المزاحمة الأجنبية تقتل صناعاتنا الفنية
أصدرت مصلحة الصحة إحصاءً عن صناعة الطب في مصر، ورعوية القائمين بها، ويتضح من هذا الإحصاء أن عدد الأطباء هو ٢٥٠٢ هذه هي رعويتهم:
١٧٣٧ | مصريًّا |
٢٢٢ | يونانيًّا |
١٦٤ | تركيًّا |
٩٧ | إيطاليًّا |
٩٥ | بريطانيًّا |
٣٨ | فرنسيًّا |
٣٥ | روسيًّا |
٢٠ | ألمانيًّا |
١٨ | سويسريًّا |
١٥ | نمسويًّا |
١٣ | أمريكيًّا |
١٠ | بولنديُّون |
٥ | رومانيُّون |
٥ | بلجيكيُّون |
٤ | فارسيُّون |
٢٠ | من أممٍ أخرى |
فعدد الأطباء الأجانب هو ٧٦٥ يُزاحمون ١٧٣٧ طبيبًا مصريًّا.
ويجب على القارئ أن يذكر أن بين هؤلاء الأطباء المصريين عددًا غير صغير ممن دخلوا في الرعوية المصرية، وهم أجانب باللغة والدم والعادات والأخلاق.
وفي القاهرة والإسكندرية مئات من الأطباء المصريين الذين كسدت أعمالهم؛ لأن لهم مزاحمين من الأجانب، وهؤلاء المزاحمون لا يفضلون المصريين في البراعة الفنية والحذق في الصنعة؛ بل الواقع يدل في حالات كثيرة على أنهم دونهم، وأن خبرتهم بأمراضنا قليلة جدًّا. فإن الطبيب الذي يرد إلينا من الولايات المتحدة الأمريكية أو من ألمانيا أو روسيا لا يعرف الارتباكات التي تحدث من الرمد والبلهارسيا والملاريا والإنكلستوما؛ لأنها من الأمراض التي لا تكاد تعرف في تلك الأقطار، بينما هي كثيرة الحدوث عندنا.
فهذه صناعة فنية يُزاحم فيها أبناؤنا، ويُطردون منها؛ لأننا نفتح باب المُهاجرة إلينا فيفد علينا الأطباء والمهندسون والمحامون وسائر المحترفين للحرف الفنية، فيُضيِّقون العيش علينا، ويعممون الفقر بيننا، ثم لا يرضون مع هذه الامتيازات المالية التي لا تُجيزها أمةٌ أخرى لنفسها حتى يطلبوا امتيازاتٍ أخرى في القضاء المدني والجنائي.
ونحن نتساءل: ما الفائدة من الجامعة والمدارس الفنية إذا كان الشاب المصري المتخرج منها لا يجد نفسه مطالبًا بمزاحمة إخوانه من المصريين فقط؛ بل عليه أيضًا أن يُزاحم أبناء الأقطار الأخرى من إنجليز وألمان وروس وفرس ويابانيين؟
إننا الآن نحمي المصنوعات المصرية بضرائب جمركية، ولكننا لم نشرع إلى الآن في حماية أبنائنا المتعلمين من الواردات الإنسانية التي ترد علينا بالآلاف حتى لقد أصبح لنا منهم ربع مليون يعيشون بيننا، ويحتكرون تجارتنا، ويقفلون أبواب الأعمال الحرة في وجوه شباننا. فهل تبقى هذه الأبواب مُفتحة للمهاجرين الأجانب حتى يصير لنا منهم مليون كما هي الحال في الجزائر التي قُتلت فيها الحركة الوطنية قتلًا تامًّا بوجود هؤلاء الأجانب؟
في الشهر الماضي منعت الحكومة البريطانية مُغنيًا إيطاليًّا من الدخول في إنجلترا خشيةً منها أن يُزاحم هذا الأجنبي مُغنِّيًا إنجليزيًّا، مع أن حكومتنا تدفع إعانة قدرها ١٣٠٠٠ج للجوقات الأجنبية التي تُمثل في مصر، ولا تبالي المزاحمة التي يلقاها الممثلون المصريون من هذه الجوقات.
فالطبيب والمحامي والمهندس والممثل والمدرس والصانع والتاجر والصحفي — كل هؤلاء يلقى من المزاحمة الأجنبية ما يفسد عليه عمله، ويُحدث له الكساد مكان الرواج والفقر مكان الغنى، وإذا كانت الأمم القوية المتمدنة تحمي أبناءها من المهاجرين، فهل من الشطط أن نطلب حماية أبنائنا من الواردات الإنسانية؟
إن علينا واجبين: الأول يجب أن تقوم به الحكومة؛ وهو ألا تجيز لأحد من الأجانب القدوم إلى بلادنا ما لم تعرف أنه يُؤدي عملًا لا يمكن المصري أن يؤديَه، والثاني يقع على الأمة؛ وهو أن تُعامل أبناءها دون الأجنبي؛ فتقصد إلى الطبيب المصري، ولا نشتري شيئًا إلا من التاجر المصري متى أمكننا ذلك.
إننا ننصح للناس أن يشتروا البضاعة المصرية دون الأجنبية، ولكن البضاعة سرعان ما تُستهلك. أما الأجنبي المقيم بيننا فإنه يعيش نحو نصف قرن وهو طول إقامته يحرم شخصًا مصريًّا من العيش، ثم هو إذا مات ترك لنا سلالةً أجنبيةً لها محاكم مختلطة ومحاكم قنصلية، ولها أيضًا دولة محتلة تدَّعي حمايتها باعتبارها جزءًا من الأقلية.
لتكن مصر للمصريين؛ أي يجب أن يكون طبيبها ومحاميها ومهندسها وتاجرها وصانعها وصحفيُّها مصريين.