المعتقدات الدنيوية
(١) المعتقدات الدنيوية العامة
(١-١) الحكمة والنبوة
تُسمَّى الحكمة، في مصرالقديمة، على اسم آلهة العدالة والحكمة «ماعت» أو «مات» التي يمكن أن تعني «الاستقامة، الحق، الحقيقة، الانضباط، العدل، القانون الكوني الثابت، المنطق، الصلابة» وهي تعاكس الفوضى والفساد والشر التي تجمعها كلمة «أيسفت»، وكان رمز ماعت هو الريشة.
أما التعليم والحكمة فكلمتهما هي «سيبابت»، وهي مشتقة من جذر «سيبا» التي تعني أيضًا «باب، نجم»، وهذا ما يشير إلى أنها تتضمن الرشاد والهداية، ونظن أنها مصدر كلمة «سوفيا» الإغريقية التي تعني الحكمة. فإذا كانت الفلسفة «فيلو سوفيا: حبُّ الحكمة» إغريقية الشهرة، فإن «الحكمة» مصرية الأصل، فقد ظهر حكماء مصر في كل عصورها، وكانوا عنوانًا نادرًا لتوازن المجتمع المصري القديم وحكمته، وكانوا هم ومدارس الأسرار الروحية والمعابد مصدر الفلسفة الإغريقية كما سنرى.
الحكمة ارتبطت بالدين، وكانت التبشيرات الدينية الجديدة أقرب إلى الحكمة منها إلى الجوهر الروحي والديني، وهذا ماكان يدعو له الملوك والحكماء، وهذا ما حصل مع تعاليم أخناتون التي كانت تشير إلى دعوته أكثر مما تشير إلى النمط الأدبي الأخلاقي فقط كما ألفناه، حيث «لم يترك لنا أخناتون أي كتاب مقدس، ومن ثَم فإن ما أسسه لا ينتمي إلى ديانات الكتاب. وإن «كلمة الإله» بكل ما في هذه العبارة من معنًى لا يوجد تخيل لها في الديانة الجديدة، حيث إن ذلك الإله الذي أُعلن عنه مؤخرًا ظل صامتًا. فآتون نفسه لم ينطق ببنت شفة، بل على العكس فإن أخناتون المبشر به هو الذي تكلم عنه. ومن ثَم فإننا يجب أن نعتمد على الأدلة المستوحاة والمستخرجة من النصوص الخاصة بالملك وبكبار رجال دولته. وتذكر لنا النصوص في كثير من الأحيان «تعاليم أو «تعليمات» أخناتون التي وضعها في قلوب رعاياه. ولتأكيد ذلك، فإن الكلمة المصرية المستخدمة لهذا الغرض هي «سيبايت» التي تشير إلى أدب الحكمة المتداولة في الكتابات التي ترجع إلى عصور سابقة حوالي أواخر الدولة القديمة، ولكن في عصر العمارنة يبدو في الحقيقة وعلى وجه الحصر أن حالة التعاليم والتعليمات كان الملك هو فقط الذي يفصح عنها، ولا يوجد في أي مكان آخر أي أثر للرسالات الدينية» (هورنونج، ٢٠١٠م، ٧٣).
الكتاب المهم الذي ألفه جورج جيمس «الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة»، والذي ترجمه إلى العربية شوقي جلال، يُلقي الضوء ساطعًا على انتحال الحكمة المصرية وجمعها وإعادة تأليفها تحت أسماء إغريقية (أيونية تحديدًا) ثم إعادة صياغتها من قبل أرسطو وجماعته بطريقة أثينية جعلها تندمج في تاريخ اليونان وقطع جذورها المصرية بطريقة تدعو إلى العجب، وسنعرض الفكرة العامة لكتاب جورج جيمس هنا.
كان مصدر الفلسفة اليونانية الأول هو مدرسة نظم الأسرار المصرية، ثم برديات الحكماء المصريين الذين ذكرناهم والذين أمدُّوا الفلسفة اليونانية بالكثير من الجوانب الإنسانية والأخلاقية.
يرى جيمس أن نظام الأسرار المصري كان هو النظام المركزي الذي انطلقت منه أنظمة محيطية في آسيا واليونان بشكل خاص، فالمحفل المصري الأعظم (الأوزوريكا الأعظم) كان هو معبد القصر قرب دندرة، ومعه معبد الكرنك الذي يعلِّم فلسفة الأسرار، أما المعابد المحيطية الثانوية فهي: «المعبد الأيوني في ديديما، ومعبد إقليدس في ميجارا، ومجمع فيثاغورس في كروتونا، والمعبد الأورفي في دلفي»، وهكذا جرى تعليم النابهين من أهل أيونيا بشكل خاص في المعابد المصرية الأصلية أو المعابد المحيطية، وقام هؤلاء بتبنيها سرًّا ثم علنًا؛ لأن الحكومات الإغريقية (ومنها حكومة أثينا) كانت تعتبر هذه الأسرار خروجًا على الديانة الإغريقية وإفسادًا لشباب الإغريق، وهذا ما جرى باسمه ملاحقة أنكساغوراس وإعدام سقراط وهرب أفلاطون وأرسطو.
لم تكن بلاد الإغريق مهيأة لظهور الفلسفة بحكم عدم وحدتها وتناثر جماعات التحالف والاتحادات الإغريقية والحروب الأهلية، ومنها حروب البلوبونيز، فضلًا عن غزوات الفرس. ولذلك لا يمكن استيعاب فكرة ظهور الفلسفة كنمط عقلي جديد يوازي العقل الديني السائد والموروث، وكان لا بد أن يصطدم هذا النمط بذهنية حكومات دويلات المدن الإغريقية.
ولذلك نما هذا النمط في الأطراف الآسيوية وكانت أيونيا هي مهد الفلسفة لصلتها بآسيا من جهة، ولأن متعلميها نشئُوا علميًّا في المدارس والمعابد المصرية الخاصة بالأسرار.
كانت أيونيا (مهد الفلسفة) تحت السيطرة الفارسية، وكانت تضم الأوزيريكا الصغرى، وكانت مصر كلها تحت السيطرة الفارسية أيضًا في القرن السابع قبل الميلاد، وهي مركز الأوزيريكا الكبرى، وكان من السهل انتقال المتعلمين والأفكار في مدن إمبراطورية فارسية شاسعة.
ولعل النواة التي ظهرت منها الفلسفة كانت هي عقيدة الخلاص المصرية التي كانت تقضي بأن في الإنسان روحًا هي قبس إلهي يمكن للإنسان أن يحررها من جسده عن طريق التطهر والعبادة والتأمل، وبذلك يتصل بالآلهة ويعيش خالدًا ويبلغ مرحلة الكشف الصوفي والخلود ويحرر روحه من عجلة التناسخ أو إعادة الميلاد.
كانت هذه العقيدة السرية للكهنة الأوزيريين تنمو تحت العقائد الشمسية التي تمجِّد الفرعون وتحافظ على الجسد (جسد الفرعون بشكل خاص) وتضمن، عن طريق التحنيط، دمجه بالروح من جديد. تأثَّر التلامذة الأيونيون الأوائل بهذه الفكرة السرية وغيرها من أفكار نشوء الكون من العناصر الأربعة، وكان أغلبهم ملحدًا لا يؤمن بالآلهة الإغريقية، وحين جاءوا إلى بلادهم جردوا هذا الأفكار من الآلهة، وتحدثوا عنها بلغة الطبيعة والمفاهيم والمثل دون أن يذكروا الآلهة … وهكذا ولدت الفلسفة.
ونتيجة لذلك فإن أي نشر أو ترويج للفلسفة لا يمكن أن يصدر مباشرة عن الفلاسفة الأصليين أنفسهم، وإنما عن أحد طريقين، إما عن طريق أصدقاء مقربين إليهم يعرفون آراءهم كما هو الحال بالنسبة إلى كلٍّ من فيثاغورس أو سقراط، أو عن طريق أشخاص مهتمين سجلوا تعاليمهم الفلسفية التي أضحت رأيًا شائعًا وتقليدًا رائجًا. ومن ثَم لا عجب أن يلجأ المرجع الأوحد المحدد وجهة إبداع الفلسفة اليونانية. ولهذا السبب تحيط شكوك هامة وكثيرة بما يسمى الإبداع اليوناني للفلسفة (جيمس، ١٩٩٦م، ٢٠).
أما النبوة في مصر فنرى أن ما ذكرته المرويات التوراتية عن موسى ويوسف ما زال غير مؤكدٍ على المستوى التاريخي والأركيولوجي، وهم في كلِّ حال من أنبياء العبريين وليس من أنبياء المصريين.
- (١)
هرمس مثلث العظمة: ويروى أنه كان مصريًّا بعد الطوفان وأنه بنى الأهرام، ويرتبط بشخصية «أمحتب» الحكيم والمهندس المصري الذي هندس بناء الهرم المدرج، وكان وزير الملك المصري (الفرعون) زوسر من الأسرة الثالثة في مصر.
والحقيقة أن هناك جدلًا واسعًا حول أصل هرمس وشخصيته المتراوحة بين الألوهية والنبوة والحكمة والملوكية، ويعتقد أن تسمية هرمس مثلث العظمة أو المعظَّم ثلاثًا أو مثلث النعم أو مثلث الرحمة هي ألقاب يجمعها مصطلح (Hemes Trimagestus) وقد أطلقت عليه لأنه جمع بين «النبوة والحكمة والملوكية».كما ذكره سفر التكوين في التوراة باسم أخنوخ، وذكره الإنجيل بنفس الاسم، وذكره القرآن باسم «إدريس».
وتُجمع المرويات على أنه أول من اخترع الكتابة، وأول من كتب الصحف، وأول من خاط الثياب ولبسها. وفي صفاته ما يدل على اهتمامه بالحكمة والكيمياء والفلك والتنجيم والطب … إلخ، وأنه أول من حصل على الخلود، وأول من صعد إلى السماء، وغير ذلك كثير.
والحقيقة أننا لا يمكن التوسع، في هذا الكتاب، في البحث عن شخصية هرمس الحقيقية، رغم أن الأمر يستحق ذلك، لكننا توصلنا في كتابنا «موسوعة الفلك عبر التاريخ» إلى أن هرمس هو أحد ملوك ما قبل الطوفان، خلافًا لكل الآراء المطروحة، وقادتنا المقارنات اللغوية والآثارية على الإله السومري «إنكي» أو «إيا» إله الماء والحكمة والسحر في سومر، والذي كان يرمز له بإنسان يلبس ملابس سميكة ظهر في زمن أحد ملوك ما قبل الطوفان، وهو الملك «أمينون»، وأعطى له معارفه وشرائعه، ثم أعطى هذا الملك تلك المعارف والشرائع إلى ملك آخر، هو إيفيدوراكوس الذي سبق «أوبار توتو»، والذي يشكل بأنه نفسه «زيو سدرا» أي نوح السومري … ولذلك ينحصر بحثنا عن هرمس السومري بين «أمينون» و«إيفيدوراكوس»، وهما يقابلان الملكين الثالث والسادس من ملوك سومر قبل الطوفان.
ويبدو أن هذه الشخصية انتشرت شرقًا وغربًا، ففي مصر ارتبطت باسم الإله «تحوت» وباسم الوزير «إمحوتب» وباسم الفرعون خوفو (حيث كان هرمس يسمى خنوفيس الذي يتطابق مع خوفو)، ويُنسب لهؤلاء بناء الأهرام (لاحظ كلمة هرم لها علاقة بهرمس)، وفي بلاد فارس طوبق مع «أبجهد» حفيد آدم الفارسي، وكذلك مع «أهورا مزدا» إله النور الذي يقترب من لفظ «هرمز». وفي اليونان ظهر هرمس بمثابة الرسول الملكي … وهكذا.
ولذلك يكون هرمس شخصية مختلفًا عليها، ذات أصول رافدينية ونهايات إغريقية شطحت بها الأساطير ولم تعد شخصية ملموسة.
- (٢)
إمحوتب: وهو الطبيب والمهندس الذي بنى هرم زوسر المدرج، ورغم شهرته الطبية والهندسية لكنه كان حكيمًا أيضًا، وهو شاعر وفيلسوف، وقد ظهر إمحوتب في زمن الأسرة الثالثة، وتحديدًا في زمن زوسر، وقد ضربت شهرته الآفاق وألهمت الإغريق لاحقًا وطابقوه مع الإله إسكلابيوس (إله الطب)، وهناك من طابقه مع النبي «يوسف» وغير ذلك. ونرى أن له علاقة بهرمس الحكيم المشهور الذي ظهر في العالم القديم.
«إنه «الذي يمضي قدمًا نحو السلام. وهو الكاهن الأعظم بإيونو (هليوبوليس)، مدينة الدعامة». بالإضافة لذلك، فقد عمل مستشارًا للملك زوسر؛ والمعماري الأول الذي أقام هرم سقارة. وسرعان ما أصبحت «المعرفة» الذي تميز بها وحياته نفسها بمثابة أسطورة. ولذا، كان الكتبة المصريون يضحون من أجله بقطرة حبر قبل بداية عملهم. وينسب إليه عدد كبير من الأمثال والحكم، ربما قد استلهمت منه شخصية سليمان الحكيم نفسه. وفي وقت لاحق، أدمجه الإغريق بابن أبوللون: إسكلبيوس، الطبيب، تلميذ «المعلم» هرمس، تريز ماجست» (تيبو، ٢٠٠٤م، ٦٤).
إمحوتب. - (٣)
أخناتون: الشخصية الوحيدة اللافتة للانتباه في هذا المجال هي شخصية أخناتون وثورته التوحيدية المعروفة، رغم أنه كان أقرب للفرعون والملك منه إلى النبي، لكن حضوره الديني وما فعله أمر يجعلنا نقف طويلًا لمناقشة النبوة وطبيعتها المصرية الخاصة.
- (٤)
النبي المنتظر «إميني»: عندما استلم الفرعون «إمنمحات» (إمينيمحات) الحكم في مصر وأسس الأسرة الثانية عشرة في حدود القرن العشرين قبل الميلاد، بعد أن شهدت مصر اضطرابات كثيرة تصارع فيها الكثيرون على العرش ونشبت بينهم خلافات وحروب ضاعت خلالها هيبة الملك الفرعون وتأثيره المقدَّس على الناس، فقرر أن يعيد هذه الهيبة ليرسخ حكمه وحكم سلالته من بعده، فاخترع طريقة صارت، فيما بعد، أساسًا عمليًّا لما يعرف بالمخلص أو المنتظر في الأديان، فقد ادَّعى أنه عثر على بردية تعود لمؤسس الأسرة الرابعة سنفرو (أي قبله ﺑ ٦٠٠ سنة) وقد عُرف عن سنفرو أنه مشهور بحكمته وصدقه، هذه البردية كتبها كاتب اسمه (نفرتي، نفرر رهو) مدونًا نبوءة لسنفرو تقول بأن ملكًا سيخرج من أرض الجنوب اسمه «أميني» ابن امرأة من بلاد القوس (النوبة) يضع على رأسه التاج الأبيض، والتاج الأحمر يزين هامته، فيحمل التاجين ويوحد القطرين ويقبض على البلاد (فلا ينفرط العقد ثانية)، يفرح الشعب به وهو يملك إلى الأبد ولا نهاية لملكه. وكانت هذه المواصفات تنطبق على إيمنيمحات الأول، وهكذا عرف الناس بالوثيقة وصدَّقوا بها والتفوا حوله، وأصبح هو المخلِّص المنتظر.
وقد انتشرت هذه الوثيقة بعد فترة الخراب الثانية مع نهاية الأسرة الثانية عشرة، وظهرت بقوة في عهد أحمس الذي طرد الهكسوس، وصار أحمس المخلِّص المنتظر، ثم عادت مع الأسرة التاسعة عشرة، كوثيقة يدرسها ويكتبها الطلبة في المدارس.
من هذا العرض نخلص أن مصر القديمة كانت حقًّا بلاد الحكمة، لكنها لم تكن بلاد النبوة، والحكمة كانت هي الأكثر فاعلية وقوة وأنجبت الفلسلفة، بينما شاب النبوة الكثير من الاداعات والأوهام، وادعاها كثيرون دون أن تكون لهم مصداقية.
(١-٢) الثواب والعقاب
رغم أن الإنسان قد يحصل على العقاب والثواب أثناء دنياه بفعل عدالة السماء والآلهة والفرعون، لكن العدالة، دينيًّا، كانت تتجسد في أفضل صورها في الآخرة، حيث يتم حساب جسد وروح الإنسان على ما فعله من خلال قلبه، حيث يقف الميت أمام محكمة يترأسها الإله أوزيريس وتتكون من ٤٢ قاضيًا، ويقوم الميت بسرد أعماله الحسنة ويتبرأ من أعماله السيئة، ثم يقوم الإله أنوبيس بوضع قلبه في إحدى كفتي ميزان العدالة وفي الكفة الأخرى توضع ريشة الإلهة ماعت (إلهة العدل)، التي تقف خلف أنوبيس وتراقب عمله والنتيجة التي سيحصل عليها، فإن خف وزن القلب وصعدت كفة الميزان فهذا يعني أن أعماله السيئة كانت قليلة، فيكون ثوابه هو دخول حقول أوزيريس، حيث يعمل فيها سعيدًا، وهو إنسان صالح، أما إذا نزلت كفة الميزان فتكون دالة على ثقل خطاياه وأعماله السيئة، ويكون عقابه برمي جثته لحيوان مفترس.

ولا شك أن سيرة أوزيريس تكون حاضرة رمزيًّا في ثواب الشخص المتوفى في عالم الآخرة، حيث يقوم كلُّ فرد بالطقوس التي كان يؤديها الإله من عملٍ وإنعاشٍ ودفعٍ للحياة الكونية.
(١-٣) القضاء والقدر
كان القدر عند المصريين القدماء يعبر عنه بإله يسمى «شاي، شوي» (كما كتب ساي، أحيانًا شاي، وفي اليونانية، بسايس) وهي تأليه مفهوم القدر أو المصير في الأساطير المصرية. وقد اعتبر شاي أحيانًا أنثى، فيشار له باسم شايت، واسم شاي يعكس اسمه ووظيفته ويعني «ما هو».
شاي كإله مصير يحدد مدى حياة كل رجل، وكان حاضرًا في محاكمة روح المتوفى في الدوات، وظهر أحيانًا زوجًا للإلهة مسنيت أو مسخنت (إلهة الولادة والمصير)، وأصبحت تعتبر إلهة الحظ. وبسبب القوة المرتبطة بالمفهوم، وكان أخناتون يرى أن شاي كان سمة لآتون، في حين أن رمسيس الثاني ادعى أنه شاي (رب القدر).
بدايته كان إلهًا للعنب ونهايته كانت خلال مصر البطلمية، تم تعريف شاي، باعتباره إله القدر، بالإله اليوناني أغاثوديون، الذي كان إله الحظ. وهكذا، بما أن أغاثوديون كان يعتبر ثعبانًا، وكانت كلمة شاي هي أيضًا الكلمة المصرية للخنزير، في العصر الهيليني، كان أحيانًا يُصور شيئًا على أنه خنزير مروِّع الرأس، يُعرفه علماء المصريات كحيوان شاي.
(١-٤) Renenutet ريننوتيت (تيرموتيس)
إلهة الخصوبة تحرس المحاصيل المحصودة، وتتجسد في شكل الأفعى وكإلهة تمنح وفرة، والحظ، والثروة، والسعادة، وتساعد في الولادة.

هيمسوت: إلهة القدر والحماية، وهي تماثل النفس (كا) الشرارة الحيوية للروح البشرية، بل هي تعتبر النظيرة الأنثوية للكا، خلقها بتاح كقوة جعل نيت ترفعها من المياه البدئية، وتصوِّر حاملة الدرع على رأسها وفوقها سهمان متقاطعان، ولها علاقة بالأطفال والاهتمام بهم، هي مائية الطبع والعنصر ورموزها: الدرع، القوس، الطفل.
(٢) المعتقدات الدنيوية الخاصة
(٢-١) الولادة
كانت الولادة نوعًا من نهاية خلق للكائن، ولذلك حظيت برعاية إلهية فائقة أشرفت عليه كبيرات الإلهات المعنيات بالأمومة والخصب مثل إيزيس وحتحور، لكن هناك إلهات متخصصات بالولادة كنَّ زوجات لكبار الآلهة مثل آمون وخنوم، وأهمهن الإلهتان تاورت وحقات:
-
(١)
تاورت (إبت، إيبه) (إبت ورت): اسمها تاورت يعني العظيمة تحمي الأمهات أثناء الحمل والولادة، كانت إلهة للحماية والوفرة في الديانة المصرية القديمة، ففي نصوص الأهرام يلتمس الملك أن يتغذى من ثدييها حتى لا يظمأ أو يجوع مرة أخرى للأبد. وفي كتاب الخروج إلى النهار (كتاب الموتى) تظهر الإلهة حاملةً مشاعل وأقماع بخور مشتعلة لتوفر الدفء للميت.
الإلهة تاورت.تسمى في برديات جنائزية متأخرة «سيدة الحماية السحرية». اسمها يعني «الحريم» أو «المكان المفضل» وتحت لقب إبت ورت أي إبت العظيمة تدمج الآلهة بشكل ما مع الإلهة تاورت (ويعني اسمها العظيمة) لكنها في الوقت نفسه، تحتفظ ببعض التمييز عنها، وإن كان بعض الباحثين يعتبرونها نفس الإلهة ولكن في الدولة القديمة وأن تاورت لم تظهر إلا في الدولة الوسطى.
(Houser-Wegner 2002: 351-352).تمثيلها: تصوَّر على هيئة أنثى فرس النهر بصدر أنثوي ضخم، ومخالب أسد وذيل التمساح، وبعض ملامح جسد الإنسان، فقد كانت تمثل كأنثى فرس النهر تقف على رجليها الخلفيتين التي تنتهي بقدميْ أسد، وتمد أمامها ذراعيْ إنسان ينتهيان بكفيْ أسد، كما كانت دومًا ما تمثل بثديي امرأة بارزين مع بطن امرأة حامل، أما الظهر والذيل فغالبًا ما يكونان لتمساحٍ، وأحيانًا يوجد تمساح كامل الهيئة يمتد على ظهرها، أحيانًا يبدو مظهرها مرتبطًا بالشر أو الحظ السيئ بطبيعته أو مفزعًا بشكل عام.
مقرها: كان لإبت علاقة وثيقة بمنطقة طيبة وربما مثلت تشخيصًا للمدينة نفسها، ففي القصص الديني الطيبي كانت تعتبر أمًّا للإله أوزير، ولذلك فعلاقتها بما بعد الموت واضحة في النصوص التي تظهر فيها.
وتظهر، في طيبة، على ظهر بعض تماثيل حكام المنطقة في الأسرة السابعة عشرة، لم تكن هناك طقوس تؤدى لهذه الإلهة بسبب عدم وجود معابد لها، أما في طيبة فلها معبد مبني غرب معبد خونسو في مجمع معابد آمون في الكرنك، وهو من العصر المتأخر والعصر البطلمي، وحسب المعتقدات الطيبية كان هذا المكان، حيث استراحت الإلهة بعد أن ولدت أوزير. وكتاورت كانت ربة الولادة، وقد تزوجت من الإله آمون.
-
(٢)
حقت (هكت، حقات) Heqat, Hekit, Heket, Heqet: إلهة الولادة زوجة الإله خنوم، وظهرت لأول مرة في «نصوص الأهرام» في إشارة لمساعدة الملك المتوفى في رحلته إلى السماء. وهي زوجة الإله «خنوم»، تساعد النساء أثناء الولادة.
تمثيلها: تأخذ «حقت» هيئة ضفدعة، أو أنثى برأس ضفدعة، وتقبض بكلتا يديها على علامة «عنخ» (رمز الحياة) لتمنح الحياة للوليد. وتوجد تمائم عديدة لها في هيئة الضفدعة، بينما تصور عادةً في المعابد في الهيئة النصف آدمية برأس الضفدعة. ويبدو أن تصويرها بالضفدع بسبب غزارة بيض الضفدع وتكاثرها.
الإلهة «حقت، حيقات» تساعد زوجها الإله خنوم في خلق وولادة الإنسان.وأقدم إشارة إلى ارتباطها بالولادة ترجع إلى عصر الدولة الوسطى، حيث بشرت فيها هذه الإلهة بميلاد الملوك الثلاث الأُول في الأسرة الخامسة. ومنذ ذلك الوقت تم استخدام اللقب «خادمة حقت» للإشارة إلى القائمة بعملية الولادة (الدَّاية) في مصر القديمة، وسميت في مدينة أنتينوبوليس في مصر الوسطى باسم «حيور»، حيث مركز عبادتها. كما عُثر على بقايا معبد لها في «القوصية»، إضافة إلى تصويرها في عدد من معابد المعبودات الأخرى؛ فقد صُوِّرت وهي تتلقى قربانًا من الملك «ستي الأول» في معبده بأبيدوس، كما ورد ذكرها في مقبرة «بيتوزيريس» في «تونة الجبل».
ارتبطت «حقت» بإعطاء الميلاد والحياة، ولذا أصبحت على علاقة مع «أوزيريس» وبالعالم الآخر. وقد بُجلت كزوجة للإله «حور- ور»، وقُدست بصفتها المقابل الأنثوي للإله خنوم.
(٢-٢) الزواج
كان الرجل المصري ينادي زوجته بكلمة «أختي»، لكن هذا لا يعني أنها أخته فعليًّا؛ إذ كان يشار إلى النساء عمومًا على أنهن أخوات الرجال، والمرأة الكبرى سنًّا تنادى كأم، والرجال من نفس العمر كالأشقاء وكبار السن كأب. وكان يصف الزوج «أخته» هذه بأوصاف جميلة ورقيقة مثل: أختي فريدة، لا أحد يستطيع منافستها؛ لأنها هي أجمل امرأة على قيد الحياة، إنها تشع الكمال والوهج مع الصحة، إن نظرة عينها رائعة، شفتاها تتحدثان بلطف ولا كلمة واحدة كثيرة، طويلة، حليبية الصدر، شعرها لون اللازورد النقي، الذهب لا شيء مقارنة بذراعيها وأصابعها مثل زهور اللوتس، أردافها ممتلئة لكن خصرها ضيق. أما بالنسبة للفخذين، فهي إضافة فقط إلى جمالها. هذا ما ورد في بردية يصف فيها رجل زوجته.
ولعل مصر القديمة هي الأفضل بين الحضارات في علوِّ مكانة المرأة، حيث مُنحت النساء في مصر القديمة منزلة متساوية تقريبًا مع الرجال تماشيًا مع حكاية قديمة تقول: بعد فجر الخليقة عندما حكم أوزيريس وإيزيس على العالم، جعلت إيزيس الجنسين متساوين في السلطة. ومع ذلك، كان الذكور يُعتبَرون الجنس المهيمن.
لم يكن هناك حفل زواج في مصر القديمة. فحين تتزوج امرأة من رجل يكون هذا بمجرد دخولها منزله مع البضائع المتفق عليها. وعادة ما يتم ترتيب الزيجات من قبل الوالدين مع سعر العروس المتفق عليه والهدايا المتبادلة من عائلة العريس إلى العروس. وكان الغرض من الزواج هو إنجاب الأطفال، ولكن كان من المتوقع أن يحب الأزواج بعضهم البعض، فقد وردت في بعض الوصايا: «أحبَّ زوجتك وأطعمها وألبسها، واجعلها سعيدة … لكن لا تدع يدها تكون اليد العليا!»
كانت إيزيس إلهة الزواج والحب وكذلك حتحور زوجة حورس، فكلتاهما عرف معنى الحب والزواج، ولذلك فهما يرعيان الزواج بصفةٍ عامة.
وعلى مستوى الأسرة هناك الإله «بس» الذي كان أحد أكثر الآلهة التي عبدها عموم الناس وقدموا لها القرابين، فهو إله الأطفال والأمهات والأسر وإله المرح، فهو الإله الحامي للأطفال والأمهات والأسر، ومن الكوابيس، ولدغة العقرب.
جسَّده المصريون على هيئة قزم قبيح وهو إله منزلي مشوه الخلقة غزير الشعر يلبس باروكة من الريش وجلد أسد ويخرج لسانه من فمه، وكانت وظيفته حماية الناس من قوى الشر والزواحف والكائنات المؤذية.
كان منظر «بس» المضحك يدخل السرور على قلب كل فرد وكانوا يصورونه على اللوحات الحجرية والأواني والتمائم والمعابد وعلى تيجان أعمدة بيت الولادة (الماميزي) أنه إله خير يقي النساء في ساعة الولادة من كل ما يسبب لهن الأذى. وكان يعمل على تزويج العوانس.
ربما يكون الإله بس قدم إلى مصر في عصر الأسرة الثانية عشرة من أفريقيا أو آسيا، ولكن له جذورًا من الدولة القديمة تُظهره على شكل أسد، وقد حافظ على بعض صفات الأسد، ولكنه تشكل على هيئة قزم قبيح، سيقانه مقوسة يرتدي جلد الأسد، وكثيرًا ما صُوِّرت أذناه على هيئة أذني الأسد ولبدة أسد، ويمتد لسانه خارج فمه وله ذيل يظهر بين فخذيه وأحيانًا تظهر أعضاؤه التناسلية، ويظهر صدره مترهلًا وأكتافه عريضة ويبدو مثل مجنون يبعث على الضحك، كان في أول الأمر حاميًا لبيت الملك، وسرعان ما انتشر تقديسه بين عامة القوم، وأصبح واحدًا من المعبودات الشعبية، فقد كان جالبًا للسرور في منازل طبقات المجتمع المختلفة، وكان حاميًا للأسرة، ومتصدرًا لطقوس الزواج وزينة المرأة، وصديقًا حميمًا للمرأة يساعدها أثناء الولادة ويحمي الوليد، وقد صور في أحيان كثيرة وهو يرقص حول المرأة عندما تضع حملها لأول مرة. وكانت مركز عبادة بس في دير المدنية والعمارنة، وظل يعبد حتى العصر الروماني.
ذكرت بعض أوراق البردي تعود لعصر الدولة القديمة تفصيلات عن عيد «بس»، والذى كان مخصصًا لتزويج الفتيات التي تقدم بهن العمر دون زواج، وكان كلُّ حاكم إقليم يقيم مهرجانًا شعبيًّا للفرح والسرور كان يقدم فيه هدية لكل من يتزوج واحدة من هؤلاء الفتيات وتعطى له حصة من فوائد إنتاج الإقليم الزراعي، وكان يقام مهرجان كبير للفتيات السمان يسمى ملكة جمال اليقطين، ومن تفوز تتزوج.
صورته التمائم المصنوعة من عاج التماسيح، والتي كان الغرض منها الحماية ضد حيوانات الصحراء والثعابين، وهو يمسك الثعابين في يديه أو السكاكين والسيوف، وكذلك باعتباره إلهًا للرقص والموسيقى، وهو يعزف على إحدى الآلات الموسيقية مثل الدف أو الطبلة ويؤدي بها رقصات ترفيهية تدخل السرور والمرح على القلوب وتطرد الأرواح الشريرة بأصواتها.
وأخيرًا فقد أصبح بس الحامي وجالب السلام للميت، ومن ثَم فقد صُوِّر على الوسادة التي تحت رأس المومياء وكذلك لحماية النائمين أثناء نومهم خوفًا من اقتلاع قلوبهم وحتى حماية أحلامهم، هذا وقد كانت الصورة الأنثى للإله بس هي «بست» الحية قاذفة اللهب.
كانت نهاية الزواج بسيطة مثل بدايته حين يطلب أحد الزوجين أو كلاهما الطلاق، فتقسم الممتلكات المادية وفقًا لاتفاق ما قبل الزواج، ويتم توقيع اتفاق جديد يشير إلى نهاية الزواج. وكان ذلك يتطلب بعض الانفتاح على حقوق الملكية والبقاء الاقتصادي للزوجة السابقة، أي إن الممتلكات التي ربما يكون الزوج قد فكر فيها على أنها ملكٌ له كانت تنقسم مع زوجته وفقًا للاتفاق الأصلي.
كان من المتوقع أن يستمر الزواج مدى الحياة، والذي سيستمر في الحياة الآخرة. معظم الرجال كانوا يعيشون في الثلاثينيات من العمر، وغالبًا ما ماتت النساء في سن السادسة عشرة من العمر، وعاشت فترة أطول بقليل من الرجال، فإذا كان الشخص لديه علاقة جيدة مع أحد الزوجين، فإن الأمل في رؤيتهم مرة أخرى كان سيخفف من فقدان الموت إلى حد ما. وتصور اللوحات المقبرة والنقوش الزوجين وهما يستمتعان بشراكة بعضهما البعض في حقل القصب ويقومان بنفس الأشياء التي قاما بها عندما كانا على الأرض. كان الاعتقاد المصري في الأبدية أساسًا مهمًّا للزواج في ذلك الشخص الذي سعى إلى جعل الإنسان على الأرض، والآخر ممتعًا قدر الإمكان حتى يتمكن المرء من الاستمتاع بها إلى الأبد. لم يكن هناك «جنة» تعد المصريين بالفتيات والبذخ الجنسي، بل كانت استمرارًا مباشرًا للحياة التي عاشها المرء. كان الخلود فترة لا نهاية لها من الوجود لم يكن يخافها أي مصري. كان اسمها القديم هو «النوهة، النوحح»، لكنه كان يسمى أيضًا «الشينو»، الذي كان يعني دائريًّا، وبالتالي المسار الأبدي أو الذي لا ينتهي.
بعد الموت، يمكن للزوجين الذين عاملا بعضهما بشكل جيد أن ينتقلا إلى حقل القصب. هناك يمكن للمرء أن يجد كل ما تركه وراءه على الأرض، حيث المنزل الذي سكن فيه، والشجرة المفضلة، والكلب أو القطة المفضلان، وأولئك الناس الذين عرفهم بالفعل، بما في ذلك الزوج. أما إذا لم يعامل المرء زوجته أو زوجه بشكل جيد في الحياة، فهذا الاجتماع قد لا يحدث أبدًا، والأسوأ من ذلك أنه يمكن للمرء أن يجد نفسه يعاني معاناة الذات ذاتها في هذه الحياة الآخرة. هناك العديد من الأمثلة على النقوش والنوبات لدرء الحظ السيئ أو الظروف التي كان يعتقد من قبل الزوج في الحياة الآخرة لكي يطرد شخصًا ما أو يطرد الأرواح الشريرة التي تسبب له متاعب الزواج هذه. وأحيانًا يقوم الزوج أو الزوجة باستدعاء كاهن طارد الأرواح لعمل تعويذةٍ لطرد لعنة الزوج المتوفى فسيكون عليه أن يعترف بالذنب ويكفر عنه بطريقة ما، وقد يصف الكهنة كل ما هو ضروري للتكفير، وبمجرد أن يتم ذلك، سيتم رفع اللعنة.