ملابسنا من صنع أيدينا
كانت مصر مشهورة بصناعة النسج منذ أقدم الأزمنة؛ بل الأرجح أنها هي التي اخترعت الغزل والنسج، وقد ذكر هيرردتس السائح الإغريقي مدنًا في الصعيد مثل أخميم، ووصفها بأنها مشهورة بصناعة النسج، ولا تزال هذه المدينة تتمتع بهذه الشهرة إلى الآن؛ أي إنها لم تفقد هذه الصناعة منذ ثلاثة آلاف سنة.
وبقيت لمصر هذه الشهرة أيام العرب والمماليك، فقد ذَكَرَ ياقوت المتوفى سنة ٦٢٦ هجرية في معجم البلدان عدة مدن مصرية مشهورة بالنسج، فمما قاله عن أسيوط مثلًا: «وبها مناسج الأرمني والديبقي المثلث.»
وذكر دمياط فأسهب في براعة صُنَّاعها، وكان مما قاله: «أخبرني بعض وجوه التجار وثِقاتهم أنه بيع في سنة ٣٩٨ حلتان دمياطيتان بثلاثة آلاف دينار، وهذا مما لم يُسمع بمثله في بلد … وبها الفرش القلموني من كل لون؛ المعلم والمطرز ومناشف الأبدان والأرجل، وتتحف بها جميع ملوك الأرض.»
وقد كنا إلى عهدٍ قريبٍ لا تخلو قرية من قُرانا من الأنوال التي تنسج لنا أقمشة الفرش والملابس، ولكن انتشار الآلات في أوروبا أوشك أن يقتل هذه الصناعة؛ إذ قضي على كثير من الأنوال التي تنسج الأقمشة الرخيصة فلم يبق سوى الأنوال التي تنسج الأقمشة الغالية.
ونحن نستورد من الأقمشة في كل عام مقدارًا كبيرًا يتراوح ثمنه بين ١٢ و١٦ مليون جنيه، ولكننا مع ذلك نستهلك مقدارًا كبيرًا من المنسوجات المصرية مثل الشاهي والكريشة والملس والمناشف، وكذلك تُصنع أقمشة جافية يلبسها الفلاحون مثل البشت والزعبوط والدفية، وهذه الثلاثة الأخيرة تغزل وتنسج في مصر، أما الأقمشة الأخرى فإن الغزل يُستورد لها من الخارج أو من المغازل الآلية المصرية؛ لأنه غزل دقيق.
وفيما يلي يرى القارئ أشهر المدن التي تختص بالنسج، والرقم الذي يلي الاسم يدل على عدد الأنوال وعدد العمال؛ لأن لكل نول عاملًا:
المحلة الكبرى | ٣٣٧٣ |
القاهرة | ٣٣١١ |
قليوب | ١٦٩٧ |
دمياط | ١٠٧٤ |
سنورس | ٨٢٩ |
منوف | ٨٢٢ |
شبين الكوم | ٧٣٤ |
ميت غمر | ٥٧٤ |
قوص | ٤١٥ |
أخميم | ٢٧٦ |
طهطا | ٢١٠ |
أبو تيج | ٣٤٨ |
إمبابة | ١٣٣ |
بلبيس | ١٠٦ |
وعندنا الآن مناسج ميكانية؛ أي تُدار بالآلات لا بالأيدي، ولكنها قليلة، وأهم ما يجب أن نعرفه أن المغزل اليدوي ينهزم أمام المغزل الآلي، ولكن النول الذي يُدار باليد لا ينهزم؛ إذ يُمكنه أن يصمد لمزاحمة الآلات، وخاصة إذا كان ينسج الأقمشة الغالية من الصوف والحرير أو من أحدهما مع القطن أو الكتان.
ويمكن كل مصري أن يقيم نولًا بجنيهين أو ثلاثة ينسج عليه الأقمشة التي توافق البيئة المحيطة به. فإذا كان في القاهرة مثلًا أمكنه أن ينسج من الغزل الآلي قماشًا غاليًا. وإذا كان في القرية أمكنه أن يغزل للفلاحين الزعبوط والبشت من الغزل اليدوي.
وعلينا أن نطلب — بل نلح في طلب — المنسوجات المصرية، وإذا داخلنا الشك في مصريتها وجب علينا أن نطلب شهادة من البائع يعترف فيها بذلك بحيث نفهمه أنه إذا تبين لنا الغش جاز لنا أن نردها له.
بهذا وحده يصبح المصري منتجًا للمنسوجات. أما الآن فهو في أغلب الحالات مستهلك فقط، والمنتِج هو الصانع الأوروبي الذي يستنزف أموالنا كل عام إلى بلاده.