شروح: الكتاب الثاني
«الآن سوف نفي بوعدنا بالانتقال من الكل إلى الأجزاء.» هذا ما كتبه كوبرنيكوس جذَلًا، وتفعل بقيةُ أجزاء كتاب «عن دورات الأجرام السماوية» الشيء نفسه، في عمليات استكشاف للأفكار تشبه الأسوار الخفيضة والمنعطفات الحادة لشوارع كراكوف، وفي قطعة نثرية كئيبة على نحو لا مثيل له. يعلق توماس كون قائلًا إنه لو كان كتاب «عن دورات الأجرام السماوية» انتهى بالكتاب الأول لما وجب أن تحمل وما كانت لتحمل الثورة الكوبرنيكية اسم كوبرنيكوس، أما «الدراسة الفنية المستفيضة» طيلة الكتب من الثاني وحتى السادس «فهي الإسهام الحقيقي لكوبرنيكوس.» ومع ذلك فقد لاحظت أن توماس كون ينهي موجزه عن كتاب «عن دورات الأجرام السماوية» مع نهاية الكتاب الأول. وهذا المقال الذي كتبته ليس في وسعه فعل ما هو أفضل كثيرًا من هذا.
الكتاب الثاني، الجزآن ١-٢: تعريفات عدم المركزية
غير أن هاتين الدائرتين اللتين يوجد مركزاهما فوق سطح الأرض، وأعني بهما الأفق وخط الزوال، مترتبتان بالكامل على حركة الأرض وعلى مشاهدتنا لهما من موضع معين. فبالنسبة للعين يصبح كل مكان كما لو كان مركز كرة تضم جميع الأشياء المرئية لها من جميع الجوانب.
فضلًا عن ذلك فإن جميع الدوائر المفترض وجودها على الأرض تنتج دوائر في السماء على هيئتها وصورتها.
ثم يوجِّه لنا النصيحة بعد ذلك (وهذه أيضًا مأخوذة عن كتاب «المجسطي») في كيفية بناء أداة بسيطة قادرة على قياس أطوال ظل الشمس. سوف نكون بحاجة إلى مربع غير قابل للالتواء طول ضلعه نحو المترين. وبعدها نرسم ربع دائرة بحيث يكون مركز تلك الدائرة في أحد أركان المربع، ونصف قطرها هو أحد أضلاع المربع. ثم نقسم قوسها إلى ٩٠ درجة قياسية، ونقسم بعد ذلك كل درجة إلى ٦٠ دقيقة؛ لهذا السبب تكون هناك حاجة إلى مربع كبير جدًّا. نغرس «مؤشرًا أسطواني الشكل» مخروطًا بعناية عند المركز، «ويثبَّت بحيث يكون عموديًّا على السطح ويبرز منه قليلًا، لنقل مثلًا عرض أصبع أو أقل.» (يا لدقة التعليمات مثلما يتراءى لك! «لو أنني تمكنت من إجراء حساباتي بحيث تتفق نتائجها مع الحقيقة في نطاق خطأ لا يزيد على عشر درجات، لوجب عليَّ أن أطير فرحًا مثلما فعل فيثاغورس».)
وكيف سنستخدم هذه اللعبة الجديدة؟ «ما سنفعله بعد ذلك أن نعرض خط الزوال فوق قطعة من أرضية المربع تقع في مستوى الأفق»، صُممت مستويةً تمامًا قدر الاستطاعة. سوف «يظهر» خط الزوال واضحًا تمامًا فوقه على النحو التالي: فوق جزء من أرضية المربع، ارسم دائرة وضَعْ علامة تحدد مركزها على هيئة أسطوانة رأسية. انتظر يومًا مشمسًا وراقب ظلَّ الأسطوانة. في وقت ما من الصباح، سوف تلامس الدائرة عند نقطة ما؛ وفي فترة ما بعد الظهيرة سوف تلامسها عند نقطة أخرى. ميِّز المكانين على الدائرة، ثم اشطر القوس الواقع بينهما نصفين. الخط الواصل من مركز الدائرة والمار من تلك النقطة المركزية يمر من الشمال إلى الجنوب، أو حسب تعبير كوبرنيكوس، خط الزوال.
والآن يمكننا وضع أداتنا على هذا السطح بحيث يكون مركز ربع الدائرة متجهًا للجنوب، ويصنع زاوية قائمة مع خط الزوال.
الكتاب الثاني، الأجزاء ٣–١٤: الجداول والتحويلات
يشيِّد كوبرنيكوس مثلثاته الكروية ويحدد الزوايا والمسافات النسبية. والآن يأتي جدول الميول الزاوية لدرجات المسار الكسوفي وجداول الصعود القائمة، دائرة العرض السماوية وخط الطول في الأساس: «تكون الزاوية قائمة عندما تقطع دائرة الزوال تحديدًا خط الاستواء المار بقطبيها. والآن يسمى قوس دائرة الزوال، أو أي قوس من دائرة يمر من خلال القطبين السماويين ويقطع على هذا النحو الميل الزاوي لقطاع المسار الكسوفي؛ والقوس المقابل له على خط الاستواء يسمى الصعود القائم.»
من المدهش أن نعرف كم كان كوبرنيكوس وسابقوه قادرين على إنجاز عملهم باستخدام تلك الوسائل المحدودة. على سبيل المثال، يخبرنا كتاب «عن دورات الأجرام السماوية» أنه «لأي ارتفاع للشمس يمكن حساب طول الظل، والعكس صحيح.» «الفوارق بين الصعود القائم والصعود المائل هي ذاتها الفوارق بين الاعتدال ويوم آخر.» «عندما تكون درجة ما من المسار الكسوفي معلومة، وبعد قياس شروقها من الاعتدال، فإنه يمكننا كذلك الحصول على الدرجة الواقعة في منتصف السماء.»
إن الكتاب الثاني عبارة عن مخزون علمي لمثل تلك التحويلات، التي تصير لغتها شديدة التجريد، حتى إنها تشبه الشعر في بعض الأحيان: «إذن «ﻫ ن» هو نصف الوتر الممتد في ضعف قوس الأفق الذي هو الفارق بين شروق الشمس على الخط الموازي وشروقها الاعتدالي.»
ويجمل من جديد المنفعة العملية من عملياته: «من ثم يمكن بسهولة فهم الشروق والغروب.»
وبأسلوبه الضبابي المعهود يسعى لشرح طريقة بناء أسطرلاب، تصنع دوائره المدرجة القابلة للدوران نوعًا من الكون البطلمي المصغر. لا يوجد في هذا الموضع مساحة كافية لشرح تفاصيل بنائه واستخدامه، لكن يكفي القول إن المرء يبدأ بوضع الدائرة الكسوفية حسب الموضع المعلوم للشمس لحظة الرصد، ثم يأخذ القراءة على القمر لتحديد خط طوله؛ «إذ بدون القمر ما من سبيل لاكتشاف مواقع النجوم؛ حيث إن القمر وحده من بين جميع الأجرام الأخرى هو الذي يظهر في كلٍّ من الليل والنهار.» ثم يرصد المرء نجمًا معينًا للحصول على خط طوله ودائرة عرضه.
لقد عبَّر عن امتنانه لبطليموس على هذا الجهاز، وعلى ما لا يُعد ولا يُحصى من القياسات التي أجريت بواسطته؛ لذا فإنه يطلق عليه «أهم عالم رياضي ظهر إلى الوجود»، لكنه أشار إلى أن سلفه حدَّد موقع النجوم بالنسبة للاعتدال الربيعي، وهو أمر حسب رأيه هو (أي كوبرنيكوس)، يجب وصفه استنادًا إلى كرة النجوم الثابتة؛ نظرًا لأن النجوم تتغير مع المبادرة. وعلَّق إريك ينسن هنا بقوله: «واقع الأمر، لا يزال الفلكيون يستخدمون نظامًا تُحدد فيه نقطة الصفر في الصعود القائم بواسطة الاعتدال الربيعي. ولما كان ذلك «يتحرك» مع حدوث المبادرة — حسبما ذكرنا — فإن إحداثيات النجوم تتحرك هي الأخرى. ومن هنا، فإنني عندما أستشهد بالإحداثيات (الصعود القائم والميل الزاوي) لنجم ما من أجل إعلام باقي الفلكيين بموقعه، فإن عليَّ أيضًا أن أخبرهم بالسنة التي أفترض فيها موقع الاعتدال الربيعي. هناك اعتدالات قياسية يستعين بها الفلكيون، والتحويلات فيما بينها صارت الآن مباشرة، حتى إن معدل المبادرة صار معلومًا بدرجة عالية من الدقة.» في زمن كوبرنيكوس بطبيعة الحال، لم تكن الحال هكذا بالضبط، وأنا عن نفسي لا يمكنني أن ألومه لتحبيذه منظومة أبدية بلا حركة. وا أسفاه! لقد ذهبت تلك الأوهام أدراج الرياح مصطحبة معها مركزية الأرض.
كفى؛ فهو يختم كتابه الثاني بسرد مطول يعرض فيه خطوط الطول ودوائر العرض المختلفة للنجوم في بروجها.