دور السينما في مصر
يُعد السينما توغراف من أجمل الصناعات الحديثة وأربحها، وهو على حاله الحاضرة قد بلغ مبلغًا عظيمًا من الرُّقي، ولكن مستقبله مع ذلك أكبر من ماضيه، وهو بطبيعة العمل الذي يُمارس فيه قد جذب إليه أكثر الرجال والنساء وأجملهم تجند له أبطاله من جميع أنحاء العالم أينما وجدنا ذكاءً أو جمالًا، سواء في برلين أو توكيو أو نيويورك أو موسكو.
ولهذا أصبحت هذه الصناعة من أربح الصناعات حتى إنه لا يُستغرب من دار سينمائية تُبنَى هذا العام أفخم بناء أن تعود على أصحابها بعد سنة أو سنتين برأس المال كله، ومتى أُحسنت الإدارة ولوحظت عقلية الجماهير بدقة وانتباه لم يقل الربح الصافي كل عام عن ٣٠ أو ٤٠ في المائة من المال المؤثل.
ثم هي مع ذلك صناعة سهلة، سواء أكانت في إنتاج الأفلام أو في إدارة الدور، وقد استطعنا — نحن المصريين — أن ننتج نحو أربعة أو خمسة أفلام، بعضها بلغ حد الإتقان، كما استطعنا أن ندير بعض هذه الدور.
ولكن الذي يُلاحظ الآن هو أن هذه الصناعة كادت تكون احتكارًا خاصًّا للأجانب، فهم الذين يملكون أفخم الدور، وهم الذين يشترون الأفلام الجديدة، وإليهم يحج شباننا في كل مساء، وإلى جيوبهم تتدفق أموالنا، وهذا مع أننا ما زلنا في البداية، فإذا لم نستطع أن نرسخ لنا قدمًا في هذه الصناعة من الآن فإن نزعها من أيدي الأجانب يكون من أشق الأعمال في المستقبل؛ إذ يكونون قد حصلوا على التجارب الفنية، ودرسوا أهواء الجمهور، وجمعوا الأموال الضخمة، ومزاحمتهم — وهم على هذه الحال — ليست من الهينات.
بالأمس قام بناء غاية في الفخامة في أوسط بقعة من القاهرة، وهو دارٌ سينمائية يَملكها إيطالي. فقصد إليه بعض الشبان المصريين يسألونه أن يستخدمهم في عمله الجديد فاعتذر ولم يقبل، وهذا الذي فعله هذا الإيطالي سيفعله غيره من أصحاب الدور السينمائية القائمة، والتي ستقوم في المستقبل؛ ولذلك يجب علينا لهذا الاعتبار الاقتصادي وحده أن نجعل السينماتوغراف صناعة مصرية يملكها ويستغلها مصريون.
ولكن هناك اعتبارات أخرى تبعثنا على الاهتمام بهذه الصناعة، وتجعلنا نخشى بقاءها في أيدي الأجانب. فمن ذلك مثلًا أن الأفلام الصامتة لا يُكتب الآن بيان عنها باللغة العربية، ولذلك تقل قيمة الفيلم أمام المتفرج المصري، سواء أكانت هذه القيمة للتعليم أو للتسلية في معظم الدور الأجنبية. ثم هناك أفلام صائتة وأخرى ناطقة، وهي تُنطق باللغات الأجنبية دون العربية، فتقل قيمتها أيضًا للمتفرج المصري. ثم ليس مما يتفق وكرامتنا أن نكون في عقر دارنا وبلادنا ونخرج للتنزه والتسلية، فنسمع لغات الجاليات الأجنبية دون لغتنا.
وتأليف الدرامة السينمائية سيبقى إلى الأبد شائعًا بين الأمم، ولكن هذا لا يمنع أن يكون لكل أمة حظها من هذه الدرامة. فإن السينما هو أقرب الصناعات إلى الفنون الجميلة والتقصير فيه يُعد لهذا السبب تقصيرًا في الفن يمس الكرامة، ويجرح الكبرياء القومية، وعلى ذلك لا يصح أن نتخلف عن الأمم في الفنون الجميلة؛ لأن هذا التخلف يعني تأخرًا في المدنية والذكاء والذوق.
فيجب أن تكون لنا درامتنا كما يجب أن تكون لنا دورنا السينمائية. ثم يجب أن نبدأ بالدار الفخمة فإن الدور الصغيرة لا تجذب الجمهور إلا إذا وضع وطنيته فوق تسليته، وهناك صناعات كالصحافة والسينماتوغراف لا يجوز فيها التدرج؛ إذ يجب أن تبدأ كبيرة وإلا لم يُقبِل عليها الجمهور، ولست بذلك أثبط القارئ عن العناية بالدور السينمائية التي يملكها المصريون مثل دار رمسيس (وهي ليست صغيرة) أو مثل المنظر الجميل، ولكني أرى أن المنافسة الحديثة تقتضينا إنشاء الدور الكبيرة الضخمة، وليثق كل مصري يدفع قرشًا في بناء هذه الدور أنه سيناله مضاعفًا بعد عامين أو ثلاثة؛ إذ لا يكاد يوجد في العالم الآن أربح من الدور السينمائية؛ ولذلك يجب تأليف الشركات الكبيرة لتهيئة الأفلام وتأسيس الدور.