شروح: الكتاب الأول، الأجزاء ١٠–١٤
إذن الشمس في مركز «عالمنا». فكيف تنتظم باقي الأجرام السماوية معًا؟
الكتاب الأول، الجزء ١٠: تبسيط الأجرام السماوية وإعادة تنظيمها
ذهب السابقون على كوبرنيكوس على نحو منطقي إلى أن الأجرام السماوية التي تبدو وكأنها تعبر السماء في سرعة أبطأ لا بد أنها أكثر بعدًا عنا من تلك التي تتحرك بسرعة أكبر، كالقمر مثلًا. وإذا شئنا مزيدًا من الدقة فإن «حجم الدوائر الفلكية يقاس بحجم الزمن.» ومن ثم رتبوها على النحو الصحيح ترتيبًا تصاعديًّا حسب قربها منا: زحل فالمشتري فالمريخ.
من الضروري أن يُنظر إلى الفضاء المتروك بين الدورة الفلكية المحدبة للزهرة والدورة الفلكية المقعرة للمريخ باعتباره دورة فلكية أو فلكًا كرويًّا متجانسًا ومركزيًّا معهما بالنسبة لكلا السطحين، وأنه من الواجب أن يستوعب الأرض وقمرها وأي شيء موجود أدنى المدار القمري.
هذا الاستنباط المنطقي من الافتراضات بمركزية الشمس لا يتورع كوبرنيكوس عن تقديمه باعتباره سببًا:
«لهذا فإننا لا نستحي أن نقول بأن هذه الشمولية — التي يحتضنها القمر — ومركز الأرض أيضًا تعبُر تلك الدائرة الفلكية العظمى مثلها مثل سائر النجوم السيارة الأخرى في دورة سنوية حول الشمس.»
ويعلِّق مترجم كتاب «عن دورات الأجرام السماوية» على هذه النقطة بقوله: «لقد رصد كوبرنيكوس دائرة لامتراكزة لكوكب الزهرة وكوكب عطارد في دائرة واحدة تحمل الأرض؛ وعلاوة على ذلك دمج أفلاك التدوير الثلاثة لزحل والمشتري والمريخ في نفس الدائرة. بمعنى أن هناك دائرة واحدة صارت الآن تؤدي عمل خمس دوائر.»
ويكرِّر كوبرنيكوس في تناقض آخر مع مقدمة أوزياندر: «أقول أيضًا إن الشمس تظل ساكنة إلى الأبد، وأن أي حركة ظاهرية لها أيًّا كانت يمكن تحقيقها من خلال حركة الأرض.» ولا يكتفي بذلك وإنما يزيد وهو يقيس الأعماق في جسارة، وكذا المسافة بين الأرض والشمس، على اتساعها الهائل، أن تلك المسافة لا تمثل شيئًا مقارنةً بالمسافة بين الأرض وكرة النجوم الثابتة.
الكتاب الأول، الجزء ١١: الحركات الثلاث لكوكب الأرض
ويأتي كوبرنيكوس الآن كي يستبدل بالحركتين السماويتين اللتين نادى بهما بطليموس ثلاث حركات من عنده.
الأولى: أن الأرض تدور من الغرب إلى الشرق كل يوم، وهو ما «يصف خط الاستواء أو الدائرة الاعتدالية.»
والثانية: الدورة السنوية لكوكب الأرض حول الشمس، وهي أيضًا من الغرب إلى الشرق. وتقع هذه الدورة بين دورتَي الزهرة والمريخ. «إذن ما يحدث أن الشمس ذاتها فيما يبدو تعبر المسار الكسوفي بحركة مماثلة … عندما يكون مركز الأرض في حالة عبور لبرج الجدي، يبدو أن الشمس تعبر برج السرطان؛ وعندما تكون أبراج الدلو، والأسد وهلم جرًّا …»
ثم يفترض كوبرنيكوس وجود حركة أرضية ثالثة في اتجاه الغرب، من برج الحمل إلى برج الحوت. وهذه الحركة التي تسمى الميل الزاوي، تبدو ضرورية لتفسير مسألة أن الأرض لا تحافظ على وضعها نفسه بالنسبة لمستوى المسار الكسوفي. ويؤكد كوبرنيكوس الضرورة لذلك؛ لأنه عند معظم أجزاء كوكبنا، تتغير النسبة بين طول كلٍّ من النهار والليل على مدار العام، وتتعاقب الفصول.
إن الميل الزاوي والدوران المداري حركتان متضادتان في اتجاههما، غير أنهما شبه متساويتين في المقدار، وفق رأيه. «يستتبع ذلك أن محور كوكب الأرض وأعظم الدوائر الموازية المحيطة به، وهو خط الاستواء، يبدوان دائمًا ناظرَيْن باتجاه نفس الربع تقريبًا من العالم.» تقريبًا؛ أي ليس بالضبط؛ إذ إنه لا يمكن إنكار المبادرة؛ لقد تغيرت الاعتدالات والانقلابات بمقدار عشرين درجة منذ عصر بطليموس.
إن كوبرنيكوس يوجزها بالقول: «يظل المسار الكسوفي دون تغيير مهما طال الزمن — ودائرة العرض الثابتة للنجوم الثابتة تشهد على ذلك — في حين يتحرك خط الاستواء.» إنه محقٌّ في ذلك؛ وقبله، ظن علماء الفلك عكس ذلك.
الكتاب الأول، الأجزاء ١٢–١٤: بعض النظريات في هندسة المستويات والمجسمات الكروية
ينتهي هذا الكتاب الأول بانفجار في البراهين الهندسية: الأقواس والأوتار والمستقيمات المقابلة ومتوازيات المستطيلات والمثلثات المسطحة ذات الأضلاع المستقيمة والمثلثات المجسمة. «لما كنا نرى أننا قطعنا شوطًا بعيد المدى حتى الآن بحيث إن الفارق بين الخط المستقيم والمنحنى الدائري يستعصي على الإدراك الحسي بصورة مكتملة كما لو كنا نرى خطًّا واحدًا وحسب …» أقترحُ إعفاءك من قراءته من كل هذا، ولا سيما تلك المجموعة المطولة من الأعداد في «جدول الأوتار لدائرة ما»، استنادًا إلى هذا التبرير من كوبرنيكوس نفسه: «إذ لو كان علينا أن نعالجها بمزيد من التفصيل، لبلغ العمل حجمًا غير عادي.»