المدارس والمنسوجات المصرية
المدارس هي أجدر المؤسسات بتشجيع الصناعة المصرية؛ لأنها تضم بين جدرانها شُبَّانًا وفتياتٍ هم رجال المستقبل ونساؤه، وعليهم يجب أن يعتمد الصانع والتاجر المصري في رعايته وإيثاره على التاجر والصانع الأجنبي.
فإذا غرسْنا في أذهان الطلبة والتلاميذ هذه الوطنية العملية، وجعلناهم يؤثرون الطعام المصري على موائدهم، ويفخرون باتخاذ الملابس من الأقمشة المصرية — استطعنا أن نجعل منهم بناة الاستقلال؛ لأنهم إذا شبُّوا بعد ذلك كان لنا أن نعتمد عليهم في التعصب العملي للعمل الحر الذي يُزاوله المصري سواء أكان صناعة أم تجارة.
والأعمال الحرة الآن في بلادنا يحتكرها الأجانب أو يكادون يحتكرونها، ونحن عندما نعامل التاجر الأجنبي أو نشتري المصنوعات أو الأطعمة الأجنبية إنما نساعد الأجنبي على العمل الحر بينما نحرم أبناءنا منه؛ إذ إن العمل الحر لا يعني شيئًا آخر سوى الصناعة والتجارة. فإذا نحن دأبنا في معاملة الأجنبي جنينا من ذلك الحرمان المؤكد لأبنائنا من العمل الحر، فلا يبقى لهم سوى وظائف الحكومة أو الزراعة، وكلتاهما لا تستطيع أمة أن تعتمد عليهما في رُقيِّها الاقتصادي، ومن هنا يجب علينا أن نبني استقلالنا على العمل الحر؛ أي عمل الأعمال الحرة بجراءة وتفاؤل، ولكن ليس لنا الحق في أن نحرِّضهم على هذه الأعمال الحرة ما لم نحرض الناس من جهةٍ أخرى على أن يعاملوهم دون الأجنبي، ومن هنا وجوب تلقين شباننا وفتياتنا هذه المبادئ العملية للوطنية في المدارس.
وليس التعليم الصحيح تلقينًا وإنما هو مزاولة. فيجب إذن عندما نريد أن نحُضَّ أبناءنا على الإقبال على مصنوعاتنا ألا نَقنع بالنصح، وإنما يجب أن نحملهم على أن يشتروا هذه المصنوعات ويستعملوها، وهذا هو ما تقوم به بعض مدارسنا المصرية الآن.
فإن القرَّاء يعرفون اسم السيدة نبوية موسى التي كانت ترأس تفتيش المدارس في وزارة المعارف، ثم استقالت فأسست مدارس «بنات الأشراف» في القاهرة والإسكندرية. فهذه السيدة التي يجب أن يفخر بها كل مصري، رأت منذ العام الماضي أن تساعد النهضة الصناعية؛ فحتَّمت على جميع التلميذات والطالبات اتخاذ الملابس المصرية، واشترت من أقمشة كوم النور وغيرها ما بلغت قيمته نحو ٣٠٠ جنيه، وحتَّمت عليهن أيضًا اتخاذ الأحذية المصرية، وأسست مشغلًا للنسيج في الإسكندرية تعمل فيه الفقيرات، فيتعلمن صناعة مفيدة ويتعلمنها مع ذلك بالمجان، وفي مدارس «بنات الأشراف» نحو ٧٠٠ طالبة وتلميذة سيَكُنَّ في المستقبل أمهات يدبرن بيوتهن وينفقن أموال أزواجهن، ولا بد أنهن يعرفن من الآن كيف يجب عليهن أن ينفقن هذه الأموال على الأطعمة والمصنوعات المصرية، وكيف يجب أن يقصرن معاملتهن على التاجر المصري حتى عندما يحتجن إلى بضاعة أجنبية.
وعلى القراء أن يعرفوا معلمة أخرى قد جندت نفسها في هذه الحركة هي الآنسة إنصاف عبد الله مديرة مدارس التوفيق للبنات؛ فإنها حتَّمت اتخاذ الملابس من الأقمشة المصرية، وعندها ٦٥٠ تلميذة وطالبة اشترين من الأقمشة ما بلغت قيمته ١٤٠ جنيهًا خرجت من جيوب الآباء إلى جيوب العمال في المحلة وكوم النور والفيوم وغيرها، بدلًا من أن تخرج إلى جيوب العمال في برلين ولندن وباريس، وقد ازداد العمل الحر قوة ومادة في مصر بهِمَّةِ هاتين السيدتين نبوية موسى وإنصاف عبد الله.
لكننا نحتاج إلى ألف سيدة من هذا الطراز يتولين تعليم فتياتنا؛ فيغرسن فيهن هذه الوطنية العملية حتى لا تشتري واحدة منهن طعامًا أو لباسًا إلا إذا وثقت من مصريته، أو إذا وثقت على الأقل أن التاجر الذي يبيعها مصري.