ماعت: نظام وعدالة الكون والملك والمجتمع
تعتبر ماعت رمز العدالة والقوانين الأول في مصر القديمة، وهي ببساطة تعني التوازن الذي يشمل الكون والأرض والإنسان والمجتمع، فهي مرادفة للعدالة والصدق والاستقامة، ولكنها لا تستعمل كبديل عنها، فهي تعني الانسجام والتوازن والاستقرار في النظام، إنها عكس الفوضى في أي شيء.
وكانت ماعت تُمثَّل كإلهة تعلو رأسها ريشة نعام (والريشة هنا رمز العدالة وكانت توضع في ميزان العدالة بعد الموت، الذي بيد أوزيريس ويوضع قبالتها قلب الميت الذي يشير إلى ضميره لمعرفة السيئات من الحسنات). وكانت الإلهة ماعت تمسك بمفتاح الحياة (منخ) في إحدى يديها وتمسك باليد الأخرى الصولجان من وسطه دلالة على التوازن. وكان ينسب لها التحكم بالفصول وبحركة الكواكب والنجوم، وكان اسم مصر قديمًا هو «أرض النيل وماعت». ظهرت عبادة ماعت مع توحيد الإقليمين الشمالي والجنوبي في بداية عصر الدولة القديمة، واعتبر ذلك بداية التوازن والعدالة ونشوء الدولة والعدل، وكانت هي رمزه. وكان يعتقد أنها ابنة رع وزوجة تحوت (الشمس والقمر) وأنها لحقت بهما في القارب الشمسي عندما أبحروا من نون في الزمن الأول. وهي الضوء الذي أحضره رع إلى العالم، حيث خلق العالم بوضعها في مكان المادة الكونية قبل الخلق.
ماعت هي رمز الحضارة المصرية إذا صح التعبير؛ لأنها تمثل كلَّ مظاهر هذه الحضارة وهي في حالة إبداع وتوازن وعلى أسس العدالة والقانون، كان رجال القضاء يعتبرون بمثابة «كهنة ماعت»، وكان من الطبيعي ألا يكون لها معبد معين لأنها الانسجام المنتشر في كلِّ شيء، وهي «أهم دعامة للكمال الخلقي في عالم تسوده الخطيئة، ومن ثَم فقد قال عنها أحد الفراعين: «هي خبزي وإني أشرب من نداها»، هذا وقد ادعى عامة القوم أنهم في حاجة إلى سند ماعت ومعونتها أكثر من حاجتهم إلى بقية الآلهة بعد الموت، ليتأثروا بها عن طريق الفرعون والكهنة والقوانين الموجودة على الأرض، فقد كان كلُّ القضاة كهنتها» (أديب، ٢٠٠٠م، ٧٠١).
أطلق المصريون القدماء كلمة «ماعت» على جوهر النظام والعدالة للكون والملك والمجتمع والفرد، ولخصت هذه الكلمة الفلسفة الروحية العميقة للأخلاق والقيم والعدل والمثالية.
«يتعلم المرء المُلك كما يتعلم أية مهنة. إنه الدرس القاسي المستفاد من الثورات. إنها تبين أن أفضل وسيلة لاستتباب النظام هو الالتزام بالمعيار الكوني الذي أسسه الخالق ذاته: معيار «ماعت»، وهي عبارة نترجمها ﺑ «العدالة» أو «الحقيقة»، لعدم توفر ترجمة أفضل. ولكن دلالتها أكثر شمولًا: فبفضلها يؤدي العالم وظائفه، لأنها تبقي كل شيء في مكانه الصحيح، ابتداءً من قوى الطبيعة وحتى الشعائر التي على البشر أن يقيموها من أجل الآلهة. وجوهر واجبات الملك، إن أراد حقًّا أن يحافظ على التوازن، هو أن يسعى ليعمل الناس بمقتضاها وأن يجعلهم يحترمونها.
وإذا كانت اﻟ «ماعت» قد تجسدت في إلهة الصدق والعدل «ماعت» لكنها أبعد من أن تعامل كإلهة أنثى ابنة لرع وزوجة لتحوت، فهي أساس الحضارة المصرية والبعد الخفي والعميق لمدنية المصريين.
«يرى جان لوكلان أن الماعت ظهرت منذ فترة طويلة وكأنها المفهوم الأساسي للفكر المصري، واعتبرها علماء المصريات اصطلاحًا مرادفًا «للحقيقة والعدالة»، أما المحدثون منهم فقد وضعوها في منظور كوني بحت، وطبقًا لرأيهم فإن العالم الفرعوني يرتكز على تبادل الماعت بين الآلهة من جهة والفرعون من الجهة الأخرى بكونه الوسيط الأكبر في فوضى اضطراب العناصر الكونية، تأتي الماعت لتعيد المعايير والمقاييس في جميع أنظمة الخلق، حيث ارتبط قطبا الكون والاجتماع بثوابت مماثلة» (أسمان، ١٩٩٦م، ٨).

-
(١)
لم أقتل، ولا أحرض أي أحد على القتل.
-
(٢)
لم أرتكب الزنا أو الاغتصاب.
-
(٣)
لم أنتقم لنفسي ولا كنت مع الغضب على سبيل الانتقام.
-
(٤)
لم أتسبب في الإرهاب.
-
(٥)
لم أعتدِ على أي أحد ولم أسبب الألم لأحد.
-
(٦)
لم أسبب البؤس.
-
(٧)
لم أفعل أي ضرر للإنسان أو الحيوانات.
-
(٨)
لم أتسبب في ذرف الدموع.
-
(٩)
لم أظلم الشعب ولا أضمر لهم أي نية في الشر.
-
(١٠)
لم أسرق ولا آخذ تلك الأشياء التي لا تنتمي لي.
-
(١١)
لم آخذ من بلادي طعامًا أكثر من حصتي العادلة.
-
(١٢)
لم أتلف المحاصيل والحقول، أو الأشجار.
-
(١٣)
لم أحرم أحدًا مما هو حق له.
-
(١٤)
لم أستدعِ شاهد زور، ولا أعتمد ادعاءات كاذبة.
-
(١٥)
لم أكذب، ولا أتحدث بخطأ لجرح شخص آخر.
-
(١٦)
لم أستخدم الكلمات الحماسية أو أثير أي صراع.
-
(١٧)
لم أتحدث ولا تصرفت بشكل مخادع ليُؤذى الآخرون.
-
(١٨)
لم أتحدث بازدراء ضد الآخرين.
-
(١٩)
لم أتنصت على أي أحد.
-
(٢٠)
لم أتجاهل الحقيقة أو الصواب من الكلمات.
-
(٢١)
لم أحكم على أي شخص على عجل أو بقسوة.
-
(٢٢)
لم أنتهك الأماكن المقدسة.
-
(٢٣)
لم أتسبب في أي خطأ يتعين القيام به لعامل أو أي سجين.
-
(٢٤)
لم أكن غاضبًا من دون سبب وجيه.
-
(٢٥)
لم أعرقل تدفق المياه الجارية.
-
(٢٦)
لم أهدر المياه الجارية.
-
(٢٧)
لم ألوث المياه أو الأرض.
-
(٢٨)
لم أتخذ اسم الله عبثًا.
-
(٢٩)
لم أحتقر أو أُغضب الآلهة.
-
(٣٠)
لم أسرق من الله.
-
(٣١)
لم أمنح عطايا مفرطة ولا أقل مما هو مستحق.
-
(٣٢)
لم أطمع بسلع الجيران.
-
(٣٣)
لم أسرق من الموتى ولا أزدريهم.
-
(٣٤)
تذكرت ولاحظت ما هو مشار إليه في الأيام المقدسة.
-
(٣٥)
لم أحجم القرابين الموجهة إلى الآله.
-
(٣٦)
لم أتدخل في الشعائر المقدسة.
-
(٣٧)
لم أذبح بقصد الشر أي حيوان مقدس.
-
(٣٨)
لم أتصرف بمكر أو وقاحة.
-
(٣٩)
لم أكن فخورًا على نحو غير ملائم ولا تصرفت بغطرسة.
-
(٤٠)
لم أضخم حالتي وتجاوزت ما هو مناسب.
-
(٤١)
لم أفعل ما لا يقل عن التزاماتي اليومية.
-
(٤٢)
أطعت القانون ولم أرتكب الخيانة.
كان النظام الأخلاقي الديني يأتي من تعاليم ماعت وحضورها الدائم في توازن العالم الأخلاقي، وكان تحوت يلعب الدور الآخر، فضلًا عن تلك التحذيرات التي يقول بها الحكماء ويقولها «كتاب الموتى» محذرًا فيها من الشياطين والأرواح الشريرة.
«كما أحسنت النصوص تصوير الظلم وفاعليه والعدل والقائمين بتحقيقه في صورة محببة للنفس والقلب وفي تشبيهات متعددة كان للإنسان المصري القديم فيها فضل السبق. وكأمثلة شبه الاستقامة والعدل بالميزان، ويعد هذا أول ذكر لاستخدام هذه الكلمات لمثل هذه المعاني واتخاذه من أجزاء الميزان ومقارنتها بأجزاء جسم الإنسان كالشفتين والقلب (العقل والوعي) أساسًا لتحري الصدق والتمسك بالعدل وهو ما استخدم وعبرت عنه الأديان السماوية فيما بعد، ويدل في نفس الوقت على نضج فكر وضمير الإنسان المصري القديم من حيث توصله إلى هذه القيم الخلقية والسلوكية الهامة في حياته والتعبير عنها» (سعد الله، ١٩٨٩م، ٢٣٨).
