نساؤنا والصناعة المصرية
ليس هناك من يشك في الحماسة العظيمة التي تقابل بها الدعوة إلى الصناعة أو التجارة المصرية، وإن كل ما يُكتب عن هذا الموضوع يلقى من الشبان أعظم العناية والدرس والمناقشة. فقد رسخ في أذهاننا جميعًا أن الزراعة لم تعد تكفينا إذا أردنا أن نعيش أمة متمدنة ننفق عن سعةٍ على التعليم والصحة ووسائل الحضارة، وإن «الأعمال الحرة» يختص بها الأجانب دوننا؛ لأنهم يعملون في التجارة والصناعة، ولا يعملون في الزراعة.
رسخ هذا في أذهاننا فبِتْنا نتلقَّف أخبار صناعتنا وتجارتنا، ونبحث عنها، ونتحرى شراء مصنوعاتنا، وإيثار المصري على الأجنبي.
ولكننا نشعر — ونحن في هذا الجهاد الاقتصادي — أننا نسير فيه وعلى عواتقنا عبءٌ كبير يُثقلنا ويُبهظنا، ويُؤخرنا عن التقدم، وهذا العبء هو المرأة المصرية التي لا تسير معنا في هذا الجهاد، ولا تستطيع أن تعرف قيمته، فتتحمس له تحمس الشبان، وقد كان يمكننا أن نستغني عن حماسة الشبان جميعهم لو أن نصف نسائنا أو ربعهن كن يتحمسن ويقبلن على المصنوعات المصرية، وإيثار التاجر المصري على التاجر الأجنبي؛ وذلك لأن المرأة في مصر هي التي تنفق وتستهلك وتشتري بنفسها. أما الرجال فهم الكاسبون المنتجون، وقلما يتكلفون الذهاب إلى المتاجر لشراء إحدى السلع.
فإذا سار أحدنا في شارع تجاري من شوارع القاهرة ألفى مئات بل آلاف السيدات والأوانس المصريات وهنَّ مُقبلات على المخازن التجارية يشترين منها ما تشاء المصلحة أو الزهو، ثم هنَّ لا يُبالين التاجر أو البضاعة هل هما مصريَّان أم لا. فما يتحمس له الشاب ويتغنَّى في البحث عنه لا تكاد تلقي إليه السيدة أو الفتاة التفاتها، وهي عندما تقصد إلى التاجر لا تفكر إلا في السلعة التي تريد شراءها، وحسبها الحصول عليها من أي تاجر، ومهما كانت الصناعة التي تنتسب إليها.
ولذلك يمكن أن يقال إن حركتنا أو دعايتنا إلى الصناعة والتجارة المصرية ستبقى بطيئة أو عاطلة ما دامت المرأة المصرية لا تباليها المبالاة الكافية؛ لأن المرأة هي — كما قلنا — المستهلكة التي تشتري وتختار طعامنا وملابسنا وملابسنا وأثاث بيوتنا، فإذا لم تتحرَّ السلعة المصرية فإن حماسة الشبان تذهب هباءً لا قيمة لها.
وهذا الجمود الذي نلاقيه من المرأة المصرية يرجع في الحقيقة إلى جهلها، وإلى أنها لا تتصل بحركات التفكير العامة في مصر كما يتصل الشاب. فإن شباننا قد تعلموا فصار جمهور القراء منهم، فهم يقفون من الصحف والكتب على الموجات الذهنية الجديدة، ويستطيعون المناقشة النيِّرة عنها، أما النساء فعامتهن بعيدات عن الحركات الوطنية.
وفي وسعنا أن نستغني عن المرأة في الحركة الوطنية السياسية، ولكن ليس في وسعنا أن نستغني عنها في الدعاية إلى المصنوعات المصرية، وإلى إيثار التاجر المصري؛ لأنها — كما قلنا — تختص بالإنفاق والاستهلاك، وهي التي تقوم بشراء الحاجات للمنزل ولنفسها ولزوجها، وقلما يشتري الرجال شيئًا لأنفسهم.
ونحن الآن — بجمود المرأة المصرية وعدم مشاركتها في الدعاية للمصنوعات المصرية — نجني الثمرة المُرَّة لإهمالنا تعليمها في الماضي. فلو أننا عنينا بتعليمها وفتحنا ذهننا ولقنَّاها مبادئ الوطنية لوجدنا فيها الآن المعين على حركتنا المُلَبِّي لدعوتنا، وكان يمكننا عندئذ أن نثق بأنها لن تأذن بدخول الخبز الأسترالي في منزلها، وأنها ستُؤْثِر الأقمشة المصرية على سواها، ولن تتسامح في شيء تشتريه إلا إذا وثقت من أنه مصري، أو على الأقل لا يبيعه لها سوى تاجر مصري.
إن إهمالنا لتعليم المرأة يعود علينا الآن بخسارة مالية واضحة، وقد بات جهلها بأغراض الأمة، وحديث الشبان في الصناعة الوطنية عونًا عظيمًا للتاجر أو الصانع الأجنبي، فحماستنا الآن في الهواء؛ لأن المرأة المصرية لا تشترك معنا في عواطفنا، وهي لا تشترك لأنها لم تتعلم.
وإذن يجب علينا أن نجعل تعليم المرأة وتنويرها شرطًا لازمًا للدعوة الاقتصادية الوطنية، ونجاهر بأن من يُقاوم تعليمها إنما هو عدوٌّ للوطن يعمل لخرابه الاقتصادي قبل السياسي.
وقد نجحت الدعوة الاقتصادية في إنجلترا؛ لأن المرأة هناك مُتعلمة، فما هو أن أعلنت الصيحة حتى لبَّتْها، واستجابت لنداء الاقتصاديين الوطنيين، وفعلت ذلك؛ لأنها مُتعلمة تقرأ الصحف، وتجاري الرأي العام في نزعاته، ونساؤنا لا يُجارين الرأي العام، فهن لذلك بعيدات عن هذا الروح الاقتصادي الجديد الذي يشغل شباننا.
فليذكر الذين قاوموا تعليم المرأة هذا البلاء الذي نُبتلى به من جهلها الآن في ثروة البلاد، وليذكروا أنه لا يسير معنا في دعايتنا غير المتعلمات، وهن أقل من القليل ليس لهن أثر ظاهر في الحركة.