الْعُكْمُوسُ
(١) دَقَّاتٌ عَنِيفَةٌ
انْجَلَى اللَّيْلُ. بَدَتْ تَبَاشِيرُ الصَّبَاحِ.
تَوَالَتْ — عَلَى الْبَابِ — دَقَّاتٌ عَنِيفَةٌ، أَيْقَظَتْ كُلَّ مَنْ فِي الْبَيْتِ. عَرَفَ «أَبُو الْغُصْنِ» زَائِرَهُ مِنْ أُسْلُوبِ تِلْكَ الطَّرَقَاتِ.
(٢) الزَّائِرُ الْكَرِيهُ
نَهَضَ «أَبُو الْغُصْنِ» لِاسْتِقْبَالِ زَائِرِهِ. فَتَحَ الْبَابَ.
مَا أَبْشَعَهُ مَنْظَرًا! سَحْنَةٌ مُفَزَّعَةٌ. الزَّائِرُ الَّذِي تَوَقَّعَ حُضُورَهُ، هُوَ بِعَيْنِهِ. لَا أَحَدَ سِوَاهُ.
شَيْخٌ هَرِمٌ، طَاعِنٌ فِي السِّنِّ. أَسْرَفَتْ أُذُنَاهُ فِي الطُّولِ. تَجَاوَزَتَا كُلَّ حَدٍّ مَأْلُوفٍ. كَانَتَا تَهْبِطَانِ وَتَرْتَفِعَانِ.
تَبًّا لَهُ مِنْ زَائِرٍ بَغِيضٍ! لَهُ الْوَيْلُ! إِنَّهُ «الْعُكْمُوسُ»!
(٣) صَوْتٌ نَاهِقٌ
إِذَنْ خَوَّفَكَ وَفَزَّعَكَ، وَرَعَّبَكَ وَرَوَّعَكَ. إِذَنْ خَيَّلَ إِلَيْكَ أَنَّكَ تَسْمَعُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِنَهِيقِ الْحِمَارِ، مِنْهُ بِصَوْتِ الْإِنْسَانِ!
•••
كَانَ مِنْ غَرَائِبِ الِاتِّفَاقِ أَنْ يَنْطَبِقَ لَقَبُ «الْعُكْمُوسِ» عَلَى صَاحِبِهِ، وَيَصْدُقَ اسْمُهُ عَلَى مُسَمَّاهُ!
تَسْأَلُنِي: مَاذَا أَعْنِي؟ إِلَيْكَ بَيَانَ مَا غَمَضَ: أَهْلُ الْيَمَنِ يُطْلِقُونَ عَلَى الْحِمَارِ: «الْعُكْمُوسَ». أَرَأَيْتَ كَيْفَ جَاءَ اللَّقَبُ مُعَبِّرًا عَنْ صَاحِبِهِ؟!
لَوْ سَمِعْتَ «الْعُكْمُوسَ»، وَهُوَ يُطَالِبُ «أَبَا الْغُصْنِ» بِمَا أَقْرَضَهُ مِنْ دَيْنٍ! إِذَنْ أَزْعَجَكَ صَوْتُهُ وَمَرْآهُ.
•••
مَثِّلْ لِنَفْسِكَ حِمَارًا أَتَاحَتَ لَهُ مُعْجِزَةٌ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ أَنْ يَتَحَدَّثَ إِلَيْكَ. مَثِّلْ لِنَفْسِكَ هَذَا الْحِمَارَ، وَهُوَ يُؤَدِّي عِبَارَاتِهِ بِلَهْجَةٍ حِمَارِيَّةٍ نَاهِقَةٍ!
مَثِّلْ لِنَفْسِكَ أَنَّكَ تَسْمَعُهُ، وَهُوَ يَنْطِقُ بِالْجُمْلَةِ الْآتِيَةِ: «هَانْ. هَانْ …! أَيْنَ الْمِائَتَانِ؟ دَنَانِيرِيَ الْمِائَتَانِ؟»
أَلَيْسَ مَنْظَرًا يَدْعُو إِلَى الضَّحِكِ، كَمَا قُلْتُ لَكَ؟!
•••
هَكَذَا صَنَعَ «الْعُكْمُوسُ». رَفَعَ أُذُنَيْهِ الطَّوِيلَتَيْنِ، أَدَارَهُمَا صَوْبَ «أَبِي الْغُصْنِ».
كَانَتْ أُذُنُ «الْعُكْمُوسِ» تُخَيِّلُ لِمَنْ يَرَاهَا أَنَّهَا قِمَعٌ، أَوْ شَيْءٌ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِالْقِمَعِ!
رَفَعَ «الْعُكْمُوسُ» أُذُنَيْهِ؛ كَأَنَّمَا يُرِيدُ أَلَّا تَفُوتَهُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، مِمَا يَقُولُهُ غَرِيمُهُ «أَبُو الْغُصْنِ»، رَدًّا عَلَيْهِ.
(٤) دَائِنٌ لَا يَرْحَمُ
أَيُّهَا الصَّدِيقُ الصَّغِيرُ، كَانَ «أَبُو الْغُصْنِ» — كَمَا حَدَّثْتُكَ — يُعَانِي أَزْمَةً شَدِيدَةً. لَمْ يُبْقِ لَهُ الْحَرِيقُ مَالًا وَلَا مَتَاعًا. كَانَ إِعْسَارُهُ حَائِلًا دُونَ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ، فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ السُّودِ.
لَعَلَّكَ تَخَيَّلْتَ جَوَابَ «أَبِي الْغُصْنِ».
لَسْتُ أَشُكُّ فِي أَنَّ ذَكَاءَكَ هَدَاكَ إِلَى ذَلِكَ!
•••
كَانَ مُضْطَرًّا إِلَى رَجَاءِ دَائِنِهِ أَنْ يُؤَجِّلَ سَدَادَ دَيْنِهِ، رَيْثَمَا تَزُولُ الْغُمَّةُ، وَتَنْفَرِجُ الْأَزْمَةُ.
كَانَ غَرِيمُهُ عَنِيدًا قَاسِيًا. قَلْبُهُ يَفِيضُ حِقْدًا عَلَى «أَبِي الْغُصْنِ»؛ لَا يَعْنِيهِ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى دَيْنِهِ، قَدْرَ مَا يَعْنِيهِ أَنْ يَتَشَفَّى بِتَعْذِيبِ غَرِيمِهِ. لَا عَجَبَ إِذَا رَفَضَ رَجَاءَ «أَبِي الْغُصْنِ»، وَأَبَى أَنْ يُؤَخِّرَ الدَّيْنَ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ.
لَا عَجَبَ إِذَا انْبَعَثَتْ مِنْ حَنْجَرَتِهِ صَيْحَةٌ مُنْكَرَةٌ نَاهِقَةٌ: «هَانْ. هَانْ! لَا تُمَاطِلْ — يَا «أَبَا الْغُصْنِ» — فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ!»
(٥) مَنْدُوبُ الْقَاضِي
كَانَ «الْعُكْمُوسُ» — كَمَا رَأَيْتَ — مُتَحَفِّزًا لِلِانْتِقَامِ. لَمْ يَفُتْهُ أَنْ يَصْطَحِبَ مَنْدُوبَ الْقَاضِي إِلَى دَارِ «أَبِي الْغُصْنِ».
قَالَ لِلْمَنْدُوبِ نَاهِقًا: «هَلُمَّ، أَيُّهَا السَّيِّدُ الْحَازِمُ. حَذَارِ أَنْ تَتَرَدَّدَ فِي أَدَاءِ وَاجِبِكَ. نَفِّذْ حُكْمَ الْقَاضِي، فِي غَيْرِ تَرَاخٍ وَلَا تَهَاوُنٍ.»
•••
أَدْرَكَ «أَبُو الْغُصْنِ» أَنَّ الرَّحْمَةَ لَنْ تَجِدَ إِلَى قَلْبِ دَائِنِهِ سَبِيلًا.
مَاذَا يَصْنَعُ؟
أَسْلَمَ أَمْرَهُ لِخَالِقِهِ. لَمْ تُفَارِقْهُ شَجَاعَتُهُ وَابْتِسَامَتُهُ، وَثِقَتُهُ بِالْفَوْزِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. لَمْ يَفُهْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ. جَلَسَ صَامِتًا عَلَى مَقْعَدٍ خَشَبِيٍّ صَغِيرٍ، يَنْظُرُ لِمَا يَجْرِي أَمَامَ عَيْنَيْهِ. لَكِنَّ زَوْجَتَهُ «رَبَابَةَ» لَمْ تَفْقِدِ الْأَمَلَ. بَذَلَتْ جُهْدَهَا فِي اسْتِعْطَافِ «الْعُكْمُوسِ». تَوَسَّلَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَتَمَهَّلَ. تَعَهَّدَتْ لَهُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ.
•••
خَيَّبَ «الْعُكْمُوسُ» ظَنَّهَا. أَصَمَّ أُذُنَيْهِ عَنْ سَمَاعِ رَجَائِهَا. لَمْ يَكُنْ حَظُّهَا مِنْهُ، بِأَسْعَدَ مِنْ حَظِّ زَوْجِهَا.
لَمْ يَلِنْ قَلْبُهُ الْقَاسِي لِرَجَائِهَا. أَدْلَى أُذُنَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ. رَكَّزَ انْتِبَاهَهُ فِي مُرَاقَبَةِ مَنْدُوبِ الْقَاضِي، وَمُرَاجَعَةِ مَا يَكْتُبُ.
(٦) عِنَادُ الْحَاقِدِ
كَانَ «أَبُو شَعْشَعٍ» يَرْقُبُ مَا يَدُورُ فِي يَقَظَةٍ وَانْتِبَاهٍ. اعْتَصَمَ بِالصَّبْرِ. لَمْ يَفُهْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ.
الْتَفَتَ «أَبُو شَعْشَعٍ» إِلَى «الْعُكْمُوسِ». قَالَ لَهُ مُتَرَفِّقًا: «أَتَأْذَنُ لِي — يَا سَيِّدِي — أَنْ أُوَجِّهَ إِلَيْكَ سُؤَالًا؟»
قَالَ «الْعُكْمُوسُ»، فِي زَهْوٍ وَخُيَلَاءَ: «مَاذَا تُرِيدُ؟»
قَالَ «أَبُو شَعْشَعٍ»: «هَلِ اسْتَأَذَنْتَ الْقَاضِيَ فِي بَيْعِ الْأَثَاثِ؟»
أَجَابَهُ «الْعُكْمُوسُ»: «هَانْ. هَانْ! أَمَامَكَ مَنْدُوبُ الْقَاضِي. أَلَا يَكْفِيكَ ذَلِكَ؟ أَلَا تَعْلَمُ أَنَّ مَنْدُوبَ الْقَاضِي يُغْنِي إِذَا غَابَ الْقَاضِي؟! مَا حَاجَتُنَا إِذَنْ إِلَى اسْتِئْذَانِ الْقَاضِي. مَا دُمْنَا قَدْ ظَفِرْنَا بِمَنْدُوبِهِ؟»
أَرَادَ «أَبُو شَعْشَعٍ» أَنْ يَثْنِيَ «الْعُكْمُوسَ» عَنْ رَأْيِهِ. لَمْ يَقْبَلِ «الْعُكْمُوسُ» أَنْ يَعْدِلَ عَنْ تَنْفِيذَ رَأْيِهِ الْخَاطِئِ. تَمَادَى فِي غَيِّهِ. أَصَرَّ عَلَى عِنَادِهِ.
ظَهَرَ الْغَضَبُ عَلَى وَجْهِ «أَبِي شَعْشَعٍ». أَغْلَظَ الْقَوْلَ لِصَاحِبِهِ، تَوَعَّدَهُ وَتَهَدَّدَهُ، أَنْذَرَهُ بِعَاقِبَةٍ وَخِيمَةٍ.
هَزَأَ «الْعُكْمُوسُ» بِمَا سَمِعَ. لَمْ يُبَالِ وَعِيدَهُ وَلَمْ يَخْشَ تَهْدِيدَهُ.
(٧) سَرِيرُ الطِّفْلَيْنِ
أَشَارَ «الْعُكْمُوسُ» إِلَى سَرِيرِ الطِّفْلَيْنِ الصَّغِيرَيْنِ. قَالَ لِمَنْدُوبِ الْقَاضِي: «هَاكَ سَرِيرًا خَشَبِيًّا مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ. لَا تَنْسَ أَنْ تُدْرِجَهُ فِي سِجِلِّ الْمَبِيعَاتِ.»
اغْتَاظَ «جَحْوَانُ» مِمَّا سَمِعَ. كَانَ لَا يَزَالُ رَاقِدًا إِلَى جَانِبِ أُخْتِهِ «جُحَيَّةَ» فِي تِلْكَ الْأُرْجُوحَةِ الَّتِي اتَّخَذَاهَا سَرِيرًا لِنَوْمِهِمَا.
شَافَ مِغْرَفَةً بِالْقُرْبِ مِنْهُ. تَنَاوَلَ الْمِغْرَفَةَ بِيُمْنَاهُ. هَوَى بِهَا عَلَى رَأْسِ «الْعُكْمُوسِ». أَصَابَتِ الْمِغْرَفَةُ أُذُنَهُ الْيُسْرَى.
(٨) غَضَبُ «الْعُكْمُوسِ»
تَمَادَى «الْعُكْمُوسُ» فِي وَعِيدِهِ. تَعَالَى صِيَاحُهُ. اشْتَدَّ غَضَبُهُ. كَانَ صَوْتُهُ أَشْبَهَ بِالنَّهِيقِ مِنْهُ بِالصُّرَاخِ!
ارْتَسَمَ الْحُزْنُ عَلَى وَجْهِ «أَبِي شَعْشَعٍ». لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ قَالَ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ! وَقَعَ الشَّرُّ الَّذِي كُنَّا نَحْذَرُهُ وَنَخْشَاهُ!»
كَانَ صَوْتُ «الْعُكْمُوسِ» يَتَهَدَّجُ غَضَبًا وَهُوَ يَقُولُ: «الْوَيْلُ لَكُمْ مِمَّا تَفْعَلُونَ. سَتَدْفَعُونَ ثَمَنَ اعْتِدَائِكُمْ عَلَيَّ غَالِيًا. سَتَرَوْنَ مَا يَحُلُّ بِكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَاضِي. هَيْهَاتَ أَنْ تُفْلِتُوا مِنْ عِقَابِهِ!»
(٩) حِوَارٌ صَاخِبٌ
كَادَ «أَبُو شَعْشَعٍ» يَخْرُجُ عَنْ هُدُوئِهِ. اشْتَدَّ بِهِ الْغَيْظُ مِمَّا رَأَى وَسَمِعَ. الْتَفَتَ إِلَى «الْعُكْمُوسِ» سَاخِرًا. قَالَ لَهُ فِي تَهَكُّمِ مَرِيرٍ: «عَلَى رِسْلِكَ، أَيُّهَا النَّاهِقُ الْعَزِيزُ! مَا أَجْدَرَكَ أَنْ تُمْسَخَ حِمَارًا!»
انْدَفَعَ «الْعُكْمُوسُ» صَاخِبًا مُزَمْجِرًا. خَتَمَ وَعِيدَهُ قَائِلًا: «سَتَرَى كَيْفَ أَنْتَقِمُ مِنْكَ، يَا «أَبَا الْغُصْنِ». سَتَرَى كَيْفَ أَبِيعُ كُلَّ مَا فِي بَيْتِكَ. لَنْ أَتْرُكَ لَكَ شَيْئًا؛ حَتَّى هَذَا الْكُرْسِيَّ الَّذِي تَجْلِسُ عَلَيْهِ.»
قَالَ «الْعُكْمُوسُ»: «سَتَعْلَمُ صِدْقَ مَا أَقُولُ، يَا «أَبَا الْغُصْنِ»! سَيَكُونُ هَذَا الْيَوْمُ آخِرَ عَهْدِكَ بِالنَّوْمِ عَلَى فِرَاشِكَ الْوَثِيرِ. لَنْ تَنَامَ — أَنْتَ وَأُسْرَتُكَ، بَعْدَ الْيَوْمِ — عَلَى غَيْرِ التِّبْنِ، كَمَا تَنَامُ الْمَاشِيَةُ!»
قَاطَعَهُ «أَبُو شَعْشَعٍ» سَاخِرًا: «مِنْ حَقِّكَ أَنْ تَسْتَبْقِيَ التِّبْنَ لِنَفْسِكِ، أَوْ تَبِيعَهُ إِذَا اسْتَغْنَيْتَ عَنْ أَكْلِهِ!»
كَانَتْ نُكْتَةً بَارِعَةً أَصَابَتِ الصَّمِيمَ.
أُرْتِجَ عَلَى «الْعُكْمُوسِ». لَمْ يَدْرِ كَيْفَ يُجِيبُ. أَسْرَعَ بِالْخُرُوجِ غَاضِبًا.
(١٠) نَصِيحَةُ «رَبَابَةَ»
ابْتَهَجَ الطِّفْلَانِ لِهَزِيمَةِ «الْعُكْمُوسِ». حَاوَلَ «جَحْوَانُ» أَنْ يُظْهِرَ شَمَاتَتَهُ ﺑِ «الْعُكْمُوسِ»، الَّذِي جَاءَ يَسْلُبُهُ سَرِيرَهُ. أَمَرَتْهُ «رَبَابَةُ» أَنْ يَكُفَّ عَنِ الْكَلَامِ. قَالَتْ لَهُ: «الْأَطْفَالَ الْمُؤَدَّبُونَ لَا يَنْطِقُونَ إِلَّا بِخَيْرٍ، وَلَا يَتَحَدَّثُونَ إِلَّا بِمَعْرُوفٍ!»
(١١) قُدُومُ «زُبَيْدَةَ»
الْتَفَتَ «أَبُو الْغُصْنِ» إِلَى ضَيْفِهِ. شَكَرَ لَهُ دِفَاعَهُ وَنُصْرَتَهُ، وَمُرُوءَتَهُ وَنَجْدَتَهُ.
كَانَ «أَبُو الْغُصْنِ» يَعْلَمُ أَنَّ انْتِقَامَ «الْعُكْمُوسِ» مِنْهُ سَيَكُونُ بَاطِشًا عَنِيفًا. مَاذَا يَصْنَعُ «أَبُو الْغُصْنِ»؟ لَا حِيلَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ. سَلَّمَ أَمْرَهُ للهِ.
•••
عَجِبَتْ «زُبَيْدَةُ» مِمَّا رَأَتْ. سَأَلَتْ «رَبَابَةَ» عَنْ جَلِيَّةِ الْأَمْرِ. أَخْبَرَتْهَا «رَبَابَةُ» بِمَا حَدَثَ.
(١٢) رَجَاءٌ صَادِقٌ
الْتَفَتَ «أَبُو الْغُصْنِ» إِلَى «زُبَيْدَةَ» قَائِلًا: «مَا دُمْتِ رَجَعْتِ إِلَيْنَا، أَيَّتُهَا الْجَارَةُ الْكَرِيمَةُ، فَإِنِّي أَرْجُو مِنْكِ أَنْ تَبْقَيْ — مُتَفَضِّلَةً — مَعَ زَوْجَتِي وَوَلَدَيَّ، لِتُهَوِّنِي عَلَيْهِمْ بَعْضَ مَا لَقُوا مِنَ الْآلَامِ وَالْمِحَنِ، رَيْثَمَا أَعُودُ. إِنَّ قَلْبِي لَيُحَدِّثُنِي: أَنَّ فَرَجَ اللهِ قَرِيبٌ.
قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: «صَحِبَتْكَ عِنَايَةُ اللهِ وَتَوْفِيقُهُ.»
(١٣) خَارِجَ الْمَدِينَةِ
خَرَجَ «أَبُو الْغُصْنِ» فِي صُحْبَةِ ضَيْفِهِ «أَبِي شَعْشَعٍ». وَاصَلَا السَّيْرَ حَتَّى جَاوَزَا الْمَدِينَةَ، ثُمَّ أَسْلَمَهُمَا السَّيْرُ إِلَى الْخَلَاءِ!