تأثير الفشل العثماني في العالم الإسلامي
(١) الهلال الأحمر المصري
لقد أكبر العالم الإسلامي كله فشل الجيش العثماني في البلقان، وجاءت الأنباء تترى من الهند وأفغانستان والصين وسائر البلدان التي يُقيم فيها الموحدون، بأن خبر ذاك الفشل كان فيها أليمًا والتأثير من وقوعه عظيمًا، وأفاد بعض أنباء الهند أن كثيرًا من مسلميها كانوا يحيون الليالي بالبكاء والضراعة في المساجد، ثم أخذ كل بلد يجمع ما يستطيع من المال ويرسله إلى ضفاف البوسفور؛ إعانةً للجيش العثماني الذي كثرت جرحاه ومرضاه، أو إعانةً لألوف المهاجرين من نساء وأطفال وشيوخ؛ لأن دخول المتحالفين بلادهم سحب عليهم ذيل الخراب وذهب بأموالهم ورجالهم، فلم يبقَ لهم من وسيلة إلا الهجرة إلى جهة يطلع عليها الهلال، ولا غرو، فإن المهاجر إذ كان لم ينَل من هجرته الرخاء فقد حقن على الأقل ما بقي من الدماء.
وكان في طليعة الأمم التي كبرت حميتها وفاضت أريحيتها وتحرك فؤادها عطفًا وشفقة الأمة المصرية الكريمة، فإنا نعرف أُناسًا منها باتوا وأحشاؤهم مطويةٌ على الطوى يوم ورد خبر معركة لوله بورغاز، إلا أن المصريين على اختلاف طبقاتهم تسلطوا على عواطفهم كما أثبت جناب لورد كتشنر في تقريره، فلم يظهروا إلا الحكمة والتبصر في إظهار حميتهم الإسلامية وعاطفتهم الإنسانية.
- المادة الأولي: تأسست بمصر جمعية الهلال الأحمر المصري، ومركزها العمومي مدينة القاهرة تحت حماية الحضرة الفخيمة الخديوية، ورعاية صاحبة السمو والدة الجناب العالي الخديوي، ورئاسة صاحب الدولة الأمير محمد علي باشا شقيق الجناب العالي.
- المادة الثانية: تستند جمعية الهلال الأحمر المصري في معاملاتها الخارجية:
- أولًا: على ما جاء بقانون الهلال الأحمر العثماني في معاملاته.
- ثانيًا: على المعاهد التي عقدت بتاريخ ٢٢ أغسطس سنة ١٨٦٤ في جنيف، وعلى أحكام التعديلات التي قبلتها الدولة العلية بمجتمع السفراء، الذي عقد في المدينة المذكورة بتاريخ (٦ تموز سنة ١٩٠٦)، يوليو ١٩٠٦.
- ثالثًا: على أساس قرارات مجتمع السفراء الذي عقد بشأن الحروب البحرية في «مدينة لاهاي»، في بلاد الفلمنك بتاريخ (١٨ تشرين أول ١٩٠٧)، أكتوبر ١٩٠٧.
- المادة الثالثة: الغرض من جمعية الهلال الأحمر المصري معالجة الجرحى ومداواة المرضى من الجنود البرية والبحرية في زمن الحرب، وتغذيتهم إذا اقتضى الحال، ثم تخفيف آلامهم بجميع الوسائل الممكنة، ويجوز للجمعية إسعاف عائلات الجنود والبؤساء من المجاهدين.
- المادة الرابعة: تعد الجمعية مستشفيات ثابتة وسيارة بحسب مقتضيات الأحوال، ولها أعداد قطارات برية أو سفن بحرية أو حملة من الدواب، أو غير ذلك من المعدات لنقل الجرحى من ميدان القتال إلى موائلهم.
- المادة الخامسة: يجوز للجمعية في زمن السلم أن تعاون البؤساء من الذين يصابون في مصائب عامة في أنحاء القطر المصري، ويكون ذلك بقرار من المجلس الأعلى.
- المادة السادسة: تعاون جمعية الهلال الأحمر المصري جرحى الجنود الأجنبية المحاربة، وفقًا لأساس معاهدة مدينة جنيف وتعديلاتها الأخيرة، وطبقًا لأحكام قرارات مجتمع السفراء الذي عُقد بشأن الحروب البحرية في (١٨ تشرين أول سنة ١٩٠٧)، أكتوبر سنة ١٩٠٧.
- المادة السابعة: تشتغل الجمعية في وقت السلم بتعليم مأموريها وتدريبهم، وإحضار جميع لوازمهم إذا تراءى لها ذلك، وأن تهيئ المعدات اللازمة لتدريب العمال.
- المادة الثامنة: تتكون أموال الجمعية من الاشتراكات والتبرعات والاكتتابات العمومية، وما يوقف عليها من أهل الخير وغير ذلك.
وتتألف الجمعية من جمعية عمومية، ومجلس أعلى، ولجنة إدارية، ولجنة مالية. وإليك أسماء الكبراء والوجهاء الذين كان المجلس الأعلى يتألف منهم أيام الحرب نقلًا عن قانونها:
دولة البرنس محمد علي باشا | رئيس الجمعية |
دولة البرنس يوسف باشا كمال | نائب الرئيس |
دولة البرنس محمد علي بك حسن | عضو |
سعادة عزيز باشا عزت | وكيل الجمعية |
سعادة حسين باشا واصف | وكيل الجمعية |
عطوفة إدريس بك راغب | سكرتير عام |
عزتلو ميشيل بك لطف الله | أمين الصندوق |
سعادة يوسف سابا باشا | عضو |
فضيلة السيد عبد الحميد البكري | عضو |
سعادة محمد باشا نسيم | عضو |
سعادة محرم باشا جاهين | عضو |
سعادة محمود باشا رياض | عضو |
سعادة صالح باشا ثابت | عضو |
سعادة قليني باشا فهمي | عضو |
سعادة محمد باشا يكن | عضو |
سعادة موسى باشا قطاوي | عضو |
سعادة منصور باشا يوسف | عضو |
سعادة عمر باشا سلطان | عضو |
عزتلو محمد بك أبو شادي | عضو |
عزتلو حنفي بك ناجي | عضو |
عزتلو حسن بك سعيد | عضو |
عزتلو الدكتور محمد بك أمين نظيم | عضو |
عزتلو الدكتور محمود بك ناشد | عضو |
عزتلو الدكتور الميرالاي سليم بك موصلي | عضو |
عزتلو الدكتور علي بك إبراهيم | عضو |
عزتلو الدكتور مدحت بك سامي | عضو ومساعد السكرتير العام |
وإليك أسماء الذين كانت تتألف منهم اللجنة الإدارية:
دولة البرنس يوسف باشا كمال | رئيس |
صاحب السعادة عزيز باشا عزت | وكيل |
صاحب السعادة حسين باشا واصف | وكيل |
عطوفة إدريس بك راغب | عضو |
سعادة محمد باشا نسيم | عضو |
سعادة موسى باشا قطاوي | عضو |
عزتلو ميشيل بك لطف الله | عضو |
عزتلو حسن بك سعيد | عضو |
عزتلو حنفي بك ناجي | عضو |
عزتلو الدكتور محمد بك نظيم | عضو |
عزتلو الدكتور محمود بك ناشد | عضو |
عزتلو مدحت بك سامي | عضو |
أما أعضاء اللجنة المالية فهم:
سعادة موسى باشا قطاوي | رئيس |
عزتلو حسن بك سعيد | عضو |
عزتلو حنفي بك ناجي | عضو |
وبلغ عدد بعثات الجمعية سبعًا، بعضها يُسمى بعثة ميدان؛ أي غير ثابتة، وبعضها ثابت كبعثة بكلربكي، وأخرى لنقل الجرحى والمرضى والمهاجرين كباخرة «البحر الأحمر». والمستفاد من تقاريرها أنها أعانت عددًا عظيمًا من الذين نكبتهم الحرب الطاحنة. ولا ريب في أن جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر والسيدات الكرائم اللواتي تطوَّعن لخدمة الجرحى وإعانة المنكوبين على اختلاف الأجناس والأديان، هم الذين أبقوا على بقية من شرف الإنسانية والمدنية والمروءة التي كادت تقضي عليها فظائع الإنسان في هذا العصر، عصر المادِّيَّات.
ويحسن بنا في عرض الكلام على صنع الخير أن نشير إلى كرام المصريين الذين أرسلوا ما تبرعوا به إلى الأستانة مباشرةً، كصاحبي السعادة محمود سليمان باشا وعلي شعراوي باشا، اللذين أرسل كل منهما مبلغًا وافرًا إلى عاصمة السلطنة العثمانية؛ إسعافًا للجرحى والمرضى، أثاب الله جميع أهل المروءة خير ثواب.
(٢) تعليل هذا التأثير
أمرٌ طبيعيٌّ أن كل إنسان يميل إلى أبناء دينه ويعطف عليهم، والشذوذ لا يقاس عليه، وكل ما رأيناه من عطف المسلمين في أنحاء المعمور على تركيا لا يخرج عن دائرة هذا الأمر الطبيعي الذي سيبقى ما بقيَت الأديان والمذاهب.
وهناك باعثٌ آخر لا يحسن إغفاله، وهو أن رؤية المغلوب ورغبة كثيرين في الإجهاز عليه تدفعان على الغالب أهل الشعور من الناس إلى تعضيده بما تسمح به حالهم. والدولة العلية كما عرف القاصي والدَّاني لم ترَ طالعها سعيدًا في الحرب البلقانية، ولم تجد من الأعوان إلا أفرادًا قلائل من الكُتَّاب الأحرار أو من أهل الخير الذين تنحصر مساعدتهم في معالجة الجرحى والمساكين، بل هي لم تجد من أوروبا إنجازًا لوعدٍ أو حفظًا لعهدٍ، فأي الناس أولى من المسلمين في العطف على الدولة وتلك حالها …؟
وأهم من كل ما تقدم عند أهل الورع منهم ما قاله لنا أحد العلماء المسلمين وهو: «إن المسلم الذي تعلم قواعد دينه يعتقد أن وجود الخلافة واجب كل الوجوب، فلما حدثت معركة لوله بورغاز ثم زحف البلغاريون إلى باب الأستانة اهتز العالم الإسلامي لذاك النبأ الخطير؛ لأن كثيرين من أبنائه خافوا أن توضع مسألة الخلافة المقدسة على بساط البحث عند دخول الأعداء عاصمة السلطنة ومقر الخليفة، ولكن هذا الخوف كان في غير محله.»
«أما قولهم: إن أوروبا عرفت بعد حرب البلقان أن الجامعة الإسلامية التي كان يهول بها عبد الحميد لا توجب خوف الدول، فهو قول يسرنا نحن المسلمين الذين ننظر إلى المستقبل؛ لأن أوروبا التي كبرت أوهامها في هذا الموضوع كانت تظهر الخوف من نجاحنا واجتماعنا لإقلاق بالها، أما الآن فقد عرفت أن المسلم مثلًا يميل إلى أبناء دينه ميلًا طبيعيًّا كغيره، والمأمول بعد زوال هذا الشبح أن تترك أوروبا المسلمين يسيرون في سبيل النجاح الطبيعي.»
وخليقٌ بالمصنِّف أن يعترف هنا بأن المسلمين بمصر لم يأتوا ما يوجب الانتقاد من الوجهة المشار إليها، بل اتبعوا نهج الحكمة والتبصر في إظهار شعورهم، وفي طريقة إعانتهم للسلطنة فوفقوا بين مصريتهم وعاطفتهم الطبيعية.