الأخلاق العامة
الأخلاق العامة عند المصريين كانت متوازنة، فقد كانت تحكمها إرادة الآلهة في حفظ التوازن الأخلاقي المنسجم مع التوازن الكوني، وكذلك كان وجود الفرعون على رأس الحكم مساهمة نوعية في حفظ التوازن الأخلاقي.
كانت القيم الأخلاقية مقررة من قبل الآلهة، ولكنها مقيدة بما يطلبه الإنسان ويحبه ويريده من الآلهة. وكانت هذه المعادلة بين الإنسان والآلهة هي الأخرى مساهمة في حفظ التوازن.
- (١)
الصدق والحق (ماع) يقابله الكذب والخطأ (جرج، يسفت).
- (٢)
الطيب والجميل (نفر) يقابله الرديء والمبتذل (دجو، بوين).
- (٣)
الإنسان مخير وغير مسير من قبل الآلهة؛ لأن القدر يعطل الإرادة الحرة للإنسان.
- (٤)
الضمير يكمن في قلب الإنسان (إيب).
- (٥)
السعادة أو التعاسة في الحياة الدنيا تستمران كما هما في الحياة الآخرة حسب طبيعة الإنسان وأخلاقه.
كانت الآلهة ثم المجتمع ثم العائلة مصادر الأخلاق العامة، فالمصري «يستمد أخلاقه من عائلته وهناك علاقة بين الآباء والأبناء، فالآباء يوجهون أبناءهم على الطريقة الصحيحة ليسعدوا في الدنيا والآخرة، فالإنسان عندما يكون طائعًا مستمعًا لوالديه فإن الآلهة ترضى عليه ويعيش حياته سعيدة، ومن كان عاقًّا لوالديه فإن الآلهة تغضب عليه ويعيش حياته ضنكة في عائلته وبين الناس، فلقلبه هو الموجه والمرشد إلى الصواب وهو الذي ينور طريق صاحبه. وكانت هذه الحكم من أحب الأشياء إلى قلوب المصريين في جميع مجالات الحياة والمعاملات، يكتبها العلماء في أغلب الأحيان على لسان أب ينصح ابنه» (بن خريف، ٢٠١٧م، ٥٠).
المصادر الأخرى التي يمكننا فيها التعرف على الجانب الأخلاقي هي الحِكم والأمثال والوصايا التي تركها حكماء مصر وغيرهم، والتي تشجِّع على الاعتدال والبعد عن الطمع، وهي وصايا عملية وفلسفية في قوتها وروحها.
أما المصدر الثاني فهو «كتاب الموتى» المدوَّن في الدولة الحديثة الذي يؤكد على أن يتحلى الإنسان قبل وفاته بالنقاء، والذي يضمن للمتوفى حياة سعيدة في الآخرة، وهو يدمج بين الأخلاق والديانة ويجمعهما في سياق واحد، أي إنه كتاب في الأخلاق الدينية فضلًا عن كونه كتابًا في الأخرويات.
وبذلك يكون الفكر المصري القديم قد ربط بين أخلاق الدنيا وحساب الآخرة. وهو لا يؤكد على العقل في هذه الأخلاق، بل على القلب ودوره الأخلاقي، فهو أهم أجزاء الجسم؛ لأنه يمثل الإرادة الحرة للإنسان، وهذا ما يفسر لنا بقاء القلب في الجثة المحنطة دون فصله.
«وفي رأي المجتمع فإن القيمة الأخلاقية كانت تقرر بواسطة البشر فضلًا عن الآلهة، وكان المعيار في ذلك عادة ما يحبه الإنسان وتقره الآلهة؛ لأن ذلك هو العدل والطيب، والإنسان نفسه مسئول تمامًا على أفعاله، لأن المصريين على الرغم من إيمانهم بالقدر فإنهم لم يخلصوا إلى أن القدر يمكن أن يعرقل الإرادة الحرة للإنسان، فالقدر يتبدى في مختلف الأحداث في العالم المحيط، والتي تؤثر في حياة الإنسان من الخارج، والإنسان تظل لديه الفرصة لأن يناضل ويواجه هذا التأثير لجهده الخاص» (بن خريف، ٢٠١٧م، ٥٠).