شروح: الكتاب الرابع
«بما أنه في الكتاب السابق، على حد قدراتنا المتواضعة، شرحنا الظواهر استنادًا إلى حركة الأرض حول الشمس …» هكذا يبدأ الكتاب الرابع، الذي يتناول القمر. «إذ من خلاله تحديدًا، وهو الذي يظهر بالليل وبالنهار، يمكن فهم أوضاع النجوم.» فضلًا عن ذلك، «هو وحده من بين جميع الكواكب مَا يدور حول مركز الأرض مباشرةً حتى ولو بطريقة غير منتظمة، وهو الأقرب إلى كوكب الأرض»، وهي الحقيقة التي عزَّزت أوهامنا بأننا مركز كل شيء آخر.
تزداد نظرية كوبرنيكوس الآن تعقيدًا؛ لأن الظواهر القمرية معقدة؛ «إذ إن القمر ميال للتغير حتى من ساعة إلى أخرى، وهو لا يستقر على حال واحدة.»
الكتاب الرابع، الأجزاء ٢–٤: «أقول إن الظواهر القمرية متوافقة»
إذن القمر «يدور بانحراف حول مركز الأرض في حركة منتظمة مقدارها حوالي ٣ دقائق قوسية في اليوم، وهو يكمل دورته في ١٩ عامًا؛ بمعنى أنه كل ١٨ عامًا و٢٢٣ يومًا، يتكرر طور قمري معين ويعود القمر من جديد لوضع البداية بالنسبة للمسار الكسوفي.» كيف كان من الممكن لأسلاف كوبرنيكوس حساب ذلك الأمر؟ حسنًا، لقد وقعت حادثة درامية سماوية جذبت انتباههم له: وهي طول الفترة الزمنية التي يستغرقها نمط الخسوف القمري لكي يتكرر مرة أخرى.
أما أكثر ما شكَّل مادة رصدية تزيد من زخم استخدام المنطق لدى كوبرنيكوس فهو أن القمر يبدو وكأنه يعبر من فوقنا أسرع كلما كان أقرب إلينا؛ «ومن ثم، فَهِم القدماء أن التغير في السرعة يحدث بسبب وجود فلك تدوير؛ والقمر أثناء جريانه حول هذا الفلك، عندما يكون في النصف العلوي من الدائرة يقلِّل من الحركة المنتظمة، وعندما يكون في نصف الدائرة السفلي، يضيف نفس المقدار إليها.»
ويرسم كوبرنيكوس شكلًا لما لا بد أنه كان يدور بخلد «القدماء»، الذين بدءوا يذكِّرونني بشخص ما اسمه كلاوديوس بطليموس. «ولكن لو كانت الحال هكذا، فماذا سيكون ردنا على القاعدة البديهية: «حركة الأجرام السماوية منتظمة فيما عدا ما يبدو غير منتظم فيما يتعلق بالظواهر»؛ إذا كانت الحركة المنتظمة الظاهرية لفلك التدوير في حقيقة الأمر غير منتظمة …؟» وما يعتبره كوبرنيكوس غير مقبول يتبين أنه — بما قد يتوافق مع تخمينك — الموازِن البغيض، الذي يوصف تعريضًا هنا بأنه «نقطة أخرى مختلفة، تجعل الأرض في منتصف المسافة بينها وبين مركز الدائرة اللامتراكزة.»
ويظل حلُّه الخاص به لعدم الانتظام القمري الظاهري متوافقًا مع المبادئ الأولى: في كل شهر يدور القمر مرتين حول فلك تدوير، وهذا بدوره يُحمَل بواسطة فلك تدوير أكبر يقوم خلال نفس الفترة الزمنية «بدورة واحدة بالنسبة للموضع المتوسط للشمس.» ويبلغ نصف قطر فلك التدوير الصغير ٤٧٤ وحدة؛ ويصف مركز تلك الدائرة دائرة نصف قطرها ١٠٩٧ وحدة، جميعها محسوبة عن طريق عمليات «الجمع والطرح» الهندسية. «أقول إن الظواهر القمرية متوافقة مع هذا النسق.»
هل هي متوافقة فعلًا؟ إليك الطريقة التي يرى بها فلكيونا المعاصرون الأمر: «مدار القمر حول الأرض يقترب من شكل القطع الناقص.» في الواقع، متوسط لاتراكزية القمر كبير: ٠٫٠٥٤٩، والمسافة بين الأرض والقمر من الممكن أن تتفاوت بنسبة تبلغ ١٤ في المائة، أو ما يعادل ٥١ ألف كيلومتر.
الكتاب الرابع، الأجزاء ٤–٣٢: المسافات والأقطار والأحجام
يحكي كوبرنيكوس كيفية حساب تزيحات الشمس والقمر بمساعدة جداوله، سلسلة بائسة من العمليات الهندسية والحسابية التي سوف تشكرني لأنني حذفتها؛ فهو يبين لنا كيف نحسب المقدار الذي سيكون عليه كسوف شمسي أو خسوف قمري: احصل على دائرة العرض لحظة الاقتران، واطرحه من نصف قطر الجرم السماوي المعني، واضرب الناتج في اثنتي عشرة واقسم حاصل الضرب على قطر الجرم السماوي، وعند هذه النقطة «سوف نحصل على رقم يعادل واحدًا على اثنتي عشرة من حجم الكسوف.» وهو يقدم لنا كذلك معادلة لحساب المدة الزمنية التي سيستغرقها أي كسوف أو خسوف في المستقبل.
وبعد استعراضه مختلف أنواع تزيحات القمر، موضحًا خلالها في كل مرة مدى مجانبة علم بطليموس للصواب في هذا الصدد، يعلن قائلًا: «من هذا سوف يتضح لنا الآن مدى بعد المسافة بين الأرض والقمر. وبدون وجود تلك المسافة لا يمكننا التوصل إلى نسبة مؤكدة للتزيحات؛ إذ إن كلًّا منهما مرتبط بالآخر.» كان الرقم الذي توصَّل إليه هو ٥٦ ضعف نصف قطر الأرض مضافًا إليه ٤٢ دقيقة قوسية؛ أو بعبارة أخرى: ٥٦٫٧. والقيمة التي نعرفها حاليًّا هي ٦٠٫٢٧ ضعف نصف قطر الأرض عند خط الاستواء، التي قيل لي إنها تقع في نطاق «بضع نقاط مئوية» من القيمة التي توصل إليها هيبارخوس قبل كوبرنيكوس بسبعة قرون. إذن القيمة المحسوبة بواسطة كوبرنيكوس للمسافة بين الأرض والقمر، مع أنها جديرة بالتصديق، فإنها لا تمثل تقدمًا يُذكر على حسابات القدماء. الحق يقال، إنها أقل دقة من متوسط القيمة التي توصل إليها بطليموس؛ وهي ٥٩.
فيما يرتبط بقطر هذا القرص الأرسطي تام الاستدارة يجدر بنا أن نكرِّر مسألة أن القمر، مثله مثل كوكبنا الأرضي المسكين، غير كروي الشكل؛ فأحد محورَي القمر يتجاوز الآخر بمسافة تُقدر بثلاثة كيلومترات تقريبًا، وهي مسافة مؤثرة إلى الحد الذي يجعل القمر باستمرار مواجهًا للأرض بوجه واحد إلى الأبد. ولعل تلك المعلومة كانت كفيلة بتحطيم فؤاد كوبرنيكوس.
ويصل كوبرنيكوس من خلال شرح مماثل إلى المسافة بين الأرض والشمس عند الأوج: ١١٧٩ ضعف نصف قطر الأرض. وهو هنا لا يبلي بلاء حسنًا؛ فالقيمة الفعلية هي ٢٣٫٤٥٥.
ووفقًا لحساباته، فإن حجم الشمس يعادل ١٦١ و٧ / ٨ ضعف حجم الأرض، التي هي بدورها ٤٢ و٧ / ٨ ضعف حجم القمر؛ «ومن ثم يكون حجم الشمس ٦٩٩٩ و٦٢ / ٦٣ ضعف حجم القمر.»
إن النسبة التي توصَّل إليها بين حجمَي كلٍّ من الأرض والقمر ليست بعيدة تمامًا عن رقمنا الحالي: وهي ٥٠ إلى ١. غير أن حجم الشمس، كان تقديره له أقل من الحقيقي بكثير جدًّا؛ فهو في واقع الأمر ١٣٠٦٠٠٠ ضعف حجم الأرض، و٦٥٣٠٠٠٠٠٠ ضعف حجم القمر؛ ومن ثم كان تقديره بعيدًا عن نسبة حجم الشمس إلى القمر بمعامل يزيد على ٩٠٠٠.