير وأخلاق الموت والدفن … إلخ.
كان بدي–أوزر كبير كهنة الإله تحوت في مدينة الأشمونين (هرموبوليس) في أواخر الحكم الفارسي وفي أيام الإسكندر المقدوني، وقد عاش حتى ٣٠٠ق.م. وينظر له كنبي تحوت، ولا شك أن له علاقة بشيوع الهرمسية في هذا الزمن، ومقبرته في جبَّانة «نونا الجبل» في محافظة أسيوط، وقد جمعت بين الفنين المصري واليوناني، وفيها بعض مناظر للحياة اليومية والزراعية وبعض الصناعات.
كان هذا الحكيم المتأخر بتوزيرس يميل إلى حكمة الإله تحوت بشدة، وربما كان وراء انتشار المتون الهرمسية التي ارتبطت بهذا الإله، «فالذي يملأ حياة بتوزيرس إنما هو شعور التقوى الذي يربطه بإلهه، وهو «تحوت العظيم مرتين». وكان هذا الإله رائده طوال حياته، وهو الذي هداه إلى أن يكون مخلصًا له. ولهذا فهو يهيب بمن يزور قبره في المستقبل: سأرشدكم إلى طرق الحياة، ومن ثَم سوف ترسون في العالم الثاني تحدوكم ريح رخاء. لقد وضع ثقته في الإله منذ الطفولة إلى اليوم، فكان يفكر بالليل فيما عسى كانت إرادة الإله، ويعمل في الصباح ما يحبه الإله. وكان يقول الحق وينفر من الظلم، ولم يتعامل مع من لم يكونوا يعرفون الإله، ولم يعتمد إلَّا على المخلصين للإله، وذلك لأنه كان دائم التفكير في أنه سوف يذهب بعد الموت إلى الإله، وأن سادة الحق سوف يجلسون لمحاكمته، هكذا كانت تقريبًا عقيدة بتوزيرس. وليس من الصدفة بالتأكيد أن نجد في تعاليم آمون إم أو بي، شعورًا نقيًّا مماثلًا، يتجلى كذلك بشكل واضح في تلك الدعوات الموجهة إلى تحوت، والتي ذكرناها من قبل. ويتعلق الأمر في كلتا الحالتين، كما في حالة بتوزيرس، بأشياع تحوت الذين يعلنون، عقائدهم هذه، ولا يمكن أن يكون هذا من قبيل الصدفة. فقد كان الموظفون والكتبة الذين يخدمون تحوت، من الطبقة العالية المثقفة من الشعب، التي كانت تحيا فيها حقًّا روح عالية، ومن المحقق أن هذه الروح قد عاشت بعد ذلك، وخاصة عندما أصبح تحوت هو هرمز، الذي كان يعتبر ممثل الحكمة السامية. وسنتكلم فيما بعد عن هرمز هذا وعن أتباعه. حقًّا لقد غدت التعاليم التي يمثلونها شيئًا آخر غير تعاليم جماعة تحوت القديمة، على أنهم ورثوا الاعتقاد بأن إلههم هو الإله الذي يعلم الحكمة العميقة» (إرمان، ١٩٩٥م، ٤٥٦-٤٥٧).