المبحث الأول

السحر والعرافة والخيمياء

(١) السحر

لا يضع سونيرون، اعتمادًا على الكهنة المصريين، السحر في عداد العلوم المقدسة أو الكهنوتية رغم أن السحر الأبيض كان يمارسه الكهنة، ويبدو أن المقصود كان هو «السحر الأسود»، فقد كان الساحر كائنًا خطرًا، ولكن السحر بشكل عام، بسبب سريته وباطنيته ومنعه من التداول الرسمي، كان مثيرًا للفضول بل والإعجاب وكان يستقطب مع مرور الزمن الناس لصالحه حتى إذا ما جاء الغزو الفارسي عام ٥٢٥ ق.م. ولم تعد مصر حرة سياسيًّا انتشر السحر بين الناس وكأنه البديل الرئيسي عن الديانات المصرية، وكانت عبادة الحيوانات المقدسة الجو المناسب الذي ظهر فيه السحر الشعبي والشعوذات الكبرى.

«تترجم عبارة «حريوتب» بصفة عامة إلى «ساحر»، ولكنها حرفيًّا تعني: «متصدر الجميع» أي على رأسهم. وهي غالبًا تكون ملتصقة بلقب «خري حبت» أو «من يقوم بالشعائر» وتعني المكلف بقراءة النص الشعائري، ومنها انبثقت تلك الترجمة المقبولة بصفة عامة: الكاهن المرتل، أو الشعائري (مقيم الشعائر)» (كونج، ١٩٩٩م، ١٧).

ولكن السحر كان ممارسة قديمة برمت خيوطها داخل نسيج الدين المصري وبإمكاننا أن نلمح ذلك أولًا في أساطير الآلهة، حيث استطاعت إيزيس التسلط على رع بعد أن عرفت اسمه الخفي، وكان ذلك نوعًا من السحر الإلهي، وكان الإله «تحوت» هو الإله الذي علَّم العلوم المقدسة والسرية ومنها السحر ويجب أن لا ننسي محاولة إيزيس لإعادة الحياة إلى أوزيريس عن طريق السحر.

«كان لكلمة «حكا» (سحر) دلالات خاصة في مصر القديمة، ولكن بمرور الزمن صار الناس يخلطون بين ذلك العلم المقدس وبين ممارسات السحر الأسود والشعوذة والقدرات السيكولوجية الخاصة كالجلاء البصري والسمعي والقدرة على التنبؤ بالمستقبل وغيرها من الظواهر السيكولوجية النادرة. في مصر القديمة لا يمكن فصل «حكا» (السحر) عن الدين. فلا يمكن تخيل إقامة طقس ديني في مصر القديمة بدون تأثير «حكا» (جاك، د.ت، ٩).

أما الإله «ست» فقد كان رمزًا للسحر الأسود ونظر إليه كناشر للأوبئة، وكان للإلهتين «باستت وسخمت» بعض القوى السحرية.

figure
لوحة سحرية في هانوفر: على اليمين تبدو الإلهة سخمت، وعلى اليسار يبدو الإله ست في المكان المخصص لتعذيبه (كونج، ١٩٩٩م، ١٦٩).

(١-١) أهمية السحر المصري وتلازمه مع الدين

كانت مهمة الساحر «حريوتب» تشبه مهمة الكاهن «وعب» الخاص بتهدئة الإلهة اللبؤة سخمت، والتي ستكون، وهي هادئة، مشابهة للإلهة القطة باستت.

«إن هؤلاء كهنة الوعب، الذين يوصفون بكهنة الخري حتب ويحمل كلٌّ منهم لقب كاهن مرتل، يبدون بمثابة علماء فعليين. ومن هنا يتبين سبب اللجوء إليهم في كثير من الحالات، وهذا يوضح تواجدهم في الكثير من المعابد دون أن يفسر ذلك بأنه إحدى شعائر سخمت. وباعتبارهم أطباء ذائعي الصيت، فقد كانوا على صلات متميزة «ببيت الحياة»، وهو المكان الذي يتم فيه استنساخ وحفظ النصوص الدينية والسحرية. وفي حالتهم هذه، يلاحظ جيدًا أنه يستحيل عزل وظيفتهم «كسحرة» عن وظائفهم الأخرى. قطعًا، لم يكن كهنة الوعب هم الوحيدين الذين يمارسون السحر فعلًا. إن الكهنة الذين يلِمُّون بالنصوص ويحسنون تطبيقها، كانوا بطبيعة الحال مؤهلين لممارسة السحر. وكبار القائمين بالشعائر كانوا من أكثر السحرة مهارة، بل إن عبارة «حرتوم» التي ذكرت في التوراة، والتي تعني سحرة مصر، هي متفرعة من العنصر الثاني أي من اللقب خري تب (كونج، ١٩٩٩م، ٢٣).

يستند السحر إلى فكرةٍ أساسيةٍ واحدةٍ هي امتلاك الساحر قوةً يؤثر فيها على الطبيعة والناس والأشياء، وكان الساحر يعبر عن هذه القوة بالكلمة (حقو، هيكاو Hekau) التي تعني كلمات القوة. وكان الساحر يوصف بأنه «قوي اللسان» مثل إيزيس، وينطق بكلمات القوة التي يعرفها بنهجٍ صحيحٍ ولا يتلعثم في كلامه. ويمكننا تعريف السحر في مصر (حكا) بأنه الطاقة «الأزلية/الأولية» التي تتخلل العالم الإلهي/السماوي، وعالم البشر وتصل كلًّا منهما بالآخر.

«في مصر القديمة لم يكن هناك حدود فاصلة بين عالم الأحياء وعالم الموتى. وإذا كان هناك معيار يمكن أن نقسم به البشر إلى فريقين فهذا المعيار هو القدرة على الاتصال بالعالم الإلهي هناك كائنات لديها القدرة على أن تستقطب الطاقة الكامنة في أسماء اﻟ «نترو» (الكيانات الإلهية) وهناك كائنات أقل قدرة على القيام بذلك. يكمن سرُّ الأسماء وسحرها في اللغة المصرية القديمة في أن تعلم اللغة المصرية القديمة هو السبيل الوحيد لمعرفة أسماء النترو والتواصل مع القوى الإلهية التي تعبر عنها تلك الأسماء، ولذلك أطلق قدماء المصريين على لغتهم اسم «مدو نتر» أي الكلمات «الإلهية/المقدسة» (جاك، د.ت، ١٢).

«إن الفكر المتعلق بالسحر، وهو من سمات المعتقدات المصرية يرتكز على رؤية للعالم تتجابه فيها عناصر متصارعة. تعمل باستمرار على تهديد النظام العام (ماعت). ومن هذا المنطلق، فإن السحر يرتبط بما أسماه أسمان بالثيولوجيا السالبة. وهو يطبق عند مستوى الملك، والمعبد وكذلك الفرد العادي. إن السحر يهب لمساعدة الكيان الاجتماعي، ويسمح له بالاستمرار، من خلال شعائر تتجدد باستمرار ضد قوى الخواء الكوني، وقوى «الشر». وبالسحر، يستطيع الفرد أن يتغلب على أي حدث سيئ أو خطر كالمعاناة والمرض والموت. كما يساعد السحر أيضًا في الصراع ضد أعداء الآلهة أو أعداء الملك وكذا حماية الإنسان العادي. وبذا، يمكننا أن نقول إن السحر بما يتضمنه من شعائر يكمن في قلب معتقدات قدماء المصريين. والسحر المصري، باعتباره علمًا عمليًّا، يتناقل بالكتابة، والصيغة، والشعيرة. ويتم إعداد النصوص أو استنساخها بداخل «بيوت الحياة»، وهي بمثابة «مركز للمخطوطات» بكل ما تدل عليه الكلمة من معنى، خاصة بالمعابد أو بالقصر الملكي» (كونج، ١٩٩٩م، ٣٩٣).

ويرى والس بدج أن السحر المصري كان على نوعين: الأول لغايات مشروعة يهدف إلى إيصال الفوائد للأحياء والأموات، والثاني يستخدم للتآمر وتنفيذ الخطط الدنيئة ويهدف إلى إحلال الكوارث على من يوجه ضدهم ويسمى السحر الأسود، ونجد في الكتب الدينية كيف استُخدم السحر كأداة للدين، ونجده في بعض الأحيان جنبًا إلى جنب مع أكثر المفاهيم الروحية (Budge 1981: 10).
ولعل التعاويذ من أكثر مظاهر السحر المصري ظهورًا في تراث مصر القديمة وقد صنعها المصريون من الأقمشة والجلود والأخشاب ودوَّنوا عليه التعويذة لحماية الجسم الإنسان الحي أو الميت من التأثيرات المؤذية ومن هجوم الأعداء المرئيين وغير المرئيين وسميت بالمصرية هيكاو أي كلمات القوة كما ذكرنا، وكانت على أنواع كثيرة يذكر لنا والس بدج بعضًا منها وهي:
  • (١)
    تعويذة القلب: وكانت على شكل القلب ويكتب عليه النص التالى:
    «ليكن قلبي معي في دار القلوب
    ليكن صدري معي في دار القلوب
    ليكن قلبي معي ويبقى معي وإلا فإنني لن أتناول
    خبز أوزير شرق بحيرة الزهور
    ولن أعتلي المركب الذي يحملني في النيل فوق وتحت
    ليكن فمي معي، ليكن لي كي أتكلم
    ولتعطى ساقاي لأسير بهما، ويداي لأهزم أعدائي
    لتنفتح أبواب السماء لي وليقم (سب) أمير الآلهة
    بفتح فمي بالتهليل، وليفتح عيني الموثقتين.
    ليقم «سب» بفتح ساقي المعقودتين.
    ليقم «أنبو» بتقوية أفخاذي ليعينني على الوقوف
    ولتقم الإلهة «سخمت» بإعانتي على الوقوف لأرتفع إلى السماء
    وكل ما أمرت به في معبد «كا–بتاح» أن يكون
    سأحفظه بقلبي، وسأسيطر عليه
    وعلى يدي وساقي
    وسأفعل كلَّ ما تأمرني به نفسي (كا)
    إن روحي لن تكون مقيدة بجسدي عند باب الآخرة
    ولكني سأدخل بسلام.»
    (Budge 1981: 15)
  • (٢)

    تعويذة الجعران: حيث اعتقد المصريون أن للجعران قوة عظيمة لحماية القلب وإعطاء حياة جديدة للمتوفى فهو رمز الإله «خبيرا»، ويجسد قوة الخلق غير المرئية التي تدبر الشمس في الفضاء.

    وكانت هناك بعض الطقوس المذكورة في بردي حول طقوس الجعران وخاتم إيزا ننقل نصها هنا:

    نأخذ الجعران ونضعه على مائدة نظيفة من الورق ونضع تحتها قطعة كتان نظيفة وتحتها قطعة من خشب الزيتون، وعلى المائدة نضع مبخرة فيها المر والكيفي ونحمل قدحًا من حجر أخضر فاتح أو أصفر ونضع فيه مرهمًا من الزنابق أو المر أو الدارصيني ونأخذ خاتم حورس ونضعه في المرهم لنجعله نقيًّا ونضعه على المبخرة مع الكيفي والمر ونترك الخاتم لمدة ثلاثة أيام ثم نحفظ الخاتم في مكان أمين.

    وفي يوم الاحتفال، حيث الخبز النظيف والفاكهة، وبعد أن تقدم ضحية على جذوع العنب يؤخذ الخاتم من المرهم وتدهن نفسك بالمرهم صباحًا متجهًا نحو الشرق ومرددًا كلمات الرقية. ويجب نحت الجعران من الزمرد ويثقب ثم يلبس بسلسلة ذهبية وتنقش صورة إيزا على قاعدته وكما كتبنا استخدامه. أما أيام الاحتفال فهي الأيام ٧ و٩ و١٠ و١٢ و١٤ و١٦ و٢١ و٢٤ و٢٥ من الشهر وتتوقف في الأيام الأخرى، أما الرقية فكما يلي:
    «إنني تحوت مخترع وموحد الدواء والحروف.
    تعال إليَّ أنت أيها الراقد تحت الأرض
    انهضي أيتها الروح الكبرى.»
    (Budge 1981: 20)

وفيما يلي نعرض التعاويذ السحرية وغرضها ودلالتها وشكلها في هذا الجدول:

ت اسم التعويذة غرضها شكلها
(١) القلب لضمان الدخول في حقول أوزيريس بعد الموت
(٢) الجعران لإعطاء قوة عظيمة لحماية القلب وإعطاء حياة جديدة للمتوفى فهو رمز الإله «خبيرا»، ويجسد قوة الخلق غير المرئية التي تدبر الشمس في الفضاء
(٣) تعويذة الأبزيم (عقدة إيزيس) Teyt لمنح الميت منفذًا إلى جميع الأماكن في العالم الأسفل وتمكينه من امتلاك يد متجهة نحو الفردوس ويد نحو الأرض
(٤) تعويذة الرأس (دجيت) لمنح الميت إعادة تشكيل الجسد ولكي يصبح جسده الروحي (خو) مثاليًّا في الآخرة، لحماية الظهر والعمود الفقري
(٥) تعويذة الوسادة لرفع وحماية رأس الميت
(٦) تعويذة النسر لكي تكون إيزا حامية للميت وتنقل قوتها إليه وتعامله مثلما عاملت أوزير المقطع الجسد
(٧) تعويذة قلادة الذهب لمساعدة الميت على التخلص من لفافات موميائه
(٨) تعويذة صولجان البردي لمنح الميت الحيوية وإعادة الشباب
(٩) الروح لمساعدة روح الميت أن تتحد مع جسده المحنط وأن تكون اﻟ «با» وجسدها الروحي بإرادتها كقرين
(١٠) السلَّم لمساعدة الميت في التسلق إلى السماء والحصول على الموافقة للدخول إلى الجنة
(١١) الإصبعان تمثل السبابة والوسطى التي استخدمها حور لمساعدة أبيه أوزير للتسلق إلى السماء ويعثر عليها عادة في أحشاء المومياوات
(١٢) عين حور (الإوتشات Utchat) تقدم البركة والقوة والشجاعة والأمان والصحة لحاملها؛ لأنها تمثل الشمس
(١٣) صليب الحياة (عنخ Ankh) التعويذة التي تحملها الآلهة وتمثل الحياة وربما ظهرت على الأيدي المنبثقة من الشمس، وربما مثلت عنصر الذكورة
(١٤) نيفر Nefer تعويذة السعادة والحظ وربما كانت تمثل آلة موسيقية
(١٥) رأس الأفعى توضع على جسد الميت لمنع لدغة الأفعى في القبر أو الآخرة وهي لطرد الأفاعي والثعابين بقوة ملكة الأفاعي إيزا
(١٦) المرضعة (Menat) تستخدم لمنح السعادة والصحة لمن يرتديها ولها خواص سحرية تمثل القوة والغذاء والذكورة والأنوثة والتكاثر، وأعتقد أن الذكر والأنثى متحدان فيها
(١٧) سام معناها الاتحاد، وتشير إلى ملذات الحيوانات وكانت توضع في لفافات المومياوات
(١٨) شين توضع على جسد الميت لتعطيه الحياة الأبدية، فهي تمثل مدار الشمس
(١٩) كارتوش Cartauche وهي تعويذة شين على شكل مستطيل
(٢٠) المدرج لرفع الميت إلى السماء، وتعني العرش
(٢١) الضفدعة تمثل ولادة الحياة بعد البعث، وهدفها تحويل القوة إلى جسد المتوفى وتشير للإله هيكت
(٢٢) زهرة اللوتس (البعث) لإعادة ولادة الميت بعد الوفاة، فهي الزهرة المرافقة لشروق الشمس
(٢٣) تاج مصر العليا الجنوب الأبيض ملوكية صعيد مصر
(٢٤) تاج مصر السفلى الشمال الأحمر ملوكية دلتا مصر
(٢٥) الأفق بعث الروح وشروق الشمس
(٢٦) الزاوية الحماية
(٢٧) القرون الألوهية
(٢٨) الأعمدة القوة
(٢٩) المسطبة الراحة

كانت الممارسات الرسمية للسحر تقضي بإسعاف القوة المتحضرة للجوهر الإلهي الكامن في تماثيل الآلهة وأشكالها المنحوتة والمنقوشة على الجدران، وكان على السحرة شحن صور هذه التماثيل بالقدرة الإلهية؛ لأن اقتراب القوى الشريرة والمظلمة تهدد الإله الساكن في معبده (انظر سونيرون، ١٩٩٤م، ٢٠٤).

كان الآلهة يستخدمون في الرقى البرديات السحرية، وكانوا يمنحون صيغًا تفريدية تجمع فيهم صفات وأشكال آلهة أخرى.

figure
إله في حالة تفريد، في بردية سحرية.

(كونج، ١٩٩٩م، ١٦٥).

وكذلك تتجسد هذه الممارسات في إبعاد الشياطين من المعبد ورفع العين الشريرة عن الملوك وإضعاف الثعبان أبيب (مصدر الشر الأول) وطقوس مثل الصيد بالشباك وطقس إبعاد السفهاء وطقس كسر الآنية الحمراء. أما الممارسات الشعبية للسحر فكانت في تعاويذ الموتى والأحياء كما ذكرنا، وفي طرد الأرواح الشريرة وكتابة البطاقات المضادة للحمى ولسعات العقارب والأمراض المختلفة وصنع تمائم وحجابات المحبة كما في هذين النموذجين:

تميمة الرجل: اعمل من أجل أن تتبعني فلانة كما يتبع الثور علفه، كالخادمة التي تتبع أولادها، كما الراعي الذي يتبع قطيعه
تميمة المرأة: ارفع رأسك وألزم من أراه يصبح عشيقي
المرجع: (سونيرون، ١٩٩٤م، ٢٠٥)

وكان السحرة عرضة للمحاكمة والعقوبة الصارمة إذا ثبتت ممارستهم للسحر الأسود الضار، فلقد حوكم السحرة الذين اشتركوا بسحرهم في التآمر على حياة رمسيس الثالث، فأُعدم البعض وانتحر البعض الآخر قبل إنزال العقوبة به، وذلك حين اكتشف أن السحرة ثبتوا في قصره كتابات سحرية ودمى من شمع كتبوا عليها تعزيمات تشل أعضاء من تمثلهم تسهيلًا لتنفيذ المؤامرة على الملك (انظر يوسف، الموسوعة المصرية، ٢٢٦).

ولعل أغرب ما يذكره سونيرون عن السحر المصري هو تمكن السحرة المصريين من إسقاط المطر (سحر الاستسقاء) وإثارة العواصف، وكان هذا النوع من السحر نافذًا؛ لأنه يشير إلى قدرة الساحر على التحكم بعناصر الطبيعة، وهو أقصى ما يطمح إليه الساحر.

(١-٢) الكتب السحرية

كانت كتب السحر داخلة في العلوم المقدسة ومندرجة أيضًا في علوم البيان وكتب الطب والحكمة، وكانت هذه الكتب تُحفَظ في دور الكتب الملكية المجاورة للمعابد والهياكل. ومن المحفوظات الآن في مدينة لندن ورقة بردية في السحر، اكتشفها كاهن في القاعة الكبرى من معبد كبتوس مذكور على جوانبها: إن الأرض كانت مظلمة حتى ظهر القمر فجأة وأضاءت أشعته سطحها، فأتى ذلك الكاهن بهذه الورقة إلى خوفو أحد ملوك الأسرة الرابعة. أما السحرة فكانوا ينقسمون إلى طائفتين، الواحدة قانونية، والأخرى غير قانونية. فالقانونيون الذين تعترف لهم الحكومة بمباشرة السحر، وتعتمد عليهم وتعول على رأيهم في الطوارئ، ولذلك كان لهم النفوذ الأكبر والمقام الأسمى أمام الفراعنة والرعية. واشتهر في هذا العلم كثير من أبناء الملوك والأمراء كأمنحتب بن حابي وزير الملك أمنحتب الثالث الذي نبغ في السحر حتى أقاموا له تمثالًا محفوظًا اليوم بالمتحف المصري تحت نمرة ٣، وممن اشتهر أيضًا بالنبوغ في هذا الفن الملك سيزوستريس حتى فاق جميع السحرة في عصره. وكان الفراعنة يجلُّون هؤلاء السحرة ويثقون بهم ويلقبونهم بكتبة بيت الملك وكتبة الحياة، ويدعونهم لتفسير أحلامهم والانتصار بهم على أعدائهم (زكري، ١٩٢٣م، ١١٨).

هناك الكثير من البرديات الخاصة بالسحر أحصاها إيفان كونج، نذكرها هنا (كونج، ١٩٩٩م، ٤٢١-٤٢٢):
  • (١)

    بردية شستربيتي: مجموعة من البرديات بها نصوص ترجع إلى عصر الرعامسة، عُثر عليها في «دير المدينة». وبها توجد نصوص مختلفة: سحرية، وأدبية، ودينية.

  • (٢)

    برديتا تورين: عبارة عن برديتين مختلفتين ترجعان إلى عصر الرعامسة، لم يتم نشرهما حتى الآن.

  • (٣)

    تعاويذ شفهية: وهي تعاويذ مقدسة نسخت لصالح بعض الأفراد، ترجع إلى أوائل عصر الانتقال الثالث (الأسرة الحادية والعشرين والثانية والعشرين). ولقد دُوِّنت على شرائط رفيعة من البردي. ثم لُفت وأُدخلت في علب صغيرة كانت تعلق في أعناق الأشخاص المراد حمايتهم.

  • (٤)

    كتاب دحر «أبوفيس»: مذكور في بردية «برمنر ريند»، وهو كتاب مسهب من التعازيم اللازمة لحماية الشمس من الثعبان الرهيب أبوفيس. ويرجع هذا المخطوط إلى القرن الرابع ق.م. ولكن النص الأصلي نفسه كان قد كتب قبل ذلك بعدة قرون.

  • (٥)

    تعاويذ رعدع المعتدي: تعاويذ مسهبة موجهة ضد الإله ست. ويرجع تدوينها إلى القرن الرابع ق.م.

  • (٦)

    البرديات الديموطيقية بلندن ولايدن: وتحوي الصيغ السحرية التي ترجع إلى القرن الثالث ق.م. ولكن لا شك أن النص الأساسي يعود إلى عصور أقدم من ذلك، فلقد كتب من أجل الملك «دارا» خلال احتلال الفرس لمصر (الأسرة السابعة والعشرين).

  • (٧)
    البرديات السحرية اليونانية: انتشرت بأعداد كبيرة. يرجع أقدمها إلى القرن الثاني ق.م. وإن كان استعمال النصوص السحرية لم يتوقف بعد انتصار المسيحية بفترة طويلة. ولقد تم جمع هذه النصوص السحرية ونشرها بفضل «بريزندانس» سنة ١٩٢٨ تحت عنوان Papryi graecae Magicae وتوجد حاليًّا ترجمة إنجليزية لها تكاد تكون كاملة قام بها «بتز» سنة ١٩٨٦م.

(٢) العرافة

تختلف العرافة عن السحر في أنها تشترط وجود قوة في العرَّاف تجعله قادرًا على استلام الإشارات والعلامات الطبيعية والصناعية الخارجة ليعمل هو على تأويلها وتفسير ومعرفة الغيب بها. فهي، عمليًّا، معاكسة للسحر؛ لأن السحر يعمل على إخراج هذه القوة من الساحر والتأثير بها على الطبيعة. أما العراف فيستلم من الطبيعة علاماته لتعمل قوته الداخلية على تفسيرها.

ولا نلمح انتشارًا واسعًا للعرافة في مصر، ولا نعرف تنوعها المألوف الذي ظهر عند أمم قديمة أخرى، لكنه لمن المؤكد أن المصريين القدماء عرفوا أنواعًا من العرَّافين وقارئي البخت والطالع.

figure
المتنبئ نفرتي.

وكانت أعمال العرافة التي يقوم بها العلماء معروفة، منها ما ذُكر عن كامس الذي خرج لقتال الهكسوس بناءً على وعد آمون ذي الرأي السديد الذي وعده من خلال العرافين بالنصر، وهي التي حددت مسبقًا ميعاد الغزوات وما سيلقاه تحوتمس فيها من نصر، وعرافة آمون هي التي أرسلت حتشبسوت مع بعثتها إلى البلاد بونت.

وكان من المألوف أن يتطلع العرافون إلى الغيب عن طريق «المندل» الذي كان يقوم به صبي ينظر في آنية مملوءة ماءً وعليها طبقة من الزيت، حيث يحكي عن كل ما يراه عندما ينعكس الضوء على الزيت والماء ويكون هذا الإجراء بمثابة الاتصال بالآلهة وكان يسمى التأليه (التحويل إلى إله) وهذه الطريقة الصناعية في العرافة كانت معروفة وشائعة في العالم القديم مثلما كانت قراءة أشكال دخان المبخرة أمرًا مألوفًا وبسيطًا عند العرافين. وكانت قراءة حركة الحيوانات المقدسة، وخصوصًا الثيران، جزءًا من العرافة المصرية القديمة.

ولعلنا نجد في نص أدبي تعارفَ المختصون على تسميته ﺑ «نبوءة نفرتي» نوعًا من العرافة السياسية التي تبشر بظهور ملك جديد يقضي على الفوضى التي سادت البلاد. وترجع بردية هذه العرافة إلى أوائل عهد الأسرة الثانية عشرة، وربما إلى عهد مؤسسها الملك (إمنمحاب الأول ١٩٩١-١٩٦١ق.م.) ولكن كاتبها نسبها إلى عهد قديم، فقد زعم أنها ألقيت في حضرة الملك «سنفرو» مؤسس الأسرة الرابعة، أي قبل عصر الأسرة الثانية عشرة بفترة طويلة، وتشتمل البردية على موضوعين رئيسين أولهما: الحالة السيئة التي آل إليها أمر البلاد، وثانيهما التنبؤ بظهور ملك جديد سيخلص البلاد من الفوضى والشر، وسيسعد ممن يعيشون في عصره. يصف نفرتي في القسم الأول من البردية ما سيحصل في البلاد، أما القسم الثاني فيصف المخلِّص القادم:

«سأريك البلاد وقد أصبحت شذر مذر، لقد أصبح الكليل صاحب سلطة وسلاح، وصار القوم يبجلون من كان يبجلهم، سأريك البلاد وقد أصبح في القمة من كان في الدرك الأسفل، وسيعيش الناس في الجبانة، وسيتمكن المعدم من الثراء، وسيأكل المتسولون خبز القرابين، بينما يبتهج الخدم بما حدث.

سيأتي ملك من الصعيد، يدعى «أميني» له المجد، ابن امرأة من «تاستي» (جزيرة أسوان)، ويولد في الصعيد في «خن نخن» (البصيلية مركز أدفو بمحافظة أسوان)، وسوف يتلقى التاج الأبيض، ويتتوج بالتاج الأحمر، فاسعدوا إذن يا أهل عصره، ولسوف يعمل ابن الإنسان على تخليد سمعته إلى الأبد، أما الذين كانوا قد تآمروا عليه بالشر، ودبروا الفتنة، فسيطبقون أفواههم خوفًا منه، وسوف يسقط الآسيويون بسيفه، والليبيون أمام لهيبه، وسيستسلم الثوار أمام غضبه، وسوف يُبنى حائط الأمير، ولن يستطيع الآسيويون أن يدخلوا مصر عنوة، وإنما سوف يستجدون الماء منها لتشرب ماشيتهم، كمألوف عادتهم. المرجع: (مهران، ١٩٨٩م، ٣٠٢-٣٠٣).

(٣) التنجيم

الأبراج الفلكية هي طريقة لتقسيم مسار الشمس في السماء باثني عشر قسمًا متساويًا، وما يُميِّز الأبراج عن الكواكب السيارة (المتحركة) أن الكواكب هي تقسيمات لتحديد خارطة کل السماء مع أجرامها، وهي تجمعات لنجوم نراها بالعين المجردة على صفحة السماء كلها ليلًا، أما الأبراج فهي تقسیمات لجزء من السماء وهي الدائرة التي تمر فيها الشمس والقمر والكواكب الثمانية التي كانت الشعوب القديمة قد عرفت خمسة منها.

تنقسم دائرة البروج إلى ١٢ برجًا، لکل منها ٣٠ درجة قوسیة على مسار الشمس، والشمس تمر في برج واحد في شهر شمسي محدد.

كانت الأبراج في بداية وضعها تعبر عن محاولة الإنسان لرصد حركة الشمس شهريًّا؛ لأنها تغير وضعها كل شهر بالنسبة للأرض أو بالعكس، وضع السومريون أول البروج وسار على هديهم البابليون، لكن البروج أصبحت وسيلة سحرية لمعرفة مستقبل الإنسان انطلاقًا من فكرة أن النجوم والكواكب والشمس هي آلهة تحكم مصائرنا، وبذلك نشأ التنجيم. فالتنجيم هو نوع من العرافة التي يتم بها قراءة حركة الكواكب والنجوم والأنواء وتأويلها من أجل قراءة غيب الدولة أو الملك أو الفرد والتنجيم Astrology (astro (نجم) وLogy (علم)) يختلف عن علم الفلك Astronomy (astro (نجم) وnomos (قانون)). في أن الأول ذو نزعة سحرية، بينما يعتمد الفلك على القياس العلمي الدقيق.

كان هناك نظام خاص في البروج، فهم يرون أن دائرة مسار الشمس تتكون من ٣٦ ديكانًا، وكل ديكان يحتوي على نجم لامع مهم يتسمى باسمه، وتستغرق الشمس فيه عشرة أيام، وبذلك تكون دائرة الديكانات أي البروج مكونة من ٣٦ برجًا أو ديكانًا لكل واحد عشرة أيام (أي أسبوع مصري قديم، حيث يتكون أسبوعهم من ١٠ أيام)، وهذا يعني أن كل شهر من أشهرهم (٣٠ يومًا) سيضم ثلاثة نجوم لامعة ومعها نجوم أخرى قليلة اللمعان يشرف عليها إله واحد (لكل برج شهري) ويسمى البرج باسمه كما سنرى، وهذا النظام مختلف تمامًا عن نظام البروج البابلي السومري الأصل.

نرى أن النظام التنجيمي المصري القديم له وضعه الخاص الذي ما زال غير معروف بشكل دقيق، فقد كانت الأبراج المصرية تختلف عن الأبراج التي نعرفها اليوم ذات الأصل البابلي، ورغم أنه من الصعوبة بمكان تحليل مادتها والتعرف عليها بصوره دقيقة، إلَّا أننا يمكن أن نتعرف على أسمائها كما يلي:
  • (١)

    برج فخذ الثور: الذي يتضمن مجموعة الدب الأكبر.

  • (٢)

    برج البجعة: الذي يظهر في صورة الرجل ذي الذراعين المفتوحتين.

  • (٣)

    برج الجوزاء: الذي يظهر في صورة رجل يعدو وهو ينظر من فوق منكبيه.

  • (٤)

    برج الكاسيوبيا: الذي يظهر في صورة الدمى ممدود الذراعين.

  • (٥)

    برج الحوت.

  • (٦)

    برج الثريا.

  • (٧)

    برج العقرب.

  • (٨)

    برج الحمل.

وحتى البرج الثاني عشر، وكانت هذه البروج ترسم في سقوف بعض القبور وهي مزينة بالنجوم المألوفة في دوائرها الفلكية، وقد كان معبد دندرة مثلًا إحدى هذه الدوائر الفلكية التي تصور السماء تموج بصور البروج المصرية في أشكالها التقليدية، وكواكبها السيارة وما يليها من العلامات التي استمدت وأضيفت للأسلوب النيلي بصور البروج الاثني عشر ثم مناطق البروج الست والثلاثين (مهران، ١٩٨٩م، ٣٥١).

ولا نملك وثائق تشير إلى الاستخدامات السحرية أو التنجيمية لهذه البروج ولكننا لا ننفي ذلك؛ لأن الفلك العلمي كان يستخدم كتنجيم، على أساس شعبي، وخصوصًا عندما تسود المجتمعات موجات الظلم واليأس والاحتلال.

ومن مظاهر التنجيم اعتقاد المصريين أن النجوم آلهة، وكان الكهان المنجمون يصوغون من شكلها ولونها وحركاتها ومواقعها تنبؤات تتعلق بطوالع الأحداث في البلاد وأعمال المستقبل للملوك، ولأن الآلهة حكمت هذه النجوم فهي بالتالي تحكم الزمان بأكمله ولها الأيام كلها ولكن هذه الأيام تعكس ما حدث من خير وشر للآلهة أيضًا، وعلى هذا الأساس قسَّم الكهنة الأيام إلى ثلاثة أنواع؛ هي: (انظر بدج، ١٩٨٩م، ١٩٥-١٩٦).

اليوم وصفه رسمه
السعد ويوصف بأنه على شكل ثلاث ملاعق مقلوبة ذات أذرع لها نهايات محززة بخطين
النحس ويوصف بأنه على شكل ثلاث كئوس مترعة
السعد والنحس ويوصف على عدة أشكال حسب نسبة السعد والنحس من الملاعق والكئوس
وهناك أيام في التقويم المصري ومناسباته تشير إلى أيام النحس والسعد مثل:
  • ٢٧ من شهر حتحور: وهو يوم سعيد؛ لأنه يوم الصلح بين حورس وست.

  • أول يوم من شهر أمشير: يوم سعيد؛ لأن السماء رُفعت فيه.

  • ١٤ من شهر طوبة: يوم نحس؛ لأن إيزيس ونفتيس ندبتا أوزيريس.

  • أيام موت أوزيريس كانت أيام نحس.

وكان الناس يمتنعون عن إقامة الحفلات في أيام النحس ويتفادون الموسيقى والغناء مثل يوم الحداد على أوزيريس (١٤ طوبة)، وكان الغسيل محرمًا في اليوم السادس عشر من طوبة، وكان يفضل الامتناع عن السمك في أيام معينة واجتناب ذكر اسم الإله «ست» في الرابع والعشرين من شهر برمودة.

ونحن نرى أن مثل هذه الأيام والتي قبلها لها موقع محدد في دائرة البروج المصرية وترتبط بظهور نجوم أو كواكب معينة أو حركتها في مناطقها البرجية، ولذلك تم الربط بين البروج ومصائر الناس على الأرض.

(٣-١) الأصول المثولوجية للفلك والتنجيم المصري

لعل وسم الدين المصري والمثولوجيا المصرية منذ أقدم العصور بالصبغة الشمسية جعل من الفلك والتنجيم المصري يمشي في طريق خاص مختلف عن الطريق الذي مشى فيه الفلك والتنجيم السومري والبابلي.

إن الاهتمام بالشمس بطريقة مطلقة تقريبًا واعتبارها الإله الكوكب المركزي في حياة المصريين القدامى قلل إلى حد كبير من أهمية الكواكب الأخرى كالقمر والكواكب السيَّارة والنجوم وجعل مكانتها ثانوية؛ لأنها تشرق في الليل أي بعد غياب الشمس، حيث كان المصريون يتابعون رحلة الشمس الليلية في عالم الدوات (العالم الآخر) ويخترعون لها المسالك والصعوبات التي تصادفها، وهي تقضي ساعات الليل هناك، لتعود فجرًا فتشرق ثانية.

إن المثولوجيا الشمسية للمصريين جعلت من إله الشمس الإله الأول الذي يظهر من المياه الهيولية (نون) على زهرة اللوتس أو على عمود اﻟ «بن بن» أو على طائر اللقلق (بنو).

وكانت أسماء الآلهة «خبيرا، رع، أتوم» تشير إلى الشمس في مراحلها الثلاث (الشروق، الظهيرة، الغروب)، وهناك اعتقاد بأن الإله الشمس (رع) نشأ من أتوم أو من نون بإرادته وحده، وأن هناك اعتقادًا بأنه قد نشأ من المياه الأزلية المحاطة بأوراق زهرة اللوتس التي طوقته أكثر من مرة عندما كان يعود إليها مساءً، أو أنه نشأ في شكل طائر الفينيق أو العنقاء Phoenix وهو طائر البنو وأضاء على القمة الهرمية للمسلة (بن بن) وهذا يوحِّده بالإله أتوم.

ويُصوَّر الإله رع، غالبًا، بجسد رجل ورأس صقر أو بصورة صقر يضع على رأسه رمز قرص الشمس المحاط بالثعبان خوت. وكان عندما يمثل كرجل يمسك برمز الحياة عنخ بيمناه وبصولوجان بيسراه.

figure
figure

ولأن رع يخرج من المياه فجر كلِّ يوم لذلك يصوَّر مع قاربه الصباحي «معتيت» الذي يعني «يصير قويًّا»، وقاربه المسائي «سمكتيت» الذي يعني «يصير ضعيفًا» وكانت الربة (مجسدة الاستقامة والعدل والقانون) هي التي تشرف على رحلته السماوية هذه وتم تصوير رحلته بصورة أخرى، فقد كان يُمثَّل على أنه ابن نوت البقرة السماوية، حيث يولد منها فجر كلِّ يوم كعجل صغير يكبر حتى يصبح ثورًا في وسط النهار، حيث يقوم بإخصاب أمه ثم يموت في المساء ليولد في صباح اليوم التالي.

وهناك صورة أخرى لظهوره، حيث يخرج صباحًا من بيضة صلصال خلقها بتاح ويفقس كصقر طائر في الجو يمثل حورس … إلخ. إن الثالوث الشمسي لمدينة «أون» الذي صار ثالوثًا لكل مصر القديمة جعل من إله الشمس يتخذ ثلاثة أشكال متحولة، فهو خبيرا الذي يشرق من مياه النون كالجعران ويدحرج قرص الشمس حتى يضعها في وسط السماء، وعند ذاك يسمى «رع» الذي يبدو كالفينيق (بنو) عند الظهيرة وهو يضع الشمس على مسلة «بن بن». ثم يتحول إلى «أتوم» الذي يبدو مثل شيخ وهو قريب من الهرم والموت أو الغروب. وبعد الغروب ستكون هناك رحلة طويلة للشمس تعبر فيها ١٢ محطة مليئة بالأفاعي والنيران والشياطين.

كان المصريون القدماء يرون أن الأبدية تكمن في نجوم الفضاء القطبية التي كانوا يرون أنها من ضمن فريق رع الذي يرافقه في رحلته الليلة، وقد سميت باسم «أبناء نوت» أي «أبناء السماء».

ومع تطور العقيدة الدينية المصرية ظهر الإله رع بصفة «آمون–رع» الذي ظهرت عقيدته في طيبة منذ نهاية الدولة الوسطى ومعظم الدولة الحديثة.

ويكون ثالوث آمون من آمون الذي كان يعبِّر عن الشمس، وزوجته «موت» التي كانت تصور بهيئة أنثى النسر (الرخمة) وابنه هو «خنسو» الذي هو إله القمر وسيد الزمن وحاسب المواقيت ومعطي التنبؤات، وبذلك يدخل القمر كإله جميل الشكل ويتولى أمر الزمن والفلك في البانثيون المصري، ولكن كان ثانويًّا.

إن أسطورة الخلق الخاصة بالإله آمون تفصح عن انبثاقه من الطوفان الأصلي البدائي على رابية الأشمونين، حيث خرج من البيضة التي كونها إله الهيولى خالقًا ذاته وتلقيه إلهة السماء «آمونيت» على شكل بقرة كونية، وسبح آمون وهو على ظهرها فوق مياه النون وحيثما حط صار إلهًا محليًّا.

وكان للإله آمون (آمون رع) زورق شمسي يبحر به فوق السماء والعالم السفلي يوجه الزمن والفصول ويسيطر على الرياح والغيوم ويصدر أوامره بسوطه الرعدي ويمد جميع المخلوقات والمزروعات بأسباب الحياة، ورغم أن الإله آمون كان يسمى أحيانًا ﺑ «وجه رع وجسم بتاح» إلَّا أنه كان إلهًا شعبيًّا ورحيمًا منتشرًا بين الناس البسطاء، وكان يسمى وزير الفقراء.

وحين كانت الشمس تصوَّر كأنثى فقد كانت تظهر على أنها الإلهة حتحور زوجة حورس وابنة الإلهة نوت إلهة السماء التي تلدها من رحمها كلَّ يوم كما في هذا الشكل.

figure
الإلهة نوت وميلاد حتحور الشمس منها.
وقد وصل التفريد Henotheism الشمسي ذروته مع الإله آمون عندما ارتبط بالإله «رع» وأصبح إلهًا شاملًا. لكن الخطوة التي خطاها الإمبراطور «أخناتون: أمنحتب الرابع» (١٣٦٧–١٣٥٠ق.م.) ذهبت إلى أبعد من ذلك، فقد جعل من الإله «آتون» وهو «قرص الشمس» الإله الأوحد وألغى عبادة آمون وجميع الآلهة الأخرى، وسمى نفسه أخناتون الذي يكون معناه «المخلص أو التابع أو الرسول لآتون». وقد رددت الأنشودة الكبرى لأخناتون صفات إله الشمس التوحيدية.

أما الكواكب والنجوم فقد تصوروها في البداية على أنها أرواح وأجساد الخالدين من الملوك الصالحين الذين صعدوا إلى السماء بعد موتهم وظلوا محلقين في السماء، وليس هناك مثولوجيا خاصة بكل الكواكب. وقد حظي نجم «الشعرى اليمانية» عندهم بأهمية استثنائية فقد كان دليلهم للتنبؤ بفيضان النيل، حيث لاحظوا أن هذا النجم يظهر عند الأفق مع شروق السماء (في كلِّ سنة مرة واحدة) في اليوم نفسه الذي يبدأ فيه فيضان النيل، حيث تصل مياه الفيضان إلى مدينة عين شمس (هليوبوليس) «وكان بعض الكهنة المصريين القدماء يعتبرون الشعرى اليمانية رسولًا سماويًّا جاء ليخبرهم بموعد فيضان النيل المقدس الذي عظموه وأسموه «حابي» بمعنى الفيض، وقدسوا فيه ذلك المظهر الرائع من مظاهر النعم الإلهية، وعبروا عن ذلك بإقامة الأعياد احتفالًا بمقدمه، ونظموا الأناشيد فرحًا بوفائه» (سليمان، ١٩٩٥م، ٣٦٥).

وكانت النجوم، مثولوجيًّا، تُصوَّر على جسد الإلهة الأم «نوت» إلهة السماء التي صُوِّرت كإلهة أم للأحياء وللأموات الخيرين الذين يسكنون الأماكن المضيئة في السماء، وهم النجوم.

وكانت الصور القديمة لنوت في هيئة بقرة تمثل أرجلها الأعمدة الأربعة التي ترفع السماء، وكان «رع» في السابق يركب على ظهرها ليشرف على العالم ثم أصبح يرحل على بطنها بزورقه، وكانت هذه البقرة تستند على آلهة حح الثمانية (حح تعني مليون) وصار ابنها «شو» تحتها ورفع يده ليسند بطنها ويحرس «حح» الثمانية. والآن رع بمركبته يصل إلى أعلى بطنها فإنه في طريقه إلى الغياب ولذلك تزينت بطن البقرة بالنجوم التي تظهر في الليل. ومنذ عصر الدولة الحديثة على الأقل تغيرت صورة «نوت» من بقرة إلى امرأة مستطيلة الجسد ومنحنية على الأرض تلامسها بيدها والنجوم تزين جسدها، أما الشمس فتبدو مثل جديين يولد منهما صباحًا على شكل طائر «خبيرا»، فتشرق على الناس ويكتمل في شكل «رع» ظهرًا، ثم يدخل فمها ويغوص في جسدها ليلًا فتظهر النجوم مشرقة على جسدها تضيء في الليل وهكذا. وكانت الشمس تبدو ظاهرة في مركب على ظهر الإلهة نوت إلهة السماء كما في هذا الشكل:

الإلهة نوت وعلى ظهرها قاربا الشمس.

ظهرت رسوم وخرائط سماوية مهمة مثل خريطة سماوية لسقف مقبرة «سنيموت» من الأسرة الثامنة عشرة، وهي تصور بطريقة فلكية حركة الشمس.

figure
خريطة سماوية في سقف مقبرة «سنيموت» من الأسرة الثامنة عشرة.

(٣-٢) رصد الأبراج والمنازل والنجوم

كان للمصريين نظام مختلف في رصد السماء فلكيًّا، فقد اختلفت أسماء ومواقع أبراجهم عن غيرهم وكان لهم خارطة للسماء تختلف عما عرفته الأمم القديمة.

لقد أظهرت بعض رسومات السماء في بعض القبور المصرية أشكال وأسماء الأبراج المصرية التي ذكرنا بعضها، ولكنهم وضعوا نظامًا آخر لتقسيم السماء يقوم على أساس تقسيمها إلى ٣٦ منزلًا أو مرتبةً أو برجًا، وكل منزل يحتوي على عشر درجات، وكانت هذه المنازل بأسماء مختلفة مثل:
  • (١)

    حاجب الجنوب.

  • (٢)

    حاجب الشمال.

  • (٣)

    الإله الذي يجتاز السماء … إلخ.

«وكان كل منزل يتألَّف من عشرة أيام أو عقد وتبدأ المنازل من منطقة استوائية تبدأ بكوكب الشعرى اليمانية (سيروس، سوتيس، سبيدت) (Sirius, Sothis, Sepedet) الذي هو أول كوكب أو نجمة وكانت تسمى «سيدة السنة»؛ لأنها أول نجمة تظهر في بداية السنة في شهر الفيضان. وكانت الدرجات التي تظهر في الصور أو الرسومات السماوية في القبور مقرونة بأساطير كتابية مقدسة. وهذه النصوص الغامضة بالنسبة إلينا، يجب أن تكون كذلك بالنسبة للمصريين أنفسهم؛ لأن بردية كارلسبرغ (Papytus Carlsberg) المكتوبة منذ ألف سنة بعد النصوص التي رافقت الرسوم النجومية المأتمية، هو تفسير وتأويل لها. إن النص الأصلي القديم، المدوَّن بلغة كهنوتية، مقرون بترجمة حرفية باللغة الشعبية وأحيانًا مقرون بتفسير يدلنا على معناه. وفي بعض الأحيان استُبدلت الإشارات الهيروغليفية المعتادة بأشكال رمزية تخفي المعنى الحقيقي عن القارئ غير العارف» (تانون، ١٩٨٨م، ٥٢).
تصوَّر المصريون النجوم والكواكب بأنها كائنات إلهية أيضًا، وفرَّقوا بينها كما يلي:
  • (١)

    النجوم: وكانوا يسمونها «التي لا تغرب أبدًا»، وهي مجموعة نجوم النجم القطبي التي تلمع في السماء، وصوروها بأنها تشكل طاقم سفينة الشمس أثناء رحلتها في النهار، وهي لا تُرى في النهار، لأن ضوء الشمس يحجبها. أما النجوم التي رصدها المصريون فكثيرة، وقد تم التفريق بينها وبين الكواكب السيارة التي سميت ﺑ «النجوم التي لا ترتاح أبدًا»، وكان أهم هذه النجوم هي «النجوم القطبية» التي كانت ترى كل سنة.

  • (٢)

    الكواكب: وكانوا يسمونها «التي لا تتعب أبدًا»، أي التي تتحرك دائمًا، وهي الكواكب الخمسة المتحركة التي تظهر في الشرق، وتشكل طاقم المركب الليلي وهي تختفي واحدة بعد الأخرى في الأفق الغربي حين يرحل الإله الشمس في الجزء المختفي من الكون.

وهذه أسماء الكواكب الخمسة (عدا الشمس والقمر) هي: (١) الزهرة: نجمة الصباح (٢) المشتري: النجمة البهية. (٣) زحل: حورس الثور. (٤) المريخ: حورس الأحمر. (٥) عطارد.

استقر نظام الأبراج المصري على شكلين، هما: «النظام الفرعوني، والنظام التقليدي»، وسنتناول النظام الفرعوني:

نظام البروج الفرعوني (Pharaoh’s Egyptian Zodiac Signs).
ت اسم البرج الإله الذي يرعاه مدته الزمنية
(١) تحوت إله الحكمة والكتابة والسحر ٢٩ / ٨–٢٧ / ٩
(٢) حورس إله شروق الشمس ٢٨ / ٩–٢٧ / ١٠
(٣) ودجات الأفعى الملكية رمز الحكمة والمعرفة ٢٨ / ١٠–٢٦ / ١١
(٤) سخمت إله الحرب والمنافسة ٢٧ / ١١–٢٦ / ١٢
(٥) أبو الهول حارس الكنز الذي يغير شكله حسب مكانه ٢٧ / ١٢–٢٥ / ١
(٦) شو إله ضوء الشمس والهواء ٢٦ / ١–٢٤ / ٢
(٧) إيزيس الإلهة الأم سيدة طقوس الأسرار ٢٥ / ١–٢٦ / ٣
(٨) أوزيريس إله الخصب والعالم الأسفل ٢٧ / ٣–٢٥ / ٤
(٩) آمون (أمين) إله الشمس والعمران ٢٦ / ٤–٢٥ / ٥
(١٠) حتحور إلهة السماء والأرض ٢٦ / ٥–٢٤ / ٦
(١١) العنقاء طائر الحياة والطاقة والبعث ٢٥ / ٦–٢٤ / ٧
(١٢) أنوبيس إله الموت والعالم الأسفل وجبانة الموتى ٢٥ / ٧–٢٨ / ٨

(٣-٣) معبد دندرة

تقع دندرة على الضفة الغربية للنيل، على مسافة خمسة كيلومترات شمال غربي مدينة قنا، وكانت تعرف في النصوص القديمة باسم «أونة»، وهو اسم قلدت به مدينة أونو الشمالية (عين شمس)، على سبيل التبرك، ثم سميت «تانترة» بمعنى «أرض المعبودة»، أي حتحور، وقد عبر الإغريق عن هذا الاسم بلفظ «تنتريس»، وعبر عنه العرب بلفظ دندرة الحالي، وكانت دندرة عاصمة للمقاطعة السادسة من مقاطعات الصعيد، وقد اشتُهرت المدينة في الأساطير المصرية التي ترجع لعصور ما قبل التاريخ بأنها كانت مسرحًا لإحدى المعارك الكبيرة التي جرت بين حورس معبود إدفو وست إله الشر، والمعروف أن حورس وحتحور قد تزوجا وأنجبا ابنهما «حورسماتاوي» أي «حورس موحد الأرضين».» (نور الدين، ١٩٩٦م، ٧١).

ويبدو أن هذا النظام استُبدل هو الآخر في العصر البطلمي بنظام البروج البابلي الذي تبناه الإغريق مع معطيات فلكية وتنجيمية بابلية أخرى، فعدلوا بها نظامهم، ثم عدلوا بها نظام الفلك والتنجيم المصري. وهكذا أصبحت علامات البروج المصرية موازية للبابلية والإغريقية والمعروفة لنا اليوم، وفي هذا الشكل سنتعرف على العلامات المناسبة لهذا النظام في صورتها المصرية وهي:

علامات البروج في معبد دندرة.

(٣-٤) التنجيم المصري في المرحلة الهيلنستية (الإغريقية الرومانية)

مع حلول القرن الرابع قبل الميلاد دخل التنجيم البابلي على الثقافة الإغريقية. ثم قام الإغريق بنقله إلى المصريين في العصر الهيلنستي؛ لأنهم وجدوا نظامًا تنجيميًّا مختلفًا في مصر لم يتجانسوا معه ولم يجدوا فيه فائدة لهم، ومع حلول القرن الثاني قبل الميلاد اختلط التنجيم المصري بالتنجيم البابلي. ونشأ عن ذلك، بسبب مضمون علم التنجيم البابلي، ربطٌ بين نظام النجوم والكواكب السماوية وبين موعد ولادة الإنسان، فاستُخدم المطلع المستقيم (درجة ارتفاع الدائرة السماوية عند وقت الولادة)، وظهرت علاقته بالأبراج الاثني عشر. وقام الإغريق بربط الأبراج البابلية بالفلسفة الإغريقية التي ترى بأن الكون يتكون من أربعة عناصر (الماء والهواء والنار والتراب)، وهكذا نشأت خلطة جديدة من الأبراج والعناصر الأربعة ومصير الإنسان في علم هجين أثَّر على الأبراج وجعلها كما نعرفها اليوم. وكان معبد دندرة أهم شواهد هذا العصر.

«ويرجع المبنى الحالي لمعبد دندرة إلى العصر اليوناني الروماني، ابتداءً من عهد بطليموس الثامن (سوتير الثاني)، الذي حكم في عام ١١٦ق.م. تقريبًا، وانتهاءً بعصر تراجان ١١٧ ميلادية، ويتميز المعبد بالتوازن والقوة من الناحية المعمارية، وبمناظره المهمة سواء تلك التي تتعلق بتأسيس المعبد وتكريسه للمعبودات، أو التي تتناول الشعائر والطقوس الدينية، أو التي تسجل فلسفة المصريين القدماء فيما يتعلق بأجرام السماء وبروج الفلك، ومن خصائص هذا المعبد تلك السراديب المزخرفة التي شُكِّلت في سمك الجدران أو في الأساسات أسفل سطح الأرض، والتي بلغ عددها اثني عشر سردابًا سريًّا مزدانة بمناظر دينية. ويتألف المعبد من طريق مرصوف» (نور الدين، ١٩٩٦م، ٧٢).

«سنة ١٧٩٨م، غزا نابليون بونابرت مصر، وزار العلماء الذين كانوا يرافقونه الصعيد، فشاهدوا برجين في سقوف معبد دندرة وبرجين آخرين في معبدين بالقرب من إسنا، ولاحظوا أن قواعد التقسيم في هذه البروج كلها واحدة، ولكن العلامات ومناطق الكواكب مختلفة. ففي إسنا تبتدئ البروج بالعذراء وفي دندرة تبتدئ بالأسد، فاستنتجوا من ذلك أن الغرض هو الدلالة على الوقت الذي بنيت المعابد فيه، وأن معبدي إسنا بنيا حينما كانت الشمس في فلك العذراء، وأن معبد دندرة بُني حينما كانت الشمس في فلك الأسد» (حمزة، ١٩٥٧م، ٤٢).

ولم يمضِ وقت طويل حتى تعرفنا على الزمن الإغريقي الذي بُني فيه المعبدان، «في هذا الوقت كان شامبليون الشاب قد فك حروف الخط الهيروغليفي، فاطلع على جميع الأوصاف والرسوم الخاصة بمعابد دندرة وإسنا، فأثبت أن جزءًا من معبد دندرة بُني في عهد كليوباترا وابنها قيصرون، وأن جزءًا آخر منه بُني في عهد الإمبراطور أغسطس. أما معبد إسنا فأثبت أنهما بنيا في عهد الإمبراطور كومود. وأثبت في الوقت نفسه أن البروج حديثة، وأنها صنعت في الوقت الذي بنيت فيه المعابد أي في حكم الرومانيين لمصر» (حمزة، ١٩٥٧م، ٤٤).

حصلت تغيرات جذرية في كل علوم الفلك والتوقيت والتنجيم المصرية عندما أدخل الإغريق ثم الرومان أنظمتهم الفلكية والتوقيتية والتنجيمية (المستمدة من الحضارة البابلية ذات الجذور السومرية)، وبذلك أُجري إصلاح التقويم مع بطليموس، وكذلك أُدخلت أنظمة الفلك والبروج البابلية، والتي نشاهدها في الأمثلة الآتية:

figure
علامات البروج التي تظهر في قلب الشكل السماوي في دندرة.

(٣-٥) البروج البابلية ثم الإغريقية والتنجيم المصري

لا يمكننا إهمال فترة التلاقح الهيلنستي في العلوم السرية ومنها التنجيم، فقد كان للتنجيم الإغريقي المستند على أساس بابلي أثره في جعل التنجيم المصري يمضي في هذا السياق رغم وجود تطابقات كثيرة بينهما، فقد كانت البروج المصرية الموجودة في معبد دندرة القديم ذات جذور مصرية أصلية، كما نرى أشكالها في الصور الآتية، واحتفظ بها البطالمة عند إعادة بناء المعبد الجديد، فهناك جذر مشترك بين هذه البروج في الثقافات المتعاقبة: البابلية والمصرية والإغريقية، لكنها، هنا أخذت طابعًا كوزموبوليتيًّا في المرحلة الهيلنستية وفقدت بعض خصوصياتها المحلية في الثقافات الثلاث.

figure
علامات البروج بالصور المصرية المرادفة لعلامات البروج البابلية.

(٤) تفسير الأحلام

اعتاد الناس في مصر القديمة إذا أرادوا معرفه المستقبل، الذهاب إلى معبد إله معين والنوم فيه، ثم إخبار الكاهن المختص بتفسير الأحلام بمجريات هذا الحلم، وعند ذاك يقوم الكاهن بتفسير الحلم وفقًا لمعرفته السرية بأصول هذا العلم.

وربما يكون من الأفضل العودة إلى دراسة «سيرج سونيرون» عن الأحلام وتفسيرها في مصر القديمة المنشورة في باريس ١٩٥٩م للاطلاع على تفاصيل هذا الحقل النادر، وبالمقابل فإن بردية شبستر بيتى رقم ٣ المحفوظة في متحف إنجلترا تطلعنا على نصوص ما يمكن أن نسميه ﺑ «كتاب الأحلام»، ويتكون هذا الكتاب من مجموعة من القواعد الثابتة لتفسير الأحلام، فكل حلم يتكون من ثلاثة حقول هي:
  • (١)

    متن الحلم: حيث يقول النص: إذا رأى إنسان نفسه في الحلم كذا …

  • (٢)

    الحكم على الحلم: حيث يقول النص: فإن ذلك جيد أو سيئ.

  • (٣)

    تفسير الحلم: حيث يقول النص: فإن ذلك يعني …

وفيما يلي بعض الأمثلة: (انظر سونيرون، ١٩٩٤م، ٢٠٣).

إذا رأى رجل نفسه في الحلم:

وهو يفتح الخمر: جيد: وهذا يعني أنه سيفتح فمه ليتكلم.

وهو يجلس على شجرة: جيد: معناه تدمير مآسيه كافة.

وهو يقتل إوزة: جيد: يعني قتل جميع أعدائه.

يزور بوزيريس: جيد: يعني أن عمره سيكون طويلًا.

ينظر في بئر عميقة: سيئ: يعني أنه سيوضع في السجن.

يأخذ النار: سيئ: يعني أنه سوف يُقتل أو يُذبح.

ينظر إلى قزم: سيئ: يعني أنه سوف يؤخذ منه نصف حياته … إلخ.

وهناك ترجمة أخرى لبعض مقاطع من بردية شبستر بيتى رقم ٣ (Chester Beaty 3) التي ترجع إلى عصر الرعامسة، وتدل مفرداتها وتعابيرها على أنها تعود إلى الدولة الوسطى كما يرى المؤرخون، وهناك منهم من يرجع بعض هذه التعابير إلى العصر الروماني.

ولعلنا نتذكر في المرويات الدينية ونصوص التوراة كيف استطاع النبي يوسف بعلمه وتفسيره رؤيا الملك حول البقرات السبع العجاف بسنوات القحط السبع، وكيف فسر المفسرون حلم الفرعون في الموروث الشعبي وقصة ولادة موسى.

ومهما كان الأمر فإن المصريين كانوا يعتبرون الأحلام رسائل إلهية رمزية، وكان على الكهنة المختصين تفسيرها؛ لأنها تقع ضمن خطط الآلهة المستقبلية.

figure
رسوم تجسد بعض الأحلام المصرية ويبدو الأعلى وكأنه متأثر بالأشكال الهندية، ربما لأنه جاء من العصر الهيلنستي في مصر على جدار معبد داخلي يشابه صور زيوس أو سرابيس.
figure

(٥) الخيمياء

ربما نستطيع القول بثقة إن مصر القديمة هي التي أنضجت وطوَّرت الخيمياء (الكيمياء السحرية)، فاسم مصر مرتبط بها «كمت» التي تعني «أسود» بسبب المعادن التي كانت تزخر بها أرض مصر، وخصوصًا ما يحيط مجرى النيل، وأشهر من مارسها مبكرًا هو هرمس المصري الذي عُرف فيما بعد ﺑ «هرمس مثلث العظمة»، وهي تسمية إغريقية، الذي ربما يكون قد عاش في الأسر الأولى التي حكمت مصر كملكٍ أو وزيرٍ رغم الهالة الأسطورية التي تغلِّفه وتربطه بالإله المصري تحوت، ولكن الأعمال المنسوبة إليه فقط بضع شظايا نجت في القرن الثالث الميلادي. أما الوثائق المنسوبة إليه فهي «لوح الزمرد»، و«الحوارات الأسكليبية»، و«البيماندير الإلهية». (التي حفظها الفرنسيون باللغة اللاتينية على حد سواء وتُرجمت إلى لغات أخرى في القرن السادس عشر)، والتي كانت عبارة عن بقايا متناثرة من تراثه.

يعتبر «لوح الزمرد» المنسوب لتحوت/هرمس المستند الأساسي للخيمياء. إن لوح الزمرد الأصلي ربما يكون قد انتقل من مصر إلى الفينيقيين أولًا، وتمت كتابته بالأحرف الفينيقية واكتشافه في مقبرة تسمى «مقبرة هرمس» من قبل الإسكندر الأكبر، وقد تمت طباعة النسخة اللاتينية في طبعة بيرن (١٥٤٥م) تحت عنوان:

“The Emerald Tables of Hermes the Thrice Great Concerning Chymistry”.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥