المبحث الأول

شجرة الآلهة

الصعوبات التي تعترضنا ونحن نحاول تشكيل شجرة أنساب الآلهة المصرية كثيرة، منها كثرة الآلهة التي قد تصل إلى ثلاثة آلاف إله، وعدم وجود أنساق نسب واضحة تجعلنا نضعها في تسلسل متواتر صحيح، إضافة إلى تعدد مراكز القوى الكهنوتية التي كانت تجعل من مدنها وآلهة مدنها مستحوذة على قمة الهرم الإلهي، وتنوع مادة هذا الهرم حسب إرثها الروحي وطبيعة آلهتها.

سنقدم أولًا عرضًا سريعًا لأقسام هذه الشجرة وأهم الآلهة التي تحتويها، أما الحديث المفصل عن الآلهة وأساطيرها فسنقوم به عند الحديث عن مجمل الآلهة المصرية القديمة عند عرض هذه الأساطير.

تتكون شجرة أنساب الآلهة المصرية من عدد من المجمعات الإلهية المتجانسة التي يمكن أن ندرجها انطلاقًا من أصولها وجذورها الأولى:
  • (١)

    الثامون الهيولي: الذي يضم الآلهة العتيقة قبل أن يخلق الكون، وهي أربعة أزواج إلهية حسب عقيدة الأشمونيين، وينطلق أساسها من الإله نون الذي يمثل المياه البدئية.

  • (٢)

    الإله المركزي الأول: وهو متعدد الأسماء حسب المدن التي يظهر فيها ولاهوتها، ويشكل الإله الخالق أول مرحلة في تحول الهيولى إلى الكون، وقد أحصينا سبعة آلهة خالقة أساسية؛ هي «شبسي في خنمو، رع في أون، بتاح في منف، آمون في طيبة، آتون في تل العمارنة، خنوم في اليفانتين، نيت في سايس»، وقد اتخذ أغلبها طابعًا شمسيًّا.

  • (٣)

    سلالات الآلهة: وهي الآلهة التي جسدت عناصر الكون، وقد اختلفت مجاميعها وأساطيرها وطبيعتها حسب الإله الخالق الذي اندرجت تحته، ولعل أشهرها هو تاسوع أون، وثالوثات الأقاليم التي يزيد عددها ويصل لأكثر من ١٠٠ ثالوث.

  • (٤)

    الإله الملك حور: وهو الإله الشمسي الابن الذي يمثل ملك الآلهة ووريث الإله الشمسي الخالق، ولهذا الإله عدة أسماء وأشكال وأبناء وله زوجة أساسية هي «حتحور».

  • (٥)

    آلهة عالم الآخرة: وهي كائنات وآلهة عالم الدوات، وهي كثيرة ومنوعة.

  • (٦)

    الآلهة الأجنبية وتضم: الآلهة العراقية القديمة (الرافدينية) والآلهة السورية والحيثية والآلهة السودانية والآلهة الليبية والآلهة الإغريقية.

(١) جداول الآلهة

(١-١) الآلهة الكونية

يقول والس بدج عن الآلهة المصرية: «إن المصريين قد أسبغوا الشرف على عدد جد ضخم إلى حد أن قائمة أسمائها وحدها تملأ مجلدًا كاملًا، ولكنه في الحق كذلك ما فحواه أن الفئات المثقفة في مصر طوال العصور طرًّا لم تضع الآلهة أبدًا على المستوى الذي وضعت عليه الله نفسه، ولم تتخيل قط أن آراءها في هذا الموضوع يمكن أن يطالها الغلط. قبل التاريخ كان لكل قرية أو مدينة، لكل كورة أو صقع، ولكل مدينة كبيرة، رب خاص معين» (بدج، ١٩٨٥م، ١١٩).

إن المؤسسة الإلهية المصرية لم تكن قط معزولة في برجها السماوي، بل كانت متشبعة في حياة الناس وتفاصيلهم، فقد كان لكل أسرة غنية أو فقيرة إله خاص، وكان للعديد من مظاهر الحياة اليومية آلهة خاصة. ويمكننا إجمالًا النظر إلى المؤسسة الإلهية وفق شجرة الأنساب التي ذكرناها ووفق التقسيمات الإقليمية لمصر نفسها بطرق تنازلية متدرجة.

فالآلهة الكونية هي الآلهة التي تسيطر على المظاهر الكبرى للكون كالسماء والأرض والشمس والقمر والكواكب والهواء … إلخ، وقد ذكرنا في شجرة الآلهة كلَّ هذه الآلهة مع تفاصيل نسلها وعلاقاتها وأساطيرها.

وتنظيم هذه الآلهة في مجاميع يسميها المصريون أنفسهم «بوت»، تتكون من أعداد محددة من الآلهة كالثالوث والرابوع والثامنون أو التاسوع. يتكون في الغالب من أب كوني ومن زوجة وابن يكونان في مرتبة أقل، وقد اشتهرت ثالوثات المدن والأقاليم المصرية. هناك ثالوث مكونة من أب وزوجتين … إلخ.

ومن الأمثلة على هذه الثالوثات، فكثيرة منها: ثالوث منف المكون من «بتاح، سخمت، نفرتم»، وثالوث طيبة المكون من «آمون، موت، خنسو» وثالوث إلفنتين المكون من «خنوم، عنقت، ساتت» وثالوث المقاطعة السابعة في الصعيد المؤلف من «حتحور، سماتاوي، آحي».

ويعد أقدم ثالوث في الآلهة المصرية ذلك المكون من الإله تيمو أو خبير الذي خلق من جسمه الخاص «شو» عن طريق العطاس، و«تفنوت» عن طريق البصاق. ويعتبر هذا المجمع المكون من إلهين وآلهة هو الثالوث الأقدم Trinity كما يقول بدج (بدج، ١٩٨٩م، ٢١٢).

أما الرابوع فنادرٌ في المجاميع المصرية الإلهية، ويكون غالبًا داخل مجاميع أكبر مثل الرابوع المكون من «شو» و«تفنوت» إلهي الهواء والرطوبة وابنيهما «جب» و«نوت» إلهي الأرض والسماء.

ورابوع الآلهة الأرضية (أوزيريس، إيزيس، نفتيس، ست) الذي شهد صراعًا طويلًا. وهذان الرابوعان جزء من تاسوع عين شمس.

أما الثامون فلعل أشهر ثامون إلهي مصري هو ثامون الأشمونين المؤلف من الآلهة الهيولية الكاؤوسية الأولى التي ظهر منها الكون. ويسمى تاسوع الآلهة المصرية ﺑ «إيناد»، وأشهر تاسوع أون «عين شمس».

وكانت الآلهة الكونية في مصر بمثابة الآلهة العالمية التي تسيِّر العالم كله، ورغم ذلك فإن لها خصوصية قومية تنطلق من مركزية الإله الشمس، سواء كان هذا الإله «رع» أو «حور» وأشكالهما الشمسية المختلفة، حيث الشمس مركز الآلهة الكونية التي تدور حولها هذه الآلهة.

كان الإله الشمس «رع» بمثابة الإله الأب الآلهة والملوك والبشر، أما الإله «حور» فهو الإله الابن الذي كان يتطابق مع شخصية الملك باعتباره الشمس المتحققة على الأرض ويأخذ صفاته من الشمس أيضًا. وكانت زوجته هي حتحور التي أخذت على عاتقها تمثيل الدور الأنثوي الجذاب للحب والجنس والجمال، وهو ما يفسر تفرد الإلهة إيزيس وتفرغها لمبادئ الأمومة والتضحية والفداء، وكانت رموز حتحور كثيرة أهمها الحيوانية المتمثلة في البقرة والنباتية المتمثلة في شجرة الجميز و«هناك شجرة جميز على مقربة من مدينة منف، كان يعتقد أنها مستقر لإلهة أنثى طيبة تنفع الناس ببركتها، وقد وحَّدت مثل هذه المعبودات المرتبطة بمثل هذه الأشجار مع الإلهة «حتحور» منذ الدولة القديمة التي منحت لقب «سيدة الجميزة». ولقد كان من المعتقد أن أرواح الموتى القادمة من المدافن المجاورة على شكل طيور تجد في ظل الجميزة الوارف حاجتها من الطعام والشراب، تقدمها لها الإلهة الخيرة التي تقطن هذه الشجرة. والحق أن هناك نباتات ارتبطت باسم إله أو إلهة معينة وقُدست نزولًا على ذلك الاعتبار، وإن لم ينظر إليها كرمز أو مظهر لهذه الآلهة المرتبطة بها» (تشرني، ١٩٩٦م، ٢٤).

(١-٢) آلهة الأقاليم

عندما تكوَّنت المدن المصرية القديمة كان لكل مدينة إله، وكان لهذا الإله معبده الخاص وطقوسه وأعياده، وظلت «آلهة المدن، في مستوى قداستها نفسه حتى عندما طغت عليها آلهة الأقليم التي ضمت عدة مدن، وحتى عندما عبدت الآلهة الكونية فيها «وكان إله المدينة يعتبر عند سكانها أعظم من آلهة المدن الأخرى، فهو الذي خلق كلَّ شيء وهو واهب الخيرات والنعم وقد ظل إله المدينة حتى أواخر الحضارة المصرية على صلة وثيقة بمدينته، فكان لواؤه هو نفسه علم المدينة التي نشأت عبادته فيها، وكان في كثير من الأحيان يسمى باسمها ويلقب بأنه سيدها، كما كانت المدينة نفسها تسمى بيته» (رزقانة، د.ت، ٨٣).

لقد منحت بعض المدن أسماءها إلى الآلهة (أو العكس) فمدينة نخب (شمال إدفو) منحت اسمها للإلهة نخبت الإلهة الرخمة. وكذلك مدينة باست (بوبسطة أو الزقازيق) التي منحت اسمها للإلهة باستت الإلهة القطة. وكان الإله تحوت يلقب بأنه سيد الأشمونين، وسماها الإغريق هيرموبوليس (مدينة هرمس الذي هو تحوت) … إلخ.

وعندما يتكون الإقليم يرتفع شأن المدينة التي أصبحت عاصمة للإقليم، ولذلك أصبح إله تلك المدينة إلهًا للإقليم بأكمله، وكان الكهنة في هذه الحال يسلكون أحد أمرين: فإما يهملون إله مدنهم الخاصة ويتملقون إله الإقليم، وإما يقربون صفات الإله الخاص من إله الإقليم ويذيبون الفروقات بينهما ويدعون أنه صورة من إله الإقليم وبذلك تتحور وظيفته أو تصبح له وظيفة جديدة، ويعتبر المنهج الذي قام بتطبيقه فرانسوا دوماس في تقصي آلهة المدن والأقاليم المصرية منهجًا كميًّا قديمًا، فقد أحصى وتتبع الآلهة المصرية من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، ولم يكشف لنا كتابه المكرس لهذا الغرض الإيقاع الذي كانت تنبض به أرض مصر روحيًّا، بل كان مجرد سرد جغرافي–ثيولوجي (انظر: دوماس، ١٩٨٦م).

لقد كانت الأقاليم المصرية مثار تدوين واعتناء من قبل المصريين القدماء أنفسهم، وقد وصلت على جدران الهياكل والمعابد قوائم بهذه الأقاليم التي كانت تنقسم بصورة عامة إلى قسمين؛ هما: أقاليم الوجه القبلي وعددها (٢٢) إقليمًا. وأقاليم الوجه البحري وعددها (٢٠) إقليمًا. ولم يكن تقسيم الأقاليم في مصر متغيرًا، وحافظت عليه طوال عصورها الفرعونية.

ومن الجدير بالذكر أن لكل إقليم إشارة خاصة كانت تصور على أعلام وتثبت فوق العلامة الهيروغليفية التي ترمز للإقليم. وفي مرحلة لاحقة صُوِّرت هذه الإشارات والأسماء فوق رأس سيدة تحمل بين يديها ما يرمز لخيرات الإقليم. أما في العصور المتأخرة واليونانية والرومانية فقد شاع تمثيل الأقاليم على هيئة إله النيل يحمل شارة الإقليم فوق رأسه (انظر فخري، الموسوعة المصرية، ١١٠).

وكانت إشارة الإقليم في الغالب تمثل إلهه المحلي، وربما مثلت طواطم كانت العشائر المصرية القديمة التي استقرت في ذلك الإقليم تتخذ منه شارة أو شعارًا لها.

ومن أجل إحصاء دقيق لتلك الأقاليم القبلية والبحرية وأسمائها المصرية واليونانية واللاتينية وعاصمتها واسمها الحديث، والآلهة التي عُبدت فيها عملنا على وضع هذين الجدولين المرقمين اللذين نظمها الأستاذ عبد العزيز فهمي صادق (انظر صادق، الموسوعة المصرية، ١١٢–١١٣).

(١-٣) الآلهة الثانوية

وهي الآلهة التي كانت خارج الآلهة الكونية وعائلاتها الموجودة في شجرتها، فهي مختصة بالكثير من التفاصيل الصغيرة وشئون الحياة الدقيقة. ويصعب وضع مسرد دقيق بها لكثرتها وتنوعها وتحولها … وكان كثير منها يرتبط بطبيعة مصر، وخصوصًا بحيواناته وتفاصيل الحياة اليومية.

(٢) طبقات الآلهة

توصلنا إلى طريقة ميسرة في حصر أغلب الآلهة في جدول طبقات يتكون من سبع طبقات عمودية؛ هي طبقات التكوين الأول والثاني لغاية السابع، وكل طبقةٍ تتكون من سبع خانات أفقية، تمثل كل خانة مدرسة لاهوتية ابتكرتها مدينة مقدسة من مدن مصر القديمة التي اعتنت بتدوين الخليقة حسب نظرتها.

وتنتظم الطبقات حسب قدمها التكويني منذ أقدم العصور وما تراه من رؤية أسطورية للآلهة ونشوء الخليقة وتطورها حتى نصل في الطبقة الرابعة إلى ظهور ملك الآلهة «حور» أو «حورس» الذي أصبح يجمع خلاصة المكونات الإلهية التي سبقته؛ ولذلك أفردناه في طبقة خاصة ليفصل بين ثلاث طبقات تكوينية عليا، وثلاث طبقات إلهية أسفل منه تخص العالم الأعلى والعالم الأسفل والآلهة الوافدة من البلدان المجاورة.

في كلِّ خانة إلهية من هذا الجدول يمكن تنظيم شجرة إلهية خاصة بنسل الإله أو الآلهة التي تشغله، وبذلك سنحصل على جدول يضم ما يقرب من خمسين شجرة إلهية، تجد وضعيتها متصلة بالتي قبلها والتي بعدها.

وسيكون هذا الجدول دليلنا لتقصي تكوين الآلهة وأساطيرها بشكل منتظم وسلس ودقيق. وفيما يلي جدول طبقات وأنواع الآلهة المصرية:

الطبقات الإلهية (١) أونو (٢) أون (٣) تل العمارنة (٤) طيبة (٥) منف (٦) آبو (٧) إسنا
(١) آلهة الهيولى ثامون الأشمونين الضوء قرص الشمس الخفاء الكلمة (اللوغوس) الماء والطين نوو الأنوثة المؤلهة
(٢) الإله الخالق شبشي (الشمس) أتوم (الشمس) آتون (قرص الشمس) آمون (الثعبان) بتاح (الفاتح الخالق البنَّاء) خنوم (الفخَّار) نيث (القوَّاسة)
(٣) آلهة الكون والبشر فردوس هرموبوليس الزهرة المركبة تاسوع هليوبوليس من رع آتون الواحد الذي خلق الكون والكائنات آمون–رع الذي سيطر على الثامون وتاسوعي أون ومنف تاسوع منف من بتاح خنوم رباعي الرءوس نيث وتحولاتها الأربعة كبقرة
(٤) ملك الآلهة حورس + حتحور
(٥) آلهة العالم الأعلى سلالة تحوت سلالة رع وست البشر أبناء آتون سلالة آمون–رع سلالة بتاح سلالة خنوم سلالة نيث
(٦) آلهة العالم الأسفل تحوت الدوات سلالة أوزيريس السفلى وحراس الشمس سلالة آمنت آلهة الغروب أبيب سوبك
(٧) الآلهة الوافدة الحيثية الشامية الرافدينية السودانية السامية والهكسوس الإيجية والإغريقية الليبية

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥